13-مايو-2019

تستخدم السلطات السعودية كل أدوات العنف لقمع سكان القطيف (رويترز)

ليست القطيف مجرد محافظة في المنطقة الشرقية داخل المملكة العربية السعودية، تقطنها أغلبية شيعية وحسب، ولكنها نقطة تحول وتاريخ من الاحتجاج المتصاعد منذ سنوات مضت، رسمت مع جارتها محافظة الإحساء، أبرز محطات النضال ضد نظام طائفي متطرف، يرسم صورة مزيفة عن مملكة معتدلة، لم تعد قابلة للتصديق حتى بالنسبة لحلفاء الرياض الأقرب.

كل شيء حدث لسكان القطيف؛ تصفية جسدية وإعدامات بالعشرات وإخلاء لبعض الأحياء وهدمها وحصار لعشرات الأيام، لكن غضبها لم يهدأ، وكذا لم يطمئن ولي العهد  المثير للجدل، محمد بن سلمان لها

كل شيء حدث لسكان القطيف؛ تصفية جسدية وإعدامات بالعشرات وإخلاء لبعض الأحياء وهدمها وحصار لعشرات الأيام، لكن غضبها لم يهدأ، وكذا لم يطمئن ولي العهد  المثير للجدل، محمد بن سلمان لها. حيث إن ما أعلنت عنه الشرطة السعودية مساء السبت، حول مقتل ثمانية عناصر في القطيف شرقي البلاد، أمر يحدث باستمرار، فلم يقض على تمرد أغلبية الأهالي الداعمة لما يسمى بالحراك الشعبي ومطالب الإصلاحات السياسية والاهتمام بالخدمات الاجتماعية، ورفع مستوى المواطنين اقتصاديًا، ولم تتمكن الدولة السعودية من استقطاب سكانها.

أرقام صادمة تكتشفها، خلال بحثك حول المحافظة، فخلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري تصاعد الاستهداف السعودي للمحافظة عبر إجراءات مشددة وتحركات أمنية كثيفة وضربات استباقية، كما تسميها الأجهزة الأمنية السعودية، كانت نتيجتها نحو 39 قتيلًا، للتنكيل بالمحافظة. وخلال الأشهر الست الماضية تجاوز عدد المعتقلين الـ 40 مواطنًا من القطيف وحدها، كما أن العشرات من المعتقلين السابقين منذ 2011 و2012 ما زالوا في السجون، من بينهم سيدات ـبرزهن إسراء الغمغام، ونعيمة المطرود، وفاطمة آل نصيف، وغيرهن ممن تدور الاتهامات حول دعمهن للمظاهرات التي يسميها أهالي القطيف "الحراك الشعبي"، وللمدينة تاريخ كبير ورموز معروفون أبرزهم رجل الدين الشيعي الشيخ نمر النمر، الذي نفذت فيه المملكة حكم الإعدام في 2016، وتسبب الإعدام في احتجاجات اتسع نطاقها في إيران بالأخص.

اقرأ/ي أيضًا: السعوديات في عهد ولي العهد.. مساواة في القمع فقط!

القطيف المتمردة

أعلنت الشرطة السعودية مساء السبت، مقتل ثمانية عناصر من "خلية إرهابية" في القطيف شرقي البلاد، ونقلت الوكالة الرسمية السعودية عن المتحدث باسم أمن الدولة، قوله إن المسلحين قتلوا في تبادل إطلاق نار مع الشرطة التي حاصرتهم في شقة سكنية في حي سبانس ببلدة تاروت، وإن الخلية الإرهابية كانت تخطط لعمليات تستهدف منشآت حيوية ومواقع أمنية، فيما قالت مصادر لقناة العالم إن القتلى من "الحراك الشعبي" في القطيف سقطوا خلال مواجهات مع القوات الأمنية السعودية.

وتعد محافظة القطيف من أكثر المناطق السعودية تواجدًا للشيعة في السعودية، وشهدت في السنوات الأخيرة احتجاجات ضد السياسات الحكومية، التي يراها الشيعة في المنطقة الشرقية غير عادلة، وترفض السلطات السعودية الاتهامات الموجهة لها بالتمييز ضد مواطنيها من الشيعة في المنطقة الشرقية، وتتهم إيران بشكل مستمر بإثارة التوترات الطائفية وتجنيد عناصر لها في المنطقة الشرقية وهو ما ترفضه إيران ايضًا.

