25-مايو-2018

تصعب المهمة على الصدر يومًا بعد آخر (Getty)

منذ سنوات يشدد زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، على تشكيل حكومة "تكنوقراط" في أطر الكفاءة والخبرة، لا التوافق السياسي بين المكونات في سياق من المحاصصة، وهو ما يتردد على لسانه في معظم خطاباته السياسية. ويعرف المتابع للشأن العراقي أن التيار الصدري قدّم دماءً في سبيل تحقيق هذا المطلب، خاصة في الاحتجاجات المستمرة منذ 2015 في ساحة التحرير.

تعيق تحالفات معقدة مقتدى الصدر من تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة

وبعد أن حصل ائتلاف "سائرون" الذي قاده الصدر، على المركز الأول في نتائج الانتخابات العراقية، وحصل العبادي على عدد مقاعد لا يستهان به، أعلن الأخير في كلمة ألقاها بعد إعلان النتائج، عن استعداده الكامل للعمل والتعاون لبناء وتشكيل حكومة عراقية خالية من الفساد والمحاصصة، بعيدًا عن الأجندات الأجنبية. بدت هناك أجواء من التفاؤل مع إعلان العبادي عن تطابق وجهات النظر مع تحالف الصدر، فضلا عن تغريدات الأخير في "تويتر" والتي شدّد فيها على تشكيل حكومة خالية من المحاصصة والفساد.

يتطلع حيدر العبادي لولاية ثانية يكون فيها هو رئيس الوزراء، وقد أبدى استعداده في أكثر من مرة على الابتعاد عن المحاصصة، ويبدو أن الصدر كان مقتنعًا بالعبادي، حيث أعلن في لقاء تلفزيوني قبل فترة، أنه يدعم استمرار العبادي لولاية ثانية بسبب "سياساته المعتدلة"، لكن الصدر تراجع عن هذا الدعم حين تحالف العبادي مع ائتلاف الفتح، المقرب من إيران، وقام بتعزية الشعب العراقي بسبب هذا التحالف الذي لم يطل لأكثر من 24 ساعة.

انفرط تحالف الساعات بين العبادي والفتح، لكن الصدر لم يعلن مرة ثانية دعمه للعبادي، ولم يجمعهما لقاء إلا بعد إعلان نتائج انتخابات أيار/مايو 2018، حيث أعلنا في مؤتمر مشترك عن تطابق وجهات نظرهما، وأكد العبادي مرة ثانية، أن "تحالف سائرون هو الأقرب إلينا".

اقرأ/ي أيضًا: الطائفية في دعاية الانتخابات العراقية.. رأسمال بديل عن البرامج والإنجازات

ويبدو أن الصدر اقتنع مجددًا بالعبادي حاليًا لتشكيل حكومة تكنوقراط، لكن الأخير لا يبدو محل ثقة إذا وصل الأمر عند من يحقّق له ولاية ثانية. فبحسب مراقبين، يشير تحالفه القصير مع الفتح إلى أن الرجل ليس له أرضية ثابتة يتحالف على أساسها مع الآخرين، وإلى أنه يتعامل ببراغماتية عالية، ويتماشى مع من يأتي إليه بالولاية الثانية، رغم الخلافات الكبيرة بينه وبين المالكي من جهة، وائتلاف الفتح من جهة أخرى.

 وفي معظم خطاباته الأسبوعية، ينتقد رئيس الوزراء المالكي وقيادات الحشد الشعبي (قيادات الفتح حاليا)، ويشير إليهم بـ"البعض"، وهذا سبب كبير يجمعه مع الصدر في اتجاهه الرافض للهيمنة الإيرانية، والمحاصصة الطائفية.

تكنوقراط سياسي وليس مستقلًا!

لكن سائرون بزعامة الصدر، والنصر برئاسة العبادي لا يمثلون الائتلاف الأكبر الذي يمكن أن يشكل الحكومة، حتى مع دخول تيار الحكمة الذي أعلن أيضًا عن تطابق وجهة نظره مع سائرون.

