18-أبريل-2023
Getty

واحدة من أبرز سمات الحرب في أوكرانيا، هي الاستهلاك العالي للقذائف المدفعية (Getty)

قالت صحيفة "واشنطن بوست"، إن مصر أوقفت خطة لتزويد روسيا بالقذائف المدفعية سرًا الشهر الماضي بعد محادثات مع كبار المسؤولين الأمريكيين، وقررت بدلًا من ذلك إنتاج ذخيرة للمدفعية من عيار 152 ملم و 155 ملم من أجل إرسالها لأوكرانيا عن طريق الولايات المتحدة، وفقًا لخمس وثائق استخباراتية أمريكية مسربة.

الوثائق السابقة، تحدث عن خطة مصرية سرية من أجل نقل القذائف إلى روسيا، المعروف عن معاناتها من نقص الذخيرة

وكانت الصحيفة الأمريكية قد كشفت الأسبوع الماضي عن وثيقة أخرى تحدثت عن مخطط سري للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شباط/فبراير الماضي، لتزويد روسيا بما يصل إلى 40 ألف قذيفة صاروخية عيار 122 ملم من طراز "صقر-45"، والتي يمكن استخدامها في قاذفات الصواريخ الروسية متعددة الإطلاق. وجاء في الوثيقة السابقة أن السيسي أوعز لضباط الجيش بالحفاظ على سرية المشروع "لتجنب الأزمات مع الغرب".

تراجع مصري

أما الوثائق الجديدة، التي حصلت عليها صحيفة "واشنطن بوست" من ضمن مجموعة الوثائق، يُزعم أن جاك دوغلاس تيشيرا عضو في جناح المخابرات رقم "102" في الحرس الوطني الجوي لماساتشوستس، ونشرها على منصة "ديسكورد"، وتُظهر تراجع السيسي في بداية آذار/مارس عن خطط لإمداد موسكو بالصواريخ.

أصوات من تحت الركام

وعلى الرغم من أن مصر تتمتع بعلاقة دبلوماسية وعسكرية طويلة الأمد مع روسيا، إلا أنها كانت منذ عقود حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن "إيقاف مصر لصفقة بيع القذائف المدفعية لروسيا يعتبر انتصارًا دبلوماسيًا واضحًا لإدارة بايدن"، وفق وصفها. ولا تكشف الوثائق الأخيرة، عن مصير الخطة المصرية مع روسيا أو تزويد أوكرانيا بالقذائف، ومدى تطبيقها.

وقالت الوثيقة إن مصر تعتزم استخدام قدرتها على إنتاج أسلحة لأوكرانيا "كوسيلة ضغط" للحصول على تقنيات عسكرية أمريكية متطورة.

السعي لمزايا جديدة

وبحسب واشنطن بوست توفر "الوثائق مجتمعة نظرة ثاقبة جديدة لدبلوماسية إدارة بايدن الهادئة، ولكن عالية المخاطر مع الدول التي سعت إلى البقاء على هوامش المواجهة المتصاعدة بين واشنطن وموسكو". كما تظهر أيضًا كيف أن "المنافسة بين القوى العظمى قد سمحت لمصر بالسعي إلى مزايا جديدة لأن علاقتها مع الولايات المتحدة أصبحت أقل أهمية".

ويقول مدير برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية مايكل حنا لـ"واشنطن بوست"، إنه "في الحقيقة، مجرد المنافسة تخلق فرصًا لتحقيق مكاسب سهلة مع الولايات المتحدة، ويمكنك أن تتخيل أن هذا سيكون على حساب أجندة الديمقراطية وحقوق الإنسان".

وحول ذلك، قال مسؤول كبير في إدارة بايدن، إن "مصر شريك وثيق، ونحن منخرطون بانتظام مع قيادتها في مجموعة من القضايا الإقليمية والعالمية".

Getty

جهد أمريكي لإيقاف الخطة

واجهت الولايات المتحدة تحديات في تكثيف إنتاجها لقذائف المدفعية وغيرها من الوسائل المطلوبة في أوكرانيا، وقد طلبت المساعدة من الدول الشريكة في جميع أنحاء العالم.

وفي المقابل، فرضت واشنطن عقوبات على طهران بسبب شحنات الاسلحة إلى روسيا، وأصدرت تحذيرات لبكين من الإقدام على الفعل نفسه.

وقال أحد السفراء الغربيين في القاهرة إن التسريبات تشير إلى أن مصر "قللت من تقدير رد الولايات المتحدة على إمدادات الأسلحة المحتملة لروسيا"، وتريد "تعظيم الاستفادة من كلا الجانبين".

