19-يوليو-2019

لا تزال بنود في مشروع اللجنة الدستورية تحت الخلاف (أ.ف.ب)

انطلق المبعوث الأممي الخاص بالملف السوري غير بيدرسن، من موسكو مرورًا بالعاصمة السورية دمشق وصولًا إلى أنقرة، حاملًا في جيبه عقدة اللجنة الدستورية وقد قاربت على الحل، بحسب آخر تصريحات نقلتها وكالة رويترز عن بيدرسن عقب اجتماعه مع مسؤولين من نظام الأسد في مقدمتهم وزير الخارجية وليد المعلم.

يرى مراقبون أن الدستور السوري لم يكن المشكلة بين المعارضة ونظام الأسد، وإنما احتكار بشار الأسد لجميع سلطات البلاد وما عقب الثورة السورية عام 2011 من عمليات قتل واعتقال وتهجير نفذتها قوات النظام وأجهزته الأمنية

بيدرسن أعلن من دمشق عن قرب التوصل لاتفاق حول تشكيل اللجنة الدستورية، وأضاف: "أعتقد أننا حققنا تقدمًا كبيرًا للغاية ونحن بصدد الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية". ورغم ذلك تتباين أهداف المعارضة السورية والنظام من تشكيل اللجنة، إذ تشدد المعارضة على ارتباطها الوثيق بالقرار الأممي 2254 الذي لم يعترف به نظام الأسد منذ إقراره عام 2015.

اقرأ/ي أيضًا: خطة إعادة إعمار سوريا.. منفعةٌ للحلفاء وإمعانٌ في التمييز والاضطهاد

في هذا السياق، قالت وزارة خارجية النظام في بيان إن المحادثات مع بيدرسن حول تشكيل اللجنة الدستورية شهدت تقدمًا كبيرًا، لكن الوزارة جددت تأكيد موقفها السابق بأن اللجنة الدستورية ينبغي أن تكون شأنًا سوريًا صرفًا، غاضة بذالك الطرف عن الدور الروسي الرئيسي فيها إضافة لتركيا وإيران.

روسيا عرابة اللجنة الدستورية

روسيا التي ببدو من مصلحتها تشكيل اللجنة الدستورية قبل أي حديث عن مقررات مؤتمر جنيف وقرار مجلس الأمن 2254 الخاص بسوريا، بحثت الشهر الجاري ملف اللجنة الدستورية مع رئيس منصة موسكو "للمعارضة" السورية قدري جميل المقرب من روسيا وسابقا نظام الأسد قبل أن يغادر البلاد ويقيم في موسكو.

اللقاء أداره المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف. وقالت الخارجية الروسية في بيان عقب الاجتماع إنه "جرى خلال اللقاء تبادل الآراء حول تطور الأوضاع في سوريا وحولها مع التركيز على قضية التسوية السياسية وفقًا لمقررات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي وبنود القرار الأممي 2254".

وكانت روسيا قد طرحت تشكيل لجنة دستورية تصوغ دستورًا لسوريا خلال ما أسمته مؤتمر الحوار الوطني في مدينة سوتشي الروسية عام 2018 والذي شاركت فيه الدول الضامنة لاتفاق أستانا (روسيا وتركيا وإيران)، وسط مقاطعة من الفصائل العسكرية وهيئة التفاوض السورية، إلا أن موسكو استقطبت عددًا من الشخصيات المعارضة مثل رئيس الحكومة السورية المؤقتة السابق أحمد طعمة، و"معارضون" من الداخل السوري مقربون من النظام.

اللجنة الدستورية ومصير الأسد

تركزت عُقدة اللجنة الدستورية التي قاربت على الحل، حول حصة المجتمع المدني من "اللجنة" والتي تتألف من 150 عضوًا من النظام والمعارضة والمجتمع المدني، وهو الثلث الأخير المطلوب لإقرارها، إذ سعى النظام السوري للهيمنة على هذا الثلث المؤلف من شخصيات مستقلة ومدنية، رغم أن اختيارهم أوكل للمبعوث الأممي إلى سوريا. وكان من المفترض الإعلان عن التشكيل بحلول منتصف كانون الأول/ديسمبر في اجتماع بجنيف بين المبعوث الأممي السابق استيفان دي ميستورا ووزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، لكن المحادثات لم يتبعها بيان نهائي.

كما اتضح فيما بعد، كانت الأمم المتحدة غير راضية عن ستة أسماء في قائمة المجتمع المدني، بسبب اشتباهها في أن لها علاقات وثيقة للغاية مع النظام. في ذلك الوقت استقال دي ميستورا وتولى بيدرسن مهتمه الشاقة واستغرق الأمر ستة أشهر أخرى للتوصل إلى حل وسط.

ونقلت صحيفة العربي الجديد عن مصدر روسي أن الاتفاق ينطلق من أن "النظام وموسكو سيسميان شخصيتين للجنة الدستورية، فيما يسمي بيدرسن الشخصيات الأربع الباقية، نتيجة مشاوراته مع أطراف مسار أستانة والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن".

وأوضح المصدر أن "الانتهاء من عقدة اللجنة الدستورية يأتي في إطار مقاربة روسية للتسوية السياسية في سورية، تتضمن المضي نحو صوغ الدستور، وبحث الفترة الانتقالية وقضايا الحكم المستقبلي، مع ضمان عدم قيام الأطراف الخارجية بمحاولة تغيير النظام بالقوة، وضمان وحدة الأراضي السورية والوصول إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية من سورية".

