15-يوليو-2023
الاتحاد الأوروبي وتركيا

تمتلك تركيا المسار الأطوال في تاريخ الانضمام للاتحاد الأوروبي، والذي لم يتحقق حتى الآن (Getty)

منذ إعلان البرلمان الأوروبي أن تركيا تتمتّع بأهلية الترشّح لعضوية الاتحاد الأوروبي عام 1997، عاصرت تركيا أربع حقب رئاسية مختلقة، وتعاقب على رئاسة مفوّضية الاتحاد الأوروبي خمسة رؤساء، وضمّ الاتحاد الأوروبي 12 بلدًا دون تركيا، حتى تجميد المفاوضات رسميًا عام 2019، في حكاية دبلوماسية طويلة من غير المعروف شكل نهايتها حتى الآن. 

التقديرات لا تشير إلى قرب انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، حتى لو عادت المفاوضات، مع رغبة حقيقية في تتويجها باتفاق

لم تخفِ أنقرة ولا الاتحاد الأوروبي ضجرهما من الطرف الآخر خلال ربع قرن، فاتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاتحاد الأوروبي بأنه "نادٍ للمسيحيين"، وقال في تصريحات أخرى عام 2013 أن تركيا لن تبقى تحت رحمة الاتحاد الأوروبي، فيما أعلن الاتحاد الأوروبي أن الديمقراطية التركية تنزلق نحو الهلاك. وفي مناسبةٍ أخرى، قال وزير خارجية ألمانيا إن الاتحاد الأوروبي سيمنع انضمام تركيا ما دام أردوغان على رأس هرم السلطة.

لعل ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هو أحد أطول الأزمات الدبلوماسية المستمرة والشائكة في فترة ما بعد الحربين، وهو ما لخصه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل أيام، بالقول: "تركيا واقفة على باب أوروبا منذ 50 عامًا". وستحاول هذه المادة الإجابة، عن أسئلة، مثل من أين بدأت هذه الأزمة؟ وما هي تفاصيلها؟ وإلى أين تتجه خصوصًا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، والتطوّرات اللافتة بموافقة تركيا على انضمام السويد للناتو؟

تنا

تاريخ تركيا الطويل للانضمام إلى أوروبا

وصفت محاولة اندماج تركيا في أوروبا، بـ"البداية المبشرة"، فقد كانت تركيا من أوائل الدول التي انضمت للمجلس الأوروبي عقب الحرب العالمية الثانية، أحد الروافد التي مهّدت الطريق لتشكيل الاتحاد الأوروبي بالشكل الذي نعرفه اليوم، ومن ثم تابعت طريقها بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) مطلع خمسينات القرن الماضي، ومن ثم أبرمت المجموعة الاقتصادية الأوروبية (هيئة أخرى شكّلت جزءًا من نواة الاتحاد الأوروبي الحالي) اتفاقية ارتباط مع أنقرة عام 1963، عُرفت بـ"اتفاقية أنقرة". 

وينسب الفضل في هذا التقارب المتسارع مع أوروبا والدول الغربية عمومًا، للجهد الكبير، الذي بذله مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك والبنية السياسية التي تركها خلفه، والتي كانت تسعى إلى "غربنة" تركيا، إلى درجة ظهرت في تصريحات رئيس المجموعة الاقتصادية الأوروبية وولتر هالستين، بقوله: "تركيا جزءٌ من أوروبا".

أمّا جذور الأزمة الحالية، فهي تعود إلى عام 1974 بعد غزو تركيا لقبرص وسيطرتها على الجزء الشمالي، مما نتج عنه أزمة لا تزال تداعياتها تُلقي بظلالها على العديد من الملفات الجيوسياسية، ومنها انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

getty

يضاف إلى ما سبق، تضاؤل قيمة تركيا الإقليمية بعد انتهاء الحرب الباردة ونهاية تهديد الاتحاد السوفيتي، وهو ما أدّى إلى خطابٍ أوروبي "بارد" تجاه أنقرة، بدأ مع تقديم تركيا طلب رسمي للحصول على عضوية كاملة في المجموعة الاقتصادية الأوروبية عام 1987. وتزامن ذلك مع ظهور فجوات أخرى منها الفجوة الاقتصادية والسياسية، إذ طالبت أوروبا تركيا بتنفيذ الإصلاحات اللازمة لتكون على ذات النسق مع دول أوروبا الأخرى.

