22-يوليو-2019

تسيطر روسيا على بنية المؤسسة الأمنية في النظام السوري (رويترز)

تغييرات في أجهزة النظام السوري الأمنية وصفت بالأكبر؛ منذ تفجير مبنى الأمن القومي وهو ما عُرف بتفجير "خلية الأزمة" في العاصمة دمشق، في تموز/يوليو من العام 2012، وأدى إلى مقتل وزير الدفاع داود راجحة ونائبه آصف شوكت ورئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار ورئيس خلية إدارة الأزمة حسن تركماني وإصابة وزير الداخلية محمد الشعار.

تنظر تقارير إلى التعيينات والتغييرات في المستويات العليا للمؤسسات العسكرية والأمنية للنظام السوري، كنتيجة للضغط الروسي، مرجحة أن تسعى موسكو بالفعل إلى تغيير المؤسسات الأمنية السورية وتقليص النفوذ الإيراني

التعديلات التي شملت قيادات فرع المخابرات "الجوية"، وفرعي أمن "السياسية"، و"الدولة"، و"الأمن الجنائي"، وضعها مراقبون في سياق التطور السياسي الذي يشهده الملف السوري إضافة لصراع بين روسيا وإيران على مد أذرعها في بنية النظام السوري الأمنية.

اقرأ/ي أيضًا: اللجنة الدستورية قيد الإنجاز.. هل سيكون لبشار الأسد مستقبل سياسي؟

عملت إيران في السنوات الماضية على تقوية نفوذها العسكري والأمني في سوريا من خلال الحرس الثوري ونشر الميليشيات الأجنبية التابعة لها، كما شكلت ميليشيات محلية في محاولة لاستنساخ حزب الله اللبناني، حيث يتفوق النفوذ الإيراني على الأرض في سوريا على نفوذ نظام الأسد وروسيا.

روسيا.. تدخل عسكري وأمني وسياسي

بعد تدخل روسيا عسكريًا في سوريا في أيلول/سبتمبر عام 2015 لصالح نظام الأسد، وإدارتها للملف السوري في المحافل الدولية، تدخل الروس في كانون الثاني/يناير من العام 2018 في إعادة هيكلة وزارة الدفاع ورئاسة الأركان. وأشارت تقارير صحفية إلى أن"التغييرات شملت أكثر من 150 ضابطًا بعضهم من أصحاب القرار في الجيش، وفي موقع المسؤولية عن عمليات عسكرية مباشرة في محيط دمشق. وتم نقل عشرات الضباط إلى المبنى المجاور لقيادة الأركان، المخصص منذ عهد حافظ الأسد للضباط غير المرغوب بهم، أو أولئك الذين استغنى عن خدماتهم".

متّن الروس علاقتهم بشعبة المخابرات العامة (أمن الدولة) التي كانت برئاسة ديب زيتون والذي أقيل مؤخرًا من منصبه والمعروف بعلاقته الجيدة مع موسكو منذ عهد حافظ الأسد، وكان من إحدى مهام أمن الدولة "حماية الضباط والمُستشارين الروس خلال جولاتهم في دمشق وريفها، مع تقديم السيارات لاستخدامها في تنقلاتهم ضمن المنطقة، وفرز عشرات العناصر الخاضعين لدورات تدريبية خاصة، لحماية الضباط والوفود الروسية في دمشق".

أما على الصعيد السياسي فقد استخدمت روسيا حق النقض "فيتو" في مجلس الأمن 12 مرة لحماية النظام، 6 مرات أوقفت فيها قرارات تتعلق باستخدام النظام للسلاح الكيماوي. وتضغط روسيا على الأسد لتنحية الشخصيات التي صدرت بحقها مذكرات توقيف دولية ومتهمة بارتكاب جرائم حرب خلال السنوات الماضية، استعدادًا للدخول في عملية سياسية.

ويربط مراقبون هذه التغييرات بالتطورات الأخيرة التي طرأت على الملف السوري، ومنها الإعلان عن قرب تشكيل اللجنة الدستورية، وقمة القدس الأمنية الثلاثية بين (روسيا وأمريكا وإسرائيل)، التي تمحورت في جزء منها على تقليص نفوذ إيران في سوريا تمهيدًا لطردها. وقالت مصادر معارضة للأناضول، إن التعيينات الجديدة تمت بتعليمات من موسكو وبموافقة من طهران.

