28-يونيو-2018

خيب تحالف الصدر مع وكلاء إيران الطائفيين آمال القضاء على المحاصصة (Getty)

لم يكن تأسيس التحالف الوطني في 24 آب/ أغسطس 2009 خطوة آنية أو من دون رؤية مثلما جرت العادة في الحكومات التي أدارت العراق بعد 2003، حيث كان يضم هذا التحالف معظم التيارات الشيعية، لكنهم كانوا يقولون عنه، إنه "تحالف ينبذ الطائفية" بالرغم من صبغته الشيعية. ستتكرّر هذه الكلمة كثيرًا في أروقة السياسة العراقية، لكن الطائفية السياسية موجودة، ويثبتها وجود هذا التحالف، الذي يُعيد إنتاج نفسه في كل مرة بأوجه متعددة في أجواء المحاصصة والتوافق بين الكيانات السياسية.

انتهى الأمل في تشكيل حكومة عابرة للمحاصصة حين أعلن الصدر في 12 حزيران/ يونيو الجاري عن تحالف مشترك بين سائرون وائتلاف الفتح

انتهت انتخابات 12 أيار/ مايو 2018 بحصول تحالف سائرون، المدعوم من زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، على المركز الأول في العراق، وهو التحالف الذي يضم قوى مدنية مع الحزب الشيوعي العراقي. وكان الجميع يترقب من الصدر أن يمضي في تشكيل حكومة لا تعيد إنتاج التحالف الوطني "الشيعي" نظرًا لسلوك الصدر في السنوات الأخيرة، والشعارات التي يطرحها، وقربه من المكونات الأخرى، وكذلك عداءه مع القوى الشيعية المتنفذة في الواقع، خصوصًا وأنه معمّم شيعي، ويتحرك برمزيته الدينية ضد رموز مذهبية وطائفية لها علاقات خاصة مع إيران.

انتهى هذا الترقّب والأمل في تشكيل حكومة عابرة للمحاصصة والتوافق بشكل مكوناتي محض، حين أعلن الصدر في 12 حزيران/ يونيو الجاري عن تحالف مشترك بين سائرون وائتلاف الفتح، بزعامة هادي العامري، وهو الائتلاف الذي يعتبر جناحًا سياسيًا للفصائل المسلحة في الحشد الشعبي، والتي شكلت قوة شيعية ومذهبية واضحة خلال السنوات الأخيرة، وفي أيام الحرب على تنظيم داعش.

اقرأ/ي أيضًا: تحالف "سائرون" والفتح في العراق.. سطوة إيران المتجددة

سبق هذا التحالف، إعلان سائرون عن تحالف مع تيّار الحكمة، بزعامة المعمم الشيعي الشاب عمّار الحكيم، وتحالف مع ائتلاف الوطنية، بزعامة إياد علاوي، الشيعي العلماني، والذي يضم ائتلافه أسماء سنية متنفذة وتقليدية.

قُوبلت خطوة الصدر في تحالفه مع الفتح، بانتقاد واستياء شعبي، لكونها لا تنسجم مع سلوكه في السنوات الأخيرة ودعوته إلى تشكيل حكومة وطنية، تكنوقراطية مختصة، بعيدة عن "التحاصص" بين الكتل السياسية على شكل طائفي، خاصّة وأن ائتلاف الفتح له طموح في تشكيل الحكومة وتقديم وزراء لها. وكان من المفترض بحسب مراقبين، أن يتحالف الصدر مع قائمة النصر بزعامة حيدر العبادي، رئيس الوزراء الحالي، والذي يقترب من الصدر في خطابه الرافض للمحاصصة الطائفية، ويدعو بشكل دائم إلى "حصر السلاح بيد الدولة".

لكن مصادر مطلعة قالت إن تحالف الصدر مع العبادي تعذر بسبب نبرة الأخير المتعالية، وأنه يتحدث بلغة المنتصر، والذي ينبغي أن تدور كل الكيانات حوله، بينما يرفض الصدر ذلك لكونه صاحب المركز الأول في نتائج الانتخابات، فضلًا عن امتناع العبادي عن الانسحاب من حزب الدعوة الإسلامية، وعدم رضوخه لبعض الشروط، ما جعل الصدر يسبقه ويتحالف مع الفتح، بالرغم من أن العبادي مدعوم من قبل أمريكا، وأنه شكل سابقًا صورة التوازن الأمريكي الإيراني في العراق. ولم ينقطع الدعم الأمريكي عنه حتى الآن بحسب المعطيات.

قرارات المحكمة الاتحادية

في 6 حزيران/ يونيو الجاري، أقر مجلس النواب وصوّت على التعديل الثالث لقانون الانتخابات، والذي يتضمن إجراء عملية عد وفرز يدوي على أصوات الانتخابات بعدما أجري عليها عملية عد وفرز إلكتروني، وكان البرلمانيون الذين صوّتوا على هذا التعديل هم من الخاسرين الذين يعتقدون أن هناك عمليات تزوير في العملية الانتخابية. وذهب البرلمان في قرارته بعيدًا، خصوصًا بعد إقرار مجلس الوزراء بأن هناك خروقًا فعلًا ومخالفات في العملية الانتخابية. وكان البرلمان ينتظر تصديق المحكمة الاتحادية حتى تقر التعديلات التي صوت عليها في العمل، أهمها إعادة العد والفرز اليدوي.

