28-أغسطس-2023
منتا

باتت الثقافة الكورية مؤخرًا محطًا لأنظار كثير من العرب نتيجة لانتشار الأفلام والأغاني الكورية عالميًا.

"أنيونق هاسيو!"

هذا أول ما قالته البروفيسورة عند دخولي للمرة الأولى لمحاضرة المساق الأساسي للغة الكورية. كرّرتها عدّة مرات مع انحناءةٍ خفيفة حتّى أدركتُ أنها تعني "مرحبًا بك". ترحيب خفف الكثير عن طالبة كانت تطمح للدراسة في تخصص آخر لكن طبيعة نظام القبول في الجامعات الأردنية جاءت بها إلى تخصص لم يكن ليخطر لها على بال.

لم أكن أعرف مسبقًا بوجود تخصص اللغة الكورية في الأردن، ولكن اسُتحدِث تخصص برنامج بكالوريوس مزدوج في الجامعة الأردنية في عمّان، باللّغتين الكورية والإنكليزية في مطلع الفصل الدراسي الأول من العام الجامعي 2006/2007 معتمدًا على كادرٍ توفره كل من الوكالة الكورية للتعاون الدّولي (KOICA) والمؤسسة الكورية، كما  تطرح جامعة اليرموك اللغة الكورية متطلبًا اختياريًا لطلابها.

كان إقبالُ الطّلبة على هذا التخصّص كبيرًا وغير متوقع، إذ يدرس فيه حاليًا 89 طالبًا وفقًا لموقع الجامعة الأردنية. ومن اللافت للانتباه أنّ نسبة انتساب الطالبات إلى كلية اللغات الأجنبية، عمومًا، وبتخصصات اللغات المزدوجة، خصوصًا، أكبر من نسبة الطلّاب الذكور، على نحو ملحوظ، الأمر الذي يدفع بالطلاب إلى إطلاق اسم "كلية البنات" على كلية اللغات الأجنبية. 

يقبل العشرات كل عام على اختيار تخصص اللغة الكورية في الأردن، ويلاحظ أن معظم مرتادي تخصصات اللغات هم من الفتيات. 

تختلف الأسباب التي تدفع الطلاب إلى دراسة تخصص اللغة الكورية من طالبٍ لآخر؛ فمنهم من أراد الالتحاق بهذا التخصص متأثرًا بالدراما الكورية والفرق الغنائية أو ما يطلق عليه الكيبوب (K-pop)، والتي فتحت بابًا واسعًا على الثقافة الكورية، ومِن الطّلبة من يهوى تعلم اللغات عمومًا والاطلاع على ثقافات أخرى، كما أن هناك من تتملّكه الرغبة في الدراسة في كوريا الجنوبية، أو العمل فيها، ولا سيما أن اللغة الكورية بالغة الأهمية بالنسبة لمن يرغبون في الانخراط في الاقتصاد الكوري الذي يحتل المرتبة الـ 15 عالميًا. 

تقول سارة: "وجدت نفسي أميل لتعلّم اللغة الكورية بعد أن تعمّقت في عالم الدراما الكورية والكيبوب إذ كنت أشعر أن ترجمة المسلسلات والأغاني غير مقنعة وتبدو قصيرة مقارنة بما كنت أسمعه بالكورية، فشعرت بالحاجة لتعلم اللغة أكثر."

في حين تقول مها إنها كانت ترغب في دراسة التغذية،"ولكن ما دفعني إلى اختيار تخصص اللغة الكورية هو محاولات أسرتي الملحّة لإقناعي بذلك لارتفاع احتمالية زيادة فرص العمل المتعلقة به في الأردن في المستقبل القريب رغم ندرتها حاليًا."

مدخل إلى ثقافة 

يعتمد الأساتذة الكوريون في العادة على لغة الجسد لإيصال المعنى للطلاب بصريًّا وسمعيًّا. كما أن الكادر التعليمي كله تعد اللغة الكورية لغته الأم، ويلتزم الأساتذة الكوريون بالبروتوكول المتبع في كوريا سواء في الحوار أو النقاش أو طلب المشاركة الصفية، وهو ما يدفع الطلاب إلى التأقلم بسرعة وعفوية مع بعض المظاهر الثقافية، فترى الطلاب ينحنون عند التحية ويستخدمون كلتا اليدين لدى تناول شيء ما من الأساتذة مثلًا.