ويرى مراقبون أن الدستور السوري لم يكن المشكلة بين المعارضة ونظام الأسد، وإنما احتكار بشار الأسد لجميع سلطات البلاد وما عقب الثورة السورية عام 2011 من عمليات قتل واعتقال وتهجير نفذتها قوات النظام وأجهزته الأمنية، كما أن المباحثات الأخيرة لم تتطرق إلى مصير الأسد بل أشارت إلى انتقال سياسي وعن انتحابات رئاسية قد يكون الأسد أحد المرشحين فيها، وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قد قالت تعليقًا على هذه النقطة "لا، هذا الأمر ليس موضوعًا للتفاوض، ومسألة رحيل الأسد باب مغلق بل سبق وطوى الجميع هذه الصفحة".

ملفات غير قابلة للتفاوض.. بناء الثقة

تشدد المعارضة السورية على مواضيع غير خاضعة للتفاوض مثل ملفات المعتقلين، والمساعدات الإنسانية لمخيمي الركبان والهول ووقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد شمال غرب سوريا، وحول ذلك قال رئيس هيئة التفاوض السورية نصر الحريري، إن "النوايا الإيجابية من قبل الروس أو النظام لا يستقيم الحديث عنها بعد كل الجرائم التي ارتكبت وترتكب في بلدنا ولو كان لدى النظام وداعميه رغبة جادة في حل من أجل سورية والسوريين لبادروا إلى إطلاق سراح المعتقلين وأوقفوا قصف المدنيين، وذهبنا إلى طاولة مفاوضات حقيقية تلبي طموحات السوريين".

وتابع في تغريدة على تويتر عقب لقائه مع بيدرسن: "في لقائنا مع السيد غير بيدرسن ناقشنا الوضع في الشمال وضرورة وقف إطلاق نار شامل في سورية تهيئة لعملية انتقالية سياسية حقيقية وجهود الأمم المتحدة لإحياء العملية السياسية والانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية. وواضح أنه تم تجاوز وحل العديد من النقاط المتعلقة بالأسماء الستة والقواعد الإجرائية".

بينما علقت المعارضة السورية على اجتماع  الحريري مع بيدرسن في أنقرة بالقول "إن بيدرسن أكد لهيئة التفاوض، أن رئاسة اللجنة الدستورية ستكون مشتركة بين النظام والمعارضة، وأنه تم الانتهاء من 80 في المئة من القواعد الإجرائية، في حين يتم التفاوض حاليًا حول القسم المتبقي من إجراءات لوجستية وغيرها".

هل تتوافق اللجنة الدستورية مع القرار 2254؟

القرار 2254 الخاص بسوريا والصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2015 هو مشروع قرار أمريكي يعتمد بيان جنيف والقرارات ذات الصلة، ويدعو النظام والمعارضة للشروع في مفاوضات رسمية بشأن مسار الانتقال السياسي في كانون الثاني/يناير 2016 ووقف إطلاق النار، وتشكيل هيئة حكم سياسي غير طائفية لا تقصي أحدًا وإجراء انتخابات حرة ونزيهة خلال 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة ومن ثم صياغة دستور سوري جديد في عضون ستة أشهر.

المعارضة السورية حاولت إنجاز مبدأ الانتقال السياسي قبل بدء المباحثات حول تشكيل اللجنة الدستورية وفق بيان "جنيف 1" والقرار 2254، واللذين يؤكدان على إنشاء هيئة حكم انتقالية تضع دستورًا للبلاد خلال المرحلة الانتقالية، لكن محاولتها باءت بالفشل، واضطرت للقبول بمناقشة الدستور الدائم تحت ضغوط إقليمية ودولية.

اقرأ/ي أيضًا: المأساة السورية وأوهام الحل السياسي

وفي حين تسعى المعارضة السورية لإلغاء دستور عام 2012 الذي منح الأسد صلاحيات مطلقة، وصياغة دستور جديد يقضي على الديكتاتورية ويؤسس لنظام برلماني، يصر النظام على أن مهمة اللجنة الدستورية مناقشة الدستور الذي فصله الأسد على مقاسه.

لم تتطرف المباحثات الأخيرة بشأن اللجنة الدستورية إلى مصير الأسد بل أشارت إلى انتقال سياسي وعن انتحابات رئاسية قد يكون الأسد أحد المرشحين فيها

أما واشنطن صاحبة مشروع القرار 2254 والتي كانت غائبة عن ملف تشكيل اللجنة الدستورية، فانتقدت نهاية الشهر الماضي جهود المبعوث الأممي غير بيدرسن رغم تصريحاته المتفائلة معتبرة أن الوقت حان ليتخلى بيدرسن عن هذا الملف، و قال نائب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة جوناثان كوهين: "حان الوقت لكي ندرك إن هذا الملف لم يتقدم وأنه لا يزال بعيد المنال، لأن هذا هو ما يريده النظام".

 

اقرأ/ي أيضًا:

خرائط موسكو في ملف "إعادة إعمار" سوريا.. هنا طهران بعيدًا عن الجولان

الاستيطان الطائفي من لبنان والعراق.. خطة إيران لشقلبة ديموغرافية سوريا