28-مايو-2019

تسعى واشنطن إلى الضغط على إيران لتقديم تنازلات (تويتر)

أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رغبة واشنطن بالجلوس على طاولة المفاوضات مع طهران في حال كان لديها الرغبة في ذلك، وسط توترات عسكرية تشهدها منطقة الشرق الأوسط، في وضع يشبه إلى حد كبير الأجواء التي عاشتها المنطقة قبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، بعد تعزيز واشنطن لترسانتها العسكرية بإرسال المزيد من الجنود إلى منطقة الخليج العربي.

لم يكن قرار إرسال 1500 جندي إلى الشرق الأوسط هو الوحيد الذي اتخذته واشنطن، إذ ألحقه ترامب باتخاذ قرار بيع أسلحة أمريكية بقيمة ثمانية مليارات دولار للسعودية والإمارات والأردن في سياق التصعيد ضد إيران

ترامب.. "لا تغيير للنظام الإيراني"

انتهز الرئيس الأمريكي الفرصة خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في طوكيو للتأكيد على أن بلاده لا تتطلع لتغيير النظام الإيراني، إنما تتطلع لعدم امتلاك طهران أسلحة نووية، مضيفًا أنه إذا رغبت طهران بإبرام اتفاق نووي جديد فإن "ذلك ينم عن ذكاء وأعتقد أن هذا يمكن أن يتحقق".

أقرأ/ي أيضًا: بعد تعزيز واشنطن ترسانتها العسكرية.. هل ينتظر الشرق الأوسط حربًا شاملة؟

وكانت واشنطن في أيار/مايو الماضي قد أعلنت أنها ستعيد فرض عقوبات اقتصادية أمريكية على إيران من أجل تقويض ما وصفه ترامب بأنه "اتفاق مروع أحادي ما كان يتعين على الإطلاق إبرامه"، بعدما قرر انسحاب بلاده من الاتفاق النووي التاريخي الموقع مع طهران خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عام 2015.

وعلقت الخارجية الإيرانية على تصريحات ترامب الأخيرة بالقول إنها لا ترى في الوقت الراهن أي مجال للمفاوضات مع واشنطن، وبالتزامن مع المؤتمر الصحفي الذي كان يعقده ترامب في طوكيو، غرد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عبر حسابه الرسمي على تويتر قائلًا إن بلاده لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية، لأن المرشد الأعلى للثورة الإيراني آية الله علي خامنئي قد حظرها في فتوى دينية، وأضاف معلقًا على حديث ترامب حول عدم رغبة واشنطن تغيير النظام الإيراني بأن "الأفعال، وليست الكلمات، ستظهر هل هذه نية ترامب أم لا".

التهدئة تسيطر على التوترات العسكرية

صعّدت واشنطن قبل قرابة الأسبوع من لهجتها اتجاه إيران بعدما أعلنت عن إرسال 1500 جندي إلى منطقة الشرق الأوسط بهدف تعزيز دفاعاتها لتوفير الحماية لمواقعها العسكرية في الشرق الأوسط، بعد الهجمات الأخيرة التي استهدفت ميناء الفجيرة الإماراتي التي اتهمت واشنطن الحرس الثوري الإيراني بالوقوف خلفها، وتبني جماعة أنصار الله الحوثي اليمنية الهجوم بالطائرات المسيّرة المفخخة الذي استهدف محطتَي ضخ لخط أنابيب نفطية لشركة أرامكو السعودية، ووصف الحرس الثوري قرار إرسال الجنود الأمريكيين بأنه "الأضعف في التاريخ".

وكانت واشنطن قد أعلنت في وقت سابق من الشهر الجاري إرسالها حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" إلى الشرق الأوسط، بعد يوم واحد من توقيع ترامب أمرًا تنفيذيًا بفرض عقوبات إضافية على إيران تشمل قطاعات الحديد والصلب والألومنيوم والنحاس.

لكن التعزيزات العسكرية الأخيرة لواشنطن لا تشير إلى أنها ترغب بشن هجوم عسكري على طهران بقدر ما تظهر ممارستها المزيد من الضغوط الاقتصادية والعسكرية لترضخ طهران لشروطها، قياسًا بانتشار قرابة 70 ألف جندي أمريكي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فضلًا عن انتشار نحو  600 جندي من المعلن إرسالهم إلى المنطقة لإدارة صواريخ باتريوت، حيث سيتم تمديد بقاءهم.

وكان مسؤول أمريكي طلب عدم ذكر اسمه قد كشف لوكالة رويترز أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تستهلك الوقت في مناقشة مسألة  نشوب صراع على نطاق واسع مع إيران على حساب التركيز على الصين وروسيا، معربًا عن أمله أن تكون إجراءات الردع التي اتخذتها واشنطن كافية لتجنب صراع كبير مع إيران.

تشكيك بمعلومات استخباراتية وصلت لترامب

لم يكن قرار الإدارة الأمريكية بإرسال 1500 جندي إلى منطقة الشرق الأوسط هو الوحيد الذي اتخذته، إذ ألحقه ترامب باتخاذ قرار بيع أسلحة أمريكية بقيمة ثمانية مليارات دولار للسعودية والإمارات والأردن عبر إبرام 22 صفقة مع الدول المذكورة، معللًا ذلك بسبب التوترات المتزايدة مع طهران، رغم عرقلة أعضاء في الكونغرس الأمريكي منذ أشهر قرارات مرتبطة ببيع الأسلحة للسعودية والإمارات.