بالتزامن مع الأحداث السابقة، تشكّلت معالم أوضح لانضمام أي دولة إلى الاتحاد الأوروبي مع اعتماد ما يُعرف بمعايير كوبنهاجن عام 1993، التي قامت على ثلاثة أركان، هي المعيار السياسي الذي يشترط وجود نظام ديمقراطي في الدولة صاحبة الطلب، يحترم حقوق الإنسان، وسيادة القانون، وحقوق الأقليات. والمعيار الاقتصادي الذي يشترط أن تمتلك الدولة اقتصادًا قائمًا على سوق لديه القدرة على المنافسة. والمعيار المؤسّساتي الذي يشترط على الدولة أن تملك القدرة على الامتثال لمتطلّبات العضوية.

وعلى من رغم من تباطؤ عملية الاندماج التركية في الاتحاد الأوروبي، فقد وقّعت تركيا عام 1996 اتفاقية جمارك مع الاتحاد الأوروبي لتسهيل التجارة. فيما أعلن الاتحاد الأوروبي عام 1997 في قمة لوكسمبورغ أن تركيا تتمتّع بأهلية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتدشّن ذلك بعد عامين بإعلان الاتحاد الأوروبي أن تركيا أصبحت رسميًا دولة مرشّحة لنيل عضوية الاتحاد، لتبدأ قصة أنقرة الطويلة مع مسارها الأوروبي. 

وشعرت أنقرة من جديد بعدم وضوح موقف الاتحاد الأوروبي عام 2004 بعد موافقته على ضمّ 10 دولٍ من أوروبا الشرقية، على الرغم من أن ملف تركيا لا يزال معلّقًا، وكانت تركيا قد قدّمت طلبها للانضمام قبل هذه الدول.

ومع هذا التعثر، حدثت انفراجة جديدة في الملف، مع إعلان الاتحاد الأوروبي أن مفاوضات انضمام تركيا ستبدأ في شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 2005، حول 35 محورًا مختلفًا (تُعرف باسم فصول) تمسّ جوانب مختلفة كقانون الضرائب، والبيئة، والسياسات الاقتصادية وغير ذلك. ومنذ ذلك الحين لا يزال سير المفاوضات في تخبّطٍ مستمر، إذ لم يتمّ إغلاق سوى فصلٍ واحد يتعلف بالبحث العلمي، وهناك 19 فصلاً لم تبدأ المفاوضات حولها.

getty

شهد العقد التالي المزيد من التنصّل الأوروبي، مع التلويح بخيار "الشراكة الخاصة" في أكثر من مناسبة، بدلاً من العضوية الكاملة لتركيا، حيث اقترح الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي عام 2011، ومثله المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، خيار الشراكة الخاصة مع تركيا، وهو ما قُوبل برفض كامل من أنقرة التي أصرّت على خيار العضوية الكاملة في أكثر من مناسبة. 

وازدادت الأمور ضبابية في السنوات التي تلت ذلك، مع تصدّر أزمة اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي، ومحاولة الانقلاب في تموز/يوليو 2016. 

