27-أبريل-2019

رغم التهديدات المتبادلة بين طهران وواشنطن، من المستبعد أن يصل الطرفان إلى تصعيد عسكري (Getty)

لهذه الأسباب لن نشهد حربًا أمريكية – إيرانية في سوريا!

على الرغم من التقارير التي تشير لإمكانية نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة خلال الصيف القادم، قد تكون سوريا مسرحها، فإن معظم المؤشرات تدل على أن ذلك ليس ممكنًا لعدة أسباب، لعل أهمها تضارب مصالح الأطراف الدولية الفاعلة في الشأن السوري، بما في ذلك الحلفاء أنفسهم، وعدم إمكانية تحمل المجتمع الدولي لما ستخلفه هذه الحرب من انقسامات بين الدول الغربية قد تؤدي لمزيد من التوتر في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما لا يمكن أيضًا احتمال تداعياته عالميًا نتيجة الأزمات السياسية، والنزاعات المسلحة التي يشهدها في الوقت الراهن.

رغم تصاعد التهديدات المتبادلة بين واشنطن وطهران، يبدو مستبعدًا أن نشهد خلال الصيف المقبل معركة، في حال حصلت قد تغير شكل الخارطة السياسية بسبب الأطراف الدولية الفاعلة

واشنطن تقدم الدعم اللوجستي والعسكري لحلفائها في سوريا  

بدأت واشنطن مؤخرًا بتعزيز دعمها اللوجستي والعسكري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق سوريا، حيث تتواجد قوات النظام السوري مسنودة بالميليشيات الممولة إيرانيًا في مدينة البوكمال بريف دير الزور، بالإضافة لتقديمها دعمًا مماثلًا لجيش مغاوير الثورة في منطقة الـ55 التي تتواجد فيها قاعدة التنف العسكرية ومخيم الركبان للنازحين السوريين، بالتزامن مع حملة تجنيد في صفوف الشباب قامت بها قسد.

اقرأ/ي أيضًا: عودة الحرب الباردة.. في الشرق الأوسط وفنزويلا أيضًا!

في هذا السياق، ذكرت صحيفة العربي الجديد قبل أيام أن مغاوير الثورة نفذ بالاشتراك مع القوات الأمريكية في قاعدة التنف مناورات عسكرية تضمنت التدريب على أسلحة ثقيلة، من بينها صواريخ أرض - أرض متوسطة وقصيرة المدى تحاكي أهدافًا افتراضية، بالإضافة لتقديم واشنطن كميات من العتاد والأسلحة بعدما سيطرت قسد على بلدة الباغوز آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا.

وهذه المرة الثانية التي تجري فيها القوات الأمريكية تدريبات عسكرية في قاعدة التنف، بعدما نشرت القيادة المركزية الأمريكية في أيلول/سبتمبر الماضي، صورًا قالت إنها لتدريبات عسكرية في القاعدة التي يتخذها التحالف الدولي مقرًا له.

التوتر يتزايد.. واشنطن تصعد وطهران ترد

ساهم وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض بتصعيد التوتر بين واشنطن وإيران بعد إعلانه إنهاء الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية على طهران، ومطلع العام الجاري شهدت العلاقات الدبلوماسية تصعيدًا جديدًا بعدما فرض ترامب حصارًا على صادرات النفط الإيراني، وهدد بفرض عقوبات اقتصادية على الدول التي تقوم بشرائه، وهو ما أدى إلى انخفاض صادرات إيران من النفط من 2.5 مليون برميل يوميًا إلى مليون برميل فقط.

أخذ النهج العدائي الذي بدأه ترامب اتجاه إيران، منحى مختلفًا بعدما أدرجت واشنطن منتصف الشهر الجاري الحرس الثوري الإيراني على قائمة التنظيمات الإرهابية، ويعتبر الحرس الثوري الإيراني الذي تأسس عام 1979 أقوى منظمة أمنية واقتصادية وعسكرية في إيران، وهو يمثل الجيش الرسمي لطهران التي ردت بالمثل بتصنيفها القيادة المركزية الأمريكية على أنها منظمة إرهابية معتبرًة الولايات المتحدة راعية للإرهاب، ورافق هذا التصعيد تصريحات متبادلة بين الطرفين وصلت إلى مرحلة تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز إذا تم منعها من استخدامه.

