04-يناير-2020

التوقعات متشائمة بشأن الاقتصاد العالمي في 2020 (رويترز)

"الهبوط يخيم على المشهد"، هكذا عبّر تقرير البنك الدولي الأخير، عن وضع الاقتصاد العالمي، مشيرًا إلى التوترات التجارية العالمية مرورًا بخروج بريطانيا المتعثر من الاتحاد الأوروبي، فالتحول الاقتصادي في الصين، وأكوام الديون الأضخم تاريخيًا، والمخاطر الجيوسياسية التي بإمكانها أن تقوض مشروعات اقتصادية ضخمة حول العالم.

"الهبوط يخيم على المشهد" هكذا عبّر تقرير البنك الدولي الأخير، عن وضع الاقتصاد العالمي، مشيرًا إلى التوترات التجارية العالمية

حروب التجارة العالمية.. لم يُسدل الستار بعد

على الرغم من الاتفاق المبدئي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، على صفقة تجارية سُميت بـ"المرحلة الأولى"، والتي أُبرم فيها الاتفاق أو الوعد بوقف الحرب التجارية وتوتراتها بين أكبر اقتصادين في العالم، إلا أن الحروب التجارية لم تنته بعد، خاصة وأن الصفقة (المرحلة الأولى) لم تُبرم رسميًا بعد، وقد تم التراجع عن اتفاقيات مماثلة خلال الأشهر الماضية. 

اقرأ/ي أيضًا: إلى أين ستنتهي "حرب الجمارك" بين ترامب والصين؟

وحتى إذا اتفق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، على نوع من الهدنة التي ستنعكس في استعادة جزئية للاستقرار التجاري بين البلدين، فإن معظم الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على الصين، وتلك التي فرضتها بكين على الولايات المتحدة في المقابل، ستبقى كما هي.

الحرب التجارية بين أمريكا والصين
الحرب التجارية بين أمريكا والصين تزيد من تفاقم الهبوط الاقتصادي عالميًا

هذا "الوضع الطبيعي الجديد للتعريفة الجمركية المرتفعة"، كما يسميه معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، يعني أن حوالي ثلثي الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة وأكثر من نصف الصادرات الأمريكية إلى الصين، ستبقى خاضعة للضريبة عند مستويات مرتفعة نسبيًا.

يعني هذا وجود عائق أكيد ومستمر للمصنعين الأمريكيين الذين يعتمدون على العديد من هذه السلع كمدخلات لمنتجاتهم النهائية، ما يضيف عبئًا ماليًا كبيرًا على عاتق هذه الشركات أو المستهلكين أو كليهما.

التجارة الدولية بعيدًا عن الاستقرار

زيادة التوترات التجارية بين الاقتصادات الكبرى، إلى جانب عدم قدرة منظمة التجارة العالمية على حل النزاعات بين الدول، قد تعني العودة إلى وضع التجارة المقيدة.

ولا تقتصر التوترات التجارية على الصراع بين واشنطن وبكين، إذ نجد أنه بالتزامن مع اختتام الاتفاقية الجديدة للتجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA) واتفاقية الهدنة الصينية السابق ذكرها، أعاد مفاوضو ترامب الاقتصاديون، نظرتهم إلى المعارك التجارية مع أوروبا، والتي تشمل الخلافات المستمرة بشأن التعريفات الجمركية الأمريكية على السلع الأوروبية، بسبب النزاع بين شركتي إيرباص وبيونغ

فضلًا عن التعريفات الأمريكية على البضائع الفرنسية، في استجابة مضادة للضريبة الرقمية الفرنسية المثيرة للجدل على شركات السوشيال ميديا الأمريكية الكُبرى، وهي ضريبة تناقش دول أخرى فرض مثلها، ما قد يعني انتقال المعركة التجارية لمناطق أخرى في العالم.

لا يتوقف الأمر عند ذلك، فهناك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي من المقرر أن يكون خروجًا نهائيًا بشكل رسمي في نهاية شهر كانون الثاني/يناير الجاري. هذا الخروج سيكون بداية انطلاق سجال كبير وأشد وطأة، يتمثل في التفاوض على اتفاقية تجارية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

وفي حال فشل حل القضايا الاقتصادية والتجارية الكبرى بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، مثل معدلات التعريفة الجمركية بينهما والمعايير التنظيمية بينهما؛ فإن البريكست قد يصل إلى حائط سد، سينعكس أثره على العالم، اقتصاديًا، بشكل كبير.

الديون العالمية
وصلت الديون العالمية لأعلى مستوياتها في التاريخ

إذًا، ما ينبئ به الواقع الآن، جدير بالقلق من العودة إلى وضع التجارة المقيدة، الأمر الذي أشار إليه البنك الدولي في تقرير سابق، حذر فيه من أن فرض رسوم تجارية مرتفعة، يمكن أن يكون مدمرًا للتجارة العالمية بشكل يعيد للأذهان الأزمة المالية الكبرى التي عرفها العالم في 2008.