وعلى الرغم من محاولة تركيا استخدام أزمة اللاجئين للحصول على المزيد من الدعم، وتحريك ملف انضمامها للاتحاد الأوروبي، إلّا أن هذه الأزمات في صالح تركيا، فمن ناحية أدّى تدهور الاقتصاد التركي إلى إضعاف موقف تركيا أمام أوروبا، ومن الناحية الأخرى لم يفوّت الاتحاد الأوروبي الفرصة لانتقاد الإجراءات التي اتخذها أردوغان عقب محاولة الانقلاب لانتقاد "حالة التقهقر الديمقراطي في تركيا"، حتى أن أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي قال، إن التعديل الدستوري هو بمثابة وأدٍ فعليّ لفرص انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

هذه الأزمات لم تبقى طويلًا تحت السطح، ووصلت نهايتها بإعلان الاتحاد الأوروبي تعليق مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد عام 2019، ومنذ ذلك الحين لم تطرأ أي تطوّرات مهمة، باستثناء التصريحات المتبادلة بين الطرفين، كان من أبرزها تصريح المستشارة الألمانية السابقة ميركل، التي قالت إن ألمانيا تدعم إنهاء المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وتصريح مشابه للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وكانت آخر وثيقة رسمية أصدرها الاتحاد الأوروبي بخصوص هذا انضمام تركيا، التي تحول إلى المعلم الأبرز في العلاقة بينها وبين دول أوروبا، تقرير صدر في تشرين الأول/أكتوبر 2022 أكّد أن تركيا لم تتحرّك لحل المشاكل التي لمسها الاتحاد الأوروبي، مثل التدهور المستمر للديمقراطية، وسيادة القانون، والحقوق الأساسية، واستقلال القضاء.

اللاجئون والناتو: عصر جديد من الركود؟

طوال السنوات الماضية، كان أردوغان يدرك، أن ملف الانضمام للاتحاد الأوروبي ليس مجرد مفاوضات ذات مسار واحد قد تُفضي إلى قبول أو رفض لطلب الانضمام، بل قد يكون ورقة ضغط لم يفوت "رجل الدولة" أردوغان بتوظيفها في مسارها وخارج مسارها.

ومن هذه التوظيفات، تهديده أوروبا بالسماح بتدفّق اللاجئين إلى أوروبا بعد يوم واحد من مطالبة البرلمان الأوروبي بإنهاء المفاوضات مع تركيا، وكان ذلك في سياق ما عُرف باتفاقية اللاجئين التي أبرمتها أنقرة والاتحاد الأوروبي عام 2016. وكان الهدف من الصفقة الحدّ من أعداد اللاجئين الوافدين إلى أوروبا عبر السواحل اليونانية، مقابل منح تركيا معونات مالية تبلغ 6 مليار يورو، فضلًا عن إلغاء شرط التأشيرة للمواطنين الأتراك للدخول إلى منطقة شنغن، التي تضمّ 27 بلدًا أوروبًيا، أمّا النقطة الأهم في الاتفاق، فقد كانت إعادة تنشيط مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. 

getty

ومع أن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قد وصف الاتفاقية بأنها أثمرت نتائجًا ملموسةً. في المقابل، أبدت أنقرة عدم رضاها عنها، وادعت أكثر من مرة أن الاتحاد الأوروبي لم يقم بالوفاء بالتزاماته المالية، وهو ما دفع تركيا إلى التلويح بفتح أبواب أوروبا أمام اللاجئين في أكثر من مناسبة

وفي هذه الفترة، تمكنت تركيا من تحقيق نجاحات محدودة، من خلال الحصول على دعم سياسيّ وماليّ وتجاري مع أوروبا، ولكنها لم تزحزح الموقف الأوروبي كثيرًا، فضلًا عن تقليل تداعيات الأزمة الإنسانية، التي وصفتها منظّمة العفو الدولية في بيان صدر بعد عام من إبرام الاتفاقية بـ"عام من العار على أوروبا". 

ويُنظر إلى تعليق المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي عام 2019، بمثابة انعتاق لتركيا من الوعود المفتوحة للاتحاد الأوروبي، مما منح أردوغان الفرصة للاقتراب أكثر من روسيا.