التغييرات تطال مبتكر البراميل المتفجرة

طالت التغييرات الأخيرة اللواء جميل الحسن صاحب فكرة البراميل المتفجرة، ورئيس جهاز المخابرات الجوية، التي كان لها دور رئيسي في قمع المتظاهرين وتنفيذ عمليات القتل تحت التعذيب في معتقلات الأسد، وحل محل "الحسن" ، اللواء غسان إسماعيل الذي ينحدر من محافظة طرطوس.

وعيّن النظام اللواء حسام لوقا رئيسًا للمخابرات العامة أمن الدولة، وهو وفق مصادر إعلامية معارضة من أصول شركسية وينحدر من بلدة خناصر جنوب شرقي مدينة حلب. وبذلك استبعد اللواء محمد ديب زيتون من منطقة القلمون، والذي كان له دور كبير في البطش بالمتظاهرين السلميين، كما كان العراب لعمليات المصالحات التي مكّنت النظام من السيطرة على مناطق المعارضة. كما عيّن النظام اللواء ناصر العلي رئيسًا لشعبة الأمن السياسي، وهو من عشيرة الحديديين العربية من قرى منبج.

وكان قد شغل منصب رئيس الأمن السياسي في حلب قبل الثورة، ثم رئيس الأمن السياسي في درعا خلفًا لعاطف نجيب ابن خالة بشار الأسد، والذي ساهمت معاملته السيئة لأهل درعا في انتفاضتهم في وجه نظام الأسد في العام 2011. وانتقل اللواء ناصر ديب المتحدر من مدينة القرداحة من منصب نائب رئيس شعبة الأمن السياسي إلى منصب مدير إدارة الأمن الجنائي. كما حل ناصر علي، الرئيس السابق لفرع الأمن السياسي في حماة رئيسًا لشعبة الأمن الجنائي بدلًا عن صفوان عيسى، بينما عين اللواء غسان جودت بدلا عن اللواء جميل الحسن على رأس إدارة المخابرات الجوية.

وحسب مصادر وكالة الأناضول، وقع تعيين رئيس مجلس الأمن القومي علي مملوك نائب بشار الأسد للشؤون الأمنية، وحل بدلًا عنه في رئاسة مجلس الأمن القومي مدير المخابرات العامة محمد ديب زيتون.

مجرمو حرب

أصدرت النيابة العامة الفرنسية والألمانية العام الماضي مذكرات توقيف بحق ثلاثة مسؤولين أمنيين في نظام الأسد في مقدمتهم علي مملوك وجميل حسن واللواء عبد السلام محمود المكلف بالتحقيق في إدارة المخابرات الجوية في سجن المزة العسكري في دمشق، بتهم تعذيب المعتقلين والقتل تحت التعذيب في سجون النظام.

وتعقيبًا على التغييرات الأخيرة قالت المحامية التركية غولدان سونمز، إن التغييرات التي أجراها النظام السوري في قياداته الأمنية، لن توقف الملاحقة القانونية بحقهم باعتبارهم مجرمي حرب. وحسب ما علمت "الأناضول" من مصادر محلية، فإن التغيرات جاءت في محاولة من النظام لتلميع صورته، عبر إقالة شخصيات متورطة في جرائم حرب، مثل استخدام الأسلحة الكيمائية والإخفاء القسري والتعذيب وغيرها.

وفي تصريح للأناضول، قالت سونمز، وهي واحدة من مجموعة المحامين الذين رفعوا قضية ضد نظام بشار الأسد أمام "الجنائية الدولية" متهمين إياه بارتكاب "جرائم حرب"، إن بعض الأسماء التي تمت إقالتها من مناصبها موجودة في قائمة مرتكبي جرائم الحرب التي عرضوها على المحكمة. ولفتت سونمز إلى أن القائمة التي قدموها تضم 17 اسمًا من كبار قادة الصف الأول في النظام، وسيضاف إليها عدد كبير من قادة الصف الثاني وما دون ذلك.

