19-أغسطس-2020

المفكر العربي عزمي بشارة (ألترا صوت)

الترا صوت - فريق التحرير

أجرى "التلفزيون العربي" لقاءً خاصًا مع المفكّر العربي، الدكتور عزمي بشارة، يوم الأربعاء التاسع عشر من آب/أغسطس الجاري، للبحث في أبعاد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوصل إلى "اتفاق تاريخي" لتطبيع العلاقات بين "إسرائيل" ودولة الإمارات العربية المتحدة.

عزمي بشارة: هناك توجه عام نحو إنجاز تحالف بين أبوظبي وتل أبيب ناجم عن تصورات مشتركة للمنطقة، وناتج عن النزعة المشتركة والقاطعة ضد أي تحول ديمقراطي

وافتتح بشارة مداخلته بالتأكيد على أنه لا يمكن اختزال إعلان الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بكونه تطبيعًا، حيث إن هناك توجهًا عامًا نحو إنجاز تحالف بين أبوظبي وتل أبيب ناجمًا عن تصورات مشتركة للمنطقة، وناتجًا عن النزعة المشتركة والقاطعة ضد أي تحول ديمقراطي. حيث تخشى إسرائيل من أي تحول ديمقراطي، وقد كانت سنة 2011 كما يشير أسوأ سنة بالنسبة لها، لأنها لا تريد أن تكون خاضعة للتقلبات السياسية التي تحدثها الديمقراطية في الدول العربية.

 

وأكد المفكر العربي أن الإمارات من جهتها أيضًا ترى في الديمقراطية تهديدًا، وتعتبر أن العدو الرئيسي هو إيران وليس إسرائيل، بالإضافة إلى تخوفها من النفوذ التركي والإسلام السياسي، وهي تصورات تتقاطع مع التصورات الإسرائيلية. كما أن من أهداف التطبيع الإماراتي، أن يقود إلى تحالف مع لوبيات اليمين الأمريكي.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: كل فلسطين قدس

لم يكن الاتفاق في حالة الإمارات، كما يؤكد بشارة، اتفاقًا بين دول كانت في حرب، ما يجعل وصف ما حدث باعتباره اتفاق سلام بالـ"مهزلة"، والأحرى من وجهة نظر المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن يُعتبر إعلانًا للتحالف، يترتب عليه جعل إسرائيل في داخل الاصطفاف العربي.

يبين المفكر العربي أن قضية فلسطين لم تكن أحد الاعتبارات في الاتفاق، ويشير إلى أن استخدام تسميات محددة للاتفاق مثل "أبراهام" كانت تهدف إلى تصوير الأمر على أنه تصالح أديان، يظهر الإمارات كدولة معتدلة، في حين يظهر الآخرين بمظهر المتطرفين. يفند بشارة تلك الأطروحة، مشيرًا إلى أنه لم يكن في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية أي عداء لليهود، وأن النقاش الفلسطيني والعربي مع الصهيونية قام على اعتبار أنها حركة استعمارية، بغض النظر عن دينها.

ويؤكد أن كل الشعوب التي تتطلع للتغيير والديمقراطية، يجب أن تكون فلسطين في قلب تطلعاتها. مشددًا على ضرورة عدم خلق تناقض في السلوك يؤدي إلى أزمة أخلاقية، من خلال الوقوف ضد عدالة القضية الفلسطينية وتحرر الفلسطينيين من الاستعمار. وهو أمر لا يجوز لأي حركة ديمقراطية.

مجددًا، يوضح المفكر العربي أن التحالف بين الإمارات وإسرائيل هو تحالف استراتيجي وسياسي، مرتبط بالتغيرات في المنطقة والنفوذ. وهو اتفاق لا يهمش فقط القضية الفلسطينية، ولكنه بالأساس يعادي الشعوب العربية، لأنه يعادي أي تغيير ويرفض أي إصلاح في الأنظمة الملكية، ويسعى إلى تحويل جميع الجمهوريات العربية إلى دول عسكرية.