وعرف المواطنون في القطيف الاحتجاجات منذ وقت مبكر، حيث كانت أبرز مراحل الاحتجاج في تاريخ المدينة ما يعرف بانتفاضة محرم عام 1979، عندما خرج المئات في القطيف والإحساء لإحياء ذكرى عاشوراء بالتزامن مع حادثة الحرم المكي، واستطاع الحرس الوطني قمع الانتفاضة، ومع بداية الربيع العربي 2011 انطلقت مسيرات ومظاهرات المواطنين في المنطقة الشرقية، رافضين سلطة العائلة المالكة ومطالبين بإصلاحات سياسية وخدمات عادلة للمحافظة، واستمر القمع المتواصل في تلك المنطقة، وبعد تولي الملك سلمان الحكم ثم نجله محمد بن سلمان، لم تتوقف مظاهر القمع، وتصاعدت بشكل كبير مع إصدار حكم بالإعدام على بعض الأهالي وكان من بينهم الشيخ نمر النمر في كانون الثاني/يناير 2016، لتعود المظاهرات من جديد، ولتواجه السلطات السعودية ذلك الأمر بمزيد من القمع والتصفية الجسدية والإخلاء القسري لبعض الأهالي.

تصفية جسدية

خلال الأشهر الخمس الماضية (منذ بداية عام 2019) قتلت الشرطة السعودية في عمليات مداهمة في القطيف نحو 16 شخصًا، من بينهم ثمانية هذا الأسبوع، إلى جانب اثنين آخرين في نيسان/أبريل الماضي، حين ادعت السلطات السعودية إحباط هجوم إرهابي كان من المفترض أن يستهدف نقطة أمنية في محافظة القطيف، وأعلنت السلطات مقتل اثنين واعتقال اثنين آخرين، وادعت مثل العادة أن المتواجدين في السيارة كانوا من المطلوبين أمنيا، كما لم يقتل أي فرد أمني.

وفي الثامن من كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلنت رئاسة أمن الدولة السعودية، عن عملية استباقية وفقًا للبيان الرسمي، قالت إنها قتلت 6 أشخاص، وصفتهم بالإرهابيين واعتقلت آخر في منطقة القطيف، وأشار البيان الرسمي إلى أن القتلى على قائمة المطلوبين أمنيًا، وأصيب خمسة أفراد من الشرطة فقط بإصابات طفيفة وفقًا للبيان الرسمي، بالرغم من إعلان السلطات العثور على 7 رشاشات آلية، و3 قنابل، ومسدس جلوك، وعدد 593 طلقة رشاش، وعدد 30 طلقة مسدس، وعدد 21 مخزن سلاح.

الملفت في أغلب المداهمات التي تستهدف سواء مجموعات مسلحة في منازل أو سيارات على الطرق العامة في محافظة القطيف أنها لا تسفر في العادة عن أي قتلى في صفوف رجال الشرطة، وإنما إصابات طفيفة فقط، ما يكون له أثر كبير في التشكيك في أن تكون تلك المداهمات مجرد خطوة ضمن التصفية الجسدية والقتل خارج إطار القانون الذي تنتهجه السلطات.

وفي آذار/مارس من العام الجاري اعتقلت السلطات السعودية ثلاثة مواطنين من مدينة صفوى شمال محافظة القطيف، وتشير تقارير من داخل الحراك الشعبي أن عدد المعتقلين خلال الفترة من من كانون الأول/ديسمبر إلى نهاية شباط/فبراير تجاوز الـ20 معتقلًا، في أيام وبطريقة مختلفة خلال حملات أمنية على المدن المختلفة في المحافظة.

الإعدامات مستمرة

التنكيل بأهالي القطيف المتصاعد خلال العام الجاري، اتخذ في 23 نيسان/أبريل الماضي شكلًا آخر بتنفيذ حكم الإعدام "القتل تعزيرًا وإقامة حد الحرابة"، على 37 من السعوديين، منهم 33 شيعيًا، أغلبهم من قضايا على خلفية سياسية أبرزها "خلية التجسس لصالح إيران" و"قضية القطيف 24"، وأعلنت وزارة الداخلية السعودية تنفيذ الحكم بالإعدام على 11 متهمًا في قضية "خلية التجسس"، بينهم على الأقل 5 من القطيف، أما القضية الثانية "قضية القطيف 24" ، فقد نفذ حكم الإعدام فيها على 18 شخصًا، جميعهم من القطيف، اعتقل أغلبهم على خلفية احتجاجات عامي 2011 و2012.

ويعتقد العديد من المنظمات الحقوقية أن القضاء السعودي غير مستقل، وأشار تحليل سابق لهيومن رايتس ووتش في 10 أحكام أصدرتها المحكمة الجزائية المتخصصة بين 2013 و2016 ضد رجال وأطفال متهمين بارتكاب جرائم ذات صلة بالاحتجاج، في أعقاب مظاهرات شعبية قام بها أشخاص من الأقلية الشيعية في 2011 و2012 في مدن وبلدات المنطقة الشرقية، أن أغلب المتهمين يتراجعون عن اعترافاتهم أمام القاضي، بسبب تعرضهم للإكراه والتعذيب، والضرب والحبس الانفرادي المطول، غير أن المحكمة ترفض جميع مزاعم التعذيب دون التحقيق فيها، وتتجاهل طلبات المدعى عليهم بالحصول على مقاطع فيديو من السجن قالوا إنها ستظهر تعرضهم للتعذيب، أو استدعاء المحققين كشهود لوصف كيفية الحصول على الاعترافات.

