12-يونيو-2022
الشرطة السويدية في موقع جريمة

تسعى بعض الأحزاب اليمينية في السويد إلى الربط بين العنف واللاجئين (Getty)

بعد إقرار قانون جديد يتعلق بـ"جرائم الشرف" أو قانون "الاضطهاد المرتبط بالشرف" في السويد، والذي يعدّ أكثر توسّعًا عن سابقه، مطلع الشهر الحالي، بدأ الحديث عن الفئة المستهدفة ضمن هذا القانون، وما إذا كانت العوائل المهاجرة من دول عربية هي المقصودة من سنّ هذه القوانين والتوسّع بها، علمًا أنها تقلّص من سلطة الوالدين والأقارب على الأبناء، ويعطيهم أحقية مقاضاة الأهل، بدعوى "اضطهاد الشرف".

ينص القانون الجنائي الجديد على "فرض عقوبات أكثر صرامة على أولئك الذين وبدافع من الشرف، يرتكبون بشكل متكرر بعض الأعمال الإجرامية ضد شخص ما

وينص القانون الجنائي الجديد على "فرض عقوبات أكثر صرامة على أولئك الذين وبدافع من الشرف، يرتكبون بشكل متكرر بعض الأعمال الإجرامية ضد شخص ما، وحيث تكون هذه الأفعال جزءًا من انتهاك متكرر لسلامة الشخص، ومن المحتمل أن تلحق ضرراً جسيماً باحترامه لذاته أو ذاتها". وجاء الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ست سنوات، عقوبة بموجب القانون الجديد، وفق ما ذكر موقع ظلم الشرف "hedersfortryck.se" السويدي.

وأوضح الموقع السويدي أن القانون الجديد لا يهدف إلى تغطية الجرائم الأكثر خطورة (القتل العمد، والاعتداء الجسيم، وانتهاك قانون تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، والاغتصاب، وغير ذلك)، حيث ستتم محاكمة هذه الجرائم بشكل منفصل، بالإضافة إلى العقوبة المشددة عند الاقتضاء وثبوت التهمة، وإنما يتوقّع من التشريع الجديد أن يضع الضوابط والقيود لحماية حياة الأشخاص الذين يتعرضون للعنف والقمع المرتبطين بالشرف.

جرائم الشرف في السويد

ومن الأمثلة على ذلك؛ ألا تسمح العائلة للفرد بالخروج مع أصدقاء معينين، وألا يُسمح له بزيارة المراكز الترفيهية أو دور السينما أو المقاهي والملاهي، وكذلك عدم قبول مشاركة الأبناء والبنات في السباحة مع بقية الطلاب داخل مرافق المدرسة، أو يُجبر على ارتداء الملابس بطريقة معينة، بدافع يتعلق بالشرف.

من المستهدف؟

تقول دراسة أجريت سابقًا على إحدى عشرة فتاة تعرّضت لاضطهاد بدافع الشرف، إنهنّ كنا من أصول غير سويدية، أي لأب وأم لم يولدوا في السويد، بل من منطقة "الشرق الأوسط الكبرى"، وكنّ يتعرضن للإيذاء الجسدي والإكراه من قبل والديهم وبعضهنّ من قبل الأخ كذلك، وفقًا لمجلة العنف الأسري السويدية.

وقد كان الدافع، بحسب الدراسة، هو الحفاظ على شرف العائلة الذي يحكم السلوك اليومي لبعض الأشخاص، بما في ذلك بعض الأسر المسيحية المحافظة المشمولة في الدراسة. 

ولأن مفهوم الشرف يختلف من مجتمع إلى آخر، يرى البعض أن من الإجحاف والتمييز أن يتمّ وصم المسلمين أو المحافظين من ديانات أخرى بالعنف والاضطهاد، لا سيما ضد المرأة، في حين رأى آخرون أن القانون من شأنه أن يكبح تسلّط بعض الأسر على الأبناء والبنات، وضمان تمتّعهم بالحرية في قراراتهم واختياراتهم. فثمة انقسام بين من يرى أن القانون يستهدف المسلمين "الشرفاء" بالدرجة الأولى ويستهدف عقيدتهم وعاداتهم، ومن يرى أنه قانون منصف ومحق لكنه قد "يشوّه سمعة المسلمين والمهاجرين" بربط العنف فيهم.

