30-نوفمبر-2019

من المتوقع أن تسيطر روسيا على إدارة شمال شرق روسيا (Getty)

هدوء حذر يسود شمالي شرقي سوريا، بعد اشتباكات أدت إلى تقدم الجيش الوطني السوري في مساحة جغرافية تخطت 30 كم  أي مساحة المنطقة الآمنة المفترضة، وذلك على مشارف بلدة عين عيسى التابعة للرقة وبلدة تل تمر التابعة للحسكة، والتي تبعد عن رأس العين 35 كيلومترًا، قبل أن يعاود الجيش الانسحاب من القرى التي سيطر عليها.

تُثار تساؤلات حول هوية القوات التي ستدير الصراع في المنطقة المكتظة بالقوات الأجنبية والميليشيات شمال شرق، في وقت تحاول فيه روسيا أن تلعب الدورالأمريكي شرقي الفرات

وبذلك يكون الجيش الوطني قد تجاوز مساحة المنطقة الآمنة التي يفترض أن تكون خالية من ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي تم الاتفاق عليها بين أنقرة وموسكو.

اقرأ/ي أيضًا: كيف غيّرت سوريا مقاربة إيران العسكرية؟

يأتي ذلك وسط تساؤلات حول هوية القوات التي ستدير الصراع في المنطقة المكتظة بالقوات الأجنبية والميليشيات، في وقت تحاول فيه روسيا أن تلعب الدورالأمريكي شرقي الفرات وتوظيف قسد بما يخدم علاقاتها مع تركيا بعد انسحاب القوات الأمريكية وإعادة تمركزها في المناطق النفطية، حيث أعلنت روسيا سيطرتها على قاعدة "صرين" العسكرية بريف عين العرب (كوباني) عقب الانسحاب الأمريكي منها.

روسيا مرشحة لإدارة شمال شرق سوريا

مجموعة الأزمات الدولية ومقرها واشنطن، أعدت تقريرًا أشارت فيه إلى وجود عدة خطوات من شأنها ضمان استقرار شمال شرقي سوريا، من أهمها احترام جميع الأطراف وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه الشهر الماضي، وإقامة قسد علاقات مع نظام الأسد برعاية روسيّة.

ودعت المجموعة في تقرير لها بشأن الأوضاع في شمال شرقي سوريا، الولايات المتحدة إلى حماية شركائها في قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وإعطاء الأولوية للاستقرار في الشمال الشرقي خلال مناقشاتها مع روسيا وتركيا. ووصف التقرير الوضع في المنطقة بالهش عقب الانسحاب الأمريكي، متسائلًا عن الجهة التي ستحكم وتراقب المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا.

ولفت التقرير إلى صعوبة التوفيق بين مصالح جميع الأطراف في المنطقة، في إشارة إلى قوات النظام وروسيا وتركيا وقسد، إضافة إلى القوات الأمريكية المتمركزة في حقول النفط، محذرًاً من أن العلاقة بين هذه القوى قد تنقلب بسرعة نحو الأسوأ.

في السياق قال ضابط الشرطة العسكرية الروسية سفر سفروف، إن القوات الروسية توسّع منطقة دورياتها شمالي شرقي سوريا، وإن إحدى نقاط المراقبة ستقام في قاعدة صرين الجوية. وأضاف سفروف للصحفيين أنه "منذ أن غادر الأمريكيون، أصبحت منطقة مسؤوليتنا تشمل كامل منطقة منبج وجوارها. نولي اهتمامًا خاصًا للخطوط الأمامية... كما كلفنا أيضًا بمهمة حراسة كافة الأرتال التي تعبر منبج، ومرافقة قوافل المساعدات الإنسانية".

إلى جانب ذلك أعلن رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا، يوري بورينكوف، أن الشرطة العسكرية الروسية سيرت دوريتين في مسارين بمحافظتي حلب والرقة.

