01-مايو-2023
الانتخابات التركية 2023

محور الاستقطاب الأساسي في الانتخابات سيكون شكل نظام الحكم في تركيا (الترا صوت)

تُعدّ الانتخابات التركية المزمع عقدها في منتصف أيار/مايو المقبل، الأبرز في تاريخ تركيا الحديث، وقد تكون من بين الأحداث البارزة الكبرى في المنطقة، لكونها تأتي بعد أكثر من 20 عامًا من حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، بالإضافة إلى تقاطعها مع الذكرى المئة لتأسيس الجمهورية في تركيا، وما يلتصق بكل ذلك من شحنات سياسية وعاطفية.

تشكل الانتخابات التركية المقبلة، حدثًا مفصليًا في النظام السياسي التركي، وستكون لها تبعات كبيرة على تركيا والمنطقة

كما تأتي الانتخابات في لحظة اتحاد غير مسبوق للمعارضة التركية، وهو اتحاد ذو أهداف انتخابية حتى الآن، تتمثل أساسًا في إسقاط أردوغان عبر صناديق الاقتراع والعودة إلى النظام البرلماني.

لا تشبه الانتخابات التركية الحالية سابقاتها، بحسب تقديرات عدة، ومن أجل ذلك، وبهدف تشكيل فهم أعمق لسياقات هذه الانتخابات، وبناء تصور أوفى عنها، أجرى "الترا صوت" هذا الحوار مع الباحث الفلسطيني المهتم بالشأن التركي الدكتور سعيد الحاج، وهو مؤلف كتاب “العلاقات التركية – العربية: الآفاق والصعوبات”، الصادر  عن الشبكة العربية للدراسات الاستراتيجية عام 2016. 


  • كتبت سابقًا عن انتخابات تركية مختلفة وأكثر تعقيدًا، كيف يمكن أن نفهم الانتخابات التركية الحالية؟

هي بالتأكيد انتخابات معقدة وتختلف كثيرًا عن الانتخابات التي خاضها رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية منذ التأسيس، وهي الأصعب على أردوغان والعدالة والتنمية. تبدو في ظاهرها كأنها انتخابات تتجاوز الإيديولوجيا، أي أنّ نقطة الاستقطاب أو التمايز ليست إيديولوجية، لكن هذا لا يعني بالضرورة حالة ديمقراطية أكثر نضجًا، إذ أن هناك ديناميات داخلية كثيرة دفعت بهذا الاتجاه.

إن محور الاستقطاب الأساسي، هو النظام الحاكم للبلاد، أي النظام الرئاسي الذي يريد أردوغان وحلفاؤه استمراره، فيما تريد المعارضة التركية إنهاءه والعودة للنظام البرلماني. لكن في الجوهر أعتقد أن الاستقطاب يدور حول استمرارية أردوغان من عدمها.

.

كما أن تعقيدات واختلافات الانتخابات التركية الحالية، تنبع أولًا من رمزية عام 2023، وهو عام مئوية الجمهورية التركية، كما أنها تمثل استفتاءً على أردوغان نفسه الذي يحكم منذ 21 عامًا. وهي استفتاء على النظام الرئاسي، لأنها أول انتخابات بعد إقراره -انتخابات 2018 جاءت بعد إقراره مباشرةً- أي أن هذه الانتخابات حالة حساب وتقييم من الناخبين لتطبيق النظام الرئاسي. 

إضافة لذلك، التطورات التي حصلت في تركيا الفترة الماضية، والمرتبطة بملفات اللاجئين ومن ثم الاقتصاد والزلزال المدمر، كلها جعلت من هذا الاستحقاق أصعب على العدالة والتنمية. وأخيرًا وربما هذا الأهم، أنه ولأول مرة يواجه حزب العدالة والتنمية، منافسةً من أحزاب تشبهه أو تشترك معه في الخلفية الفكرية والإيديولوجية، وهي الأحزاب المنشقة عنه، وأسسها قادة سابقون في العدالة والتنمية أو في الحكومة، وبناءً على ذلك هي فعلًا أصعب انتخابات يخوضها رجب طيب أردوغان والعدالة والتنمية.

