24-أغسطس-2018

تواجه إسراء الغمغام حكمًا بالإعدام (تويتر)

أصبحت الإخفاقات المتكررة سمة أساسية في سيرة صعود ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مع كثير من التخبط، الذي تتساقط معه أوراق الخداع التي سعى من خلالها إلى تضليل الغرب لكسب تأييده، بادعاء تأسيس مملكة جديدة، تختلف عن تلك التي أسسها جده عبدالعزيز وتوالى على حكمها وإدارتها وقمع شعبها أعمامه لعشرات السنوات.

فشل  محمد بن سلمان الذي صعد متجاوزًا من تبقى من أعمامه وأبناء عمومته الأكبر منه، ولم يعد مقنعًا في أداء دوره كوجه ليبرالي منفتح 

فشل  محمد بن سلمان الذي صعد متجاوزًا من تبقى من أعمامه وأبناء عمومته الأكبر منه عمرًا والأكثر خبرة، في إدارة الحكم، ولم يعد مقنعًا في أداء دوره كوجه ليبرالي منفتح مؤمن بالحريات، صعد فوق الجميع ليحول وجه المملكة القديم إلى آخر جديد مختلف.

كان الاختلاف في مملكة ابن سلمان على ما يبدو في تجاوز الخطوط الحمراء التي حافظ عليها المجتمع السعودي المحافظ، فلم تعد للمرأة السعودية حصانة اجتماعية من الاعتقال والسجن كما كان في السابق، وخلال الشهور الماضية شهدت المملكة حملات أمنية استهدفت الناشطات النسويات والنشطاء المهتمين بحقوق المرأة السعودية، واليوم تواجه سيدةٌ للمرة الأولى في تاريخ المملكة القمعي الممتد لسنوات، حكمَ الإعدام بسبب نشاطها السياسي، بعد أن طالبت النيابة العامة في السعودية، بتطبيق الحكم على نحو خمسة نشطاء من بينهم الناشطة الحقوقية إسراء الغمغام، بتهم عده من بينها المشاركة في المسيرات والمظاهرات في منطقة القطيف.

اقرأ/ي أيضًا: تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهوّرة".. الحكاية من أولها

 والنيابة العامة في السعودية جهة قضائية تابعة بشكل مباشر للملك سلمان بن عبدالعزيز، ويسيطر عليها بالتبعية ولي عهده محمد، ما يعني أن الطلب تم بموافقة الأمير الشاب، في إشارة جديدة إلى حقيقة إيمانه بالحريات، وهو ما دفع سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، للقول بنبرة تشكيك واستنكار: "إذا كان جادًا بالفعل بشأن الإصلاح، فعليه التدخل فورًا لضمان عدم احتجاز أي ناشطة ظلمًا بسبب عملها الحقوقي".

إسراء الغمغام.. إعدام بتهمة التظاهر!

يرى المتابع للسياسة السعودية الجديدة أنها لا تختلف كليًا عن سابقتها وقد تكون أكثر تشددًا وقسوة في التعامل مع النشطاء والمعارضين، خاصة النساء منهم، فيما توجه للجميع على اختلاف أفكارهم وأدوارهم تهم الإرهاب بالرغم من كون بعضهم معروفًا بالدعوة إلى المعارضة السلمية. بدأت أزمة إسراء الغمغام عندما ألقت السلطات السعودية القبض عليها وعلى زوجها موسى الهاشم في كانون الأول/ديسمبر 2015، في مداهمة أمنية، ومنذ ذلك الحين وإسراء وزوجها ونشطاء آخرون في الحبس الاحتياطي، دون تمثيل قانوني، في سجن بمنطقة الدمام شرق المملكة.