سلوك الإعدامات الذي تعتمده السلطات السعودية مع المعارضة من المنطقة الشرقية، ليس وليد العام الجاري، ففي 2 كانون الثاني/يناير 2016، نفذت المملكة حكم الإعدام على 46 شخصًا دفعة واحدة، كان أبرزهم إعدام الشيخ نمر النمر، وهو رجل دين شيعي سعودي بارز، من مدينة العوامية في محافظة القطيف في شرق السعودية، نفذ فيه الحكم مع 3 آخرين في نفس قضيته، وأشعل تنفيذ قرار الإعدام لنمر النمر، عاصفة من الانتقادات السياسية والدولية، وكذلك احتجاجات شعبية كان أبرزها في إيران التي انتهت بالهجوم على السفارة وإعلان المملكة قطع العلاقات مع طهران، كما أدانت نحو  140 منظمة حقوقية إعدام نمر باقر النمر، ورفضت تلك المنظمات الاستخدام السياسي للإعدام، وفي تموز/يوليو 2017 أعلنت المملكة تنفيذ حكم الإعدام في أربعة أشخاص ذكرت مواقع قريبة من الحراك الشعبي المعارض للمملكة أنهم نشطاء.

الإجلاء القسري

الصراع الذي يخوضه النظام السعودي ضد القطيف، تجاوز البشر إلى الحجر، وفي عام 2017 بدأت المملكة في تنفيذ خطة لهدم حي المسورة التراثي، في العوامية في محافظة القطيف. حيث بررت السلطات السعودية عملية هدم الحي الذي يضم نحو 488 منزلاً، بتداخل المنازل وعشوائية الحي وافتقاره لأدنى معايير السلامة، وادعت المملكة أن الحي بؤرة إجرامية وإرهابية.

وحي المسورة من الأحياء ذات التراث الفريد ويعود بناؤه إلى 400 عام مضت، ويضم الحي في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، مساجد ومزارع وأسواقًا وأماكن للعبادة "الحسينيات" للمسلمين الشيعة، بحسب الأمم المتحدة، واعتبر تقرير لمجموعة من خبراء أممين أن أعمال الهدم تندرج تحت بند الإخلاء القسري، وتدمير الحي، وطالب تقرير الخبراء في 5 نيسان/إبريل 2017، بتوفير سكن لآلاف الأشخاص (نحو 30 ألفًا)، على حد قول المقررة الخاصة المعنية بالسكن اللائق ليلياني فرحة.

لم يكن الإخلاء بدون دماء، وفور دخول المعدات لإزالة المباني بدأ الأهالي في الاحتجاج على هدم منازلهم دون تعويض فانطلقت شرارة أزمة كبرى في المدينة، وحاصرت قوات الأمن المدينة لنحو 90 يومًا، وقال خبراء أمميون إن العملية أجبرت السكان على الخروج من ديارهم ومن الحي هربًا من الموت، فيما نقلت صحيفة الإندبندنت البريطانية عن مواطنين أنه خلال الفترة من العاشر من أيار/مايو 2017 جرت عملية عسكرية في الحي، وقتل حتى آب/ أغسطس من نفس العام نحو 25 شخصًا جراء القصف وإطلاق الرصاص من جانب قناصة تابعين للسلطات السعودية.

اقرأ/ي أيضًا: مواطنو القطيف تحت سيف الأمير الطائش

وقالت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير ربحية مهتمة بحقوق الإنسان في السعودية، في تقرير لها بعد عام من تدمير الحي الذي تم عبر عملية عسكرية، إن كل ما ادعته المملكة غير صحيح، واتهمت الرياض بعمليات قتل متعددة خارج نطاق القانون للمدنيين، وقال البيان إن "عمليات القتل شملت أطفالًا ورجالًا، كما أنها خلفت عشرات الإصابات"، كما أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن صور الأقمار الصناعية أظهرت في الفترة من شباط/فبراير إلى أب/أغسطس 2017 تعرض أجزاء كبيرة من البلدة لدمار هائل أصاب أيضًا البنية التحتية للحي.

مدينة واحدة تقف الإدارة السعودية بكل ما تملكه من بطش ضدها، ويقف الجميع في موقف المتفرج على عشرات القتلى والمعتقلين وعلى هدم المباني الأثرية، فكل شيء مباح في مملكة الأمير محمد بن سلمان

مدينة واحدة تقف الإدارة السعودية بكل ما تملكه من بطش ضدها، ويقف الجميع في موقف المتفرج على عشرات القتلى والمعتقلين وعلى هدم المباني الأثرية، فكل شيء مباح في مملكة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، الذي بالرغم من سطوته الأمنية الواسعة على المحافظة لم يتمكن من حماية مساجدها من 3 تفجيرات أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها خلال 2015، وراح ضحيتها نحو 27 شخصًا، وأصيب نحو 102 آخرين.  

 

اقرأ/ي أيضًا:

السعودية وإيران.. إنه النفط

الإعدام السياسي في إعلام السعودية وإيران