شمال شرقي سوريا.. حساسية جغرافية وديمغرافية

بعد الاتفاق الروسي – التركي على انسحاب قسد 30 كم، أصبحت التحركات العسكرية التركية أسهل شمالي شرقي سوريا، عما كانت عليه قبل الانسحاب الأمريكي. بدا ذلك واضحًا خلال المعارك الأخيرة بين الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا وقسد الأسبوع الماضي.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن طائرات مسيرة تركية قصفت مواقع لقوات النظام في تل طويل الواقعة بين تل تمر والمناجير، ما أسفر عن إصابة عنصرين من قوات النظام على الأقل تم نقلهما إلى مشافي الحسكة.

وشهدت محاور على تخوم بلدة عين عيسى شمال مدينة الرقة، معارك عنيفة بين الجيش الوطني السوري من طرف وقسد من طرف آخر، وسط ضربات جوية مكثفة نفذتها طائرات مسيرة تركية بالإضافة لقصف بري السبت الماضي.

وتم الاتفاق عقب مفاوضات بين الجانبين الروسي والتركي لسحب الجيش الوطني من المناطق التي سيطر عليها في شمالي سوريا، بحسب المرصد. وأضاف المرصد أن المفاوضات تمحورت حول انسحاب الفصائل إلى مسافة 2 كم شمال قرى صيدا والمعلك. وينص الاتفاق الذي نشره المرصد السوري "على انسحاب الجيش الوطني من بعض القرى حتى الحد الأخير لرأس العين، وكذلك الانسحاب من الطريق الدولي M4، وانتشار الجيش السوري في تلك المناطق".

وتكتسب بلدة تل تمر الواقعة في ريف الحسكة أهميتها الاستراتيجية من كونها تُعد عُقدة طرق، إذ تمر منها طريق الحسكة - رأس العين. كما تتفرع منها الطريق الدولية "إم 4" الممتدة من حلب إلى مدينتي الحسكة والقامشلي. وتقع البلدة إلى الشمال من مدينة الحسكة بنحو 40 كيلومترًا، وإلى الشرق من مدينة رأس العين بنحو 35 كيلومترًا، كما تبعد أقل من 30 كيلومترًا عن الحدود السورية التركية.

ومن الناحية الديمغرافية، تكتسب تل تمر أهميتها من الحضور السكاني السرياني (المسيحي) في المدينة وريفها. وتنتشر قرى آشورية على الطريق الواصلة بين تل تمر ورأس العين، وهي تل طويل، تل جمعة، تل كيفجي وتل قريبط. كما ينتشر السريان على طول الخط الحدودي لمحافظة الحسكة مع تركيا والعراق، وفي مدينة الحسكة، فضلًا عن مدينة تل تمر وقراها.

وكانت مليشيا "قسد" أبرمت اتفاقًا الشهر الماضي مع النظام برعاية روسية، سمحت من خلاله لقوات النظام وقوات روسية بالدخول إلى منطقة شرقي الفرات، في محاولة منها لإيقاف العملية العسكرية التركية "نبع السلام"، حيث كانت تتعرض إلى خطر يمسّ وجودها في المنطقة الغنية بالثروات.

المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن علّق على التطورات في منطقة (تل تمر) معتبرًا أنها "استفزاز واضح جدًا"، مشيرًا إلى وجود أقلية مسيحية في تلك المنطقة، وحيث يحاول "ي ب ك دفع تركيا على مهاجمتها من خلال تحرشاته" حسب وكالة الأناضول.

وشدّد على أن تركيا لن تقع في هذه المكيدة، وأن "ي ب ك" يريد عودة تنظيم "داعش"؛ لأن الأخير كان مصدرًا لكسب الشرعية ودرعًا للحماية بالنسبة إليه. وأردف "عندما انتهى خطر داعش فإنه لن تبقى هناك أرضية لدعم السلاح المقدم لـ(ي ب ك)".

