25-مارس-2023
foreign languages

يقصد العديد من الشباب اليوم مراكز اللغات لأهداف تتنوع من الهجرة أو التقديم على الوظائف، وهو ما يجعل مراكز تدريس اللغات أساسية . (صورة تعبيرية، GETTY)

بعد أربعة أشهر من التسجيل في أحد مراكز اللغات في العاصمة عمان لاحظت نور الهدى التاجي أن مركز اللغة الإنجليزية لم يقدم لها الفائدة التي حُدِّثت عنها عند التسجيل وأن التدريس لا يختلف عن أساليب ومناهج المدارس التي تقوم على التلقين والتدريس النظري وغياب التطبيق العملي من ممارسة اللغة، فقررت التوقف دون إكمال المنهج كونه بات مضيعة لوقتها وجهدها، إذ إنها كانت قد سجلت بالمركز لحاجتها لتعلم اللغة و لكونه الأقرب إلى منزلها.

سيل عارم من الإعلانات نشاهدها يوميًا على مواقع التواصل الإجتماعي عن مراكز لتعليم اللغات بأسعار زهيدة تستقطب العديد من الطلبة وتضم مختلف اللغات، دون تقديم تصور واضح عن منهجية التدريس أو وقت المنهج أو خلفية المدرسين التعليمية، لتتحول أهدافها من مراكز ثقافية تدرس اللغات لأهداف تجارية بحتة. ويقصد العديد من الشباب اليوم مراكز اللغات لأهداف تتنوع من الهجرة أو التقديم على الوظائف التي بات أغلبها يضع اللغة متطلبًا أساسيًا للعمل أو للدراسة في الخارج مما يجعلها حاجة ملحة، ويمنح المستثمرين فكرة لمشروع ناجح عليه طلب كبير.

غياب لمهارات التدريس وآليات التقييم

الطبيب رأفت شنيكات قصد أحد المراكز في العاصمة عمان لتعلم اللغة الألمانية بهدف التقديم للعمل في ألمانيا. يقول رأفت "كوني عندي خلفية باللغة الروسية بحكم دراستي الطب هناك ومعرفتي باللغة الإنجليزية، فذلك ساعدني على تعلم لغة ثالثة أكثر من المركز بحد ذاته". ويضيف شنيكات إن عدم التركيز على مهارة الاستماع وقصر الوقت المحدد للحصص لم يساعد على تعلم اللغة بشكل قوي، فلم يُخَصص وقت كافٍ للاستماع للغة بشكل يحقق الفائدة للطالب، بينما كان هناك تركيز على القواعد أكثر، الأمر الذي يشعر الطالب بالملل.

طلاب في مراكز لتعليم اللغات اشتكوا من ضعف جودة التدريس فيها واتباع أساليب قديمة تعتمد على التلقين والتدريس النظري.

آية قوجة أوغلان خريجة تخصص الترجمة لاحظت غياب تعليم مهارة الاستماع في واحد من مراكز تعليم اللغة التركية، وتقول إن ماجعل من تعلم اللغات في ذلك المركز أشبه بالفوضى هو عدم مراعاة اختلاف المستويات بين الطلبة؛ فوجود طلبة مستواهم أعلى من غيرهم جعل الأستاذ يتخطى أساسيات مهمة بالنسبة للطلبة المبتدئين، كما أن المدة القصيرة للمنهج لم تشبع حاجة الطلاب ولا فضولهم. قوجة قررت أخيرًا تعلم اللغة من خلال التطبيقات الإلكترونية التي تمنحها خيار الدراسة في الوقت الذي يناسبها وتقدم لها عدة خيارات للتعلم.

تعليم غير مرخص

يقتصر التركيز الحكومي على الجوانب التنظيمية لمراكز تدريس اللغات، فيما يترك الجوانب المتعلقة بجودة التدريس إلى العرض والطلب. ففي حديث مع مديرة التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم ريما زريقات، تقول إن المراكز ترخص من وزارة التربية والتعليم باسم مراكز اللغات لأن الترخيص يكون تحت مسمى مراكز ثقافية وهي شاملة الاختصاصات والدورات ومن ضمنها دورات اللغات بأنواعها. أما بالنسبة لشروط وأسس ترخيص مراكز اللغات فهي ذاتها شروط ترخيص المراكز الثقافية الموجودة بنظام المراكز الثقافية رقم 110 لسنة 2008 وتعليمات المراكز الثقافية رقم 1 لسنة 2009 ومن أهمها توافر مساحة 100م وأن يكون المبنى منظمًا تنظيمًا تجاريًا، بالإضافة إلى توفر حمامين واحد للذكور وآخر للإناث .

المراكز الثقافية المرخصة في الأردن

تضيف زريقات أنه لاعتماد الشهادات الصادرة عن المراكز الثقافية يشترط أن يكون المركز الثقافي مرخصًا من وزارة التربية والتعليم وأن تكون الدورة التي سيمنح المركز شهادة فيها مرخصة ومعتمدة من إدارة المناهج والكتب المدرسية بشكل مسبق.

