30-مايو-2023
gettyimages

الملف الأبرز على الصعيد الغربي، والذي سيتعامل معه أردوغان هو انضمام السويد للناتو (Getty)

تثير الانتخابات التركية اهتمامًا إقليميًا ومتابعة عالمية، أقرب ما تكون إلى الاهتمام في متابعة الانتخابات الأمريكية، وذلك لأسباب عدة، فالبلد الذي يُعدّ ضمن أكبر 20 اقتصادًا في العالم، وعضوًا بالغ التأثير في حلف الناتو، يلعب أدوارًا هامةً على الصعيد الإقليمي والعالمي، سواء في تحركاته بالمنطقة من سوريا والعراق وليبيا، وصولًا للغزو الروسي على أوكرانيا، ومحاولته التوسط فيه.

وما زاد من أهمية الانتخابات التركية، هو ظهور منافس لأردوغان، تمثل في المعارضة التركية ومرشحها كمال كليجدار أوغلو، النقيض التام لأردوغان، والذي كان من الممكن أن يفتح تركيا على تقلبات واسعة في التوجهات والمواقف السياسية الخارجية.

السياسة الخارجية التركية، ستحتل مكانة بارزة في الملفات التي سيتعامل معها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

أمّا العامل الآخر، هو توجه السياسة الخارجية التركية، إلى التخفيف من حدة الخلافات والذهاب نحو سياسة خارجية "تصالحية" إلى حدِّ ما. وفي حوار سابق لـ"الترا صوت" مع المختص في الشأن التركي سعيد الحاج، قال عن سياسة أنقرة الخارجية: "انعطاف بوصلة السياسة الخارجية التركية نحو تدوير زوايا الخلاف، مع عدد من الدول الإقليمية، هو أمر سرعت من وتيرته الانتخابات التركية. ولكنه، ليس مسارًا مرتبطًا في الانتخابات بشكلٍ حصري، وباعتقادي هو مسار تبدو أنقرة مقتنعة به ومرشح للاستمرار بعد الانتخابات". 

ويُنظر للسياسة الخارجية التركية باعتبارها من أبرز الملفات التي سيتعامل معها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذلك بعد فترة متوترة مع الدول الغربية، مع توجه أردوغان إلى سياسة "تصفير الخلافات"، بالإضافة إلى انعكاسها على الحالة الاقتصادية الداخلية في تركيا.

الانتخابات التركية 2023

وظهرت انعكاسات الانتخابات على سياسة تركيا الخارجية بشكلٍ مباشر، فقد أعلن مساء الإثنين، عن اتفاق الرئيس التركي مع عبد الفتاح السيسي، على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وأنقرة وتبادل السفراء، وذلك بعد بداية التقارب خلال الشهر الأخير من العام الماضي، وتبادل زيارات وزراء الخارجية، وهي علاقات يمكن أن تنعكس على ملفات أخرى، مثل الحالة في ليبيا، بالإضافة إلى ترسيم الحدود في المتوسط.

في تقرير سابق لـ"الواشنطن بوست" قالت الصحيفة الأمريكية، إنه في ظل حكم أردوغان "نما دور تركيا كوسيط إقليمي ودولي وكقوة لا يستهان بها"، وعلى ذلك الأساس، ستتم مراقبة نتائج الانتخابات عن كثب في جميع أنحاء الشرق الأوسط وحول العالم. وستحاول هذه المادة، عرض انعكاس الانتخابات الرئاسية التركية، على بعض الملفات الإقليمية والدولية.

تركيا ونظام الأسد

ظلال الانتخابات التركية الثقيلة انعكست بشكلٍ كبير على اللاجئين السوريين في تركيا، وسط حملة تحريض واسعة من المعارضة التركية القومية، تبناها المرشح الرئاسي التركي كمال كليجدار أوغلو، والتي دارت كلها حول ترحيل اللاجئين السوريين.

سبق ذلك، تقارب بين تركيا والنظام السوري، تسارع بشكلٍ كبير نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي، وذلك بناءً على خطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي بدأت بالحديث عن اجتماعات أمنية يتبعها لقاءات وزراء الخارجية، وصولًا إلى اللقاء بين الرئيس التركي ورئيس نظام الأسد، وهي خطة تعثرت مع زيادة وتيرة تطبيع نظام الأسد مع الدول العربية.