وبعد أقل من أسبوع على تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية من قبل واشنطن، أصدر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي قرارًا بتعيين اللواء حسين سلامي قائدًا للحرس الثوري خلفًا للواء محمد علي جعفري، في خطوة فسرها مراقبون على أنها محاولة من طهران لترميم صورتها دوليًا، حيثُ نقل عن سلامي حين كان نائبًا لجعفري تعهده بـ"كسر أمريكا وإسرائيل وشركائها وحلفائها"، كما هدد مرارًا بـ"محو إسرائيل من الخارطة السياسية".

والواضح من التغيير الذي شهده الحرس الثوري، أن طهران تدفع شخصًا يعرف عنه عداءه الشديد للسياسة الأمريكية للوقوف في وجه مستشار الأمن القومي جون بولتون، إذ تقول تقارير صحفية إن بولتون يدفع الإدارة الأمريكية لحرق جميع خيارات العقوبات التي تملكها، والذي قد يصل بالأمور لأزمة نووية أو حتى مواجهة عسكرية لا مفر منها، وهو ما جعل طهران تدفع بسلامي للواجهة نظرًا لما يحمله سجله السياسي من تصريحات مثيرة للجدل.

إذًا.. هل نحن أمام "صيف ساخن"؟

رغم تصاعد التهديدات المتبادلة بين واشنطن وطهران، يبدو مستبعدًا أن نشهد خلال الصيف المقبل معركة، في حال حصلت قد تغير شكل الخارطة السياسية بسبب الأطراف الدولية الفاعلة في هذه النزاعات، حيث من الممكن أن تكون شرارتها من شمال غرب أو جنوب سوريا.

كان واضحًا من خلال تراجع ترامب عن قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا على الرغم من إعلانه القضاء على تنظيم داعش، أن السبب الرئيسي يرجع للتواجد الإيراني المكثف في سوريا عبر الميليشيات الأجنبية التي يقودها فيلق القدس، الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني، فقد أشارت تقارير إلى أن طهران تملك ثمانية قواعد عسكرية داخل سوريا، هذا بالإضافة لتوزع عناصر الميليشيات المدعومة منها في مختلف المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري. 

وبحسب الخارطة العسكرية فإن هذه الميليشيات تملك انتشارًا على كامل مساحة البادية السورية التي تقع ضمنها قاعدة التنف العسكرية، ووفقًا للخارطة فإن القاعدة التي تتواجد فيها القوات الأمريكية تملك منفذًا واحدًا على الحدود العراقية – الأردنية فيما تحاصرها قوات النظام بالاشتراك مع الميليشيات الأجنبية من جهاتها الثلاث المتبقية، وهو ما يساعد طهران على التحرك بحرية مطلقة من البادية السورية وصولًا إلى مدينة البوكمال شمال غرب سوريا.

وبالنظر للتمدد الإيراني في الشرق الأوسط، فقد أصبحت طهران تملك منفذًا على البحر المتوسط بعد توقيعها اتفاقًا مع النظام السوري لإدارة ميناء اللاذقية، فضلًا عن قواعدها العسكرية المنتشرة في سوريا، وتغلغلها داخل المؤسسة العسكرية السورية بحصولها على ولاءات ضباط متنفذين داخل النظام السوري، وتمكنها من تحويل جماعة الحشد الشعبي لمنظومة أمنية وعسكرية في العراق لتضمن أولًا السيطرة على القرار السياسي العراقي، وثانيًا السيطرة على الحدود السورية – العراقية التي تشهد انتشارًا مكثفًا للميليشيات المدعومة من طرفها لحماية الطريق الذي ترغب بافتتاحه من طهران وصولًا لبيروت.

