22-مايو-2017

ترامب والعاهل السعودي في الرياض (بندر الجلود/الأناضول)

لم نتعامل مع دونالد ترامب بالجدية الكافية منذ ظهوره على الساحة السياسية، وأقصد هنا بنحن الصحفيين والإعلاميين والسياسيين والفاعلين في الوسط السياسي بأي شكل كان. تبنى الرجل قبل أن يصل إلى سدة الحكم خطابًا شعبويًا يستهدف فئة كبيرة من الشعب الأمريكي، تلك الفئة التي تخشى صعود التيار الإسلامي، ولديها ما يكفي من الفوبيا الإسلامية لكي تدعم أي خطاب ولو كان عنصريًا ضد تنامي قوة الجماعات الإسلامية في المنطقة العربية، والتلويح بتهديد تلك الجماعات لمستقبل واستقرار الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بكل تأكيد.

حان الوقت للاعتراف بذكاء ترامب وحنكته السياسية، بخاصة في التعامل مع الملفات الخارجية

توجه الرجل بخطاب ضد التطرف الإسلامي وضد المملكة العربية السعودية كأحد مصانع الأفكار المتطرفة داخل المنطقة، متخذًا من تعاظم قوة داعش والجرائم الإرهابية التي قامت بها داخل بعض الدول الأوروبية وقودًا لخطابه، كما لوح بخطر ازدياد أعداد اللاجئين على استقرار الدول، واعتمد على سياسة الترهيب من انهيار الأمن الذي يتمتع به المواطن الأمريكي، وأن الولايات المتحدة ليست بعيدة عن التطرف والعمليات الإرهابية، مُقدّمًا نفسه كمنقذ آنيّ ورجل الساعة ضد تلك الجماعات المتطرفة والمخاطر المحيطة.

اقرأ/ي أيضًا: فوز ترامب كانتصار للتمرد 

الرجل ليس غبيًا كما يبدو عليه، هذه هي القصة باختصار، تعاملنا معه كمختل عنصري يمثل اليمين المتطرف، إلا أن هذه الرؤية كانت قصيرة المدى وبحاجة لإعادة النظر ولمراجعات عديدة.

حان وقت الاعتراف بذكاء الرجل وحنكته السياسية، بخاصة في تعامله مع الملفات الخارجية، فاختار ترامب بميكافيلية بالغة المهارة أن يبدأ زياراته الخارجية بالدولة التي طالما عاداها، المملكة العربية السعودية، هادمًا كل الخلافات التي بناها في حملته الانتخابية، ليتحول الخطاب العنصري المهاجم للتطرف الإسلامي، لخطاب عن التسامح في الدين الإسلامي وضرورة التوحد ضد المتطرفين ولفظهم، ويأتي خطابه من داخل الأراضي السعودية نفسها.

دعم الحكومة الأمريكية للأسرة الحاكمة السعودية، يكسبها شرعية ويبرأها من تهمة "صناعة الإرهاب"

يدرك ترامب جيدًا ضرورة كسب السعودية كشريك مؤثر في المنطقة العربية، وكشريك مؤثر وورقة ضغط مهمة في الملفات الدولية المتعلقة بالأزمتين السورية واليمنية، بالإضافة للاستثمارات التجارية أو استثمارات السلاح التي يضمنها برضا العائلة المالكة> وفي المقابل تسعى السعودية لتقديم نفسها كزعيم جديد للعرب تحل محل مصر في ظل التغيرات الجيوسياسية الصارخة في السنوات الست الماضية، وفي ظل رضوخ النظام المصري وتبعيته للنظام السعودي، ورعونته في التعامل مع مسائل متعلقة بالأمن القومي أو حتى قرارات مصيرية تخص المنطقة العربية.

فبدعم الحكومة الأمريكية للأسرة الحاكمة السعودية، يكسبها شرعية ويبرئها من التهم التي طالتها من صناعة الإرهاب والأفكار المتطرفة، فها هو الشخص الأول الذي يناهض التطرف الإسلامي في العالم يقف بجوار ملك السعودية، وها هم يستقبلونه بحفلات غنائية راقصة للمرة الأولى في تاريخهم، محاولين دحض تهم التطرف والإرهاب والظهور بالمظهر المتسامح المسالم الودود.

هذه العلاقة الوليدة بين السعودية وأمريكا، تجعل الأخيرة تغض النظر عن الجرائم العسكرية للسعودية في اليمن

 وبالطبع هذه العلاقة الوليدة تجعل الولايات المتحدة تغض النظر عن الجرائم العسكرية التي ترتكبها المملكة السعودية داخل الأراضي اليمنية، والتي تتم أصلا بصفقات سلاح أمريكية بمليارات الدولارات، لذا من مصلحة أمريكا أن يستمر الوضع كما هو وأن تغض النظر عن جرائم المملكة في اليمن، ويجمعهم معًا مصلحة مشتركة متمثلة في الضغط على إيران العدو اللدود للمملكة السعودية، وشريكة روسيا ضد أمريكا فيما يخص الملف السوري.

اقرأ/ي أيضًا: السعودية وإيران.. إنه النفط

يمكننا القول أن المصلحة متبادلة تمامًا وواضحة كالشمس، وأن المملكة العربية السعودية على استعداد لدفع مئات المليارات من الدولارات من أجل انتزاع ولو جزء بسيط من سيطرة إيران وتدخلها في المنطقة العربية، ومن أجل تقديم نفسها كزعيمة للعرب والمسلمين، أدرك ترامب هذه النقطة جيدًا واستغلها ونجح حتى الآن في الفوز باستثمارات سعودية بأكثر من 350 مليار دولار.

 

اقرأ/ي أيضًا:

زيارة ترامب للسعودية.. ترويض العنصرية بالاستثمار والعلاقة مع إسرائيل!

ترامب في السعودية.. ركضًا وراء المليارات وهربًا من الفضائح