لم تتقدم الخطة التركية ضمن تصور أنقرة، وبعد لقاء وزير دفاع تركيا مع وزير دفاع نظام الأسد، لم تصل الاجتماعات إلى لقاءات وزراء الخارجية، إلّا خلال الفترة الماضية، وذلك بعد تأجيل متكرر، بالتزامن مع وضع نظام الأسد عدة شروط من أجل استكمال عملية التطبيع، من بينها انسحاب تركيا من الشمال السوري.

getty

وفي التصريحات الأولى، بعد ظهور نتائج الانتخابات التركية،  أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، عدم وجود خطة لعقد قمة على مستوى الرؤساء، بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد في الوقت الحالي.

وأوضح كالن، أن الاجتماعات حاليًا مع نظام الأسد، تعقد على مستوى رؤساء أجهزة المخابرات، مشيرًا إلى أن النقاشات مع النظام السوري تدور حول "مكافحة الإرهاب واتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني في المنطقة"، والقضية الثانية "تتعلق بضمان عودة اللاجئين إلى سوريا بطريقة آمنة وكريمة وعلى أساس طوعي، وضمان استمرارية هذه العملية، وتوفير بيئة اقتصادية مستدامة لهم".

وعلى مستوى مسألة اللاجئين، جدد كالن التأكيد على النهج التركي الذي يتحدث عن "العودة الطوعية للاجئين"، رافضًا المواقف العنصرية التي ظهرت في الحملة الانتخابية، ومجددًا دعم عملية المفاوضات بين النظام السوري والمعارضة السورية.

وبحسب تقديرات إعلامية، فإن تطبيع أنقرة مع النظام السوري، هو من أصعب الملفات المطروحة على طاولة أردوغان، خاصةً مع رفض الأخير مطلب النظام السوري بالانسحاب من الشمال، بدون إنهاء سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على الشمال الشرقي من سوريا، وذلك في ظل بناء حملته الانتخابية حول ما يصفه بـ"محاربة الإرهاب"، مع الإشارة إلى تقدم في هذا الملف لن تكون سريعةً.

getty

أنقرة وتل أبيب: علاقة مستقرة "حاليًا"

ترتبط تركيا بعلاقة شائكة مع إسرائيل، فهي علاقة قوية ومستقرة حتى عام 2008 مع بداية توتر نسبي في العلاقات، وصل إلى حدِّ القطيعة بعد مجزرة أسطول الحرية، وطرد السفير الإسرائيلي من أنقرة، وبداية عقد من العلاقات الباردة، لم تعد إليها الحرارة إلّا في آب/ أغسطس 2022، مع استئناف العلاقات الدبلوماسية بشكلٍ كامل وتبادل السفراء، مع استمرار الشراكة الاقتصادية والرحلات السياحية طوال الوقت.

هذه العلاقة المركبة، ظهرت في تهنئة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "الباردة"، والتي قدمت باللغة الإنجليزية وعلى حساب رئاسة الوزراء وليس حسابه الشخصي، بالإضافة إلى أنها وصلت بعد أكثر من نصف يوم على نهاية الانتخابات الجولة الثانية من الانتخابات التركية. بالمقارنة مع تهنئة رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ، التي نشرت على حسابه الشخصي بالتركية والعبرية والإنجليزية، وخلال الساعة الأولى من إعلان نتائج الانتخابات. قبل أن يتحدث أردوغان ونتنياهو، مساء الإثنين، هاتفيًا حيث "ناقشا تعزيز العلاقات بين البلدين. كما أعرب أردوغان عن شكره لنتنياهو على مساعدة إسرائيل في أعقاب الزلازل التي ضربت البلاد في شباط/ فبراير".

ويُعد هرتسوغ "عراب" إعادة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، وذلك بعد زيارته تركيا العام الماضي واللقاء مع الرئيس التركي، حيث كانت زيارته هي الأولى لمسؤول إسرائيلي منذ عام 2008، وهي الزيارة التي انتهت مع وعود بـ"تعزيز" العلاقات، وتجاوز فترة "الجفاف".

getty

إلى جانب ما سبق، فإن بداية عودة العلاقات الفعلية بين تركيا وإسرائيل، كانت في عهد حكومة يائير لبيد ونفتالي بينيت، حيث زار الأول أنقرة، بصفته وزيرًا للخارجية، وساهم في بداية استئناف الرحلات الجوية من الشركات الإسرائيلية للمطارات التركية، بعد خلافات طويلة على الترتيبات الأمنية.