لهذه الأسباب لن نشهد حربًا أمريكية – إيرانية في سوريا

على الرغم من محاولة واشنطن إضعاف طهران من خلال العقوبات الاقتصادية، والتقارير التي تشير لإمكانية نشوب حرب بين الطرفين بهدف دفع طهران للجلوس على طاولة المفاوضات، فإن ذلك يبدو بعيدًا كل البعد عن طموحات واشنطن، إذ أشارت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في أحد تقاريرها إلى أن سياسة "صفر واردات" التي تنتهجها الإداراة الأمريكية اتجاه إيران لن تدفع بالأخيرة للجلوس على طاولة المفاوضات، أو التفاوض على صفقة جديدة، أو نشوب حرب بين الطرفين، لكنها قد تساهم بدفع طهران لتقليص عملياتها الخارجية.

كما أن طهران لا تزال تملك دعمًا غير مباشر من الاتحاد الأوروبي الذي رفض انسحاب واشنطن الأحادي من الاتفاق النووي، فقد تواجه واشنطن مشاكل دبلوماسية مع الدول التي هددتها بفرض عقوبات اقتصادية في حال استمرت بعد أيار/مايو المقبل بشراء النفط الإيراني، رغم توقع خبراء عدم إمكانية الدول المصدرة للنفط تغطية متطلبات السوق العالمية عند سريان مفعول القرار.

وتأتي في نهاية المطاف ورقة الضغط الأخيرة التي هددت طهران باستخدامها عبر إغلاق مضيق هرمز الذي يفصل بين إيران وسلطنة عمان، ويربط الخليج بخليج عمان وبحر العرب، ويعتبر معبرًا مهمًا لمنتجي النفط في الشرق الأوسط لأسواق آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية وما ورائها رغم أن عرض ممره الملاحي لا يتجاوز ثلاثة كم.

ووفق وكالة رويترز فإنه يعبر من المضيق خمس كميات النفط المستهلكة عالميًا، وفي حال أقدمت طهران على إغلاق المضيق الذي لطالما هددت خلال السنوات السابقة بإغلاقه دون أن تنفذ تهديدها، وكان مسرحًا لتوترات دبلوماسية بين واشنطن وطهران سابقًا، فإن ذلك سيؤثر سلبًا على صادرات النفط، وبالأخص بالنسبة لأبوظبي والرياض حليفتي ترامب الأبرز في المنطقة العربية، اللتين تعتمدان على المضيق بشكل أساسي لتصدير المنتجات النفطية.

اقرأ/ي أيضًا: بعد اتفاقية ميناء طرطوس.. هل أكدت موسكو هيمنتها في الشرق الأوسط؟

وكان واضحًا القفزة التي حققتها أسعار النفط عالميًا بعد إعلان ترامب إعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، ووجود ما يشبه الصفقة مع الرياض لتعويض السوق العالمية بالنفط بدلًا من طهران، لكن ذلك أثار مخاوف الرئيس الأمريكي من تأثير ارتفاع السعر على أصوات الناحبين في الولايات المؤيدة للجمهوريين خلال الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في تشرين الثاني/نوفمبر العام القادم.

أخذ النهج العدائي الذي بدأه ترامب اتجاه إيران، منحى مختلفًا بعدما أدرجت واشنطن منتصف الشهر الجاري الحرس الثوري الإيراني على قائمة التنظيمات الإرهابية

بناءً على ذلك، فإنه من غير الوارد أن تكون الساحة السورية مسرحًا لمواجهة عسكرية بين طهران وواشنطن، على الأقل خلال الفترة القادمة، لأنه في حال نشوبها فإنها ستؤثر بشكل سلبي على منطقة الشرق الأوسط بشكل واضح، نتيجة لانقسام الأطراف الدولية الفاعلة في الشأن السوري بما في ذلك الأطراف المتحالفة نفسها، وتذبذب العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد الأوروبي وواشنطن بسبب النهج الأحادي الذي يمارسه ترامب بخصوص الاتفاقيات الموقعة فيما بينهم، وأخيرًا إدراك الجميع أن مثل هذا التحرك سيؤثر بشكل مباشر على الأزمات الإقليمية التي تشهدها الخارطة السياسية العالمية في الوقت الراهن.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الأسد.. مصيرٌ تصنعه تحالفات روسيا