وأكدت أن "إقالة هؤلاء لا يعني أنهم سيتخلصون من الملاحقة القانونية على الجرائم التي ارتكبوها"، مصيفةً أن محكمة الجنايات الدولية وغيرها من الآليات الحقوقية العالمية، تواصل العمل على هذه القضية. وأشارت سونمز إلى أن لديهم توكيل من ألف و183 شخصًا (533 امرأة و550 رجلًا)، بينهم أطفال جرحى، ونساء تعرضن للاغتصاب والتعذيب، وآخرون بُترت أعضاؤهم جراء القصف.

عهد جديد في سوريا برعاية روسية

تشير تقارير صحفية إلى أن تعيين الضباط القريبين من التقاعد جزء من رؤية روسيا لتجديد الأجهزة الأمنية، وكسر تقاليد النظام قديمة العهد المتمثلة في إبقاء كبار الضباط في السلطة لسنوات، أو حتى عقود. ويضيف موقع "آسيا تايمز" في تقرير أنه "يتم إرسال أولئك الذين قاتلوا خلال السنوات الثماني الماضية إلى ديارهم بكل أسرارهم، لإفساح المجال لجيل جديد. في هذا العصر الذي تقوده روسيا، ستكون فترات الضباط قصيرة، وكذلك لحظات المجد".

ويلفت التقرير أن كلا من جميل الحسن وسهيل الحسن (قائد قوات النمر) مؤيدين لروسيا، ولهما تنسيق صغير جدًا في ساحة المعركة مع الإيرانيين. وكذلك خليفة جميل الحسن والنائب السابق غسان إسماعيل، وهو ضابط من بلدة دريكيش، شرقي طرطوس. ويرى التقرير أن استبدال جميل الحسن تغيير بسيط؛ فهو ضابط متشدد مدعوم من روسيا يحل محله ضابط متشدد آخر مدعوم من روسيا. مشيرة إلى أن الانتقال كان سلسًا،  بالكاد شعر به في المخابرات الجوية.

كما أن تعيين اللواء حسام لوقا كرئيس لأمن الدولة خلفًا للواء ديب زيتون، الذي شغل هذا المنصب منذ عام 2012، صدر عن موسكو، فمعظمهم مؤيدون لروسيا حتى العظم. آخر التعيينات هو اللواء ناصر ديب، الذي أصبح مدير الأمن الجنائي، التابع لوزارة الداخلية. (ديب) أيضًا اختيار روسي كذلك وهو دليل على مدى عمق عملية اتخاذ القرار الروسي داخل قطاع الأمن في سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: خطة إعادة إعمار سوريا.. منفعةٌ للحلفاء وإمعانٌ في التمييز والاضطهاد

كذلك تنظر مواقع إعلامية أمريكية إلى التعيينات والتغييرات في المستويات العليا للمؤسسات العسكرية والأمنية للنظام، كنتيجة للضغط العسكري الروسي على دمشق. مرجحة أن تسعى موسكو بالفعل إلى تغيير المؤسسات الأمنية السورية وتقليص النفوذ الإيراني في البلاد. لكنها تدعو إلى عدم المبالغة في تقدير الدور الفعلي لروسيا، فربما ترتبط التغييرات في كثير من الأحيان بجهود نظام الأسد لإعادة توزيع السلطة، وربما لإرسال إشارات إيجابية إلى الغرب وسط خلافات بين حلفاء الأسد.

عملت إيران في السنوات الماضية على تقوية نفوذها العسكري والأمني في سوريا من خلال الحرس الثوري ونشر الميليشيات الأجنبية التابعة لها، كما شكلت ميليشيات محلية في محاولة لاستنساخ حزب الله اللبناني

ويربط التقرير بين إقالة جميل الحسن والعلاقات بين النظام السوري وإيران وإسرائيل، بسبب نتائج المفاوضات التي استغرقت أربع ساعات بين الضباط الإسرائيليين وقادة الأمن السوريين، بوساطة روسية  في أواخر حزيران/يونيو الماضي في القنيطرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما قبل الرقة وما بعدها.. موتٌ واحد 

داعش من "الدولة" إلى العصابة.. انحسارٌ مركزي وتمدد شبكي