فيما يتعلق بتوقيت الاتفاق، فإن بشارة يبين أنه جاء بالتزامن مع تولي أسوأ حكومة يمينية إسرائيلية للسلطة، ومع توسع الاستيطان وتهويد القدس، كما أنه يجيء مع تواجد رئيس أمريكي يتبنى موقف اليمين الإسرائيلي بأكمله، ويتجاوز حدود التحالف العضوي بين وانشطن وإسرائيل. وهو ما يتقاطع مع الحاجة إلى تشويه صورة الفلسطينيين، عبر الجيوش الإلكترونية لتبرير الخطوة، لأن عدالة القضية تبطل شرعيتها.

يؤكد بشارة أن القادة الإماراتيين مقتنعون بما يفعلون، وأن الاتفاقية والعلاقات مع إسرائيل ليست هفوة أو زلة، بقدر ما هي تعببير عن قناعتهم بأن إسرائيل حليف إقليمي، وأن دورهم في الإقليم بحاجة إلى مثل هذا الحليف

بشأن هذا الدور الإقليمي، يوضح أن هناك قناعة تطورت عند النظام في الإمارات بعد احتلال العراق وسقوط شاه إيران قبل ذلك، بأن هناك فراغًا أمنيًا في المنطقة على مستوى الدور الإقليمي، وهو ما تقتنع أبوظبي أنها أجدر وأكثر تماسكا من السعودية للعبه، وأنها تحتاج إلى حليف إقليمي من أجل إنجاز هذا الدور. ولتوضيح الترتيب الإقليمي الذي تسعى له الإمارات، يشير بشارة إلى النفود في البحر الأحمر والقرن الأفريقي الذي يحتاج إلى تنسيق مع إسرائيل، بالإضافة إلى التصدي للنفود التركي.

لكن ما يبرز أيضًا بالإضافة إلى تلك العناصر من وجهة نظر المفكر العربي، أن هناك إعجابًا بإسرائيل، وهو ما يتقاطع مع مواقف سلبية ليس فقط من الفلسطينيين ولكن العرب، ومساعي القيادة الإماراتية لتظهر كتنويرية، وهو ما تقوضه خريطة تحالفاتها في اليمن وليبيا مع ميليشيات من السلفيين.

أما بشأن دور الرياض، فيرجح بشارة أن هناك تفاهمًا سعوديًا إماراتيًا بشأن دور أبوظبي بعد التطبيع منذ البداية، وأن الزعماء في أبوظبي كانوا ينتظرون أن يحصل هذا التغيير في السعودية، في إشارة إلى صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وفي حين تحلم الإمارات على المستوى الإقليمي بتحويل بعض الدول العربية مثل السودان لدول عسكرية وتلعب دورًا في تحقيق ذلك، فإن هذا دور لن يتغير وسيستمر بعد إعلان التحالف مع إسرائيل، أما ما سيتغير فيتعلق بالأساس بالتدفق الاستثماري من تل أبيب إلى الإمارات. وتسعى إسرائيل كما يؤكد، إلى اكتساب شرعية في المنطقة من خلال تنمية شرائح من السكان، لها مصلحة من تطبيع العلاقات معها.

وفي حين أن الليكود الإسرائيلي يؤمن أن الموقف العربي لن يتغير بالكلام والتنازلات، وأن ما ينفع هو سياسات القوة، عملًا بمدأ السلام مقابل السلام، فإن الاتفاق مع الإمارات، كان بمثابة برهان على تلك القاعدة، بالنظر إلى أنه يختلف عن الاتفاقات السابقة مع بعض الدول العربية، التي تم اعتبارها اتفاقيات سلام مقابل الأرض.

بالتالي يرى بشارة أن إعلان التحالف الإماراتي الإسرائيلي هو انتصار ليس لإسرائيل وحسب، ولكن لليمين الإسرائيلي على وجه التحديد، ولوجهة نظره التاريخية ضد أي مجادلة بأنه يجب تقديم تنازلات من أجل السلام، وهو بالتالي تكريس واضح لعلاقات القوة.

