02-يونيو-2017

زينة هاشم بيك

هذه ترجمة مقال منشور أصلًا باللغة الانجليزية على موقع "ذا هندو"، وهو عبارة عن حوار بين الصحفية والشاعرة الهندية تيشاني دوشي والشاعرة اللبنانية زينة هاشم بيك.


حتى تظهر الثقافة العربية في منأى عن ارتباطاتها الصامتة بالحزن والحرب والنزوح، تكتب زينة هاشم بيك قصائد عن الأشياء العربية باللغة الإنجليزية. إذا كنا نعتقد أن الشعراء تحكمهم الهواجس، فإن هاجس زينة هاشم بيك يتمثل باللغة والمكان. "أكتب باللغة الإنجليزية بذات الطريقة التي أتجول بها في المدن الغريبة - مليئة بضوء الشارع/ بالخيانة، حتى أجد مقهى يتحدث العربية". هذه هي الأسطر الأولى من القصيدة الأولى في أحدث مجموعة شعرية لها "أشد صخبًا من القلوب". تقيم فيه بيك حطامًا تستكشفه وأنت تتجول في أنحاء الكتاب، وتبني جسورًا بين الإنجليزية والعربية، بين الأحياء والموتى. في قصيدة "عشق حبيب غير عربي"، تقول: "أن تُمارس الحب فذلك شيء/ تقول نعم تقول أكثر/ بلغتك، ولكن كيف أترجم أنا/ غضبي العربي، وتغيرات جسدي، تلك الأصوات البرية/ التي تخدش في طريقها للخروج حلقي".

تكتب الشاعرة زينة هاشم بيك قصائد عن الأشياء العربية باللغة الإنجليزية

نشأت زينة هاشم بيك في طرابلس، لبنان، وعندما اجتمعنا في دبي، حيث تعيش حاليًا، تحدثت عن مسقط رأسها كنقطة عودة لا مفر منها. "إن المدينة التي نشأت فيها وقصص النساء من حولي كانت مادتي أدبي الأولى". في قصائدها، طرابلس هي "أم القصص"، "أم بساتين البرتقال"، حيث "الأطفال يبيعون السكاكر والبرازق في الشوارع"، حيث "يبدو أن الأشجار تحمل أجزاءًا بشرية في فروعها".

اقرأ/ي أيضًا: تشارلز سيميك.. ذبابة السيرة الذاتية

في عام 2013 قتل ابن عمتها في شوارع طرابلس، قالت لي إنها بدأت بعد ذلك بكتابة قصائد الحزن، التي لم تكن تشير إلى فقدان ابن عمتها وحسب، بل كانت أيضًا تمتد لتحتوي خسائر أخرى - فقدان الأرض، وفقدان المنازل. لكنها تعبت من كتابة هذه القصائد بعد فترة من الوقت. "لم أكن أريد الحد من الثقافة العربية بكل ما فيها من تضارب وحصرها بلون واحد، وهو لون الحزن والحرب والتشريد. نعم هذه المآسي هناك، لا يمكننا الاختباء منها، ولكن هناك أشياء عربية كثيرة تدعو للاحتفال، وهذا هو ما خلق هوسي بالأغاني العربية".

العديد من القصائد في "أشد صخبًا من قلوب" تشير إلى مغنيي العربية العظماء الذين نشأت زينة على الاستماع إليهم. أسماؤهم أغنية بحد ذاتها: عبد الحليم حافظ، سميرة توفيق، وردة الجزائرية، أم كلثوم. "ألقت الفتيات/ أنفسهن من الشرفات في اليوم الذي مت فيه"، من قصيدة "غزل عن عبد الحليم حافظ". "أنا لم أسمى كوكبًا من عدم/ ... هل رأى الحب سُكرًا كهذا؟/ كل شيء حولي يدور. حتى تابوتي/  حين أبحر في شوارع القاهرة أغلقها لساعات"، من قصيدة "أم كلثوم تتكلم".

إن الاحتفال بالأغنية والمغني هو جزء من مقاومة زينة للمطالبة بجمال العالم العربي الخفي. الكثير من شعرها يتخذ شكلًا حرًا، لكنها كثيرًا ما توظف الغزل [نوع من الكتابة الأدبية المشتركة بين العربية والهندية تقوم على الموسيقى والتكرار والنظم المتسق وغالبًا ما تعالج قضية الحب] وهو ما تقول إنها تأثرت به خلال قراءة الغزل لمارلين هاكر وميمي خالفاتي. إنها تحب القافية والموسيقى ذات النسق المنتظم، الحقيقة أن الغزل يعد شكلًا موسيقيًا في حد ذاته، حيث المحتوى والشكل متضامنان، ولكن أيضًا، يسمح الغزل بالقفز والتنقل بين المقاطع. "اعفني من هذه المدينة المصنوعة من التبر، سوف أصنع من هذه القلعة صحراء، أعود إلى هذا البيت من الشعر والرمال، إلى قلبي".