وبعد سنوات من افتقاد تركيا لأهميتها على إثر نهاية الحرب الباردة، عادت لتلعب دورًا محوريًا، مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، ولتساهم في الحفاظ على الأمن الأوروبي، حيث وضع أردوغان في موقف قوة وتوازن بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، كما يقول كاتب الفورين أفيرز ستيفان جلينسكي

ومن أهم المكتسبات التي حصلت عليها تركيا، والتي ظهرت نتيجة الغزو الروسي، التحكّم بطلب انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو في ظلّ التحذيرات الروسية المستمرة من الإقدام على هذه الخطوة.

getty

وبعد أشهر من موافقة أنقرة على طلب فنلندا، وافق أردوغان على طلب انضمام السويد للحلف العسكري، مع ربطه الموافقة بفتح الباب لتركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي، وهو ما رفضته المفوّضية الأوروبية سريعًا، مشيرةً إلى الانفصال بين الملفات. ورغم ذلك، حصلت تركيا على ثمن الموافقة سريعًا، بعد إعلان الولايات المتحدة أنها ستمضي قدمًا بعلمية بيع طائرات إف-16 لتركيا، ولكن دون أن تستطيع إحداث تغيير إيجابيّ حقيقي يدفع بالاتحاد الأوروبي للعودة إلى طاولة المفاوضات.

ومع استمرار أزمة اللاجئين والحرب في أوكرانيا، ومع دور تركيا في الأزمتين، وبافتراض أن هذه القضايا هي أهم ما تمتلكه إدارة أردوغان، من أجل مساومة الاتحاد الأوروبي، فإن أي زخم سياسي يمكن تحصيله من هذه الأزمات، قد بدأ بالنفاذ، ومن ناحية أخرى فإن تعامل أردوغان مع ملف انضمام السويد وفنلندا للناتو، لم يبعث على الثقة في علاقته مع دول الاتحاد الأوروبي.

تعقيد بيروقراطيّ أم تحامل سياسي؟

تكشف قصة محاولة انضمام تركيا عن تعقيدات وتشابكات كثيرة في العلاقة طوال السنوات الماضية، وما بين تصريحات أردوغان عن كون الاتحاد "نادٍ مغلق"، واعتبار أن أي ضمانات أعطتها أوروبا لتركيا كانت مجرّد دغدغة للمشاعر تُخفي توجّسًا أوروبيًا من المدّ التركي نحو أوروبا كما تذهب إليه بعض الوثائق القديمة، أم أن الموضوع هو ببساطة عدم قدرة تركيا على الإيفاء بمعايير كوبنهاجن، أي مجرّد شروط بيروقراطية بحتة، خصوصًا أن الاتحاد الأوروبي قد طالب رومانيا وبلغاريا بإصلاحاتٍ إدارية قبل انضمامهم رسميًا عام 2007، على سبيل المثال.

من الصعب الجزم بالسبب الحقيقي والفعلي وراء كل هذا التعثر في ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، لكن الحقيقة، هي أن ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي هو بالفعل حالة استثنائية، تختلف عن جميع ملفات الدول الأخرى من ناحية بيروقراطية بحتة، ولا يقتصر ذلك فقط على أن المفاوضات كانت هي الأطول لأي دولة انضمت إلى الاتحاد الأوروبي، بل حتى الانتقال من مرحلة إلى أخرى لم يكن سلسًا بالنسبة إلى تركيا.

-

إسبانيا

النمسا

بولندا

تركيا

كرواتيا

تقديم الطلب

1977

1989

1997

1987

2003

بتّ المفوّضية

1978

1989

1997

1989

2004

الحصول على وصف "مرشّح"

1978

1989

1997

1999

2004

بداية محادثات الانضمام

1978

1993

1998

2005

2005

نهاية محادثات الانضمام

1985

1994

2003

-

2013

الانضمام رسميًا

1986

1995

2004

-

2013

مراحل انضمام عدد من الدول الأوروبية ومقارنتها مع تركيا (المصدر: Brookings/Pew Research Center)

المسار المعقد السابق لتركيا، يقودنا إلى سؤال: كيف تُدار عملية انضمام دولة ما إلى الاتحاد الأوروبي؟ كما ذكرنا سابقًا، لا بد لأي بلد أن يستوفي معايير كوبنهاغن الثلاثة، التي يمكن تلخيصها سريعًا بوجود نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون، ووجود اقتصاد سوق تنافسي، والقدرة الإدارية على الامتثال لمتطلّبات عضوية الاتحاد الأوروبي. 

