17-ديسمبر-2016

دونالد ترامب أثناء أحد مؤتمراته الانتخابية (بريان بلانكو/Getty)

في هذا المقال، المنشور في جريدة نيويورك تايمز الأمريكية، يرصد الصحفي والناشط كارلوس "دي لا توريه" السياقات المتشابهة للشعبويين في أمريكا اللاتينية وفي سياسة ترامب، واضعًا المشترك بين معسكري الشعبوية في مناطق مختلفة جنبًا إلى جنب، مؤكدًا أن الخطاب الشعبوي في مجمله ومضمونه واحد. وخلص إلى أن مؤسسات المجتمع المدني الأمريكي قد تجد نفسها في معركة طويلة من الكفاح ضد ترامب وسياساته.

يميل الزعماء الشعبويون إلى تقديم أنفسهم بصفتهم شخصيات فريدة مهمتها تحرير الناس، وليحصلوا على أصواتهم يلجؤون إلى تسييس مشاعر الخوف

هل سيتبع دونالد ترامب سيناريو تكريس السلطة من خلال سحق منتقديه؟ هل مؤسسات الديمقراطية الأمريكية ومؤسسات المجتمع المدني قوية بما فيه الكفاية لتصمد أمام هذه الممارسات؟.. للحصول على إجابات علينا أن نلقي نظرة على أمريكا اللاتينية حيث، ومنذ مطلع الأربعينيات، كان الرؤساء المنتخبون عاملًا مقوضًا للديمقراطية.

اقرأ/ي أيضًا: أهم 10 أحداث ميزت العالم في 2016

الشعبوية ليست أيديولوجيا بل هي أداة للوصول إلى القوة والنفوذ. اثنان من أكثر الرؤساء تأثيرًا في أمريكا اللاتينية، "خوان بارون" في الأرجنتين، و"هوجو تشافيز" في فنزويلا، كلاهما كان ينظر للسياسة بصفتها مواجهة بين معسكرين عدوين، فهما لا يتبنيان في رؤيتهما فكرة "الخصم السياسي" بل فكرة العدو، الذي يجب تدميره.

يميل الزعماء الشعبويون إلى تقديم أنفسهم بصفتهم شخصيات غير عادية مهمتها تحرير الناس. ليحصلوا على أصوات الناس يلجؤون إلى تسييس مشاعر الخوف والاستياء. وبمجرد وصولهم إلى السلطة فإنهم يقومون بمهاجمة الإطار الدستوري الليبرالي للديمقراطية ويعتبرونه تقييدًا لإرادة الناس.

غالبًا ما يدعي الشعبويون أنهم يمثلون كل الناس، وهم في العمق ضد التعدد بشكل كامل. ذات مرة قال هوجو تشافيز متفاخرًا: "الأمر لا يخص هوجو تشافيز وحده بل يخص أمة بأكملها"، كذلك قال ترامب في اجتماع حاشد في ولاية فلوريدا: "الأمر لا يخصني وحدي بل هو عن كل واحد منكم، عنا جميعًا، بصفتنا بلد واحد".

مصطلح "الشعب" غامض، الشعب بالنسبة لبارون وتشافيز هم المضطهدون والملونون، أما بالنسبة لترامب فالشعب هم السكان البيض المسيحيون المنتجون للثروة الذين لا يعيشون على المساعدات الحكومية.

بالنسبة لبارون وتشافيز كان الأعداء هم السياسيون الفاسدون والنخب الاقتصادية الأجنبية صاحبة الأجندات الخاصة، والإمبريالية ووسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص. أما في الحملة الانتخابية لترامب فإنه تم تصوير المكسيكيين بصفتهم ذلك "الآخر" المعادي للأمريكيين، ويصور المسلمين على أنهم الإرهابيين الأكثر عداءً لقيم المسيحية الأمريكية، وصور الأفارقة الأمريكيين على اعتبار أنهم مجموعات مهملة أو ضحايا يعيشون ظروف اليأس والاغتراب. من أعداء ترامب أيضًا، الأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام، وكذلك الشركات والدول التي تستفيد من العولمة، والنخب الليبرالية التي تدافع عن اللياقة السياسية.

يضبط الشعبويون قواعد لعبتهم السياسية الخاصة، وجزء من مهمتهم يكمن في العبث بالمضمون الإعلامي. تشافيز ورفاييل كورييا، الزعيم القومي للإكوادور، عبثا بالحدود الفاصلة بين الترفيه والأخبار، مستخدمين برنامجهم التلفزيوني الأسبوعي للترويج لسياساتهم ومهاجمة المعارضة، وغناء الأغاني الشعبية، وبطبيعة الحال "تهييج حماسة الناس". كانوا دومًا على تويتر يواجهون الأعداء، كانت برامجهم التلفزيونية تعرض "جموحهم" وكلماتهم الخارجة لإعلاء نسب المشاهدة. اتبع ترامب ذات النهج بتحويل المناظرات حول القضايا الوطنية إلى برامج تلفزيون الواقع.

اقرأ/ي أيضًا: أين ينتصر الشعبويون في العالم؟ ولماذا؟

منذ أن شعر الزعماء القوميون في أمريكا اللاتينية أنهم مهددون من قبل أولئك الذين يشككون في تجسيد هؤلاء الزعماء لتطلعات الناس، بدؤوا بمحاصرة الصحافة. بيرون وتشافيز قاموا بتأميم الصحف التي تنتقدهم، ألبرتو فيجيموري، زعيم بيرو، استخدم الصحف لتشويه معارضيه، وقد استخدم "كورييا" النظام القانوني لفرض غرامات خيالية على الصحفيين وأصحاب وسائل الإعلام.