ويبدو أن الرئيس المصري قد أوقف خطة الصواريخ بعد زيارات قام بها كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، بما في ذلك منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، مساعدة وزير الخارجية  لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، وذلك بعد زيارتهم للقاهرة في أواخر شباط/ فبراير، ومن ثم زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في مطلع آذار/ مارس.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن أوستن طلب من القادة المصريين توفير قذائف مدفعية لأوكرانيا خلال المحادثات التي جمعتهم في القاهرة، دون التوصل إلى اتفاق واضح. لكن وثيقة استخباراتية مؤرخة في 9 آذار/مارس، أشارت إلى أن مصر وافقت على بيع قذائف مدفعية من عيار 152 ملم و 155 ملم إلى الولايات المتحدة لنقلها إلى أوكرانيا.

https://t.me/ultrasudan

وكشفت الوثيقة، وهي جزء من تحديث استخباراتي يومي لكبار قادة البنتاغون، أن مصر تخطط لاستخدام طلب الولايات المتحدة الحصول على ذخيرة، من أجل الدفع بواشنطن من أجل القبول بصفقة مساعدات عسكرية طويلة الأجل، والحصول على معدات أمريكية محددة، بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز "F-35"، وأنظمة الدفاع الجوي "باتريوت". 

بالإضافة لذلك، كانت زيارة أوستن موضوع وثيقة أخرى، وتلخص المحادثات بين السيسي وكبار المسؤولين الأمريكيين في 8 شباط/ مارس، وهو اليوم الذي أجرى فيه الرئيس المصري ووزير الدفاع الأمريكي محادثات في القاهرة.

وفي محادثات 8 آذار/مارس، ظهر أن السيسي يشك في إمكانية مراقبة محادثاته، وأصدر لوزير الدفاع محمد زكي ما وصفته الوثيقة بأنه أمرًا لـ "توخي الحذر" بشأن مناقشة الطلبات العسكرية المفترضة مع دول أخرى مثل روسيا. وذكرت الوثيقة أنه وزكي تحدثوا عن "عقود عسكرية" مع روسيا، من دون الشروع في خطة إنتاج صواريخ.

وقال زكي للسيسي إن خطط سفر وفد مصري إلى روسيا في 12 أو 13 آذار/مارس، قد تم تأجيلها "حتى يتضح الموقف" عقب زيارة أوستن. وشدد السيسي على "توخي الحذر لتجنب وقوع مصر في مشاكل بلا داعٍ" ، ورد زكي قائلًا: "لم نتخذ أي إجراءات، ومصر لم توقع أي عقود".

حقوق الإنسان كورقة للضغط

مارست الولايات المتحدة ضغوطًا على مصر في قضايا حقوق الإنسان، بما في ذلك سجن النشطاء على نطاق واسع وأي شخص قد يعارض السيسي. وفي العام الماضي، أوقفت واشنطن جزءًا صغيرًا من مساعدتها العسكرية للقاهرة، مشيرةً إلى مخاوف بشأن هذا النمط من القمع.

ومع ذلك، واجه الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي تعهد ذات مرة بعدم إعطاء المزيد من الشيكات على بياض للسيسي، مراجعةً لإظهار ما اعتبره البعض نهجًا ودودًا للغاية مع الرئيس المصري، بما في ذلك التفاعل مع السيسي على هامش مؤتمر المناخ "COP27" في منتجع شرم الشيخ العام الماضي.

Getty

هل دعمت مصر روسيا؟

توفر المعلومات الاستخباراتية التي كشفتها الوثائق المسربة، رؤية إضافية للعلاقة العسكرية العميقة بين القاهرة وموسكو، واحتمالية مساعدة القوات الروسية في ساحة المعركة.

وتشير وثيقة إضافية غير مؤرخة في المجموعة المسربة إلى أن الصور الأمريكية، والاعتراضات الإلكترونية، قد حددت أربعة أنظمة صواريخ أرض-جو روسية من طراز "SA-23" في أوكرانيا من المحتمل جدًا أنها كانت موجهة للتصدير إلى مصر. 

وذكرت الوثيقة أن القاهرة وقعت عقدًا مع موسكو من أجل شراء أربع بطاريات "SA-23" في عام 2017، وتم تسليم أول بطاريتين إلى مصر في عامي 2020 و2021، ولم تذكر الوثيقة صراحة إذا كانت مصر قد قامت بإرجاع هذه البطاريات إلى روسيا لدمجها في مجهودها الحربي.

توفر المعلومات الاستخباراتية التي كشفتها الوثائق المسربة، رؤية إضافية للعلاقة العسكرية العميقة بين القاهرة وموسكو

ومع غزو روسيا لأوكرانيا العام الماضي، اتخذت مصر موقفًا علنيًا بعدم التدخل، وصوتت لصالح إنهاء الغزو في الأمم المتحدة، لكنها ظلت محايدة بخلاف ذلك، واستقبلت مسؤولين من روسيا والولايات المتحدة. لكن، في ظل أزمة نقص الحبوب في العالم بسبب الحرب في أوكرانيا، اعتمدت مصر بشدة على روسيا في توفير القمح الذي ساعد في التخفيف من الاضطرابات الاجتماعية بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والأزمة الاقتصادية الناجمة جزئيًا عن تداعيات الصراع.