إن حضور الإمارات لتوقيع صفقة القرن وموافقتها علانية على الصفقة، كان بالتأكيد من وجهة نظر بشارة سينتهي إلى ذم القيادة الفلسطينية، وإلى وجود دول خليجية تقبل أن توقع سلام مع إسرائيل بدون أي شروط تتعلق بالقضية الفلسطينية، التي ليست الموضوع أصلًا، وهناك هامش كامل لها.

بشأن صمت بعض الدول العربية تجاه الخطوة الإماراتية، أشار بشارة إلى عدم صحة تحويل القضية الفلسطينية إلى نقاش قانوني أو جدل يتعلق بسيادة الدول التي تروم التطبيع مع إسرائيل، فتطبيع الإمارات قضية لا تتعلق بالسيادة، ولكن بدورها في التدخل في الدول الأخرى، وتقوية يد نتنياهو على الشعب الفلسطيني. فيما يؤكد أن سياستها هذه يجب أن تكون موضع مساءلة.

عزمي بشارة:  كل الشعوب التي تتطلع للتغيير والديمقراطية، يجب أن تكون فلسطين في قلب تطلعاتها

فيما يتعلق بالسودان، أكد بشارة أن هناك مساعيًا إماراتية من أجل تحويل البلاد إلى دولة عسكرية. وفي حين أن المشهد السوداني معقد، بالنظر إلى ملف الحركات المسلحة، واستقرار النظام، وخلافات قوى الحرية والتغيير فيما بينها، أو مع الشق العسكري في الحكومة، فإنه لا بد من التركيز على نجاح مسار الانتقال الديمقراطي، والحيلولة دون وقوع انقلاب عسكري.

يوضح بشارة أن الإمارات تسعى بوضوح إلى جر حلفائها نحو التطبيع مع إسرائيل، وفي حالة السودان، فإنه مسار يتعلق بمبرر شطب البلاد من قائمة الإرهاب، وبأنه لا يمكن أن يتم سوى من بوابة التطبيع مع إسرائيل، لكنه مسار لا يراه المفكر العربي ناجعًا، من ناحية أن الابتزاز على هذا النحو لو تم، فإنه لن يتوقف.

أما بالنسبة للكويت وتصريح مستشار الرئيس الأمريكي وصهره بأن رفضها لاتفاقية التطبيع مع إسرائيل هو قرار غير بناء، يؤكد المدير العام للمركز العربي للأبحاث، أن كوشنير سيمضي، أما الكويت فستبقى، مؤكدًا أن لها رأي عام وتاريخ مناصر للفلسطينيين، ولديها موقف وبرلمان، وأن أمير الكويت لديه ثوابت، وهو أمر من الصعب أن يتغير بعد التطورات الأخيرة. فيما اعتبر ما قاله كوشنير بأنه موقف صلف، يدين الكويت لأنها لا تنصاع ولا تتخلى عن مبادئ العدالة، وعن القرارات الدولية.

انفجار بيروت.. النظام السياسي بأكمله متورط

فيما يتعلق بالانفجار الذي هز العاصمة اللبنانية بيروت، وراح ضحيته عشرات القتلى وآلاف الجرحى، يرى عزمي بشارة أن السبب المباشر لانفجار بيروت، هو النظام السياسي بأكمله وليس أشخاصًا أو موظفين، مر على تواجدهم في وظائفهم أربع حكومات، كانت كل القوى السياسية متواجدة فيها.

يشير المفكر العربي أن الإهمال تسبب بجريمة أدت إلى دمار كامل، وخراب اقتصادي، ومعاناة نفسية، مبينًا أن النظام اللبناني يقوم على المحاصصة والتعيينات بموجب الاستزلام، وهو ما زاد بعد اتفاق الطائف والحرب الأهلية. فيما بين أن هناك محاصصة عميقة من أعلى منصب إلى أدنى منصب، بين زعماء الطوائف، ممن أصبحوا نوعًا من الأقلية الحاكمة.