الشعبويون لم يقوضوا الديمقراطية بانقلاب على السلطة بل هم يقومون بخنق الديمقراطية ببطء من خلال مهاجمة الحريات المدنية

دياريو أووي، صحيفة يسار الوسط في الإكوادور التي كنت أكتب فيها عمودًا، اضطرت إلى إنهاء أعمالها بسبب انتقادها الحكومة وكالعديد من الصحفيين والمثقفين في الإكوادور، أصبحت هدفًا للرئيس، الذي أهانني مرتين في برنامجه التلفزيوني الوطني. ومثل أبناء عمومته القوميين في أمريكا اللاتينية يُظهر ترامب ازدراء لوسائل الإعلام فقد هدد الصحف والصحفيين برفع دعاوى التشهير، بينما قلل حدة هجومه أثناء الدعاية الانتخابية.

هاجم قوميو أمريكا اللاتينية أيضًا المجتمع المدني، وبالمثل فقد استخدم ترامب لهجة شديدة الحدة ضد جماعات الحقوق المدنية مثل "Black Lives Matter" أو "حياة السود تهم"، أحد معاونيه تحدث عن إعادة إحياء لجنة الأنشطة غير الأمريكية. كذلك عن دعمه لعمليات الترحيل الجماعي، ودعمه لاستراتيجيات التوقيف والتفتيش في مجتمعات السود واللاتينيين ومراقبة المسلمين الأمريكيين، والتراجع عن دعم مؤسسات المرأة ومجتمعات (LGTB) "مجتمعات المثليين والمتحولين جنسيًا"، كل ذلك يمكن أن يؤدي إلى مواجهات مع منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات العمل المدني.

القوميون في أمريكا اللاتينية لا يحترمون التراتبيات الدستورية مثل الفصل بين السلطات. فهم يحاولون دومًا السيطرة على السلطة القضائية، والسيطرة على كل مؤسسات الرقابة الممكنة. وإنشاء الأحزاب على أساس الولاء غير المشروط لزعيم. عندما يصل هؤلاء الزعماء إلى السلطة في الأزمات، مثلما حدث مع تشافيز وكورييا فإن الزعيم يقوم بالسيطرة على السلطة على حساب الديمقراطية. في الأرجنتين، قاوم المجتمع المدني القوي استراتيجية "كريستينا فيرنانديز" في الاستقطاب الشعبوي ومنعها من تغيير الدستور الأرجنتيني بحيث ُيسمح لها بالبقاء في السلطة لفترة أخرى.

وللولايات المتحدة تقليد من الضوابط والتوازنات للسيطرة على السلطة السياسية، فالدستور يقسم السلطة إلى ثلاثة فروع، والانتخابات على فترات متباعدة، السلطة: مقسمة بين الولايات والحكومة الاتحادية، وهناك اثنان من الأحزاب المهيمنة. في ظل هذه القيود وحتى انتخاب ترامب، اقتصرت الشعبوية على أن تكون هامشًا في النظام السياسي الأمريكي. شعبوية ترامب في هذا الإطار المؤسسي تعتبر مجرد مرحلة عابرة، وأن الديمقراطية الأمريكية والمجتمع المدني قوي بما فيه الكفاية للبقاء على قيد الحياة ومواجهة التحديات الشعبوية من دون وجود عواقب كبرى لزعزعة الاستقرار.

لكن، حتى لو أن الإطار المؤسسي للديمقراطية لم يتم انهياره تحت وطأة شعبوية ترامب، فانتخاب ترامب في حد ذاته أصاب المجال الديمقراطي العام بالضرر، فخطاب الكراهية والحط من الأقليات حل محل خطابات التعايش الثقافي والتسامح، التي بناها تاريخ من نضالات الحركات النسائية والحركات الاجتماعية المناهضة للعنصرية منذ الستينيات.

ترامب هو نوع سياسي مجهول بالنسبة للأمريكيين فهو الشعبوي اليميني المتطرف المستبد، الذي يؤمن بالتمييز على أساس الجنس والعنصرية وكراهية الأجانب وتم انتخابه كرئيس، وسيكون لديه السلطة ليطارد الجماعات التي كانت تقوم بحملات ضده. وبمجرد وصوله إلى السلطة سيواصل مهاجمة وسائل الإعلام والنخب الليبرالية وعالمية، وأي مجموعة أخرى تتحدى سياساته.

الديمقراطية ليست محصنة ضد الحكام المستبدين الشعبويين، الاستقطاب الشعبي، والاعتداء على الحقوق المدنية والمواجهات مع الصحافة يمكن أن تؤدي في الولايات المتحدة، كما هو الحال في فنزويلا والإكوادور، إلى الاستبداد. شافيز وكورييا لم يقوضا الديمقراطية بانقلاب على السلطة، وبدلًا من ذلك، فقد قاما بخنق الديمقراطية ببطء من خلال مهاجمة الحريات المدنية، وتنظيم الحياة العامة واستخدام القانون لإسكات المنتقدين. الأمريكيون الذين يتوقون إلى العيش في بلد متسامح وتعددي، في حاجة إلى أن يكونوا على أهبة الاستعداد ضد محاصرة ترامب لخطاهم.

اقرأ/ي أيضًا: