11-أكتوبر-2016

السيسي مع الملك عبد الله

من المنطقي أن يمتد الخط على استقامته؛ جاء إلينا بلا برنامج رئاسي، بلا خطة، وكان من المفترض أن يسير كل شيء هكذا. كانت العبثية في مصر قبلة عفن فوق عفن متراص بشكل مهندم الفساد مؤسسي وله رموز وقواعد وأبناء ومنهجية ومسموح فيه بهامش من المعارضة السياسية أو "المسخرة" بين قوسين، وكانت ثلاثة عقود من الاستقرار في مجارير الفساد والرطانة الوطنية يختبئ تحتها كل الصراعات والفزاعات والطائفية والعنصرية وحرب الجوع وكتائب التبرير والتصنيف والتطبيل.

أما في عهد السيسي السعيد فلا شكل لشيء، لا تفاهمات منطقية. رُدت العبثية إلى الأصل الذي أتت منه، لا رؤية في الفساد فهو متروك لأمزجة المحتكرين من التجار المحليين والأجانب والمستفيدين في الداخل والخارج. الشيء الوحيد الذي اتفق عليه الجمع المستفيد هو الإفقار والإذلال والتخويف حتى يبدو المشي في مظاهرة ضربًا من ضروب الانتحار ومغامرة الذاهب بلا عودة أو ربما أن هذه أيضًا تُركت لمزاج الموت إذ يتحكم بالجموع.

صوتت مصر في مجلس الأمن لصالح مشروعين متناقضين بشأن حلب، الأول هو المشروع الفرنسي الذي استخدمت فيه روسيا حق الفيتو، والثاني هو المشروع الروسي الذي أثار تصويت مصر عليه بالموافقة حفيظة كل من قطر والسعودية وفي سياق تبرير سياسية "عنب الشام وبلح اليمن" كما يقول المصريون عن الشخص الحائر.

الملمح الوحيد الواضح في السياسة الخارجية هو منح مقابل منح، بيع الميراث والأرض وتمليكها لمن يستطيع أن يدفع

فقد صرح مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة عمرو عبد اللطيف أن: "تصويتنا لصالحهما لم يكن يستهدف سوى التعبير عن موقف مصر التي ضاقت ذرعًا من التلاعب بمصير الشعوب العربية بين القوى المؤثرة في الصراعات بالمنطقة"!

اقرأ/ي أيضًا: كيف تحاول مصر احتواء الغضب السعودي تجاهها؟

الحقيقة أن الأمر بات مثيرًا للشفقة، لا يصدقه أكثر الدراويش سذاجة ومحبة لأعدائه، ذلك أن النظام المصري الحريص على عدم التلاعب بمصير الشعوب هو أول المتلاعبين بمصير شعبه نفسه، فعلى سبيل المثال لا الحصر النظام المصري يعطي للعالم دومًا أبدع الأمثلة في التلاعب بمصير وحياة الشعوب، فهو يصدر أحكام الإعدام وينفذها ثم يصدر أحكام البراءة بعد تنفيذ الإعدام كما حدث مع قضية عرب شركس التي حُكم فيها بالإعدام على خمسة خرج منها 3 بعد إعدامهم بأحكام البراءة.

وهو الذي بعد القمع والقهر والتجويع يدفع الشباب إلى ركوب البحر على مراكب مهترئة أملًا في مستقبل أفضل ثم يمنع الصيادين من انتشال الأحياء أو يتركهم لمصيرهم في البحر بين فكي السمك والرطوبة والملوحة، وحين يقبض عليهم يضع في أيديهم الأصفاد حتى وهم على أسرتهم في المستشفيات.

النظام المصري يعطي للعالم دومًا أبدع الأمثلة في التلاعب بمصير وحياة الشعوب، فهو يصدر أحكام الإعدام وينفذها ثم يصدر أحكام البراءة بعد تنفيذ الإعدام كما حدث مع قضية عرب شركس

السياسية الخارجية المتبعة هي أنه لا سياسة!
الملمح الوحيد الواضح في السياسة الخارجية هو منح مقابل منح، بيع الميراث والأرض وتمليكها لمن يستطيع أن يدفع لتتحول مصر إلى سوق كبير تتراص فيه "مبيعاتها" من الأراضي والمشروعات والتاريخ لمن يستطيع أن يتكفل بمصاريفها لبعض الوقت!

لذلك ولأمور عديدة لم أستغرب تصويت مصر مرتين لصالح قرارين متناقضين، ولم أستغرب تبليغ مصر شفهيًا أن السعودية لن تمدها بالمنتجات البترولية لأنها فاتورة اللامنطق واللاخطة.

وها قد جاء على النظام المصري حين من الزمان أصبح مطالبًا فيه بأن يقدم لعبثه شيئًا من المنطق حتى لا يورط نفسه في المزيد من الفضائح والمهاترات التي يدفع فاتورتها من مستقبلنا. نحن الذين أوقعنا قدرنا في هذه الفترة الزمنية المظلمة.

اقرأ/ي أيضًا:
ماذا قالت هيومان رايتس ووتش عن سجن العقرب؟
ما قد يخبرنا به نمر الغابة عن الهجرة غير الشرعية