بحسب زريقات فإن الوزارة تجري جولات تفقدية على مدار العام للمراكز المرخصة وغير المرخصة، ويتم ضبط أية مخالفات أثناء الزيارة واتخاذ الإجراء المناسب بحق المراكز المخالفة، إذ تتدرج العقوبات من إنذار مرورًا بالإغلاق لفترة معينة يحددها الوزير وانتهاء بإلغاء الرخصة السنوية والإغلاق بالشمع الأحمر.

يقتصر الدور الحكومي على الجوانب التنظيمية مثل التحقق من شروط المباني التي تقام فيها مراكز تعليم اللغات ومؤهلات المدرسين فيها.

تضيف زريقات أن المراكز عندما تتقدم بطلب للحصول على ترخيص أو اعتماد للمنهاج، فإنه يطلب منها إبراز مؤهلات المدرسين، والتي من بينها أن يكون تخصصه مناسبًا لموضوع الدورة.

آخر جولة تفقدية أجرتها الإدارة، وفقًا لزريقات، تمت قبل ثلاثة أشهر في العاصمة عمان وأسفرت عن ضبط بعض المراكز غير المرخصة، إذ حُوِّلت جميعها للحاكم الإداري لتحاسب وفقًا للقانون.

معايير عالمية لتدريس اللغات

في مقابلة لألترا صوت مع نورا النجار، مديرة برامج اللغة الإنجليزية وبناء القدرات المؤسسية في منظمة أمديست الأمريكية التي تعنى بأنشطة التعليم والتدريب الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تشير  إلى أنه من الضروري مواءمة برامج تعليم اللغات مع الإطار المرجعي الأوروبي للغات CEFR، الذي وجد لتدريس اللغات بوصفها لغة ثانية ولقياس مدى إتقان اللغة. ويمكن اعتماده بالإضافة إلى الساعات الدراسية التي على كل طالب تخطيها، للانتقال من مستوى لأخر.

وتضيف النجار أن أساليب التدريس التقليدية للغة وعدم توفير مساحة كافية للطلاب للممارسة داخل الغرفة الصفية وخارجها هو ما يصنع الفجوة في تدريس اللغات.

مستويات اللغة

كما تقول النجار إن اعتماد الطرق التقليدية التي تقوم على تدريس القواعد وتلقينها، لا يعد كافيًا لبناء القدرات اللغوية اللازمة لتلبية حاجات سوق العمل والنجاح في المجال التعليمي المتقدم، إذ يجب أن تنظم دروس اللغة حسب مستويات الطلاب، كما يجب استخدام اللغة الأم فقط للمبتدئين عند الضرورة وبطريقة مقننة، والاهتمام بالواجبات خارج الغرفة الصفية، التي تشمل طلب تقديم مشاريع وعروض تقديمية تبني القدرات اللغوية كاملة للطلاب.

الفكرة ذاتها يؤكد عليها الدكتور ابراهيم الربابعة، نائب رئيس مركز اللغات سابقًا في الجامعة الأردنية، إذ يقول إن استخدام الوسائل التقليدية  لم يعد يقدم أي جدوى في التعليم ولا بد من مواكبة التطور واستخدام الوسائل الحديثة لتوصيل المعلومات وتحفيز مهارات اللغة العقلية وتنميتها وصقلها. ويكون ذلك باستخدام وسائل عدة منها الإلكترونية، والعصف الذهني الذي يساعد الطلبة على التغلب عن المشتتات، والتدريبات العملية التي تتضمن اسخدام اللغة في المواقف المختلفة.

نورا النجار: من الضروري مواءمة برامج تعليم اللغات مع الإطار المرجعي الأوروبي للغات CEFR، الذي وجد لتدريس اللغات بوصفها لغة ثانية ولقياس مدى إتقان اللغة، ويمكن اعتماده بالإضافة إلى الساعات الدراسية التي على كل طالب تخطيها، للانتقال من مستوى لأخر.

ويشير ربابعة إلى أن هناك العديد من المراكز التي تستخدم مدرسين غير مؤهلين علميًا، وعلى الوزارة ضبط تلك المراكز، كما أن على الطلبة أيضًا التأكد من خلفية المدرس التعليمية، إذ يجب أن يتمتع بمهارات تتجاوز طلاقة اللغة إلى القدرة على إيصال المعلومة اللغوية وربطها بالبيئة المحلية واختيار الأنشطة والوسائل الصحيحة وتقبل النقد من المتعلمين، بالإضافة إلى سلامة نطق اللغة.

يضيف ربابعة أن عشوائية بعض المراكز ينتج عن تركيزها على الأهداف الربحية فقط، ويؤكد على مسؤولية الجهات المعنية لضبط هذا الجانب والتأكد من قدرة المراكز على تدريس اللغات في ظل وجود مراقبة حقيقية تضمن جودة التدريس.

كما يقول إنه يجب تصنيف المراكز ضمن فئات واختصاصات بحسب إطار عملها، وأن يحتوي كل مركز على مكتبة تضم كتبًا مخصصة لكل مستوى وتقدم الفائدة للطلبة بالإضافة إلى الحصص الدراسية، كما يؤكد على ضرورة الموازنة بين المادة النظرية والعملية وعدم إهمال مادة الاستماع.