Getty

 

  • هناك تحليلات تتحدث عن انتخابات بلا حسم، أي صعوبة الفوز بالبرلمان والرئاسة معًا، والحديث يدور عن حزب العدالة والتنمية، الذي تشكك التحليلات في قدرته على الفوز بالبرلمان مع الحديث عن إمكانية رجب طيب أردوغان من تجديد فوزه بالانتخابات الرئاسية، كيف ترى ذلك؟

في حالة التنافس الشديد وحالة الاستقطاب العميقة في تركيا، من الصعب الجزم بالنتائج، وأعتقد مع مرور الوقت والحملات الانتخابية سيكون هناك تغيرات طفيفة على التوقعات، مع الإشارة إلى أنه لا يمكننا أن نثق في استطلاعات الرأي بتركيا، لذلك فإننا نقدم توقعات حذرة. باعتقادي، ووفق المعطيات الحالية، سيكون أردوغان قادرًا على الفوز بالرئاسة مرةً أخرى، وعلى الأرجح في الجولة الثانية، إذ قد يصعب تصوّر الحسم في الجولة الأولى.

Getty

أمّا على مستوى البرلمان، أرى الحظوظ متساويةً إلى حدّ كبير، وأي فوز سيكون بأغلبية بسيطة، وبالتالي من الصعوبة حسم الانتخابات البرلمانية والرئاسية من الجولة الأولى لأي طرف. لكن، إذا كان هناك فعلًا جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية، فإن نتائج انتخابات البرلمان ستكون محددة ومؤثرة، والطرف أو التحالف الذي سيمتلك الأغلبية في البرلمان، سيكون له فرصة أكبر من أجل حسم الانتخابات الرئاسية. 

وبالتالي، إذا قُدر لتحالف الجمهور [تحالف أردوغان] الفوز بأغلبية ولو بسيطة في البرلمان فهذا سيعزز فرص أردوغان في جولة الإعادة، ولكن فوز المعارضة بأغلبية ولو بسيطة في البرلمان، ستجعل فرص أردوغان أصعب في جولة الإعادة، ورغم ذلك أرى أنه من المرجح فوزه في الانتخابات الرئاسية.

  • تظهر المعارضة في لحظتها الحالية متحدة، هل هذا التحالف حقيقي وجذري أم أنه تحالف انتخابي وهدفه إسقاط أردوغان فقط (خاصةً مع الخلافات التي ظهرت في أيامه الأولى)؟

تحالف المعارض حتى اللحظة هو تحالف آني، فيه تنوع ولكن فيه أيضًا اختلافات شديدة، وما يجمعه حتى اللحظة هو رفض النظام الرئاسي ورفض استمرار أردوغان. وبالتالي، نتائج الانتخابات المقبلة ستكون محددة جدًا لمصيره. ورأينا في عدة محطات عدم التوافق على موضوعات أساسية، وبغض النظر عن نتائج الانتخابات، من الصعب تخيل اجتماع التحالف وإدارة شؤون تركيا. لكن، الخسارة ربما ستكون إعلان فشل التحالف السداسي، وبداية مشاكل أكبر له حيث سيكون أقرب للتصدع والتشظي.

Getty

  • إسلاميون ضد أردوغان، كيف يمكن فهم هذه الظاهرة في الانتخابات التركية الحالية؟

وجود أحزاب إسلامية ضد أردوغان قد يبدو، ظاهريًا وللوهلة الأولى، وكأنه نضج في الديمقراطية التركية وتجاوز الإيديولوجيا والذهاب نحو عناوين سياسية أو حياتية. ولكن، لا أعتقد أن التجربة التركية قد وصلت بعد إلى هذه اللحظة، وأعتقد أن التحالف الحاصل اضطراري، ويعبر عن أزمة الأحزاب الجديدة المنشقة عن الأحزاب الكبيرة، وهذا ينطبق على الأحزاب المنشقة عن العدالة والتنمية والشعب الجمهوري. هذه الأحزاب الصغيرة لا تستطيع التحالف مع من يشبهها إيدولوجيًا لأنها انشقت عنه سياسيًا، وهي مضطرة أن تتحالف مع خصمها التقليدي، وهذا محرج لها إيديولوجيًا، ولكنه أخف الضررين، إن جاز التعبير. فهذه الأحزاب تبحث عن موطئ قدم لها في الحياة السياسية التركية، ولا إمكانية لذلك إلّا من خلال التحالف مع خصم الحزب الذي انشقت عنه، وفي هذه الحالة هو الشعب الجمهوري. وبالتالي، فإننا أمام حالة استقطاب ضد أردوغان.

