31-يوليو-2019

بسام كوسا وزهير رمضان (ألترا صوت)

مع كل لقاء إذاعي، تستمر حملة القدح والذم والتحقير التي يصر على قيادتها الفنان بسام كوسا دون هوادة ضد زميله نقيب الفنانين زهيررمضان. ففي معرض اللقاء الذي أجرته مؤخرًا الإعلامية هيام حموي، عبر أثير إذاعة "شام إف إم"، لم تخرج حملة كوسا في طبيعتها الخطابية عن طبيعة الذهنية السجالية التي تتقصد حرف النقد عن الموضوع المختلف عليه، إلى الشخص المتنافس معه، أو المختلف معه، لا بقصد إظهار التفوق عليه معرفيًا على مجمل آرائه حول موضوع النقاش، بل بقصد الإطاحة به شخصيًا على نحو معنوي كبير، في توطئة لإزالته وجوديًا أو جسديًا من حقل التنافس اليومي، سواء عبر إقصائه من  المركز الوظيفي الذي يشغله كنقيب للفنانين، أو عبر إلحاق العار به من خلال التعريض به والنيل من سمعته.

يُخفي الاستخدام المفرط لكلمة وطن في السجال المستعر بين الفنان بسام كوسا والنقيب زهير رمضان القضية الجوهرية للنزاع

لا تبدو القضية موضوع الخلاف بين كوسا ورمضان قضية خلاف فكري، حول جميع الشروط التي تجعل من مكان ما وطنًا أو تنزع عنه تلك الصفة بقصد توصيفه مكانًا للنفي، فقضية إقامة الوطن السوري على فكرة حقوق أفراده هي قضية مغيبة عند كليهما. الوطن في عرف كل منها لا يخرج عن التصور الشعبوي الساذج، الذي لا يراه إلا كتجلٍّ وحضور لسلطة الأسد المطلقة في كل بقعة من بقاع سوريا، لا بفعل الرضا الشعبي الذي حازته عبر أصوات الناس ورغباتهم، بل بفعل توطيد سلطتها في قلوبهم عبر الغلبة والخوف والعنف المعمم، وهو عنف أقل ما يقال فيه إنه ماحق، حيث تكفي سطوته الطاغية على تمكين الرئيس الأسد من أن يحل في الوطن كما لو كان امتدادًا فيزيائيًا له، كما تسمح للوطن أن يحل فيه كما لو كان ملاذًا روحيًا لجميع أوجاع الكائنات فيه، إذا تكفي الإشارة إلى أحدها حتى نعي اختلاط ذات كل منهما بالآخر.

اقرأ/ي أيضًا: زهير رمضان.. ظل شاحب لسلطة متعالية

يُخفي الاستخدام المفرط لكلمة وطن في السجال المستعر بين الفنان كوسا والنقيب رمضان القضية الجوهرية للنزاع، الذي يتمثل بمدى أخلاقية توظيف كلمة وطن للتعمية على الكسب غير المشروع من المال العام، كما أخلاقية توظيفه في تهديد الخصوم الذين يتجرؤون على فضح تهافت الإنجازات التي يدعي تحقيقها أناس يعتاشون من السلطة ويمثلونها من شاكلة النقيب رمضان. في حين يحاجج كوسا بعدم شرعية أو أخلاقية المفاضلة بين الناس على أساس معيار الوطنية، أو الولاء لجماعة الرئيس أو منظومته الأمنية، عبر اللجوء إلى تصنيف الناس إلى وطنيين أو غير وطنيين ،أو إلى أناس أقل أو أكثر موالاة، لاعتقاده أن كل موالٍ هو مواطن دون أن يكون بالضرورة من طائفة الرئيس ودائرته المقربة، الأمر الذي يؤهله لشغل أرقى المناصب كما ممارسة النقد البناء بكل قوة أو اقتدار، دون أن يخشى في الحق لومة لائم قد تضعه في دائرة الخونة أو المعارضين. يحاجج رمضان على حصر هذه الميزة بالمقربين من آل بيت الأسد و أجهزته الأمنية وحاضنته الشعبية، وهو شرف لا يجوز أن يحوزه إلا من شاءت الأقدار أن يكون من مذهب طائفة الرئيس بالولادة.

من التنافس حول تقديم تصور يتصف بالأصالة والموضوعية حول معنى الوطنية وسوء توظيفها، إلى الكشف عن تهافت منطق رمضان الذي يدعي الوطنية ويزاود بها على الناس، ومن ثم لا يلبث عن أن يعلن عن خيانته لها عبر اللجوء إلى نهب المال العام، يتسرب العنف رويدًا رويدًا في خطاب كوسا ضد رمضان كما لو كان زوبعة من نار، حيث يحل الشخصي وينسحب الموضوعي، فرمضان في عرف كوسا ليس أكثر من شبيح أزعر لا يتورع عن استخدام عينيه "المفنجرتين"، في رغبة مضمرة في داخل كوسا للنيل من عيني رمضان الجاحظتين، كما أنه ليس أكثر من لص مبتذل يمضي جله يومه يحاضر بالأخلاق والشرف والنزاهة فيما لا يفعل شيئًا سوى أن ينهب ويسرق ويبرطع بمسروقاته بكل وقاحة.

