24-مايو-2018

ما زال الصدر أمام رهان الابتعاد عن المحاصصة والوجوه القديمة (أ.ف.ب)

قبل أكثر من عامين كان مقتدى الصدر قد حاصر المنطقة الخضراء التي تضم مكاتب حكومية إلى جانب البرلمان وسفارات دول أجنبية، مطالبًا بإجراء إصلاح واسع داخل الحكومة العراقية، قبل أن يعتصم فيها وحيدًا. لاحقًا، انسحب منها وفق وعود تلقاها من رئيس الحكومة حيدر العبادي، بتشكيل كابينة جديدة، لكنه أوحى إلى أنصاره باقتحامها بعد ذلك بشهر إثر تنصل البرلمان من التصويت على هذه الوعود، بعد سلسلة من التظاهرات الاحتجاجية، وهو ما سارعت طهران إلى شجبه باعتباره اعتداءً على سيادة الدولة العراقية!

ما زال الطامحون بطرح الصدر لمشروع ضد النفوذ الإيراني خائفين من تقلباته والإكراهات التي يمكن أن تنبت أمامه

اليوم وبعد نتائج الانتخابات، يبدو أن الصداع الصدري في رأس ايران، قد بات هو الأشد من أي وقت مضى، إذ يطرح الصدر المشروع الذي كانت تأمل أوساط غربية وخليجية أن يتبناه، باعتباره أفضل فرصة للإطاحة بالنفوذ الايراني، الذي بلغ أوجه بعد الانسحاب الأمريكي من العراق في عام 2011.

لكن هذه الآمال لا تزال تصطدم بمخاوف تركها الصدر في الأذهان للداخل والخارج على حد سواء, وهي نابعة من طبيعة مواقفه المتقلبة على مدى المراحل التي شهدتها البلاد منذ عام 2003، والتي قد تعول عليها طهران لقلب المعادلة التي تأمل شريحة واسعة من العراقيين تحقيقها، معبرين من خلالها عن رفضهم للتدخل الخارجي في شؤون البلاد، ولتولي جهات تابعة لإيران أو غيرها، زمام الأمور.

اقرأ/ي أيضًا: مقاطعة الانتخابات العراقية.. مواجهة سلمية ضد محاصصة ما بعد الغزو الأمريكي

عزز الصدر نفسه وجهة النظر المتشائمة والمشككة بقدرته على إحداث تغيير ملحوظ في شكل العملية السياسية، بلقائه هادي العامري زعيم تحالف الفتح الذي تدعمه طهران بشكل واضح، بعد نحو أسبوع من تلميحات ترجمها مراقبون كخط أحمر وضعه الصدر أمام أي تقارب سياسي خلال المرحلة المقبلة مع الأطراف المقربة من ايران، مع بدء قاسم سليماني حراكًا لإحياء "البيت السياسي الشيعي".

ولّد اللقاء تساؤلات وجدالات طالت حتى التيار الصدري ذاته، حينما روج أتباع الصدر منذ إعلان النتائج الأولية للانتخابات، إلى عدم إمكانية التحالف مع المقربين من إيران بشكل قاطع. لكن لقاء زعيمهم بالعامري بعد 24 ساعة من لقاء رئيس الحكومة حيدر العبادي، مثل خيبة أمل لكثيرين منهم. وكانت مصادر مطلعة قد أشارت إلى أن الصدر قد وافق على منح العبادي الثقة لتولي فترة ثانية شريطة الخروج من عباءة حزب الدعوة، والتعهد بمحاربة الفساد بما في ذلك أسماء كبيرة ومؤثرة في المشهد السياسي العراقي.

وسارع مراقبون إلى تفسير اللقاء كمنطلق لتحالف شيعي رباعي "سائرون، الفتح، النصر، والحكمة". مشيرين إلى سلسلة لقاءات أجراها الصدر سبقت هذا اللقاء، وهو ما أكده المتحدث باسم تيار الحكمة، محمد جميل المياحي، معتبرًا أن الإعلان عن تلك الكتلة سيجري خلال الـ 72 المقبلة. إلا أن العامري سارع لنفي تلك القراءات، وقال إن الحديث عن تشكيل كتلة شيعية فقط لا أساس له من الصحة. وأكد في تصريحات لوسائل إعلام محلية العزم على تجاوز الطائفية وتشكيل "الكتلة الوطنية الأكبر" التي تضم كل المكونات لمعالجة مشكلات البلد.

اقرأ/ي أيضًا: الطائفية في دعاية الانتخابات العراقية.. رأسمال بديل عن البرامج والإنجازات

في حين بادر الصدر إلى الإشارة مجددًا إلى التغيير القادم بتغريدة عبر تويتر، قال فيها إن "الحكومة القادمة يجب أن تبني أسس العدل والرفاهية والأمان للشعب"، مشددًا على ضرورة "كسر فوهة البنادق ووقف ضجيج الحرب". وأكد أيضًا على ضرورة محاربة الفساد وإزالة الجدار عن المنطقة الخضراء أيضًا.

 روج أتباع الصدر منذ إعلان النتائج الأولية للانتخابات، إلى عدم إمكانية التحالف مع المقربين من إيران

قد تقدم هذه المعطيات مؤشرًا على مدى غموض الطريق إلى الحكومة العراقية الجديدة، والذي لا يزال الحديث عنها مبكرًا. إذ تنتظر البلاد مصادقة مفوضية الانتخابات على نتائج الانتخابات بعد النظر في الكم الهائل من الطعون التي تلقتها عقب خروقات كبيرة، سجلتها العملية الانتخابية بحسب مراقبين وكيانات سياسية.

سيكون ذلك قبل بدء جولة أكثر جدية من الحراك للوصول إلى الكتلة الأكبر والتي لا تزال تترواح بين رغبات طهران وأمنيات واشنطن، فيما يواصل مقتدى الصدر التأكيد على مصطلح الحكومة الأبوية، في إشارة إلى رغبته بحكومة شاملة لا تقصي أحدًا، لكنها من "التكنوقراط". وبانتظار ما ستسفر عنه تحركات الصدر تبقى كل الاحتمالات بشأن الحكومة القادمة مفتوحة، كما يرى مراقبون ومختصون، والسؤال الأبرز الآن هل سينجح الصدر بإزالة جدار المنطقة الخضراء، أم أنه سيضطر إلى التخييم معتصمًا عنده مجددًا؟
 

 

اقرأ/ي أيضًا:

نتائج الانتخابات العراقية.. الوجوه القديمة التي لم تتعلم الدرس

آخر مسرحيات خاسري الانتخابات العراقية.. "الشعب الأحمق لم يخترنا"!