في قصائدها، تسمّي زينة هاشم بيك مدينة طرابلس بـ"أم القصص" و"أم بساتين البرتقال"

إن سياسة اللغة وغيرها من الأمور تتماشى مع شعر زينة. "استغرق الأمر مني بعض الوقت للتأقلم مع حقيقة أنه من الجيد أن أكتب باللغة الإنجليزية، لا بأس في أن اللغة الإنجليزية أسهل بالنسبة لي. لقد غفرت لنفسي"، تقول لي. وتقول في قصيدة مستوحاة من نيرودا: "يحدث أن أكون متعبة من كوني عربية". وفي أماكن أخرى تقول، "وفر علي هذا الحب العربي للدكتاتور الليلة. اقترب، استمع - وردة تغني".

اقرأ/ي أيضًا: عباس كيارستمي.. ريح الشعر وأوراق السينما

هل تحملك سياسات الهوية عبئًا ثقيلًا؟ امراة، عربية، تكتب بالإنجليزية. "أعتقد أن ما أحاول قوله هو نعم، أنا أكتب باللغة الإنجليزية، ولكني سأكتب عن أشياء عربية بالمطلق، وسنقوم ببناء هذا الجسر، لذا فإن هذا العمل يعد تحديًا، ولشخص لم يسمع قط من أم كلثوم لكنه يقرأ عنها، ربما سيغوص شيء ما فيه إلى ما وراء اللغتين الإنجليزية والعربية".

زينة تكتب قصائد الحب مؤخرًا، وهو ما تعتبره بمثابة تحد لنفسها. "أقول لنفسي، زينة أنك لن تضعي نفسك في تلك الفئة من الكتاب الذي يكتبون عن السياسة في العالم العربي. أنا سعيدة للقيام بذلك، أنا أمارس هذه الكتابة أحيانًا، ولكنني أريد أيضًا أن تزرع الفوضى باستمرار في عقول الشعوب... وربما جزء مني يريد الاحتفال بالجسد والمحبة وحسب. نعم، أنا امرأة عربية. نعم، دعونا ننظر في كل هذا الدمار والحزن حولنا، ولكن أتعرفون ماذا؟ اللعنة دعونا نكتب قصيدة حب أيضًا".

أسأل زينة سؤالًا لطالما سألته لنفسي: هل من شيء في كتابة الشعر يرعبك؟ تضحك. "أنا أفكر في كلمة الرعب". عَلى العكس، تقول. "الشعر يهدئني، ليس بمعنى السلام الداخلي والاتزان وما إلى ذلك، وليس بمعنى العثور على أي إجابات، أعتقد أن الشعر يدور دائما حول الأسئلة، ولكن كتابة وقراءة الشعر تعطيني هذا الشعور آه، هذا الجمال، إنه يوقظني، يجعلني دائمة الالتفات إلى العالم".

قراءة "أشد صخبًا من القلوب" صدمتني بحقيقة أن زينة قد اخترعت لغتها الخاصة، شيء ما بين اللغة الإنجليزية والعربية. هناك ملاحظات في نهاية الكتاب، تقدم تفسيرات لكلمات عربية وردت في النص بتهجئة إنجليزية مثل كلمة شفق العربية. وقصص جانبية، مثل قصة أم كلثوم حين كان والدها يصطحبها للغناء بثياب صبي، ولكن القصائد نفسها تتدفق دون عوائق. حيث يتوقع النص من القارئ أن يفسر، أن يكون أكثر مشاركة في النص من الحبيب غير العربي، أن يتجاوز "كلمات اللعنة والشتائم العربية، كل ما له علاقة ببيروت العربية، والنيل العربي، أسماء الشوارع العربية، وكلمة (يالله) الخاصة بالعرب كتشجيع ومناداة".

في "أشد صخبًا من القلوب" اخترعت زينة هاشم بيك لغتها الخاصة، شيء ما بين اللغة الإنجليزية والعربية

في بعض الأحيان أثناء كتابة قصيدة، أتوقع أن أصل إلى شيء ما يصدمني، شيء لا يمكن أن أفهم تمامًا كيف وصلت إليه، وكيف انتهى بي الأمر هناك. أثناء قراءة قصائد زينة شعرت ذلك كثيرًا. شعور كشف، شعور ضرورة  لحاجة ملحة. 

اقرأ/ي أيضًا: ديريك والكوت: أنا الكاريبي أو لا أحد

روت لي زينة كيف أنها في وقت سابق من هذا العام، في شقة أحد الأصدقاء في فيلادلفيا، وبين يديها نسخة القارئ المتقدمة من هذا الكتاب، وعندما كانت تقلب في الصفحات جرفتها مشاعر انسابت مع الحزن في الكتاب. "كان علي الجلوس على الأرض والبدء في البكاء. "يا إلهي، إنه طفلي، كتابي ينشر،" لا لم يكن ذلك، ولكن لأنني أبحرت في بعض القصائد وقلت لنفسي، اللعنة، أنا رويت هذه القصص، هذه القصص حدثت بالفعل، وهذا كله يحدث الآن. ابن عمتي مات، وعمتي في حداد، يا إلهي ما الذي يحدث في سوريا؟ أنا لا أعرف لماذا حدث ذلك، ولكن إذا عجزت القصيدة عن هزك بهذه الطريقة فإنها لم تود وظيفتها، ما أحاول أن أقوله هو أن هذا الكتاب كسر قلبي وقد أدركت ذلك فقط عندما ضممته بين يدي. وهذا جزء من إرهاب الشعر الجميل".


عشق حبيب غير عربي

لا أستطيع أن أحبكَ، كما ترى، على الرغم من
أنني بالفعل أحبّك. قريبًا سيكون قد فات الأوان وقد عم الظلام،
حتى في منتصف النهار، وسوف أنسى
لغتي الإنجليزية. ممارسة الحب شيء
تقول نعم تقول أكثر
بلغتك، ولكن كيف سأترجم
غضبي العربي، تحولات جسدي، تلك الأصوات البرية
التي تخدش في طريقها للخروج حلقي،
الأمر الذي ستجده أنت مثيرًا وحسب؟
ونعم أعرف أنك يمكن أن تتعلم
الفيروزيات وأم الكلثوميات،
كلمات اللعنة والشتائم الخاصة بالعربية،
كل ما يتعلق ببيروت العربية، والنيل العربي،
أسماء الشوارع العربية وكلمة يالله الخاصة بالعربية. ولكن ماذا سيحدث عندما
أبدأ أنا في فقدان هذه اللغة الإنجليزية التي لطالما دربت نفسي عليها؟
أنا بالفعل مسنة وأمشي في ممرات معتمة،
أهمس بأشياء لا أستوعبها
بلغة لا تفهمها،
بينما أشعة شمس يوم الأحد تسقط على الموائد الطويلة
تحت ظلال كروم العنب ورائحة
اللحوم النيئة والعرق. سوف تشعر بالملل
من كل هذه الأغاني التي تدخل "الدبكة"
إلى رأسي، "ولك أوف أوف أوف"
لا تنعتني بالقاسية،
قل إنني أحب لغتي أكثر من حبي
لحبيبي. لكنني لا أفعل، ألا ترى؟
إنني متعبة من الآن وأنت منذ الآن
تخطئ في الترجمة.

بعد الانفجارات

  • طرابلس، لبنان، آب/ أغسطس 2013

بعد الانفجارات، صرت أحلم بالرماد.
كل شيء رمادي، حتى أغطية أقلام الرصاص للأطفال.
سبتمبر ولعبته مع الضوء والاحتمالات
انفجر دون أن يلاحظه أحد. ابن عمتي الميت
يأتي الي مبتسمًا، يحاول قرصي، يضحك.
بعد يومين من الانفجارات، عثروا على ببغاء الصيدلية
الذي لم يكن يهدأ أبدًا على قيد الحياة؛
إنه لا يتكلم، ولكنه يموء من وقت إلى آخر.
يطلق صاحبه النكات، "هذا البلد سوف يعلمه أن
ينبح قريبًا". ويبدو أن الأشجار تحمل
أجزاء بشرية في فروعها.
بعض المصاعد قفزت من أماكنها
مثل قلوب خائفة. أحاول ألا أفكر
في الأطفال الثلاثة الذين لقوا حتفهم
محتضنين بعضهم البعض في سيارة، بعد يوم على الشاطئ.
أمر بذهني محاذاة الشرفات المهدمة،
في منزل صديقي المحطم، أحدق في الإطار
لا يزال معلقًا على حائط متصدع: قارب صيد، في بحر هادئ
المتطوعون يجتاحون الشوارع، الطفل
الذي يبيع العلكة يساعدهم. الناجي
برقعة على عينه يقول إن صوت الانفجارات يشبه مطر الزجاج.
عمتي تغني وداعًا لابنها من النافذة،
على مبعدة، الطربوش الأحمر على التابوت
منديلها الأبيض، يطير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رباعيات الخيام وتشكيل العلمانية الغربية

الشعر السوري في الشتات: قراءة في رؤى نقدية (1- 2)