25-أغسطس-2020

ملصق لابن زايد بين أيدي شباب رافضين لاتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي في رام الله (Getty)

عنونت صحيفة الخليج الإمارتية بمانشيت عريض أقرب للتضليل خبر الإعلان عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي "الإمارات توقف ضمّ أراضي فلسطينية باتفاق تاريخي". في حين كانت زميلتها الاتحاد مزهوة بهذه الخطوة فعنونته بـ"إنجاز تاريخي بين محمد بن زايد ونتنياهو وترامب"، بين التضليل والمفاخرة مسار طويل لتلك العلاقة نُسجت في أبو ظبي وتل أبيب وواشنطن.

انخرط بن زايد في شبكة علاقات مع مؤسسات أمريكية يمينية وصهيونية، بمساعدة سفير الإمارات في واشنطن لاحقًا يوسف العتيبة

لم تكن الخطوة الإماراتية وليدة اللحظة إنّما جاءت نتيجة لتقارب بين الطرفين، بدأ مع بدايات القرن الحالي وجاء تتويجًا لمسيرة طويلة بدأها ولي العهد محمد بن زايد منذ نحو عشرين سنة بعد وفاة والده الشيخ زايد عام 2004، وإزاحة أخيه خليفة بن زايد عن المشهد، ليصبح الرجل القوي الممسك بزمام الحكم في الإمارة، ربط القائد الجديد شبكة علاقات بمساعدة قيادات طموحة صاحبة علاقات مشبوهة كان أبرزها كبير مستشاريه وسفير الإمارات في واشنطن لاحقًا يوسف العتيبة مع مؤسسات أمريكية يمينية وصهيونية مرتبطة بالأجهزة الاستخباراتية الأمريكية والإسرائيلية، كان أهمها معهد الدفاع عن الديمقراطيات الذي يعتبر أحد أهم أذرع اللوبي الصهيوني في واشنطن، تعززت تلك العلاقات مع موجة الربيع العربي الذي اعتبرته أبو ظبي خطرًا داهمًا، فتتالت اللقاءات ذات الطابع الأمني وهدفها الأول مواجهة هبة التغير في المنطقة.

اقرأ/ي أيضًا: النكبة في زمن صفقة القرن

سعى محمد بن زايد إلى سياسة تقوم على ربط المصالح الإسرائيلية والإماراتية في المنطقة، معتقدًا بذلك أنّه سيصبح لاعبًا أساسيًا بالمعادلة الإقليمية، هذا التحالف القائم وفق خطط أمنية واستراتيجية مطروحة للمنطقة تثبت إن الرؤية الإسرائيلية للشرق الأوسط والتي تقوم على مبدأ السلام مقابل السلام قابلة للتحقيق وعلى أساسها يجعل لإسرائيل موطئ قدم بمنطقة الخليج، مقابل حماية إمارته من التهديد الإيراني بين قوسين، ولوقف التمدد التركي الذي أصبح يشكل عائقًا كبيرًا أمام المخطط الذي تسعى أبو ظبي لتحقيقه.

كان الإعلان عن صفقة القرن المقدمة لتشجيع الأطراف المشاركة للدفع بتلك الخطة بالرغم من انحيازها الفاضح للاحتلال الإسرائيلي، والتنكر لحقوق الشّعب الفلسطيني، فالدور الملقى على عاتق الإمارات يهدف بالدرجة الأولى إلى محاولة عزل القضية الفلسطينية، عبر الضغط على الدول العربية لقبول تلك الخطة تمهيدًا لتطبيع العلاقة مع إسرائيل.

لكن أمام تعثرها بسبب رفض القيادة الفلسطينية وعدم تشجع الدول العربية للخطة، بالإضافة للمشاكل الداخلية التي صعدت للواجهة، إذ يواجه نتنياهو تهم فساد تهدّد بجره إلى المحاكم، مع الانغلاق بالساحة السياسية بعد ثلاث انتخابات نيابية متتالية، وترنح ترامب بين فشل وآخر بسبب سياسته الداخلية، بالإضافة لاقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي وهو المتأخر عن منافسة جون بايدن باستطلاعات الرأي.. كل ذلك دفع بتلك الأطراف بالتسريع للإعلان عن توقيع الاتفاق، وتحقيق إنجاز سياسي يحسّن من حظوظهم، فالاتفاق بالنهاية هو حاجة إسرائيلية وأمريكية وما أبو ظبي إلا منفذ لهذا الاستحقاق.  

