06-يناير-2019

زهير رمضان، خلال الحوار (يوتيوب)

في أنظمة الحكم السلالية، يكون الحرص كبيرًا على الظهور بمظهر الدولة الحديثة ذات المؤسسات الديمقراطية عريقة. فما من مرة سُئل بشار الأسد عن رغبته بإعادة انتخابه مرة أخرى إلا وأحال الأمر إلى قرارالشعب، حيث صندوق الانتخاب حكمًا فصلًا بينه وبين منافسيه، رغم معرفته المطلقة بأن صندوق الانتخاب وإرادة الناخبين رهن عصا مخابراته الغليظة، وما ذلك إلا ليرتفع بسلطته الرئاسية الدنيوية إلى مصاف السلطة القانونية المطلقة التي لا تسمح لأي من محكوميها مجرد التفكير بمساءلتها، أو وضع حد للرقابة على تصرفاتها.

في أنظمة الحكم السلالية، يكون الحرص كبيرًا على الظهور بمظهر الدولة الحديثة ذات المؤسسات الديمقراطية عريقة

وفق هذه الرؤية المؤَسسة على قداسة الذات الرئاسية، تتعامل السلطة الأسدية مع مشغليها من المدراء التنفذيين، أدوات السلطة، بذكاء منقطع النظير من حيث إيهامهم بالمستوى العالي من الثقة التي توليه الرئاسة لذواتهم، إلى الدرجة التي تدفعهم للمطابقة خطأ بين السلطة المحدودة الممنوحة لهم وسلطة آل الأسد المطلقة، دون أن يخطر ببالهم أنهم في موقعهم السلطوي هذا ليسوا أكثر من ظل شاحب لسلطة الأسد المتعالية، التي مهما حاولوا محاكاتها أومجاراتها أوالاقتراب من جوهرها، أملًا بالارتقاء إلى قداستها وتعاليها تظل تدفعهم رغمًا عنهم إلى القاع، حيث الدنس السلطوي في أسوأ تجلياته، سواء عبر تجليه في ممارساتهم التسلطية على الآخرين، أو تفردهم باتخاذ القرارات التي تميل للأخذ بمبدأ المحسوبيات والولاءات الزبائنية، أو عبر تجليه في إساءة استخدامهم للسلطة الممنوحة لهم التي غالبًا ما تنتهي بقيامهم بعملية نهب ممنهجة للمال العام.

اقرأ/ي أيضًا: عباس النوري متصالحًا مع أكاذيب غيره

الفن في العمق كسرٌ للصورة النمطية السائدة عن السلطة، من حيث كونها علاقة هرمية بين آمر ومأمور، لصالح علاقة اعتراف متبادل بين فاعل اجتماعي وفاعل اجتماعي آخر، بغض النظر عن طبيعة المنصب الوظيفي الذي يشغله، الأمر الذي لا يشكل هاجسًا تحرريًا أو وجوديًا  عند نقيب الفنانين السوريين زهير رمضان "أبو جودت"، كما تجلى ذلك في لقائه مع أحد المواقع الإعلامية اللبنانية المغمورة "شبكة تحقيقات الإعلامية"، حيث حرص على التماهي مع صورة رجل السلطة الأول بشار الأسد "الزعيم الأوحد"، كما يحب أن يدعوه، الذي يصر على الظهور بمظهر المهيمن على الحوار ومخرجاته، فبدلًا من أن يجلس زهير مع محاورته يارا سلامة وجهًا لوجه، اختار أن يجلس في قبالة الكاميرا تاركًا لها حضورًا هامشيًا على يساره، وبدلًا من أن يترك لمحاورته حرية اختيار الأسئلة تدخل في إضافة البعض منها، وخاصة تلك المتعلقة منها بالدراما السورية، ليظهر بمظهر الرجل العارف بقضايا الدراما المعاصرة وزواريبها المعرفية، أما في معرض رده على موقف زميله في الكار بشار إسماعيل الذي وصفه "بالمكيافيلي"، أي ذلك الشخص المتسلق والانتهازي الذي لا يبالي بالمرور فوق جثث أصدقائه في سبيل الوصول إلى مصلحته الشخصية، فقد فضّل أن يرد عليه بلغة التقريع تارة "ياعيب الشوم"، وبلغة المونة والعشم "لولا معزة أخواتك فلان وفلان، لكان شرشحتك" تارة أخرى، الأمر الذي يعكس نوعًا من موازين القوى العائلية بينه وبين إسماعيل، وهو الأمر الذي لم يراعه في معرض رده على بسام كوسا، الذي ساءله عن الخدمات التي قدمها الرجل لسوريا، ناكرًا نجوميته وتميزه الفني، تاركًا الانطباع في ذهن المتلقي ليربط بينها وبين الدلالة المعنوية الزاجرة لعبارة "مو عاجبك سيادة الرئيس ولو؟".  