واتهمت النيابة العامة ستة نشطاء من بينهم خمسة يواجهون الإعدام، بعدة اتهامات من بينها التحريض على التظاهر، وترديد عبارات مناوئة للدولة ومحاولة التأثير في الرأي العام ضد السلطة، وتصوير المسيرات ونشرها على وسائل الإعلام الاجتماعي، إضافة إلى توفير الدعم المعنوي للمشاركين في التجمعات. وبالرغم من أن اللائحة لا تتضمن ما يستوجب الإدانة أصلًا، عطفًأ على أنها لا تستوجب الإعدام بالتأكيد، إلا أن التخوفات الحقوقية من تطبيق الحكم تتصاعد، خاصة وأن الحكومة السعودية تصر على التعنت ضد أبناء المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية. ومن المقرر أن تكون الجلسة المقبلة في تشرين الأول/أكتوبر 2018.

وفي حال حكمت المحكمة بالإعدام فستكون الحادثة الأولى لسيدة سعودية تطبق عليها عقوبة الإعدام بسبب مواقفها السياسية ومعارضتها للنظام، ووفقًا لبيان المنظمة الدولية، نقلاً عن نشطاء حقوقيين سعوديين، فإن ذلك سيعد سابقة خطيرة وتهديدًا للناشطات المعتقلات في السجون السعودية في الوقت الحالي، من أبرزهن "لجين الهذلول، عزيزة اليوسف، إيمان النفجان، نوف عبد العزيز، مياء الزهراني، هتون الفاسي، سمر بدوي، نسيمة السادة، وأمل الحربي". وسبق أن صدر حكم على نعيمة المطرود الناشطة السياسية من منطقة القطيف ذات الأغلبية الشيعية، بالحبس لست سنوات وحظر السفر لست سنوات أخرى، وتم اعتقال نعيمة في 23 شباط/فبراير 2016 وظلت في الحبس حتى حكم عليها في تشرين الثاني/نوفمبر 2017.

يرى المتابع للسياسة السعودية الجديدة أنها لا تختلف كليًا عن سابقتها وقد تكون أكثر تشددًا وقسوة في التعامل مع النشطاء والمعارضين

وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش فإن المتهمين ومن بينهم الناشطة الحقوقية إسراء الغمغام، ينتمون للمنطقة الشرقية، وهي المنطقة التي شهدت مظاهرات وانتفاضات متكررة منذ سنوات وينتشر فيها سعوديون شيعيون، وسبق أن استخدمت المحكمة الجزائية المتخصصة في قضايا الإرهاب، في مقاضاة المعارضين السلميين، ونفذت المملكة الحكم بالإعدام على رجل الدين الشيعي المعروف نمر النمر، وكان صاحب نشاط بارز، واتهم من قبل المحكمة بقيادة وتحريض المواطنين على مظاهرات اندلعت في المنطقة الشرقية عام 2014. ووفقًا لهيومن رايتس ووتش فإن نمر النمر لم يكن الشيعي الوحيد الذي يعدم، بل وصل عدد من طبق عليه حكم الإعدام من المنتمين للمذهب الشيعي إلى نحو 50 شخصًا.

وعُرف عن إسراء الغمغام، نشاطها الحقوقي في منطقة القطيف، عبر تسجيل ونشر المسيرات السلمية المناهضة لحكم آل سعود، والتي كانت بدايتها مع ثورات الربيع العربي في 2011، وكانت أبرز مطالبها إيقاف سياسة التمييز ضد الشيعة. وتستند النيابة العامة في طلبها بالإعدام على مبدأ "التعزير" في الشريعة، وفقًا لهيومن رايتس ووتش، والذي يكون للقاضي فيه حرية التصرف في تعريف الجريمة وتحديد الحكم.

اقرأ/ي أيضًا: "محكوم عليهن بالصمت".. الانتهاكات ضد نساء السعودية تفضح تناقضات ابن سلمان

انتقادات دولية

وقالت سارة ليا ويتسن، تعليقًا على طلب النيابة: "كل إعدام مروع، لكن السعي إلى إعدام نشطاء مثل إسراء الغمغام، وغير متهمين حتى بأعمال عنف، أمر فظيع. يومًا بعد يوم، يجعل استبداد السلطات السعودية غير المحدود المهمة أكثر صعوبة على شركات العلاقات العامة، في الترويج لمقولة الإصلاح الخرافية بين حلفائها والشركات الدولية".

