10-أغسطس-2015

الشخصيات الفقيرة المعدمة التي أداها عادل إمام هي من صنعت مجده السينمائي

 

ينطوي لقب "الزعيم" الذي أُطلق على الفنان المصري عادل إمام على مفارقة كبيرة، لا سيما وأن اللقب كما هو معروف مستمد من مسرحية تحمل العنوان ذاته، وقد أدى فيها إمام شخصية الزعيم بنسختيها الأصلية والبديلة، وأوسع شخصية القائد الأعلى للبلاد، بمكانتها ورمزيتها الوطنية والسياسية، سخرية وإهانة إلى درجة التنكيل. والسؤال النكتة في هذا السياق، كيف يوسم الممثل المصري الأكثر شهرة بلقب أهانه وسخر منه وتطاول عليه و"مسح الأرض به" على حد تعبير المثل الشعبي؟

مع بداية الألفية الجديدة صار عادل إمام في منطقة اجتماعية أخرى، فنيًا وواقعيًا

تتقاطع مسرحية "الزعيم" (1993) في منطقها العميق مع فيلم "الهلفوت" (1985) الذي يؤدي فيه إمام شخصية مسحوقة من القاع الاجتماعي المصري. وتنبني حدوتة الفيلم على قصة الشيّال عرفة الذي يتجرأ على الفتوّة عسران ويطيح به بعدما يكتشف أنه مجرد "فزّاعة طيور". فالفتوّة الذي يرعب الجميع بسطوته وقوته البدنية الظاهرة ينهار أمام عرفة الذي اكتشف الكذبة الكبرى، فالشخص القوي المتماسك خارجيًا ليس أكثر من بدن متهالك ينخره الضعف والمرض.

وعلى الرغم من أن فيلم "الهلفوت" أكثر ذكاء وتبصرًا وجودة من الناحية الفنية بالمقارنة مع مسرحية "الزعيم" الذي تستمد جرأتها المزعومة والمتذاكية عبر قالب شكلي، والمقصود هو التعرض لشخصية الرئيس، فإن الفنان عادل إمام لن يقبل بأي حال أن يحظى بلقب "الهلفوت"، بسبب ما ينطوي عليه هذا اللقب من ضعة وتهميش واحتقار اجتماعي. وهذا مفهوم.

ومن الأكيد أيضًا أن إمام لن يقبل بأي لقب من ألقاب الشخصيات التي لعبها في مجمل أعماله حتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي، والتي كانت في مجملها، أو في معظمها، شخصيات فقيرة ومعدمة من القاع المصري المهمش والمسحوق. تلك الأفلام بالضبط هي التي صنعت مجد عادل إمام الفني وكرسته نجما سينمائيا لا يدانى، وأبعدته عن دائرة المنافسة بين نجوم السينما المصرية من الصف الأول. 

ولا بأس من التذكير أن "الخضة" الوحيدة، والتي تبين فيما بعد أنها مجرد فقاعة، التي وضعت مسيرة إمام الفنية على محك التساؤل والمقارنات جاءت مع العرض السينمائي "صعيدي في الجامعة الأميركية" (1998) الذي لعب فيه الممثل محمد هنيدي دور شخصية طالب صعيدي يدخل عالم الطبقة المخملية المصرية. اللعبة نفسها التي لعبها إمام في معظم أفلامه لعبها هنيدي لمرة واحدة وخطف الكثير من النجومية والأضواء، فيما يعكس وعي المتفرج لحقيقة التصادمات الاجتماعية في المجتمع المصري وأهمية تمثيلها فنيًا وسياسيًا.

ومنذ العام 2000، بدا أن الفنان عادل "بيه" إمام صار في منطقة اجتماعية أخرى، فنيًا وواقعيًا، في مرحلة تقلبات اجتماعية خطيرة شهدها المجتمع المصري خلال العقد الأخير من حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، انتقل خلالها "عادل بيه" من الطبقة الوسطى إلى طبقة علية القوم، وانتقلت الشخصيات التي يلعبها من الشخصيات الهامشية إلى الشخصيات صاحبة النفوذ في الدولة وفي المجتمع، وبتنا نرى عادل إمام رجل أعمال ثريا، أو وزيرًا، أو باشا، أو أستاذًا جامعيًا.. إلخ.

تكمن أهمية الفنان عادل إمام في أنه يمثل عصره، وتكمن أهمية أفلامه في أنها تحتقب طبيعة التصادمات والصراعات الطبقية والاجتماعية داخل المجتمع المصري التي انفجرت، أفقيًا وشاقوليًا، إبّان الثورة المصرية في كانون الثاني/يناير 2011 وتداعياتها، ولا يمكن قراءة مواقفه السياسية من نظام الرئيس حسني مبارك، ومن الثورة والثورة المضادة فيما بعد، بمعزل عن اللقب الذي بات يحمله، وهو لقب "الزعيم" على ما ينطوي عليه من مفارقة كبيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

سر السيناريست الشبح.. هل يكتب محمد ناير مسلسلات عادل إمام؟

10 أفلام تذكرك بالتاريخ الذهبي للزعيم عادل إمام