كما يؤكد أن النظام الطائفي تعمق بعد الحرب الأهلية، ما يبرهن في رأيه أن الأنظمة الطائفية لا تغير بالقوة. وفي حين أن السبب المباشر وراء الانفجار غير معروف، وقد يكون عرضيًا، لكن الأساس هو مسؤولية النظام وإهماله وقيامه على المحاصصة.

وبينما لم يعد لبنان مركز اهتمام للدول العربية أو حلبة للاقتتال أو مكانًا للتعبير عن الصراع الإقليمي، بعد الحروب في سوريا والعراق وليبيا واليمن، فإن هناك أدوارًا جديدة قد تظهر، منها على سبيل المثال ارتباط زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأجندات، تتعلق بدور تركيا في شرق المتوسط، وبإنجاز توازن من خلال الساحة اللبنانية. لكن التدخل الدولي عبر الزيارات جاء بشكل أساسي للضغط، وهو تلويح بأن لبنان لا يستطيع على المدى القريب الخروج من أزمته الاقتصادية، وهو ما يتعلق بفرض شروط سياسية أو متعلقة بالإصلاح.

كما أشار بشارة إلى أن الدول الخارجية لم تكن بمنأى عن نشوء النظام الطائفي اللبناني، حيث لعبت فرنسا على سبيل المثال دورًا في تنظيم لبنان بشكل طائفي. أما الجديد فأن هناك فئات واسعة من الشباب لا تريد نظامًا طائفيًا، لأن ثورة تشرين كانت ثورة ثقافية، وتبنت تغييرًا ثقافيًا في الشارع، ونضالًا من أجل دولة تدار على الأقل بنجاعة، حجر الأساس فيها ليس الطائفة، ولكن المواطن، وهو شبيه بما يحدث في العراق والجزائر.

اقرأ/ي أيضًا: كيف نفهم التطبيع اليوم من خلال أفكار عزمي بشارة؟

في السياق، يبين أن اللبنانيين وصلوا إلى قناعة أنه لا يمكن محاربة الفساد مع بقاء نظام المحاصصة. وفي حين أن هناك أمثلة على كيفية نشوء نموذج الديمقراطية التوافقية، بالنظر إلى أن الطائفة تعطي نوعًا من الحماية للمواطن أحيانًا أكثر من الأنظمة الديمقراطية، فإن تغيير هذا النوع من الأنظمة لا يتم بمظاهرات رغم دورها في إحراج النظام وإنشاء ثقافة معادية للطائفية. وبالتالي فإن العملية يجب أن تتم بالتدريج. فالناس تعبت من النظام، لكنه نظام له قواعد أيضًا، ويعيد إنتاج نفسه، من خلال التعامل مع المجتمع كطوائف، فيما يريد من المواطن أن يتعامل معه من خلال طائفته. 

عزمي بشارة: الدول الخارجية لم تكن بمنأى عن نشوء النظام الطائفي اللبناني، حيث لعبت فرنسا على سبيل المثال دورًا في تنظيم لبنان بشكل طائفي

وهي حلقة يجب أن يتم كسرها من خلال تغيير قانون الانتخابات، وجعل كل البلاد دائرة انتخابية واحدة، وتمثيل فئات غير طائفية، بالإضافة إلى دمج التمثيل للمواطنين بوصفهم مواطنين، بالتوازي مع تمثيل الحالة الاجتماعية الطائفية التي تحتاج إلى وقت قبل تجاوزها. وهو ما يحتاج إلى نضال طويل ينتج قياداته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

اتفاق الإمارات وإسرائيل: في معنى الإعلان عن المعلن

عزمي بشارة: إسرائيل لم تستطع اختراق الشعوب العربية وفلسطين أولوية