وعبر جاستن ترودو، رئيس الوزراء الكندي، عن قلقه إزاء الحكم على الناشطين الحقوقيين في السعودية، وأكد مواصلة الدفاع بشدة عن حقوق الإنسان. فيما تأتي هذه التصريحات بعد أزمة كبيرة افتعلتها السعودية عقب انتقاد أوتاوا لتوقيف ناشطين سعوديين في مجال حقوق الإنسان. فيما بدا تأكيدًا على فشل تخبط ابن سلمان، في إسكات منتقدي الانتهاكات الحقوقية التي تمارسها الرياض.

وأصدرت منظمة العفو الدولية بيانًا حول طلب النيابة وطالبت من الحكومة السعودية إسقاط حكم الإعدام عن الناشطة السعودية إسراء الغمغام والمتهمين الآخرين، واعتبرت سماح حديد، مديرة برنامج الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، أنه في حال تنفيذ الإعدام سيشكل ذلك تهديدًا لناشطين آخرين بسبب عملهم في مجال حقوق الإنسان وتظاهرهم السلمي، ونوهت أن السعودية أكثر بلدان العالم تنفيذًا لحكم الإعدام.

النساء في عهد ولي العهد

في 17 كانون الثاني/يناير الماضي، أصدر مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وهو مبادرة منظمتين غير حكوميتين (الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب)، تقريرًا  تحت عنوان "محكوم عليهن بالصمت"، استعرض التقرير الأوضاع السيئة التي تعيشها المدافعات عن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية .

ومنذ صعود ولي العهد محمد بن سلمان، كررت السلطات السعودية حملاتها الأمنية ضد جميع التيارات والأفكار، وشنت السلطة مؤخرًا حملة على ناشطات وحقوقيين ليبراليين في المملكة، واعتقلت البعض منهم، وكانت قد بدأت في الفترة من أيلول /سبتمبر حتى تشرين/أكتوبر من العام الماضي، حملة لاعتقال العشرات من الكتاب والصحفيين والمثقفين والدعاة والمدونين، إضافة إلى قضاة، كما قامت السلطات في تشرين الثاني/نوفمبر، بحملة اعتقالات لـ 50 من الشخصيات البارزة من أمراء ووزراء سابقين ورجال أعمال بحجة الفساد بعد ساعات من إنشاء هيئة لمكافحة الفساد، تابعة لمحمد بن سلمان.

منذ صعود ولي العهد محمد بن سلمان، كررت السلطات السعودية حملاتها الأمنية ضد جميع التيارات والأفكار

جاءت حملة الاعتقالات للناشطات النسويات والنشطاء الليبراليين قبل أيام من تطبيق قرار قيادة المرأة للسيارات الذي نفذ في حزيران/يونيو الماضي، رغم أن من المعتقلات من كانت رائدة في المطالبة بالسماح بقيادة المرأة.

ودشنت اللجان الإلكترونية للنظام السعودي حملة ضد المعتقلين ووصفتهم بعملاء السفارات الأجنبية عبر هاشتاغ "عملاء السفارات"، وتسبب اعتقال الناشطات لأزمة سياسية بين المملكة وكندا عندما انتقدت السلطات الكندية اعتقال بعض الناشطات، واضطرت المملكة لسحب السفير السعودي من كندا وطرد السفير الكندي من المملكة واستدعاء كافة المواطنين السعوديين في كندا، حتى الطلاب والمرضى من المستشفيات.

وبالرغم من الانتقادات الدولية، وفشل نهجه في ردعها، يبدو أن ابن سلمان ماض في طريقة، ضد كل مطالب بالإصلاح أو الحريات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حزمة أوامر العاهل السعودي.. خطة محمد بن سلمان للسيطرة على كل شيء

زيف الاعتدال السعودي.. اعتقال وتشهير بحق ناشطات نسويات