Getty

 

  • تظهر المواجهة وكأنها قطبية بين رجب طيب أردوغان وكمال كليجدار أوغلو، إلى أين تميل التقديرات وما هي مميزات كل مرشح على حساب الآخر؟

هناك أربعة مرشحين للانتخابات الرئاسية، لكنِ المرشحان الرئيسيان هما كمال كليجدار أوغلو ورجب طيب أردوغان. أردوغان بالتأكيد يمتلك عناصر قوة كبيرة في مقدمتها الخبرة الطويلة في الحكم، والإنجازات التي قدمها لتركيا في ظل حكومات العدالة والتنمية المتتالية، في السياسة والاقتصاد والتجارة والتصدير وفي مكانة تركيا على مستوى العالم والإقليم، وحتى على مستوى إصلاحات كثيرة في الداخل. بالإضافة، للكاريزما التي يتمتع بها، وهو شخصية سياسية مخضرمة ويمتلك مهارات قيادية وخطابية، وهذا مفيد جدًا في الحملات الانتخابية. 

Getty

إلى جانب ما سبق، يستفيد أردوغان من تمتعه في تحالف وسعه مؤخرًا، بالإضافة إلى تقديم نفسه كضمانة الاستقرار في تركيا، ويحذر من أنه في حال وصول المعارضة للحكم، وخصوصًا في ظل الخلافات داخل المعارضة، قد يكون ذلك وصفةً للفوضى وخسارة تركيا لإنجازاتها ومكتسباتها التي تراكمت على مدار الأعوام الماضية.

في المقابل، فإن كل هذه الفترة الطويلة بالحكم، هي عامل ضعف للعدالة والتنمية ولأردوغان في الآن ذاته، وهناك كثر يريدون التغيير لأسباب متنوعة، متعلقة بهم أو بالعدالة والتنمية، فهناك ترهل وفساد وفقدان لحالة الزخم التي كانت موجودة في بدايات الحزب، كحالة أي حزب يحكم لفترة طويلة، كما أنه بعد فترة طويلة من الحكم يصعب إرضاء كل الأطراف، مما يرفع من المتذمرين أو المترددين أو الغاضبين، والذين خرج بعضهم من العدالة والتنمية في شكل أحزاب سياسية جديدة.

سعيد الحاج: كل هذه الفترة بالحكم، هي عامل ضعف للعدالة والتنمية ولأردوغان، وهناك كثر يريدون التغيير

بالنسبة إلى كليجدار أوغلو، أعتقد أن أحد أهم أوراق قوته، السابقة لتأسيس تحالف المعارضة التركية، هي فكرة التغيير التي يريدها كُثر وفي مقدمتهم الشباب، بالإضافة إلى جمع كل هذا العدد من الأحزاب ضمن تحالف الطاولة السداسية. وهي أحزاب من مشارب سياسية مختلفة، مما يتيح إمكانية تقديم نفسه بأنه لا يحكم بشكلٍ فردي. ومن خلال هذا التحالف المعارض أصبح قادرًا، على مخاطبة مختلف الشرائح في الشارع التركي، نتيجة التنوع في الأحزاب، وهذا عامل قوة زاد من رصيده بشكلٍ كبير، وتخطى بالتأييد القاعدة الصلبة لحزبه -الشعب الجمهوري- وحصل على دعم أحزاب متعددة إسلامية ويسارية وكردية ومحافظة وديمقراطية. 

وأعتقد أن الشعار المرفوع من قبل تحالف المعارضة: "العودة إلى النظام البرلماني"، وما يتبعه من عناوين مثل الديمقراطية والحريات والتشاركية، عامل قوة لأنها هدف أو عنوان بعيد عن الإيديولوجيا ومترفع عن الحزبية، وقادر على جذب أصوات متنوعة.