وتمرّ الدولة الراغبة بالانضمام للاتحاد، بثلاثة مراحل قبل إعلانها رسميًا عضوًا من أعضاء الاتحاد الأوروبي، وهي الترشّح ومن ثم مفاوضات الانضمام ومن ثم توقيع اتفاقية الانضمام.

وفي مرحلة الترشّح، يُشترط أن يعطي مجلس الاتحاد الأوروبي موافقةً بالإجماع على طلب الدولة بعد إحالتها من المفوّضية الأوروبية، وبعد ذلك تصبح الدولة مرشّحة، ويتخلّل هذه المرحلة تقديم معونات ودعم للدولة المرشّحة كي تستطيع استيفاء متطلّبات الانضمام في المراحل التالية.

وبعد ذلك تبدأ مرحلة المفاوضات (التي تخوضها تركيا منذ 2005)، وتتمحور حول 35 فصلًا تضمّ التشريعات والقوانين والقرارات القضائية التي تشكّل معًا نصّ قانون الاتحاد الأوروبي (يُعرف باسم Acquis communautaire، وعادةً يُشار إليه بـAcquis).

وفي حال نجاح المفاوضات، وهي المرحلة الأطول، توقّع الدولة على اتفاقية الانضمام التي يُشترط أن توقّع عليها جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

getty

وتستغرق عملية الانضمام ما معدّله تسع سنوات، منها خمس سنوات في مرحلة المفاوضات، وهو ما يدلّل على أن الحالة التركية غير طبيعية إذ أن المحادثات قد استغرقت ما يقارب العقدين من الزمن.

وبناءً على ما سبق، تردد عدة سؤال عن كون تركيا تقع في قارة آسيا، باعتبار أن 97% من أراضيها داخل القارة الآسيوية، إلّا أنّ هذه البند تم تجاوزه فعليًا منذ عام 1963، مع الإقرار بأن "تركيا هي جزء من أوروبا".

أمّا بمراجعة معايير كوبنهاجن وانطباقها على تركيا، فمن الناحية الاقتصادية تُعدّ تركيا دولة فقيرة ذات ناتج قوميّ إجمالي منخفض مقارنةً بدول أوروبا، ولكنها في نفس الوقت أغنى من بلغاريا، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي. 

ومن الناحية الأخرى فعلى الرغم من الإصلاحات السياسية التي شهدتها البلاد في آخر 20 عامًا، كإلغاء عقوبة الإعدام عام 2004، لا يبدو الاتحاد الأوروبي مقتنعًا بأن تركيا تستوفي المعايير السياسية المطلوبة من دولةٍ في الاتحاد الأوروبي.

وقريبًا من الاقتصاد، فإن مخاوف الاتحاد الأوروبي، من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، تعود لاعتبارات أن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، قد يُثقل كاهل القارة العجوز في محاولة رفع الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن مخاوف من وجود حركة انتقال كبيرة للأتراك في مختلف أنحاء أوروبا. بالإضافة إلى، مسألة التوتّرات الجيوسياسية بين تركيا من جهة وقبرص واليونان من جهةٍ أخرى التي تزيد من تعقيد الموقف، مع إصرار تركيا على إبقاء قواتها في قبرص، وبدورها تُصرّ قبرص على منع فتح فصولٍ أخرى في المفاوضات مع تركيا حتى حلّ هذه الأزمة.

وهناك مخاوف أوروبية أخرى، مرتبطة في الجانب الأمني، ومرتبطة في موقع تركيا الجغرافي، حيث يشار مرارًا إلى أن حدود أوروبا، ستصبح لصيقة بشكلٍ مباشر مع الحدود السورية والعراقية والإيرانية.