أظهر المزاج العصبي الحاد الذي أبداه رمضان في معرض رده على خصومه الذي عابوا عليه تعامله مع أجهزة المخابرات، سواء في معرض استقوائه بها على خصومه أو في معرض اندفاعه للنيل من زملائه الفنانين الذي كانت لهم مواقف سياسية مناهضة لسياسات النظام القمعية، التي قادها ضد احتجاجات المتضاهرين السوريين السلمية التي اندلعت على نحو جارف 2011، عبر المبادرة إلى فصلهم من النقابة، مرفقًا قراره هذا بتقرير عن الأسباب الموجبة لهذا الفصل إلى الأجهزة الأمنية ذات الصلة، كي ينالوا حصتهم من العقاب الجهمني، أو لكي يقطع عليهم طريق العودة إلى حض الوطن الدافئ.

أظهر ذلك المزاج المستوى المتدني الذي انحدرت إليه النقابات المهنية في عهد الأسدين، في تحولها من ضمير سياسي حي لتطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة. تلك النقابات التي شاركت بكثافة في الاحتجات السلمية ضد سياسات الاسد، التي عمت معظم المدن السورية صبيحة الثامن من آذار/مارس 1980، ما جعل قيادتها عرضة لتنكيل أجهزة القمع الأسدية ومن ثم اتخاذ السلطة قرار حلها واستبدالها بمنظمات البعث الشعبية العديمة اللون والطعم والرائحة، التي تحولت إلى أداة سلطوية أمنية، لا يخجل عميد نقابة فنانيها بالمجاهرة بدوره الأمني الفاضح، الذي يخوله سلطة منح صكوك الوطنية من عدمها إلى من يستحق أو لا يستحق.

ظل "أبوجودت" طيلة الحوار يستظل باسم بشار الأسد حيث اقتضى الأمر ذلك، كما لو كان تميمة

ظل "أبوجودت" طيلة الحوار يستظل باسم بشار الأسد حيث اقتضى الأمر ذلك، كما لو كان تميمة، رافعًا اسمه إلى مستوى النصوص المقدسة التي يستخدمها رجل الدين على الطالع والنازل في معرض مجادلاته الفقهية لإفحام خصومه، ربما لشعور قار في نفسه تجاه الأسد الذي منحه فرصة العودة إلى حمى الوظيفة الحكومية 2014، وتسليمه إياه لمنصب نقيب "نقابة الفنانيين" إثرعملية انتخاب صورية، أشرفت عليها المخابرات الأسدية من ألفها إلى يائها، وذلك بعد فترة عناء وعزل وقنوط قاربت العشر سنوات، إثرقرار إعفائه من إدارة "مديرية المسارح والموسيقى"، الذي صدر بقرار وزاري استند في حيثياته إلى تقرير رقابي صادرعن الهيئة العامة للرقابة والتفتيش، جاء فيه تحميل رمضان المسؤولية عن اختفاء مبلغ 18 مليون ليرة سورية في عام 2005، الأمر الذي برّره النقيب المنفصل عن الواقع بخلافات جوهرية حول طبيعة العمل المسرحي مع سيادة الوزير المتحامل عليه.

اقرأ/ي أيضًا: سامر المصري يتوسّل وطنًا لا رجاء فيه

عجيب أمر السلطة الأسدية تجاه وضعية من يقوم باختلاس مالها العمومي، فبدلًا من أن تعاقبه وتعزله تستمر في نقله من منصب حكومي إلى آخر، بل يصل بها الأمر أحيانًا حد التكرم عليه بمنحه شرف العضوية في مجلس الشعب، غير عابئة بكم المسؤوليات الملقاة على عاتق الرجل، ولا بكم تقارير الفساد التي تلاحق سوء إدارته للنقابة، فيما هو يعيش مغتبطًا بثقة الأجهزة الأمنية التي ما فتأت تأكد له حرصها على إعادة انتخابه لدورة انتخابية ثانية، على الرغم من أنه لا يحظى بصحبة أكثر من عشرة أشخاص من نقابة فنانيه، الذين لبوا دعوته للاحتفال بالذكرى السنوية لتأسيس النقابة، حاله في ذلك حال المفارقة التي تمت في عهد الأسد الأب، التي كان أبطالها عناصر إحدى المخافر المحلية المكلفين بحماية الصناديق الانتخابية، إذ اضطرتهم قلة عدد الأفراد المقبلين على أقلام الاقتراع باللجوء إلى دفاتر سجلات مخالفي السير العائدة إلى عشرات السنين، غير مبالين بتكرار اسم المقترع أو ترقين قيده في قيود السجل المدني وإحالته إلى سجلات دفاتر دفن الموتى، وما ذلك إلا كي يتسنى لهم الخروج من حالة الإحراج التي تسببت بها قلة المشاركين في إعادة انتخاب سيادته لدورة رئاسية جديدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بين دريد لحام وخالد أبو النجا

باب الحارة... "العرصات" تتكاثر