Getty

في المقابل، أعتقد أن لدى كليجدار أوغلو والتحالف المعارض، نقطة ضعف كبيرة وهي كليجدار أوغلو نفسه. فهو من جهة يفتقد للمهارات القيادية من خطابة وأدوات تواصل جماهيري، ولا يملك كاريزما أردوغان، وغير قادر على إثارة الحماسة لدى الجماهير في الحملات الانتخابية وهذا أمر مطلوب في الثقافة السياسية التركية. ولكن، من جهة ثانية وهذا هو الأهم، أن كليجدار أوغلو يتولى منصب رئيس حزب الشعب الجمهوري، وهو يحمل إرث هذا الحزب، وصحيح أنه ذهب في مسار مصالحات واعتذارات خلال السنوات الماضية عن بعض الأضرار والمظالم التي حصلت من حزبه في الماضي. لكنه، ما يزال يحمل هذا الإرث ويعبر عنه. 

وبالتالي، لا يعد كليجدار أوغلو المرشح المثالي، لأنه يمكن أن يثير بعض الهواجس لدى الإسلاميين وبعض الأكراد في الانتخابات، أي لو كان هناك مرشح آخر مكان كليجدار، وكان أقل وضوحًا من ناحية إيديولوجية وبعيدًا عن حزب الشعب الجمهوري، لربما كان أكثر قدرةً على سحب الأصوات من أردوغان. الأمر الثاني، هو أن التنوع الموجود في تحالف المعارضة التركية، ليس أمرًا إيجابيًا دائمًا، وهناك خلافات داخل التحالف بعضها ظهر على السطح، وبعض رواسب هذه الخلافات ما تزال موجودة. وهناك شكوك تدور حول التنوع والتباين داخل التحالف والقدرة على حكم تركيا، أي شكوك تدور حول كيفية الاجتماع على رأي واحد في حالات السلم والحرب وقضايا الأمن القومي، وغيرها من القضايا الخلافية. 

سعيد الحاج: لا يعد كليجدار أوغلو المرشح المثالي، لأنه يمكن أن يثير بعض الهواجس لدى الإسلاميين وبعض الأكراد في الانتخابات

أخيرًا، أعتقد أن المعارضة أخطأت في تقديم قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية، حيث ظهرت أسماء مرشحين الأحزاب الصغيرة على قوائم حزب الشعب الجمهوري، وهي خطوة ستساهم في جمع الأصوات ومنع التشظي وبالتالي قد تزيد عدد نواب التحالف في البرلمان. ولكنها، تفقد هذه الأحزاب الصغيرة -الأحزاب الإسلامية كما سميتها- فرصة سحب شرائح غاضبة من العدالة والتنمية كانت تبحث عن بديل عنه، ولكنها غالبًا لن تصوت لقائمة الشعب الجمهوري، وهذا عزز فرص العدالة والتنمية.

بالنظر إلى كل ذلك، فإنه من غير المتوقع أن يكون هناك فوز كاسح أو مريح لأي طرف من الأطراف، وبالتالي أعتقد أن الحملة الانتخابية، من هنا وحتى يوم الاقتراع، ستكون مُحَدِدة بل ومحددة جدًا، فهي تلعب على الأصوات المترددة، وهي نسبة تقدر حاليًا بحوالي 10%، وهي نسبة كبيرة جدًا بالنظر لحالة التنافس والاستقطاب الكبيرة. وبالتالي، الحملة الانتخابية وما سيظهر فيها من وعود ووسائل إقناع واستغلال أخطاء الخصم، ستكون محددة في النتيجة. لكن توقعي مرةً أخرى، هو أن يفوز أردوغان في جولة الإعادة.  

أصوات من تحت الركام

 

  • كيف ستنعكس كارثة الزلزال والأزمة الاقتصادية على الانتخابات التركية؟

في العموم ونظريًا، فإن الزلزال والأزمات الاقتصادية تصب بالتأكيد في صالح المعارضة، فالاقتصاد الذي كان بصمة العدالة والتنمية وأردوغان، تحول في السنوات الأخيرة الماضية إلى هدف للانتقادات. وينسحب ذلك أيضًا على الزلزال، باعتبار أن العدالة والتنمية في الحكم منذ 21 عامًا، وهو ما انعكس بتحميله المسؤولية السياسية عنه، لاسيما مع تعثر أعمال الإغاثة في أول يوم أو يومين. ولكن باعتقادي، أن أردوغان حاول ونجح في تقليل الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية والزلزال. 