وعلى مستوى حكومة نتنياهو الحالية، فقد زار وزير الخارجية الإسرائيلية إيلي كوهين أنقرة، في شباط/ فبراير الماضي، عقب وقوع الزلزال المدمر، وإرسال إسرائيل لفريق إغاثة من جيش الاحتلال، استمر عمله لعدة أيام.

وشهد عهد حكومة لبيد وبينيت، التعاون الأمني الأبرز بين تل أبيب وأنقرة، وذلك بعد اغتيال عقيد في الحرس الثوري في العاصمة الإيرانية، حيث نشطت فرق أمنية تركية وإسرائيلية، في تركيا بعد تقديرات أمنية تتحدث عن إمكانية تنفيذ مجموعات إيرانية عمليات انتقامية داخل تركيا ضد سياح من إسرائيل. وفي المقابل، أعلنت أنقرة، الأسبوع الماضي، عن اعتقال خلية مرتبطة في الموساد الإسرائيلي، بعد تقارير مشابهة صدرت في تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي.

وعلى صعيد التواصل المباشر مع مركز صنع القرار الفعلي في إسرائيل خلال الفترة الماضية، وباستثناء المكالمة مع نتنياهو يوم أمس، تحدث أردوغان عبر الهاتف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، بعد أسبوعين من فوز الأخير في الانتخابات، وأعرب عن رغبته في مواصلة تعزيز العلاقات بين البلدين، وكانت هذه هي المحادثة الأولى بين الاثنين منذ عام 2013، عندما اعتذر نتنياهو لأردوغان عن مقتل نشطاء أتراك، على يد جيش الاحتلال، خلال اقتحام سفينة مافي مرمرة. 

كما تحدث أردوغان مع رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، والتقى مع يائير لبيد خلال فترة توليه منصب رئيس الوزراء في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

أمّا عن تقييم العلاقة بين إسرائيل وتركيا حاليًا، يقول محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية سيث فرانتزمان، إن "العلاقات وثيقة على السطح فقط، لأن تحديات كبيرة لا تزال قائمة". 

ويسرد فرانتزمان التوترات "متعددة الطبقات" بين أنقرة وتل أبيب، مع الإشارة للنشاط التركي في المنطقة خلال العقد الأخير، حيث يشير إلى أنها استضافت حركة حماس، كما أنها حاولت في مرة أن تعلب دورًا ضمن عملية السلام بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. بالإضافة إلى أن تركيا نشطت إقليميًا على مدار السنوات الماضية، وبالأخص خلال سنوات حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي توصف بأنها سنوات "التراجع الأمريكي في المنطقة".

زكي وزكية الصناعي

ومع نمو مكانة تركيا، ووضع إسرائيل الحالي، يقول سيث فرانتزمان: "اليوم، تبدو أنقرة أكثر ثقة في أن سياساتها قد حققت النجاح والاحترام الذي تريده. ما قد يعنيه ذلك هو أنه يمكن لتركيا وإسرائيل تحقيق تسوية مؤقتة، حيث لا تتشارك حكومتا نتنياهو أو أردوغان في القيم أو تتفقان بالضرورة، لكنهما يستطيعان المناورة مع قدر أقل من الجدل مما كان عليه في الماضي".

أمّا تقديرات الكاتب الإسرائيلي حول العلاقة بين أنقرة وتل أبيب، فهي تدور حول ما يصفه بـ "بدون توترات، ولكن ليست علاقات دافئة"، مشيرًا إلى أن الوقت سيكشف عن إمكانية تغير هذا المبدأ الذي يحكم العلاقة حاليًا.

ويختتم سيث فرانتزمان مقالته بالإشارة إلى أن، "الاتجاه العام نحو الحلول الدبلوماسية في المنطقة، يخفف من إمكانية تراجع العلاقات"، ومع ذلك يضيف "لا يوجد الكثير من الريح في أشرعة أي تحسن عام في العلاقات، لأنه من غير المرجح أن يستفيد نتنياهو أو أردوغان من أي نوع من الاحتضان العلني"، وفق تعبيره.

getty

أمّا افتتاحية صحيفة "جيروزاليم بوست"، فقد انطلقت في التعامل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باعتبارها "زئبقيًا ومتقلبًا"، مشيرةً إلى أن هذه الصفة كانت الأكثر ظهورًا في علاقته مع تل أبيب.