الصين كمسألة اقتصادية كبرى

بالنظر إلى حجم الاقتصاد الصيني، فإن هناك العديد من القضايا التي تلوح في الأفق بالنسبة للصين ولمستقبل التجارية العالمية التي تمر من خلالها بالضرورة، وقد بات واضحًا تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، ما يطرح تساؤلًا: كيف سيبدو نمو الاقتصاد الصيني بعد أن وصل لأدنى مستوياته منذ ثلاثة عقود؟

يتوقع صندوق النقد الدولي نمو إجمالي الناتج المحلي الصيني بنسبة 5.8%، وهو أقل بكثير من النمو الذي حققته الصين في السنوات الأخيرة. وإذا استمر مؤشر نمو الاقتصاد الصيني في الهبوط، فسينعكس ذلك بشكل كبير على دول العالم، خاصة النامية. 

ووفقًا لجوليان جيويرتز، الخبير الصيني في مركز ويذرهيد للشؤون الدولية بجامعة هارفارد، فإنه إذا حدث هبوط أكبر من الاقتصاد الصيني، فستكون له آثار هائلة على الاقتصادات الأخرى حول العالم، ذلك ببساطة لأن الصين "مرتبطة للغاية بكافة الاقتصادات الكبرى الأخرى".

وفي نفس السياق، فالتضييق الأمريكي على الصين تجاريًا، والذي بات سياسة أمريكية رئيسية يتشارك فيها الديمقراطيون مع الجمهوريين، وفقًا لكليف كوبشان، رئيس مجموعة أوراسيا للاستشارات.. هذا التضييق يمثل تهديدًا حقيقيًا للاقتصاد العالمي، وبالتالي الاستقرار العالمي.

قنبلة الديون

بلغت الديون عالميًا، سواءً كانت لشركات أو أفراد أو دول، مستويات قياسية غير مسبوقة، كنتيجة لسياسة المال المتساهل التي انتهجتها العديد من البنوك المركزية حول العالم، الأمر الذي يدعو للقلق، كون هذه البنوك المركزية التي تضع أسعار فائدة منخفضة بالفعل، ليس أمامها مجال كبير لتخفيض أسعار الفائدة أكثر، لتخفيف أي صدمات جديدة من الديون!

وفي تقرير للبنك الدولي، بلغت الديون العالمية أعلى مستوياتها على الإطلاق، وصولًا إلى 230% من إجمالي الناتج العالمي في عام 2018. ويقول البنك الدولي إن نمو الديون المستمر، ينذر بالخطر، خاصة في الأسواق الناشئة التي تحمل عبء نحو 50 تريليون دولار من الديون، ما يجعلها معرضة بشكل خاص لأي صدمة اقتصادية.

لكن ذلك لا يعني أن دول الاقتصادات الكبرى في منأى عن الخطر، فحتى الولايات المتحدة الأمريكية معرضة للخطر بشدة، في ظل وجود قطاع كبير من الشركات المثقلة بالديون، فإذا ما زادت حالات التخلف عن سداد الديون، فسيؤدي ذلك بالضرورة إلى هبوط في أسواق الأوراق المالية بشكل مبالغ فيه، ما يعني وقوع ما يُخشى وقوعه.

مخاطر سياسية

من جهة أخرى، تعزز المخاطر السياسية التوقعات المتشائمة لاقتصاد العالم في 2020. فما بين التوتر المستمر متعدد الأطراف والأوجه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتوتر الأوروبي الروسي، والمخاوف من البرنامج النووي لكوريا الشمالية، والطموحات الصينية العنيدة في بحر الصين الجنوبي وهونغ كونغ وتايوان؛ يقبع الاقتصاد العالمي على شفا حفرة.

رئيس وزراء بريطانيا
البريكست وصعود الشعبوية، من القضايا المؤثرة على استقرار المشهد الاقتصادي في العالم

ولا يتوقف الأمر عن ذلك، فالشعبوية السياسية التي تسود في العديد من دول العالم، تنذر بتقويض أسس حساسة لاقتصاديات العالم، الأمر الذي يحذر منه خبراء اقتصاديون، يشيرون إلى أن "الشعبوية لا تثق في الأسواق".

إذًا، ففي الوقت الحالي، ثمة ما يكفي للقلق، زاد عليه أخيرًا التوتر المتصاعد في العراق بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، بعد اغتيال الأخيرة للجنرال الإيراني قاسم سليماني، والذي بطبيعة الحال سيؤثر على أسعار النفط سلبًا بما يكبح النمو العالمي.

وعلى جانب آخر، التوتر المتصاعد في ليبيا بين فرقائها، وكذلك بين مصر وعدد من دول البحر المتوسط من جهة وبين تركيا من جهة أخرى، خاصة بعد إعلان تركيا أنها تعتزم إرسال قوات لها إلى ليبيا.

حتى إن لم تندلع حرب عالمية ثالثة، ففي أحسن الأحوال لن ينجو العالم من مشهد اقتصادي غير مستقر إن لم يكن آيل للانهيار

وعليه، فحتى إن لم تندلع حرب عالمية ثالثة كما يبدي البعض تخوفه، فإنه في أحسن الأحوال لن ينجو العالم من مشهد اقتصادي غير مستقر على الأقل، إن لم يكن آيل للانهيار وفق تقديرات بعض الخبراء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القفز عن الديمقراطية بالاستثنائية الاقتصادية.. كيف يغذي رجال البنوك الشعبوية؟

أمريكا "الحمائية" ونسخة الصين من الأسواق المفتوحة.. العولمة إذ ترتبك