في الجانب الاقتصادي، تسود في تركيا قبل الانتخابات، ما نسميه ’اقتصاد الانتخابات’ ويتمثل في زيادة إنفاق الحكومة على مختلف الشرائح، وبالأخص الشرائح الضعيفة، وتقليل الجباية الحكومية، مثل رفع الحدِّ الأدنى للأجور، ورفع رواتب المتقاعدين والموظفين، وتسهيل القروض، وإعادة جدولة الديون، ومشاريع إسكان، وتقديم الدعم للمزارعين، كل هذه الأمور تحاول التخفيف من وطأة الحياة اليومية وارتفاع الأسعار على المواطن، بحيث يدخل الناخب جو الانتخابات في حالة أقل ضررًا، ولا يؤثر ذلك على تصويته.

Getty

وبما يتعلق بالزلزال، أعتقد أن أردوغان نقل السؤال مِن "مَن المسؤول عن عدم الجاهزية للزلزال؟" إلى سؤال "من هو القادر على إحياء المحافظات المنكوبة وإعادة الإعمار؟"، وقدم نفسه باعتباره الأقدر على القيام بهذه المهمة، من خلال خبرته وتاريخه بالالتزام في وعود التعويضات عن الزلازل، كما أنه قدم وعدًا واضحًا بتسليم المباني المدمرة من الزلزال وإعادة إعمارها، خلال عام واحد. وبالتالي، أعتقد أن تأثير الزلزال والأزمة الاقتصادية، سيكون أقل بكثير مما كان متوقعًا قبل أسابيع، ومع مرور الوقت استطاع أردوغان لملمة بعض الآثار السلبية.

  • شككت أو لنقل حذرت عدة مرات من استطلاعات الرأي عن الانتخابات التركية، لماذا؟

مشكلة استطلاع الرأي في تركيا مرتبطة في عدة أبعاد. أولًا، هناك حذر عام لدى الشعب التركي، وربما له علاقة في الإرث السياسي في البلاد، فهي لا تعكس واقع الشارع التركي بشكلٍ كبير، ويبدو أن هناك حذرًا في التعاطي مع استطلاعات الرأي في الشارع التركي. 

ثانيًا، وهو الأهم، هو شركات الاستطلاعات نفسها، وهي في معظمها غير دقيقة أو موضوعية، وجزء كبير منها مسيس، وعلى علاقة مع الأحزاب السياسية بمختلف أنواعها، وبعضها حريص على إظهار تقدم الأحزاب المرتبطة معها، وجزء منها ليس بالضرورة مسيسًا بشكلٍ كبير، ولكنه يفتقر للأدوات المهنية. وعند النظر إلى تفاصيل الاستطلاعات، ترى أنها ليست عينات ممثلة للشارع التركي، ولا تخرج النتائج بشكلٍ دقيق. ولذلك، عند النظر إلى نتائج استطلاعات الشركات التي تعقد في نفس التوقيت، تظهر التباينات الكبيرة بينها، ولذلك أقول دائمًا إنه لا يمكن الوثوق في استطلاعات الرأي والبناء عليها لتوقع دقيق، ولكن يمكن الاستئناس بها في سياقات معينة، بمعنى في حال أجمعت كل الاستطلاعات على قضية ما أو مقارنة نتائج نفس الاستطلاع على مدار فترة زمنية، أما ما دون ذلك فلا يمكن الاعتماد عليه. في حالة الاستقطاب الشديد وتقارب الفرص، أعتقد أن استطلاعات الرأي لا تصلح لأن تكون أداة يمكن البناء عليها في توقع نتائج الانتخابات. 