ورغم هذا التوافق مع تيار الحكمة، فإن هناك تنافرًا واضحًا معه في نفس الوقت، إذ إنه يطمح إلى وزارات محددة هو يختارها، لا مستقلين كما يريد الصدر. وقد دعا رئيس التيار عمار الحكيم قبل أيام، في تغريدة عبر تويتر إلى "تشكيل حكومة التكنوقراط الخبيرة"، معبرًا عن عدم اهتمامه إن "كان التكنوقراط سياسيًا أو مستقلًا"،  لكنه "يجب أن يكون مختصًا في المهام التي يكلف بها". وكانت هذه إشارة إلى أنه لا يرغب بالتكنوقراط المستقل، إنما بوزراء يقدمهم هو وحزبه.

وهذا ما أوضحه الناطق الرسمي باسم تيار الحكمة، بليغ ابو كلل في منشور على صفحته الرسمية في فيسبوك، حيث قال: "لا لوزراء مستقلين، نعم لوزراء تكنوقراط"، مضيفًا: "نقولها بواقعية سياسية، لن نكون منظمة خيرية، فنحن جهة سياسية تريد أن تستثمر عند الإنجاز".

ولا تريد معظم الكتل السياسية، أن تتنازل عن الوزارات لأشخاص مستقلين، حيث يعتبرونها حسب متابعين هبة وامتيازًا لأحزابهم، ويرون أن التنازل عنها خسارة، فيما يظل بقاء التوافق والمحاصصة من مصلحتهم لأن الوزارات تقدم لهم ما لا يقدمه المستقلون الذين يعملون للوزارة فقط، لا للحزب والطائفة والمكوّن.

لا ترغب الكتل السياسية بالتنازل عن المحاصصة، لكونها توفر لهم امتيازات مكفولة غير مستحقة

يخلق إعلان تيار الحكمة عن رفضه لوزراء مستقلين، خلافًا مع سائرون، لا تطابق كما أعلن بعد نتائج الانتخابات.. ويشير متابعون إلى أن سقف مقتدى الصدر في مطالبه كان عاليًا، ولا يمكن أن يتحقق في وجود كتل تجعل مصلحتها الحزبية هي الأولى، وهو ما يحيله إلى الاصطدام في جدار النظام السياسي الذي لم يترك ثغرات كبيرة للتغيير.

المحاصصة توحد الأضداد

ظل مسعود البارزاني في إقليم كردستان يصدر أزماته الداخلية إلى بغداد طوال فترة وجوده في الحكم، وكان يقدم تصورات بأن معظم هذه الأزمات ملقاة على عاتق نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، على الرغم من أن الأخير قدّم له كل شيء، بما فيها الميزانية التي تعتبر فوق استحقاق الإقليم، إضافة إلى سكوته عن تهريب النفط من الإقليم، لكنه ظل يعادي المالكي ويعبئ حاضنته الكردية ضده، كما قابله المالكي بتصريحات واتهامات بالمؤامرة.

وكان الأمر شبيهًا مع فصائل الحشد الشعبي، الذين يتهمون البارزاني بأنه هو من أدخل تنظيم داعش إلى الموصل. لكن الحفاظ على المحاصصة يخلق الاتفاق المفاجئ بعد تراكم من الكراهية المتبادلة. فقد ألتقى الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الكردستاني، ونوري المالكي وتحالف الفتح في غرفة واحدة. وهي حركة عدها مراقبون ضد مساعي مقتدى الصدر لتشكيل حكومة وطنية غير خاضعة للمكونات، وبعيدة عن المحاصصة.