يكشف لنا جدل المناظرة السابق مقدار العنف الذي يكتنف محاججة رجل يتعقد بصوابية رأيه دون أن يجد من يناصره في قضيته التي يطرحها، لذا نراه ينقل محاجته المنطقية القائمة على مبدأ "البرهان على الموضوع"، الذي يحاول من خلاله تقديم وجهة نظر متماسكة لمفهوم الوطنية وتوظيفها في الحيز العام، على المبدأ القائل بـ"البرهان على القول" الذي يتضمن تفنيد حجج الخصم وتبيان تهافت منطقه أو أقواله، ليصل به مباشرة للعمل وفق مبدأ "البرهان على الشخص" أي تجريحه والنيل من كرامته شخصيًا، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن المبدأ أو العلة التي تتحكم في سلوك كوسا العدواني الهائج ضد رجل يتفرض أن يكون زميلًا له في مهنة تتقصد إمتاع الناس وتطهير الغضب والعنف الغائر في نفوسهم.

ما يظنه بسام كوسا فسادًا لا يعدو، في عرف السلطة الأسدية، كونه طريقة لتوزيع الدخل على الناس الذين يشاركونهم سلطتها

الغيرة، هذا ما يحكم سلوك كوسا ضد رمضان وفق الترسمية التي كشفها لنا علم الأناسة الفرنسي جيرار في بحوثه عن العنف الماحق الذي يتولد في نفوس المتنافسين. فهل كان كوسا يشعر طيلة تلك الفترة بالغيرة من رمضان، مع أنه منطقيًا أقوى منه في الحضورعلى المستوى الفني كما الجماهيري؟ إذا كان الأمر كذلك، فما الذي يدفع شخصًا موهوبًا مثل كوسا ليشعر بالغيرة من رمضان؟ تكمن غيرة كوسا في موضوع آخر لا يتعلق بمنافسة رمضان على الجمهور، ولا على الظفر بحصة الأسد من  الأعمال الفنية، إنما في رغبة كوسا في محاكاة رغبة رمضان بترؤّس نقابة الفنانين، الذي تدفعه لإظهار العنف ضد رمضان.

تشير الرغبة بالمحكاة عند جيرار إلى الغيرة، فهل يشعر كوسا حقًا بالغيرة من رمضان؟ وهل يشعر بالانزعاج وبالحسد تجاه الشخص الذي شاءت الظروف أن يشغل منصب نقيب الفنانين؟

اقرأ/ي أيضًا: عباس النوري متصالحًا مع أكاذيب غيره

الجواب على ذلك وفق منطق جيرار في استبطان العنف هو نعم، وذلك على الرغم من إصرار كوسا على إنكاره تمامًا "أنا لا أبحث عن المناصب". إن رغبة كوسا بمحاكاة رغبة رمضان في الحصول على وظيفة منصب النقابة لا تخطئها العين، فسلوكه ورغبته بالحصول على المنصب يتشابه مع رغبة جميع الناس التي يرغبون بالحصول عليها بفعل الغيرة، أي لشعورهم المضني بأن شخصًا آخر قد حصل عليها قبلهم. فالذي يضاعف من رغبة كوسا بالمنصب هو رغبة رمضان العارمة بالاحتفاظ به بكل السبل الممكنة، وإلا ما الذي يفسر لنا قيام كوسا بالترشح لعضوية مجلس النقابة التي يرأسها رمضان مع شعوره المليء بالغضب والحسرة لخسارته عضوية ما ترشح إليها قائلًا: "أنا رسبت.. واحد مثلي لا يمكن أن ينجح.. النجاح حليف شخص مثل واحد مثله" (يقصد رمضان).

في العودة إلى موضوع الوطن الذي كان قد أثاره كوسا ضد رمضان، والذي أخذ عليه فيه استقواءه به،  إلى درجة تنصيب نفسه قاضيًا يوزع فيه شهادات الوطنية على فلان أو علان، ويحجبها عن هذا وعن ذلك، فقد كان من الأجدر أن يقوم كوسا بتوجيه نقده هذا لبشار الأسد الذي طالب السوريين في أول خطاب له بعد احتجاجات السوريين على نظام حكمه، بأن لا مكان للموقف الحيادي تجاه الوطن أو سلطته، رافعًا في وجه الجميع ذاك الشعار السلطوي المتبذل "من ليس معنا فهو ضدنا".

القاصر عن فهم الانتماء للوطن، وفق منطق بشار الأسد، هو الشخص الذي يقوم بنهب المال العام، لكنه بدون أي تردد بحجافل الحرب التي قرر أن يخوضها (أي الأسد) ضد متحدي سلطته، أما الشخص الرمادي المتردد فهو الذي انتظر طويلًا ليعلن موقفه من هذه الحرب الآثمة ضد تطلعات الشعب السوري بالحرية والكرامة.

في معرض تعريضه بلصوصية وجبروت زهير رمضان، يخوض كوسا معركة دنكشوتية ضد الفساد المستشري في جميع مفاصل السلطة الأسدية، وهو إذ يفعل ذلك عن سذاجة أو طيب نية، يُظهر قصورًا في فهم طبيعة الفساد في قلب سلطتها، فما يظنه كوسا فسادًا من قبيل الرشوة والسرقة واستغلال المنصب، لا يعدو كونه في عرف السلطة الأسدية سوى طريقة لتوزيع الدخل على الناس الذين يشاركونهم سلطتها، فالنظام الأسدي العاجز عن توفير الرفاه لجميع أنصاره الجائعين للثروة والمجد، لا يضيره أن يقوم موالوه أو شركاؤه الصغار في تمويل حاجاتهم من جيوب الناس الذين يحكمهم، ما دام الأمر يتم عبر شبكة أجهزة أمنه التي تسهر على تقنين وتسيير حصول أمر تابعيهم على ما يرغبون، فالنظام ليس ضد السرقة والفساد كما يظن كوسا بل راعيًا أمينًا لها، من حيث تعامله معه كأداة لإحكام سيطرته على الجميع، شركائه في تركة الحكم وخدمه الذين في الخدمة.

يقدّم كوسا خدمة كبيرة لسلطات نظام الأسد الاستبدادية من خلال إيهام محكوميها بقبولها لرفع مستوى النقد لموظيفها في المستوى الوزاري أو الحكومي

في محاولة تعريض كوسا برمضان على الرغم من استمراره في مزاولة منصب حكومي، وتمتعه بحصانة موقع حكومي آخر، أي عضويته في مجلس الشعب، يقدّم كوسا خدمة كبيرة لسلطات نظام الأسد الاستبدادية التي تحصي على الناس أنفاسها، من خلال إيهام محكوميها بقبولها لرفع مستوى النقد لموظيفها في المستوى الوزاري أو الحكومي، وإظهارها كما لو كانت تأخذ ملاحظاتهم على أدائهم على محمل الجد. أما في الواقع المتعين فإن هذا الضغط الإعلامي والتشهير بالسمعة الذي يقوم بها كوسا ضد رمضان لا يجد له تجسيدًا فعليًا في أرض الواقع، فلا رمضان يحضر للمساءلة في مجلس النقابة، ولا هو يُستدعى إلى الجمعية العمومية في مجلس الشعب لتقديم إيضاحاته حول التهم التي يتم رشقه بها، بل على العكس من ذلك يتم هدر انتقادات كوسا عبر تجاهلها، وجعلها عبرة لمن يحاول التطاول على أسياده في المواقع الحكومية، كونها الوحيدة المخولة في عزل أو تعيين الموظيفن المكلفيين بإدارة شؤون دولتها.

اقرأ/ي أيضًا: في برنامج "في أمل".. دريد لحام خائن لضميره

يكاد بسام كوسا الفنان الموهوب لا يتمايز أخلاقيًا في العمق عن النقيب زهير رمضان اللص والشبيح، لكنه وإن بدا فنانًا مبدعًا وشخصًا لطيفًا إلى الدرجة التي قد يحسبه المرء فيها فردًا من أفراد العائلة، فإن تماهيه مع سلطة آل الأسد المتوحشة ينزع عنه هذه القيمة، بل على العكس من ذلك فإنها ما تلبث أن تعمل ضده. فما هذا الفنان الذي يظهر ليطل علينا كبطل أسطوري كما لو كان فارسًا من فرسان الدائرة المستديرة المهمومة بهموم الناس ومشاغلها، ثم نراه ينعطف ليبارك أحذية جنود وضباط بشار الأسد التي لم تكف يومًا عن قتل السوريين المعارضيين وتطيين عيشة الموالين وجرهم إلى البيهمية جرًّا؟ كيف يمكن لشخص كان المؤمول منه أن يكون شاهدًا على الحق والحقيقة، أن يكون شاهدًا على عظمة أحذية الجنود الملطخة بدماء السوريين وأوجاعهم ليحيلها إلى تيجان فخر ومجد، تليق بعظمة النياشين التي قد يعلقها الإنسان على رأسه "كل ضابط شريف وكل جندي شريف.. يعم يقوم بهذا الفعل في الجيش العربي السوري.. فحذاؤه يجب أن يضع على رأسي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

نقابة الفنانين في سوريا: مجلس تأديب علني

عادل إمام.. الزعيم الهلفوت