وتلخص الصحيفة الإسرائيلية العلاقة الإسرائيلية التركية، بالقول"لقد تأرجح من موقف هادئ تجاه إسرائيل في الأيام الأولى من ولايته، إلى موقف معادٍ صريح تجاه إسرائيل في الجزء الأكبر من فترة حكمه، إلى نهج أكثر براغماتية اليوم".

وحول التغير الجديد في العلاقة بين أنقرة وتل أبيب، تضيف الصحيفة الإسرائيلية: أنه "ليس نتيجة أي تغيير مهم من القلب. أردوغان لم يرى النور فجأة، وأدرك أن إسرائيل ليست نقمة في الشرق الأوسط بل نعمة"، معتبرةً أن هذا التغير جاء نتيجة "تصور أردوغان المتغير لمصالح تركيا".

وترى الصحيفة الإسرائيلية هذا التغير، ضمن ثلاثة نقاط أساسية، الأولى تتعلق بالاقتصاد التركي ورغبة أردوغان في شحن الغاز من إسرائيل إلى أوروبا عبر تركيا، والثانية تدور حول مساعدة تركيا في الخروج من العزلة الإقليمية بالإضافة إلى تحقيق الاستقرار من أجل جلب الاستثمارات، والثالثة تدور حول رغبته في استعادة العلاقة غير المستقرة مع الولايات المتحدة. والأخيرة هي نقطة محل تشكيك، نظرًا لعلاقة نتنياهو المتوترة مع إدارة بايدن.

والصحيفة الإسرائيلية التي تشكك في نوايا أردوغان، تؤكد أيضًا على مصالح إسرائيل الاقتصادية والاستراتيجية من التقارب مع أردوغان، لكنها تشكك في انقلابه الجذري تجاه إسرائيل، قائلةً في نصيحة للحكومة الإسرائيلية: "أردوغان الذي تقابلونه اليوم قد لا يكون أردوغان الذي ستقابلونه غدًا".

بودكاست مسموعة

أمّا عن التقديرات الإسرائيلية الرسمية، فهي تتوقع استمرار العلاقة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإسرائيل، بحسب صحيفة "هآرتس".

ويرى القنصل العام السابق لإسرائيل في تركيا عودي إيتام، أن العلاقة بين تركيا وأنقرة لن تتوج بأزمة، على الأقل في الفترة الحالية، كما أن أردوغان لا يمتلك سببًا لذلك حاليًا.

من جانبها، تقول الخبيرة في شؤون تركيا والباحثة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي جاليا ليندنشتراوس، إن التقارب التركي مع إسرائيل هو جزء من تحرك أوسع من جانب أردوغان لتحسين العلاقات الخارجية لتركيا.

ويدور إجماع إسرائيلي حول ثبات العلاقات بين أنقرة وتل أبيب في الفترة الحالية، فيما يقول الأستاذ في جامعة تل أبيب حي إيتان كوهين ياناروجاك لـ "هآرتس": "لقد مررنا بالفعل بتدهور كبير في علاقتنا مع أردوغان، ويبدو أنه لا يمكن أن تتدهور إلى نفس الدرجة مرة أخرى، لكن هذا لا يعني أنه لن يكون هناك المزيد من الأزمات"، مشيرًا إلى إمكانية يحصل ذلك نتيجة حرب إسرائيلية واسعة في قطاع غزة على سبيل المثال.

getty

علاقة شائكة مع الغرب

في تصوره حول شكل السياسة الخارجية التركية، قال نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لأوروبا وأوراسيا من 2005 إلى 2009 ماثيو بريزا لصحيفة "العربي الجديد" بالإنجليزية، إن "تركيا في ظل حكم أردوغان، ستواصل دورها في بناء الجسور بين الشرق والغرب، وإن كان ذلك بتركيز أنقرة الآن على أن تكون راسخة في الشرق وعلى استعداد للتمسك بالغرب، أي أوروبا والولايات المتحدة، على مسافة ذراع أكثر".

وعلى مدار الأشهر الماضية، كانت الصحف الغربية أبرز المتحمسين لمرشح المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو في مواجهة أردوغان، مكررةً الحديث عن قيام الأخير بقلب شكل العلاقات القائمة حاليًا بين أنقرة والعواصم الغربية، بحيث يساهم في تقارب تركيا مع أوروبا والولايات المتحدة بشكلٍ أكبر. ومع فشل الرهان الغربي على المعارضة التركية، فإن أردوغان سيحدد شكل العلاقة والسياسة الخارجية لتركيا والدول الغربية في الخمسة أعوام المقبلة.

getty

والتوتر التركي مع الدول الغربية دار في الفترة الأخيرة، حول رفض تركيا فرض عقوبات شاملة على روسيا إثر غزو موسكو لكييف، مع محاولة تركيا القيام بدور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى رفض تركيا انضمام السويد إلى حلف الناتو، وهو ما انعكس على توترات مع الولايات المتحدة.

