26-أبريل-2017

يرتفع عدد المدارس الخاصة التي تدرس اللغات الأجنبية في الجزائر (جيف باشود/أ.ف.ب)

أقرّ أوّل دستور جزائري عام 1963 العربية لغة رسمية في البلاد، رغم هيمنة اللغة الفرنسية يومها، بالنظر إلى 132 عامًا من الاحتلال الفرنسي، الذي راهن على طمس ملامح الهوية الجزائرية ومنها اللغة، غير أن تعريب بعض المواد العلمية، في أطوار التعليم المختلفة، تأخر أو بقي مؤجلًا إلى غاية اليوم، في بعض المواد، مثل الطب والهندستين المعمارية والمدنية.

ظهرت مؤخرًا في الجزائر مئات المدارس الخاصة، يديرها شباب جامعيون ومربون في العادة، وتهتم أساساً بتدعيم الكفاءات في اللغات الأجنبية

في وقت سابق، كان الشروع في تدريس اللغة الفرنسية بتم بدءًا من السنة الرابعة ابتدائي، فيما يُشرع في تعلم اللغة الإنجليزية بدءًا من السنة الأولى متوسّط، ثم تمّ تقديم الفرنسية إلى السنة الثالثة، وهو ما أثار حفيظة التيارات القومية والراغبة في استبدال الفرنسية بالإنجليزية، وفتح البلاد على نقاشات لم يُفصل فيها حتى اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: عن تجربة المدارس المختلطة بين الجزائر وفرنسا

وفي إطار الإصلاحات المتوالية التي عرفها قطاع التربية، أدرجت شعبة اللغات الأجنبية ضمن التعليم الثانوي، ضامّة الفرنسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية. أما في الجامعة، فقد بات ممكنًا التخصص في هذه اللغات، بالإضافة إلى بعض اللغات الشرقية مثل الروسية والتركية والصينية واليابانية.

ما عدا الفرنسية والإنجليزية، اللتين كان متاحًا للجزائريين تعلمهما خارج المؤسسات التربوية والجامعية الحكومية، من خلال مدارس المعاهد الثقافية التابعة للسفارات الفرنسية والبريطانية والأمريكية، فقد بقي تعليم اللغات الأخرى حكرًا على المؤسسات الحكومية، إلى أن بات مؤخرًا مسموحًا بإنشاء مدارس خاصّة لتعليمها، وفق شروط يسيرة، مع إسقاط شرط الحصول على اعتماد رسمي من الحكومة، وتعويضه بالسجل التجاري.

سمح هذا الواقع الجديد بظهور مئات المدارس الخاصة، في الفضاء الجزائري، خاصة في المدن الشمالية الكبيرة، مثل الجزائر العاصمة وعنابة وقسنطينة ووهران وتلمسان، يديرها شباب جامعيون ومربّون في العادة، وتتفاوت في اتساع المساحة والاستعانة بالكفاءة وتعدد اللغات المتاحة وحجم المبالغ المطلوبة من قاصديها.

قصد "الترا صوت" مدرسة "هلال سكول" في ضاحية باب الزوّار بالجزائر العاصمة، فأخبرنا مديرها فريد قاسمي، 1993، أنه أطلقها في نيسان/ أبريل من عام 2015، "وقد أتتني الفكرة حين حدثني صديق لي متفوق في اللغة الفرنسية، عن المعاملة السيئة التي يلقاها من إدارة إحدى المدارس الخاصّة، ولم تمض إلا فترة قصيرة حتى باتت حقيقة مجسدة على أرض الواقع".

اقرأ/ي أيضًا: لا جامعات خاصة في الجزائر!

قصدنا جميع الفئات، يقول قاسمي، من الأطفال ما قبل سن التمدرس إلى الكهول، ولأننا ندرّس وفق نظام الأفواج، فتوزيعها يتمّ زمنيًا بحسب ظروف الزبائن، إذ عادة ما تأتي الفترة المسائية في الصدارة، بحكم انتهاء فترة الدوام والدراسة. سألناه عن المقابل المادّي، فقال إن المبلغ وعدد الساعات يختلف باختلاف السن من دورة إلى أخرى. "3000 دينار جزائري، في حدود 20 دولارًا أمريكيًا للأطفال، بحجم ساعي يقدر بـ32 ساعة للدورة الواحدة، و3400 دينار للشباب و4400 دينار للكبار، بحجم ساعي يقدر بـ36 ساعة للدورة الواحدة".

ينظر بعض الجزائريين إلى مدارس اللغات الأجنبية الخاصة كحوانيت للتجارة فاقدة لأي هدف ثقافي وتربوي وحضاري

قاسمي الذي لا يزال طالبًا في جامعة باب الزوّار قال لـ"الترا صوت" إن للإقبال على دراسة اللغات الأجنبية في المدارس الخاصّة دوافعَ تختلف من شخص إلى آخر، "هناك من يقصدها ليقوّي قدراته في لغة معينة، لدواعٍ علمية ودراسية، خاصّة الطلبة المقبلين على شهادة الباكالوريا/ الثانوية العامّة، وهناك من يتعلّم لغة حية مثل الإنجليزية لدواعي الهجرة، فيما يتعلّم الصينية أو التركية أو الروسية أو اليابانية المتعامل مع الشركات الاقتصادية القادمة من دول هذه اللغات، أو للتبادل التجاري معها، أو للتواصل مع رعاياها في الجزائر، فالصينيون مثلًا باتوا يقتربون من 50 ألف رعية".

من جهته قال رابح سعداوي، أستاذ اللغة الفرنسية لـ"الترا صوت"، إنه يدرّس أصلًا في مدرسة ثانوية حكومية، "غير أنني متعاقد بالموازاة مع مدرسة خاصّة، لأدعم ميزانيتي الشهرية، في ظلّ التهاب الأسعار وصعوبة المعيشة، مع راتب شهري ينفذ قبل نهاية الأيام العشرين الأولى".

هذه النظرة المادية، جعلت قطاعًا من الجزائريين، ينظرون إلى هذه المدارس نظرة مشككة، "فهي حوانيت للتجارة قبل أي هدف ثقافي وتربوي وحضاري، والدليل أنني درست في إحداها دورتين كاملتين، وبقيت جاهلة باللغة الألمانية التي أنا بحاجة إليها". هكا تتحدث وسام التي تنوي الالتحاق بأختها في ألمانيا، فيما يفنّد وليد حمّيس، 26 عامًا، هذا الطرح بالقول: "ما قيمة عشرين دولارًا للدورة اللغوية الواحدة؟ علينا أن نفرح بهذه المدارس، لأنها تتيح لنا فرصًا للانفتاح اللغوي، بعد عقود من هيمنة اللغات الثلاث، العربية والأمازيغية والفرنسية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما معنى أن تكون جزائريًا؟

تدريس الأمازيغية في الجزائر..الواقع والمأمول