في هذا السياق، قالت وزيرة المساواة بين الجنسين في السويد، مارتا ستينيفي، في إحدى التصريحات التي نقلتها "BBC"، إن السويد لديها مشكلة فيما يسمى "جرائم الشرف"، والتي تلتزم بحماية أو الدفاع عن السمعة المفترضة لأسرة أو مجتمع ممتد، لكنها تعتقد أن وصف العنف ضد النساء على أنه "قضية مهاجرين" هو "يقلل من حجم المشكلة حقًا"، واصفة العنف ضد المرأة بأنه "عميق الجذور" في جميع أنحاء المجتمع السويدي.

كما عبر البعض عن تخوف من أن يؤدي القانون الجديد إلى التمييز بين المواطنين أو المقيمين واستهداف فئة دون أخرى وفق افتراضات مسبقة حولهم، علمًا أن هناك خطرًا من أن يُحاكم الأشخاص من "أصل معين أو دين معين" بتحيز أكبر ضدهم مقارنة ببقية السويديين  على الأفعال نفسها، وذلك بحسب تحذيرات حقوقية وتقارير صحفية رصدت عددًا من ردود الفعل على القانون الجديد. كما لفتت لجنة كلية الحقوق في جامعة ستوكهولم إلى أن القانون ينطوي على مخاطر قد تؤدي إلى "وصم مجموعات معينة".

ورفض مجلس القانون (Lagrådet) في وقت سابق اقتراح الحكومة بسن القانون الجديد، باعتبار أنه مقترح ينطوي على خطر التمييز ضد مجموعات معينة ويحوي مدة عقوبة غير معقولة.

وقد تناولت "بي بي سي" في تقرير لها، عن العنف الأسري في السويد، والذي تضمن إشارة إلى أن إحدى نقاط الخلاف السياسية الرئيسية في النقاشات حول هذه الظاهرة هي ما إذا كان ينبغي ربط العنف الأسري بموجة الهجرة الأخيرة في السويد. 

ورغم أن الشرطة السويدية لا تسجل المشتبه به في جرائم وفقًا لهويتهم العرقية، إلا المدعين يقولون إن العديد من الرجال الذين يواجهون المحاكمة هم من خلفيات غير سويدية، وقد تم استخدام ذلك كذريعة من قبل أحزاب مناهضة للهجرة، بعضها وصف العنف الأسري بـ"القيم المستوردة" التي تجيز العنف ضد المرأة، ومن ذلك "جرائم الشرف".

تاريخ "جرائم الشرف" في السويد

بدأ الحديث عن جرائم الشرف لأول مرة في السويد عام 2002، بعد مقتل فتاة ليست من أصول سويدية وتبلغ من العمر 26 عامًا على يد والدها، ولأنها كانت ناشطة اجتماعيًا بقضايا حقوق المرأة، ضجّ الرأي العام في السويد بعد حادثة قتلها، خصوصًا أنها كانت قد تحدثت أمام البرلمان السويدي، وانتشر خطابها آنذاك بكثير من الصحف والتلفزيون على مستوى الدولة، وقتها كان للسويد التماس الأول مع لفظ "جرائم الشرف"، التي لم تكن كمفردة موجودة في اللغة السويدية أو ثقافة البلاد، رغم وقوع حوادث قتل متفرقة قبل ذلك، لكن لم يذع صيتها.

وسعت دولة السويد خلال السنوات الأخيرة إلى محاربة "جرائم الشرف"، وقدمت دعم بملايين الدولارات لجمعيات ومنظمات، من شأنها تغيير مفهوم الشرف وحقوق المرأة لدى المستهدفين

وفي تموز/يوليو عام 2020، شددت مملكة السويد من تشريعات تتعلق بجرائم زواج الأطفال وحظر السفر وغيرها مما تعتبره ينطلق بدافع الشرف، كما كانت تعاقب على الجرائم المتكررة بدافع الشرف تحت قانون الانتهاك الجسيم، لتختمها نهاية بقانون "الاضطهاد المرتبط بالشرف" الأخير، الذي تعتبر أنه يرفع عن الأطفال والمراهقين الأبوية الممارسة من قبل الأهل أو حتى الغرباء بدافع الشرف.

تعاقب القوانين السويدية على كل فعل يقع بحق الأطفال والمراهقين يسيء لهم نفسيًا وجسديًا أو اجتماعيًا

تجدر الإشارة إلى أن القوانين السويدية تعاقب على كل فعل يقع بحق الأطفال والمراهقين يسيء لهم نفسيًا وجسديًا أو اجتماعيًا، وصلت ببعض الأحيان إلى سحب الأطفال من عوائلهم بشكل نهائي.