والمدخل لفهم هذه العلاقة الشائكة، يتكثف في التعامل التركي مع الغزو الروسي لأوكرانيا، وبينما ترفض تركيا فرض عقوبات شاملة على روسيا نتيجة الغزو، وتسعى للتوسط بين روسيا وأوكرانيا، وساهمت بشكلٍ فاعل في إتمام اتفاقية الحبوب، كما تمنع السفن الحربية الروسية من المرور عبر مضيق البسفور. وفي المقابل، فإن تركيا قامت ببيع الطائرات المُسيّرة لأوكرانيا.

أمّا الاختبار الأول للعلاقة بين تركيا والناتو، سيكون مع قمة الناتو المقبلة في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا في تموز/ يوليو المقبل، حيث سيطلب من تركيا رفع "الفيتو" عن انضمام السويد للحلف، مثلما حصل مع فنلندا مطلع العام الجاري.

getty

وفي أحدث تصريحات للرئيس التركي طيب أردوغان عن عضوية السويد في حلف الأطلسي، قبل نحو أسبوع، أكد على أن بلاده لن تنظر بإيجابية إلى عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي، ما دامت تسمح لامتدادات "التنظيمات الإرهابية" بأن تصول وتجول في شوارعها، وفق تعبيره.

وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية، لربط الموافقة على انضمام السويد للحلف، بصفقة طائرات مقاتلة أمريكية، متعثرة منذ حصول تركيا على مضاد إس- 400 الروسي. وعقب فوز أردوغان بالرئاسة، وخلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي، مساء الإثنين، قال الأخير إن "أردوغان يريد المضي قدمًا في موضوع مقاتلات إف-16"، فيما أعرب بايدن عن رغبته بإتمام ملف انضمام السويد لحلف الناتو، مشيرًا إلى حديث آخر مع الرئيس التركي الأسبوع المقبل لبحث هذا الملف.

هذه العلاقة المتشابكة بين تركيا والدول الغربية، تجعل من الصعب الضغط عليها بشكلٍ كبير من أجل قطع العلاقة مع روسيا بشكلٍ كامل وفرض عقوبات عليها، رغم وجود شركات روسية تعمل في تركيا كقناة لتجاوز العقوبات الغربية، خاصةً في ظل حاجة تركيا لضخ المزيد من الأموال في اقتصادها المتعثر،

والترجيحات تدور حول استمرار العلاقة التركية مع الدول الغربية في شكلها الحالي، مع الحفاظ على مستوى توترات منخفض ودون الوصول إلى انقلابات وخلافات جذرية كبيرة، في ظل التوازنات القائمة، والتي اتجهت نحو الثبات.

getty

وفي هذا السياق، قال الخبير في الشؤون التركية الذي يدير مكتب بروكسل لصندوق مارشال الألماني إيان ليسر، لـ"نيويورك تايمز": "انتصاره [أردوغان] مفيد للمجتمع والسياسة التركية، كما أنه أقل اضطرابًا للسياسة الخارجية. لا أرى علاقة مضطربة تزداد سوءًا".

من جانبها، قالت مديرة المعهد الإيطالي للشؤون الدولية ناتالي توتشي، "إنه بالنسبة لبروكسل، فإن فوز أردوغان فيه نوع من الارتياح، كان فوز المعارضة يعني أن بروكسل كان عليها أن تأخذ مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي بجدية أكبر"، وهو ملف من غير المتوقع أن يتقدم في ظل حكم أردوغان.

من المتوقع استمرار استقرار العلاقة المتوترة بين تركيا والدول الغربية، خلال الفترة المقبلة

ويترافق مع ذلك، سعي تركيا نحو التقليل من حدة خلافاتها في المنطقة المحيطة، مثل التوجه إلى تطبيع العلاقات مع أرمينيا، والاستمرار في الحوار مع إيران ودول آسيا الوسطى، والعمل على بناء شراكة متنامية مع الصين، مع الحديث عن إمكانية الانضمام إلى منظمة شنغهاي.