منتال

إصرار الكادر التعليمي على فرض المظاهر الثقافية المتبعة في كوريا على الطلاب الأجانب يساعد الطلاب كذلك على فهم التاريخ والأدب الكوريين وإدراك سياقاتهما. كما يدرس الطلاب أنواع الديانات التي يعتنقها الكوريون، كالشامانية، والكونفوشيوسيّة، والبوذية، وتعتمد الدراسة على المناهج الدّراسية المعتمَدة في الجامعات الكوريّة، ناهيك عن وجود غرفة مخصصة لإقامة النشاطات والفعاليات الثقافية المختلفة.

يتفق أغلبية الطلبة على أن تعلّم اللغات عمومًا، وتعلم الكوريّة خصوصًا، كان له تأثير إيجابي كبير، فمن كان لا يتقبل الثقافات الآسيوية وغيرها من باب عدم التعرّض لها مسبقًا أصبح أكثر انفتاحًا لتقبل العديد من الأمور التي قد تكون مختلفة أو غريبة عن الثقافة العربيّة.

تقول زينة:"لم أكن يومًا من متقبّلي الثقافة الآسيوية إلى أن اضطررت إلى تعلم اللغة الكورية، فبعد دراسة الأدب الكوري، وتاريخه، وثقافته أصبحت أتقبله شيئًا فشيئًا، حتى وجدت تغييرًا واضحًا في طريقة تفكيري ونظرتي إلى الأمور وتقييمي للآراء المختلفة وتقبّلي لها".

غير أن كثيرًا من الطلاب يشتكون من أن التأسيس الفعلي لتلقّي أساسيات اللغة الكورية لا يستمر أكثر من 3 فصول جامعيّة، إذ يترك الطالب ليعتمد في الدراسة على نفسه كليًا بعد ذلك. تقول الطالبة سماح:"بعد مضيّ عام دراسي واحد، لم أشعر أن الوضع مهيأ لإكمال تأسيسنا اللغويّ، وذلك بسبب تغيير الكادر باستمرار. بعض المدرسين كانوا يعاملون جميع الطّلبة على أن مستواهم متقدم، بينما كنّا نحاول دائمًا اللّحاق بهم لمواكبتهم".

إلى كوريا

عند الحديث عن اللغة الكورية لا بد من الحديث عن اختبار الكفاءة اللغوية "توبيك" (TOPIK)، وهو اختبار مصمم لقياس قدرة الطلاب الأجانب على التعبير بالكورية وفهمها.

بعد تقديم هذا الامتحان يحصل الطلّاب على فرصة التقدم للمنحة الدراسية التي تقدمها كل من المؤسسة الكورية والجامعة لقضاء فصل دراسي في إحدى جامعات كوريا الجنوبية، إذ تؤخذ علامة اختبار توبيك في الاعتبار عند التقدّم للمنحة. يضاف إلى هذا تقديم امتحان آخر مشابه لامتحان توبيك للتأكد من استحقاق الطلبة للمستويات التي حصلوا عليها، وبعد ذلك يُجري الكادر التعليمي مقابلات مع الناجحين، ليستقر الأمر على اختيار طالبين فقط، أو حتى طالب واحد، لنيل المنحة والسفر إلى كوريا، الأمر الذي يشحن أجواء المنافسة والتشكيك في نزاهة الاختيار على حد سواء.

حقيقة أم خيال؟

بعد سنوات الدراسة الأربعة جاءت لحظة التخرج. فرح غامر وكثير من خيبة الأمل ينتشران بين الخريجين، فكل الأحلام والخطط للعمل في مجال تخصصهم باتت شبه مستحيلة، والصورة التي كانت قد رسمت لهم عن مستقبل مليء بالوظائف بانتظارهم  تبين أنها لم تكن حقيقية. 

عدد الوظائف في مجال اللغة الكورية قليل جدّا بالنسبة لعدد الخرّيجين في كل سنة، إذ تنحصر الوظائف لخريجي تخصص اللغة الكورية بالتدريس أو الترجمة، في حين أن أعداد متقني اللغة الكورية الذين تطلبهم السفارة في عمان للعمل لديها تقتصر على اثنين كل أربعة أعوام، في الوقت الذي يتخرج فيه العشرات من التخصص كل عام، وهو ما يدفع بالكثيرين إلى البحث عن وظائف في مجال اللغة الإنجليزية. 

تقول ريم: "عندما اقتربت سنة التخرّج لم يكن لديّ أمل في العمل بشهادتي لقلة الوظائف المتعلقة بالمجال، لهذا بحثت عن وظائف أخرى لا علاقة لها البتة بتخصص اللغة الكورية وفقدت الأمل في إيجاد واحدة".