من المؤكد أن الإمارات توقع اتفاق سلام مع إسرائيل والجميع يعلم أن فلسطين آخر اهتمامها، ولا تعني لها شيئًا لا من قريب ولا من بعيد، بل تعتبرها عبئًا، وإن سوقت لهذا الإخراج الهزلي عن اتفاق السلام مقابل تأجيل عملية الضم، ويظهر ذلك في تصريحات قادة أبو ظبي، إذ تحدث ابن ولي العهد طحنون بن محمد لوكالة أنباء الامارات عن أن "السلام مبدأ سعت إليه دولة الإمارات منذ تأسيسها، وهو نهجٌ أكدّه الاتفاق التاريخي الذي عقدته القيادة الرشيدة اليوم مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ممهدةً الطريق نحو حفظ الأراضي الفلسطينية، وصولًا إلى استقرار شامل للمنطقة لكن كل تلك التخريجات ما هي إلا حج غايتها التسريع عن إعلان الاتفاق وتطبيع العلاقات بين الطرفيين".

توقّع الإمارات اتفاق سلام مع إسرائيل والجميع يعلم أن فلسطين آخر اهتمامها

أمام كل هذا التسارع بالأحداث كان لافتًا الصمت الرهيب من قبل الدول العربية تجاه توقيع الاتفاق، وكان واضحًا العجز عن بلورة موقف أمام ما حدث، وحده موقف السلطة الفلسطينية كسر حاجز الصمت، فانتقدت الاتفاق واعتبرته خيانة وتنكرًا لحقوق الشعب الفلسطيني، بالإضافة لموقف العديد من القوى السياسية في الكويت التي اعتبرت التطبيع خيانة وليس وجهة نظر، في حين سارعت دول ما يطلق عليها محور الاعتدال بين قوسين مصر والبحرين، بالإضافة إلى عُمان إلى الترحيب بإعلان الاتفاق، لا بل دعمت الموقف الإماراتي، لكن المتابع لتلك التصريحات لا يصعب عليه تمييز بصمة أبو ظبي في رسم سياسة تلك الدول.

اقرأ/ي أيضًا: اتفاق "أبراهام".. تطبيع علاقات أم إعلان عن تحالف قائم بين الإمارات وإسرائيل؟

ما يمكن أن نشهده بعد توقيع الاتفاق ظهور خارطة اصطفافات جديدة تكون فيها إسرائيل طرفًا أساسيًا، وستلعب الإمارات دورًا لتأهيلها في المنطقة، وما يعزز ذلك التصريحات المؤيدة للاتفاق بالسعودية، مرورًا بانقلابي السودان وليس انتهاء بانفصالي مجلس الانتقالي بجنوب اليمن هنا يتكشف التواطؤ الكبير للإمارات لخلق هذا الاصطفاف والذي تلعب فيه دور العدو لا بل تفاخر بذلك بعيدا عن كل المواربات التي تسوقها.

لكن أمام هذا التطور الدراماتيكي وحتى نقف امام ما يحاك ضد الشعب الفلسطيني يجب علينا أن نراجع الموقف الفلسطيني لنقف أمام كل تلك التطورات ولا نعفي القيادة الفلسطينية والحركة الوطنية من المسؤولية عن ما حدث.

كان اتفاق أوسلو البوابة لبداية التنازلات التي أوصلتنا لزمن أصبح التطبيع مصلحة عربية. اتفاق لم يكن خيارًا مفروضًا، بل سعت القيادة المتنفذة في منظمة التحرير إليه للتفرد بالقرار، وهذا عن طريق التخلي عن أحد أهم الأوراق التي وضعت إسرائيل في مآزق أخلاقي وأمني وعسكري وحتى سياسي، وهي الانتفاضة الفلسطينية، قبلت القيادة باتفاق غير واضح المعالم قابل لتأويلات كل طرف، ليتبخر حلم الدولة الفلسطينية المستقلة وينتهي بحدود سلطة تعمل بمنطق المحاصصة وتوزيع المناصب حسب درجة الولاء، وأجهزة أمنية يعادل عددها كلّ ما هو موجود من أجهزة في الدول المجاورة مجتمعةً. وأصبح الطموح أن تكون سلطة تشبه كل ما هو سيئ بالمنطقة، تنسيق أمني مع الاحتلال، محاربة قوى المقاومة، قمع الأصوات المعارضة، فساد ومحسوبيات، وليس انتهاء بمنطق القبيلة التي تغلغل في كل دواليب السلطة، فأصبح للقبيلة صوت يقرر مكان السلطة. أمام كل تلك الظواهر سادت حالة إنكار مطعمة بعنجهية بالخطاب السياسي جعل السلطة بعيدة كل البعد عن أهداف المشروع الوطني الفلسطيني، في مقابل ذلك كانت تجرى على الأرض عمليات توسيع للمستوطنات على قدم وساق، وقضم للأراضي وفصل للمدن وتقسيمها لخلق واقع جديد. بالإضافة إلى عدم الالتزام ببنود الاتفاق على الرغم من كل الإجحاف الوارد فيه، لنصل إلى ذروة المأساة بالانقسام الذي حدث بين القطاع والضفة وأفرز سلطتين، طغى على خطابهما الاتهام والتخوين والتهديد وعدم الثقة التي كرست هذا الانقسام، ولم تبذل أي من تلك السلطتين في رام الله أو غزة أي جهد لخطوات جدية لإنهائه، تلك الحالة كان المستفيد الوحيد منها هو الاحتلال بعد أزيد من عشر سنوات.

