20-أغسطس-2017

شوقي شمعون/ لبنان

الشعر على الفيسبوك سهل، سهل لا بما يحمل، بل سهل بوسائل إنتاجه نفسها، ذلك أن الأمر لايتطلب سوى: كيبورد والمستقطع من الوقت، وكل الوقت مستقطع من الزمن، فالبطالة كريمة، سخية. وليست مجازفة كبيرة أن يكون في المنال محاكاة من سبق من الشعراء الذين باتوا بالضرورة مغمورين بأصدائهم.

ليس زمن الشعر اليوم هو زمن المتنبي وقد اتكأ على سيفه ومات من أجل القصيدة

هكذا تصبح شاعرًا ما بين ليلة وليلة، وقد لا يتطلب الأمر كل هذا الوقت، فالحائط واطئ، والمتقافزون لا يملون، والفيسبوك يتسع للجميع، وبهذا ما الذي يمنعك من أن توقّع "شاعر"؟

اقرأ/ي أيضًا: الفلسفة والأدب.. سردية حب معلن

هذا حال القصيدة، السهلة، المباحة، كما كل ما عداها سهل ومباح سوى إعمال ما يحرّك التاريخ، أو يحرّك اللحظة، أو يحدث شيء ما في مجرى النهر. هو الاستسهال في الزمن الصعب.

الأمر فعلًا كذلك، فليس زمن الشعر اليوم هو زمن المتنبي وقد اتكأ على سيفه ومات من أجلها، أعني القصيدة.. وليس زمن السيّاب حيث تنفيه القصيدة ليكون مشروع المنتحر، وليس ماياكوفسكي ذلك الذي زرع قصيدته في دمه فهدرت القصيدة دمه.

هي قصيدة "البوست" و"التشات". قصيدة تطبيق بنت بلهاء أو تسعى إلى البلاهة. قصيدة استبدال غياب الشخص بحضرة غياب القصيدة وحضور الكلمات والأصوات وتلاشي المعنى والموسيقى ليحل الخواء مكان الخواء. ويصير الشعر سيركًا لخفةٍ لا تحتمل.

بين الغياب والغياب، تاهت المعاني، واختلط الوحل بالنبيذ، وبتنا نسمع مع كل ضغطة زر من أزرار الكيبورد شاعرًا، مرة يوطدّه اتحاد كتاب عرب، ليس فيه كاتب، اللهم إلا كاتب تقارير أمنية، ومرّة تورده معارضات تلهث لتصنع أيقونات من طحين، والطحين لن يكون ذلك الطين المحروق الذي ولد من احتراقاتنا، وتاهت القصيدة، ولم لا؟ وكأنها وحدها التائهة، وكأنها وحدها المشوهة، وكأنها وحدها المولودة من اللاشيء!

هل الحوائط واطئة ليقفز عليها السياسي؟ ليقفز عليها رجل البزنس المرابي أو النصّاب؟ ولتقفز عليها عشيرة "الشاعر" وشلته؟ لأن كل ما تبقّى واطئ استوطأنا جدار القصيدة، وكنا ذات يوم نصغي بملء الحب، الموت، الافتتان.. لدرويش والنواب وقبلهما للسياب وفي زمن أبعد بألف قلب كان المتنبي، وعنترة، والمعري.. وكنا نهدي قصائدهم عقدًا لعشيقات ما أن يقرأن حتى ينجبن.

هو زمن أطفال الأنابيب.. شعراء الأنابيب.. حكام الأنابيب.. معارضات الأنابيب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نار الكتابة وماؤها

الشعر روح الرفض في زمن الاستبداد