Getty

 

  • نرى سياسة تركية تتجه نحو تصفير الخلافات الإقليمية، هل هي لحظة راهنة مرتبطة بالانتخابات أم أنها ملمح للسياسة الخارجية التركية في الفترة القادمة؟

انعطاف بوصلة السياسة الخارجية التركية نحو تدوير زوايا الخلاف ولا أقول تصفير الخلافات، مع عدد من الدول الإقليمية، هو أمر سرعت من وتيرته الانتخابات التركية القادمة، ومن الواضح توجه أردوغان نحو تخفيف حدة التوتر في السياسة الخارجية، بحيث يكون مردودها إيجابيًا على الانتخابات. ولكنها، ليست مسارًا مرتبطًا في الانتخابات بشكلٍ حصري، وباعتقادي هو مسار تبدو أنقرة مقتنعة به ومرشح للاستمرار بعد الانتخابات. 

التخفيف من حدة التوتر، وعدم الدخول في نزاعات كبيرة، وتعظيم فرص التعاون المشترك في المجالات المالية والاقتصادية، ستكون أمرًا مؤثرًا في عدة ملفات، مثل التعاون مع مصر في ليبيا، وفي شرق المتوسط، وأعتقد أنها مسارات ستبقى قائمة وستستمر بعد الانتخابات وبغض النظر عن نتيجتها. 

Getty

 

  • ما انعكاس الانتخابات على اللاجئين السوريين والأجانب في تركيا؟

اللاجئون حضروا كملف أساسي للأسف على أجندة الانتخابات. وذلك لعدة أسباب، أولًا لأن المعارضة رفعت شعار إعادة اللاجئين، وخصوصًا السوريين.  وثانيًا لظهور أحزاب عنصرية، كل همها التركيز على اللاجئين السوريين والأجانب، حيث قاموا بتأسيس تحالف وقدموا مرشحًا يمينيًا للانتخابات. 

وبالتالي، سيبقى ملف اللاجئين أحد ملفات الانتخابات في الحملة الانتخابية، وهنا أعتقد أن العدالة والتنمية تنبه لهذا الأمر وحاول سحب هذه النقطة من يد المعارضة، من خلال محاولة تقنين الوجود الأجنبي داخل تركيا، من خلال إصدار قوانين وتعليمات بخصوص الوجود الأجنبي، مثل أذون الإقامة، والسكن في بعض الإحياء، وانعكس ذلك في تراجع حدة التعامل الإعلامي مع مواضيع اللاجئين. لكن، هذا الملف سيستمر خلال الانتخابات، فيما ينخفض تأثيره، رغم استمرار محاولات استغلاله، مع اعتقادي بأنه لن يحضر بشكلٍ كبير، نتيجة وجود ملفات سبقته في الأهمية، مثل الزلزال والأزمة الاقتصادية.

Getty

 

  • نهاية، في حال الفوز أو الخسارة، كيف ترى مستقبل العدالة والتنمية بعد أردوغان؟

أعتقد أن سؤال العدالة والتنمية ما بعد أردوغان، هو سؤال شائك ومعقد، وفي سنوات سابقة ربما كانت ستكون الإجابة مختلفة. ولكن حاليًا، وبعد ما حصل من تغيرات كبيرة في العدالة والتنمية وبعد خروج قيادات وازنة من الحزب، بعضها أصبح خارج السياسة تمامًا وبعضها في أحزاب منافسة، لم يعد هناك أسماء مرشحة قوية تخلف أردوغان، وقادرة على جمع شمل الحزب، وتوحيده خلفها، من خلال جمع كل التيارات الموجودة والمتنافسة داخله. سابقًا، كان هناك شخصيات موجودة داخل الحزب وقادرة على فعل ذلك، وهو ما يغيب اليوم عن العدالة والتنمية.

وبالتالي، أعتقد أنه خلال الخمسة أعوام المقبلة، ستكون المهمة الأولى ربما والأصعب على أردوغان، هي التفكير في مصير الحزب ما بعد قيادته. بالطبع، كان هناك وما زال شخصيات قوية من التيار القومي أو المحافظ أو الليبرالي، لكن في ظل وجود أردوغان ليس هناك فرص لحسم هذا الخلاف، ولا توجد إشارات لأي تيار ستكون الغلبة بعد أردوغان. 

وفي حال خسارة الانتخابات ستكون المهمة أصعب على العدالة والتنمية، لكن الفوز سيمنحه خمسة أعوام إضافية، قد يستطيع من خلالها ترتيب أوراقه الداخلية من أجل الترتيب لمرحلة ما بعد أردوغان، إن كان يفكر بهذه الطريقة.