تحالف الموالون لإيران مع الأكراد من أجل القضاء على مشروع الصدر

وأشار مصدر مطلع من التيار الصدري لـ"ألترا صوت"، أن لقاء الكرد بمقتدى الصدر لم ينتج عن شيء، فقد قالوا عند بداية حديثهم: "نريد وزارة سيادية لنا بعيدًا عن حديث الوزراء المستقلين وحكومة التكنوقراط، هذا الكلام لا ينفعنا"، ما جعل الصدر في ذهول بعدما كان يتأمل أن يتحالف معهم ويستثمر خلافاتهم الكبيرة مع المالكي وائتلاف الفتح. 

اقرأ/ي أيضًا: مقاطعة الانتخابات العراقية.. مواجهة سلمية ضد محاصصة ما بعد الغزو الأمريكي

إنه تحالف المقربين من إيران إذن، فالاتحاد الكردستاني يتمتع بعلاقة فوق الجيدة مع إيران، إضافة إلى المالكي والفتح، مع الديمقراطي الكردستاني الذي يبحث عن مصالحه في بغداد، والمزيد من الوزارات والامتيازات.

وتشير مصادر إلى أن ائتلاف الوطنية، الذي يشكل القطب السني الأكبر، برئاسة علماني شيعي، يتطابق مع وجهة نظر الصدر في تحالف سائرون، لكن العقبة أمام الصدر في تحالفه مع الوطنية، هو مطلب وطموح رئيسها إياد علاوي برئاسة الوزراء. إذ كيف يجتمع علاوي مع سائرون الذي يريد أن يتحالف بدوره مع النصر برئاسة حيدر العبادي، الساعي إلى ولاية ثانية أيضًا.

من جانب آخر، أعلن عبد الهادي السعداوي، النائب عن ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي، أن "ائتلافه استقطب أغلب الكتل السياسية الفاعلة في العراق وهنالك وجهات نظر متبادلة ومتكاملة لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الكتل"، مشيرًا إلى وجود "توافق مع ائتلاف الوطنية وبعض القوى السنية والقوى الكردية والفتح"، ويعتقد السعداوي أن حظوظ دولة القانون أكبر من حظوظ الصدر بتشكيل الحكومة، لافتا إلى أن "دولة القانون والفتح وبعض القوى السياسية المؤمنة بالأغلبية السياسية يتوجهون لنجاح هذا المشروع".

معركة التكنوقراط

لا ترغب الكتل السياسية بالتنازل عن المحاصصة، لكونها توفر لهم امتيازات لا تعد، فضلًا عن اللاعب الخارجي، الإيراني تحديدًا، الذي يقاتل للحفاظ على بيت شيعي قبالة بيت سني وكردي، وهذا ما يجعل الصدر وحده في مواجهة هذه الكيانات السياسية، فهو إن لم يرضخ لتشكيل حكومة معهم، فإن لجوءه لخيار المعارضة سيكون أجدى كما يرى مراقبون، وأفضل من الدخول مع هذه الكتل في حكومة واحدة، للحفاظ على مشروعه الوطني الذي بدأه من ساحة التحرير قبل ثلاث سنوات، وهذا ما أشار إليه جاسم الحلفي، القيادي في الحزب الشيوعي وتحالف سائرون بالقول: "إن لم نوفق في تشكيل حكومة وطنية، سنكون أول معارضة رسمية في البرلمان".

لكن الصدر لا يزال متأملًا في تشكيل حكومة وطنية، وهو مستمر في تطمين أتباعه والمؤمنين بمشروعه عبر تغريداته في تويتر، رغم أن الكتل الراغبة في المحاصصة في سعي محموم للاتفاق على تشكيل الحكومة من جانبها، ما جعل نشطاء يتساءلون عن أسباب أمل الصدر في هذه الأجواء التي يعتقدون أنها جعلته في مأزق حقيقي قبال المعسكر الخارجي، والراغب بإعادة البيوت الطائفية إلى المشهد السياسي.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

نتائج الانتخابات العراقية.. الوجوه القديمة التي لم تتعلم الدرس

آخر مسرحيات خاسري الانتخابات العراقية.. "الشعب الأحمق لم يخترنا"!