جانب آخر تتذرع بها أوروبا، في إحباط محاولة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، يتعلق بكونها ستصبح الدولة الأكبر من ناحية تعداد السكان مناصفة مع ألمانيا في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة لكونها ذات غالبية مسلمة، ولا يظهر هذا الجانب كثيرًا في التصريحات المرتبطة في ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، لكنه يظهر في تصريحات متعددة، مثل تصريحٍ لأحد المسؤولين في الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني الذي قال عام 1997 إن "الاتحاد الأوروبي هو مشروع حضارة، ولا مكان لتركيا في هذا المشروع"، وتصريح آخر لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الذي لم يخص تركيا، ولكنه وصف "أوروبا بالحديقة التي يجب حمايتها في عالم من الأدغال المتوحّشة".

getty

تركيا والاتحاد الأوروبي.. إلى أين؟

في عام 2014، نشر معهد بروكنغز ورقةً بعنوان "رحلة إلى المجهول" تحاول تصوّر السيناريوهات الثلاث المحتملة للعلاقة بين أنقرة وبروكسل، بين التنافسيةٍ العدائية، والتعاون، والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وقد أشارت الورقة إلى أن حالة الضبابية المستمرة تفاقم التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي.

والتقديرات، لا تشير إلى قرب انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، حتى لو عادت المفاوضات، ومع رغبة حقيقية في تتويجها باتفاق، فلا شكّ أنها ستستغرق سنوات في ظلّ وجود العديد من القضايا الشائكة التي لا بدّ من النظر فيها. 

على الرغم من التوجّس الأوروبي من تركيا، فإن طرح الاتحاد الأوروبي لخيار "الشراكة الخاصة" يدلّل على أن أوروبا لا تستطيع الاستغناء عن تركيا في الوقت الحالي، لا سيما وأن تركيا تمسك بمفاصل العديد من القضايا التي تمسّ الاتحاد الأوروبي، مثل الحرب في أوكرانيا.

زكي وزكية الصناعي

من جانبها، تُشير الأستاذة جامعة صبنجة، إبرو تورهان، إلى حالةٍ من اللاتناظر بين نمو العلاقات السياسية الباردة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وبين نمو العلاقات الاقتصادية المستمر، إذ لا يزال الاتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي الأهم لأنقرة. وهذا اللاتناظر، كما تقول تورهان في ورقةٍ نشرها مركز إسطنبول للسياسات عام 2020، قد يؤدّي إلى عواقب غير محمودة لتركيا والاتحاد الأوروبي على حدٍّ سواء، وهو توجه غير مستدام. 

ويعود ذلك إلى أن الوضع الاقتصادي الحالي يسمح للاتحاد الأوروبي بالوصول إلى السوق التركي، ولكن لا تستطيع تركيا الوصول إلى السوق الأوروبي بسبب العوائق الاقتصادية، وهو ما يؤدّي إلى إضعاف الناتج القومي الإجمالي التركي بنسبة 1.5%. ومن الناحية الأخرى استصعبت الكثير من الدول الأعضاء التكيّف مع التشريعات الجديدة التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي في أعقاب أزمة "اليورو زون"، وهو ما أبرز الحاجة، باعتراف الاتحاد الأوروبي نفسه، إلى إيجاد بنيةٍ أكثر مرونة تستطيع استيعاب القدرات المختلفة للدول الأوروبية، ولعل ذلك ينطبق على تركيا.

في عام 2014، نشر معهد بروكنغز ورقةً بعنوان "رحلة إلى المجهول" تحاول تصوّر السيناريوهات الثلاث المحتملة للعلاقة بين أنقرة وبروكسل، بين التنافسيةٍ العدائية، والتعاون، والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

وهذا ما تذهب إليه ورقة أخرى كتبتها الأستاذة في جامعة كارلوس الثالث في مدريد إلكي تويغور، لمعهد كارنيغي، التي تشدّد على الأهمية الاستراتيجية البالغة لبقاء تركيا شريكًا حيًّا للاتحاد الأوروبي، فضلًا عن وجود جالية تركية كبيرة في أوروبا، حيث تقترح في ورقتها محاولة إعادة هيكلة الشراكة القائمة بين الجانبين.