روسيا تستغل ميليشيا قسد

 في تموز/يوليو  2016 التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في سانت بطرسبورغ، حيث قررا تطبيع العلاقات الروسية  التركية بالإضافة إلى استعادة العمل على المشاريع المشتركة بين البلدين. وخفضت أنقرة أنشطتها في القوقاز في مقابل تجميد موسكو مرة أخرى، علاقاتها "بالأكراد". وبدا ذلك واضحًا في ضوء تراجع أنشطة مكتب كردستان سوريا في موسكو، الذي بات استمرار وجوده، مع ما يعانيه من نقص في التمويل، محل تشكيك متكرر في 2017، إذ تبقى علاقة موسكو مع (الأكراد) رهن المعطيات الظرفية ولا تؤدي سوى وظيفة ثانوية بالنسبة لموسكو.

وتحت الضغوط العسكرية التركية عقب عملية نبع السلام وانسحاب القوات الأمريكية وجدت قسد نفسها في دائرة روسيا ونظام الأسد، رغم التاريخ السيئ الذي يربط موسكو بالأكراد عمومًا، وخاصة في مرحلة محاربة التحالف الدولي لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. ورغمَ الاتفاق التركي - الروسي والتركي - الأميركي لإنشاء منطقة آمنة وإبعاد قسد عن الحدود، ما زالت أنقرة قلقة إزاء التعاون بين قسد وأمريكا شمالي سوريا. وهذا ما قد تستغله روسيا في علاقتها مع تركيا.

حيث استهدفت روسيا أكثر من مرة التعاون بين الولايات المتحدة وقسد ضد التنظيم. ويرى مراقبون أنه لطالما حضت روسيا الأكراد على إنهاء التعاون مع الولايات المتحدة. ففي أيلول/سبتمبر 2017، عقد الجيش الروسي اجتماعات مع قادة "حزب الاتحاد الديمقراطي" في قاعدة "حميميم"، وحين رفض الحزب مطالب موسكو، هدّدت روسيا بأنها ستسمح لتركيا بضرب وحدات حماية الشعب في عفرين، وسحبت قواتها من المنطقة عقابًا لرفض الأكراد مطالبها.

كما هاجمت ميليشيات موالية للأسد ومرتزقة روس بما فيها "مجموعة فاغنر"، قسد لوقف الحرب ضد "داعش"، لأن بوتين غضب من سيطرة قسد والبنتاغون على آبار النفط والغاز في دير الزور. وفي شباط/فبراير 2018، هاجم نحو 500 عنصر من قوات النظام والمرتزقة الروس قسد والقوات الأمريكية في مركز صغير يقع إلى جانب معمل غاز كونوكو بالقرب من مدينة دير الزور. وأنكرت القوات الحكومية الروسية في سوريا تورطها في المعركة.

اقرأ/ي أيضًا: إعادة بناء قوات الأسد.. جيش من المليشيات والطلاب والموظفين

كما أن روسيا، إلى جانب حزب الله ونظام الأسد، أبرموا اتفاقًا مع "داعش" لنقل 300 من مقاتلي التنظيم من الحدود السورية اللبنانية إلى مدينة دير الزور، حيث كانت القوات الأمريكية تتمركز مع قسد.

تعمل روسيا على استغلال قلق تركيا إزاء التعاون الأمريكي الكردي شمالي سوريا. ويحاول بوتين تسهيل التقارب والمفاوضات بين نظام الأسد وتركيا وأيضًا إيران بحجة التهديد الأمريكي

وتعمل روسيا على استغلال قلق تركيا إزاء التعاون الأمريكي الكردي شمالي سوريا. ويحاول بوتين تسهيل التقارب والمفاوضات بين نظام الأسد وتركيا وأيضًا إيران بحجة التهديد الذي تطرحه الولايات المتحدة في سوريا واحتمال إقامة دولة كردية شمالي سوريا.