وكان السيناتور الأمريكي كريس ميرفي قد حذر من أن الإدارة الأمريكية تعتزم استخدام ثغرة قانونية بالإضافة إلى تصاعد التوترات مع إيران لبيع القنابل للسعودية، على الرغم من إيقاف الكونغرس هذه المبيعات لعدة أشهر بسبب المخاوف من مقتل مدنيين في الحرب في اليمن، وتصويت الجمهوريين والديمقراطيين لصالح عرقلة بيع الأسلحة للسعودية خلال الأشهر السابقة.

وكشف موقع ديلي بيست الأمريكي أن المعلومات التي قدمتها الإدارة الأمريكية حول التقاط الأقمار الصناعية صورًا تظهر قوارب صغيرة محملة بالأسلحة في ميناءي تشابهار وبندر جاسك الإيرانيين لا تبدو واضحة حسب الصور المتداولة، ونقل الموقع عن جيفري لويس الذي قام بتحليل الصور الملتقطة أن المشكلة هي عدم معرفة ماذا يتواجد داخل الحاويات المحملة على القوارب، وغير معروف إن كانت تحوي على شيء بالأصل، وتوقع في أقصى التقديرات أن تكون قدرتها "بسيطة ومحدودة".

لماذا تبنت واشنطن خطاب التهدئة اتجاه طهران؟

معظم التوقعات كانت تشير إلى أن الإجراءات التي اتخذتها واشنطن اتجاه طهران لا تدل على ذهابها لشن هجوم عسكري عليها، إنما تصب في إطار ممارسة المزيد من الضغوطات حتى ترضخها لشروطها التي يريد ترامب توقيعها ضمن اتفاقية جديدة بعد إلغائه الاتفاق النووي الإيراني مدفوعًا بذلك من قبل حلفائه الخليجيين.

وبدأت طهران منذ عام 2011 بتعزيز نفوذها عسكريًا مستغلة الصراعات العسكرية التي نشبت في الشرق الأوسط، إذ إن لديها قرابة 200 ألف مقاتل ينتمون لجماعات مسلحة منتشرة في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، يمكنها أن تقوض نفوذ واشنطن وشركائها في المنطقة، بحسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، التي أشارت إلى أن اعتماد طهران على هذه الجماعات ناجم عن عدم قدرتها على مواجهة واشنطن عسكريًا.

وعلى الرغم من تصاعد التوتر نتيجة تعزيز واشنطن لترسانتها العسكرية في المنطقة، فإن الوقائع تشير لعدم إمكانية نشوب حرب كانت قبل نحو أسبوعين تلوح بالأفق، نتيجة تباين المواقف بين واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي التي ترى أن ما يحدث من تصعيد في المنطقة ناجم عن قرار واشنطن الأحادي لإلغاء التزامها بالاتفاق النووي الإيراني.

واعتبر الباحث الأمريكي دانييل ديبيتريس أنه على الرغم من إرسال واشنطن تعزيزات عسكرية إلى الخليج العربي، فإنه لا أحد يرغب، سواء طهران أو واشنطن، بالذهاب إلى مواجهة عسكرية، إلا أن سوء التقدير يمكن أن يؤدي إلى غير ذلك، مشيرًا إلى أن السياسة اتجاه إيران تميزت بالأخطاء لعدة عقود، وتستند إلى قراءات خاطئة متعمدة أو غير متعمدة لما يمكن تحقيقه من خلال العقوبات والضغوط العسكرية، وهو ما يدل على عدم رضوخ طهران للضغوطات الأمريكية.

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية قد كشفت عن وجود حراك دبلوماسي تجريه عواصم أوروبية وعربية يهدف لنزع فتيل الأزمة بين واشنطن وطهران تفاديًا لوقوع أي صراع مسلح في منطقة الخليج العربي، مضيفًة أن طهران أرسلت إشارات عبر دبلوماسيين أوروبيين تبدي رغبتها بتخفيف واشنطن عقوباتها على صادراتها النفطية كشرط للحديث عن نزع فتيل التوترات في المنطقة.

اقرأ/ي أيضًا: لهذه الأسباب لن نشهد حربًا أمريكية – إيرانية في سوريا!

إضافة إلى ذلك فإن المخاطر من نشوب نزاع مسلح بين طهران وواشنطن في محيط الخليج العربي قد رفعت تكلفة ديون البحرين وسلطنة عمان المنضويتين ضمن مجلس التعاون الخليجي، في الوقت الذي أظهر مستثمرون قلقًا متزايدًا نتيجة التطورات الأخيرة، الأمر الذي ألقى بظلال سلبية على السندات الخليجية، ورفع من كلف الاقتراض بالأخص في الدول الخليجية الأضعف ماليًا.

صعّدت واشنطن قبل قرابة الأسبوع من لهجتها اتجاه إيران بعدما أعلنت عن إرسال 1500 جندي إلى منطقة الشرق الأوسط بهدف تعزيز دفاعاتها لتوفير الحماية لمواقعها العسكرية في الشرق الأوسط

وقد ارتفعت أسعار النفط أول أمس الاثنين لأكثر من 70 دولارًا عند إغلاقها مدعومًة بتوترات في الشرق الأوسط وتخفيضات إمدادات أوبك، والذي يبدو أنه لا يمكن للدول الضعيفة ماليًا تحمل المزيد من أعبائه الإضافية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إيران بعد كابوس العقوبات.. البحث عن الانتقام

اليمن.. أول ساحة معركة ترامب مع إيران