لم تتأخر المحكمة الاتحادية في قراراتها، ففي 21 حزيران/ يونيو الجاري أعلنت عن تأييدها للتعديل الثالث لقانون الانتخابات، وقال رئيس المحكمة الاتحادية مدحت المحمود خلال جلسة النظر في التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب، رقم (45) لسنة 2013، إن "المحكمة الاتحادية تؤيد التعديل الثالث لقانون الانتخابات الذي صوت عليه البرلمان"، مضيفًا أن "اجراءات البرلمان بشأن الانتخابات قانونية ودستورية".

جاء ائتلاف العبادي وأكد التزامه بقرار المحكمة الاتحادية بخصوص تعديل قانون الانتخابات، كما استبشرت القوى الخاسرة بقرارات المحكمة أملًا بمقعد، أو بترتيب النتائج حتى لا يخرجون من دائرة البرلمان والحكومة العراقية في الدورة المقبلة. ولم يتخيل أي منهم نفسه خارج اللعبة السياسية.  

بدأت مخاوف الفراغ الدستوري تلوح بالأفق، خصوصًا، وأن عمر البرلمان الحالي ينتهي في 30 حزيران/ يونيو الجاري، وذلك نظرًا لأن إعادة الفرز والعد اليدوي ستطول، وربما ستفرز حكومة  طوارئ، أو تصريف أعمال، وبالتالي يتعثر تشكيل الحكومة ويبقى العبادي في السلطة، وكأن المنتصرين في الانتخابات، لم ينتصروا.

وقال مراقبون إن هذا لم يكن ليحدث كله، ولم يكن للبرلمان أن يتمادى في قراراته لو تحالف الصدر مع العبادي منذ البداية، وضمن له ولاية ثانية. وهو ما لا يضر بمبادئ الصدر، سيما وأنهما قريبان ويعملان في منهج واحد تقريبًا. لكن يبدو أن المخاوف أدركت الصدر مؤخرًا، ولم يبق في عزلته عن العبادي وقائمته النصر.

تحالف الجميع مع الجميع

في 23 حزيران/ يونيو الجاري، أعلن الصدر والعبادي عن تحالف يجمع قوائمهما سائرون والنصر، عقب اجتماع لهما في محل إقامة الصدر بمدينة النجف، مؤكدان في الوقت نفسه أن تحالفهما "مفتوح أمام مشاركة باقي الكتل السياسية العراقية". وقال الصدر إن "التحالف مع العبادي سيسهم في بلورة حكومة عراقية قوية تخدم تطلعات الشعب وندعو الكتل إلى اجتماع للاتفاق على الخطوات اللاحقة".

ويجري سائرون الآن تفاهمات مع جميع الكتل والكيانات السياسية، باستثناء دولة القانون، بزعامة رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، للتحالف والإعلان عن الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة. وقد أقدم سائرون على التحالف حتى الآن مع تيار الحكمة ومع ائتلاف الوطنية، وائتلاف الفتح، وائتلاف النصر، ما يعني اجتماع قوى التحالف الوطني "الشيعي" السابق مع الصدر، وهي خطوات عدها مراقبون لإعادة إنتاج التحالف الوطني الذي ظن كثيرون بأنه مات، وذهبت حقبته مع أيام الاستقطاب الطائفي وشعاراته الانفعالية على الساحة العراقية.

أعلن الصدر والعبادي عن تحالف يجمع قوائمهما سائرون والنصر، عقب اجتماع لهما في محل إقامة الصدر بمدينة النجف

بالرغم من هذا، يرى مراقبون أن كتلًا سنية وكردية ربما ستلتحق مع العبادي والصدر والفتح، لكن شريطة الاتفاق على توزيع المناصب بشكل يضمن لهذه الكتل امتيازاتها السابقة.

اقرأ/ي أيضًا: غابة السلاح في العراق.. العنف الذي لا تحتكره الدولة!

 إنه تحالف الجميع مع الجميع إذن، حيث ستتشكل حكومة ليس فيها معارضة، تأخذ كل الكتل فيها حصتها من الكعكة، ويقومون بتوجيه اللوم والاتهامات بالفساد على الآخرين، ولا أحد يقترب من النظام التوافقي، أساس هذه المشاكل التي تنخر في بنية الحكومة العراقية، وتمنع من قيام دولة مؤسسات مستقلة وقوية.

"عابر للطائفية" شعار الطائفيين

أعلن الصدر والعبادي في اجتماعهما أن تحالفهما "عابر للطائفية"، وكل الكتل الآن تقول إنها تجري تفاهمات عابرة للطائفية، والمصادفة العجيبة أن التحالف الوطني الممثل للقوى الشيعية كان يقول إنه "ينبذ الطائفية. بينما لا تزال التفاهمات والحوارات قائمة بشكل توافقي. هذه حصتك، وهذه حصتي، وستقول بعض القوى السنية إننا نعيد "إنتاج التحالف السني" قبالة التحالف الشيعي، وسيمضي الكرد في إنتاج "تحالف كردي"، فيما سيقول الجميع "نحن عابرون للطائفية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

معركة التكنوقراط في العراق.. المحاصصة توحد الأضداد

الطائفية في دعاية الانتخابات العراقية.. رأسمال بديل عن البرامج والإنجازات