الآن ونحن أمام لحظة فارقة، فإنه إن لم يكن هناك وعي واستيعاب لما هو قادم من تحديات فالآتي سيكون أسوأ وغير مبشر.

واهم من يعتقد أن الإمارات ستتوقف عند تطبيع العلاقات مع الاحتلال، فالاتفاق شكل من الاستمرار لدورها التخريبي في العالم العربي

واهم من يعتقد أن الإمارات ستتوقف عند تطبيع العلاقات مع الاحتلال. المتتبع لدورها التخريبي كرأس حربة بموجة الثورات المضادّة في بلدان الربيع العربي، من دعم الانقلاب بمصر، وشن الحرب في اليمن والدفع بالانفصاليين إلى الواجهة، بالإضافة إلى خطف ثورة الشعب السوداني عن طريق انقلابيي العسكر، إلى تسليح مجرم الحرب حفتر لشن حربه في ليبيا، إلى محاولة زعزعة الاستقرار السياسي في تونس؛ سيتأكد أن الاتفاق هو استمرار لهذا الدور لنصل إلى الترجمة الحقيقية لهذا الاتفاق وهو محاولة تصفية القضية الفلسطينية، فهنالك من المؤشرات ما يدل على أن العمل على ذلك لم يكن وليد اللحظة، بل بدأ بقصة شراء وبيع العقارات بالقدس المحتلة لصالح جهات مرتبطة بالمستوطنين، إلى إرسال المساعدات الطبية بالتنسيق مع إسرائيل بدون علم السلطة الفلسطينية، هذه المؤشرات تدفعنا الى ألا نستبعد السيناريوهات التي تحضر، فالحديث عن إسقاط السلطة الفلسطينية عن طريق فرض رجلها ورجل إسرائيل محمد  دحلان في رام الله متداول، على الأقل إعلاميًا، إلى جانب أن الأمر لن يستكين حتى يتضح ما هو مخبئ على غزة.

اقرأ/ي أيضًا: دعوة للتخلي عن فلسطين.. وعن غيرها أيضًا

أمام هذه الصورة السوداوية يبقى هناك طريق لمواجهة هذا التحالف القائم إذا تكاثفت الجهود وصدقت النوايا، الأمر يتطلب إنهاء فوريًا للانقسام، ووضع تلك التجربة السيئة وراءنا، لننطلق بعدها باستراتيجية جديدة للخروج من دائرة المصالح السياسية والحزبية، وحتى الشخصية الضيقة، وتجاوز الخطاب التنظيمي والفصائلي الذي أمعن في التنظير وخلق حالة بعيدة كل البعد عن مواكبة كل هذه التطورات التي لاحقتها القضية الفلسطينية، إلى خلق حالة فلسطينية تمتلك أدوات المواجهة وصاحبة خطاب واضح المعالم والأهداف تمتد من المدن وقرى ومخيمات الداخل والشتات تبدأ بالدعوة لمؤتمر وطني فلسطيني جامع، هناك من التجارب الشبابية الفلسطينية الناجحة بالداخل والشتات والمهجر يمكن الاستناد عليها، هذا يخلق حالة التفاف شعبي واسع ينقلنا للعمل على خلق آلية لحشد الدعم الدولي يكون لشبابنا في الجاليات الفلسطينية بالمهجر على عاتقه تلك المسؤولية، فنحن أمام جيل مثقف صاحب خطاب يرتكز على عدالة القضية، ملم بكلّ تفاصيل الصراع وصادق بعمله لذا الالتفاف حوله ضرورة وطنية ملحة، بالإضافة إلى مراكمة العمل النضالي في الداخل يجعل العمل بين الداخل والخارج إطارًا واحدًا مكملًا لبعضه، مرجعيته المؤتمر الفلسطيني الذي يتم الدعوة إليه، لنصل إلى حالة إجماع وطني فلسطيني كامل نستطيع بها مواجهة كل تلك الحلول التي يراد لها أن تفرض على الشعب الفلسطيني.

في النهاية، مهما توهمت الإمارات، الدولة الهامشية الوظيفية، أنها لاعب رئيسي في المنطقة لن تجعلها دولة محورية، وإن كنا في زمن التحالفات والهرولة للتطبيع مع العدو، زمن صفقة القرن، لكن مفاتيح الحل فلسطينية... هناك إرث نضالي يراكمه الفلسطيني مع كل تحدٍّ يواجهه، وعدالة القضية الفلسطينية سوف تتكفل بإسقاط كل تلك المشاريع والمخططات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القصص التي ترويها فلسطين

نتنياهو كناخب عربي وحيد