03-يناير-2020

تقبل المنطقة بعد اغتيال سليماني على مصير غامض (Getty)

ألترا صوت – فريق التحرير

أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، إلى جانب قياديين من هيئة الحشد الشعبي العراقي، والحرس الثوري الإيراني، في قصف جوي استهدف سيارًة كانت تقله من مطار بغداد، في وقت توعدت فيه إيران بالانتقام لمقتل جنرالها العسكري، الذي يقال إن ترتيبه يأتي الثاني في البلاد بعد الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، وهو ما قد يمثل انتكاسًة لجهود طهران التوسعية خارج حدودها.

يشكل مقتل سليماني إلى جانب المهندس نقطة تحول محتملة في منطقة الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن تقوم طهران أو الجماعات المدعومة من طرفها بتنفيذ ضربة انتقامية

مقتل قاسم سليماني بتوجيه من ترامب

قال البنتاغون في بيان صادر عنه إن القوات الأمريكية قامت بتوجيه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "بعمل دفاعي حاسم لحماية الأفراد الأمريكيين في الخارج من خلال قتل قاسم سليماني"، مشيرة إلى أنه كان "يعمل بنشاط على تطوير خطط لمهاجمة الدبلوماسيين الأمريكيين وأعضاء الخدمة في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة".

اقرأ/ي أيضًا: رهان إيران طويل المدى للتغلب على الاتفاق النووي

وحمّلت الدفاع الأمريكية في بيانها الجنرال الإيراني مسؤولية الهجوم الصاروخي الذي استهدف قاعدة K1 الجوية الأمريكية في مدينة كركوك العراقية يوم 27 من الشهر الماضي، مضيفًة أن سليماني وافق على الهجوم الذي طال مقر السفارة الأمريكية في بغداد في وقت سابق من الشهر، وشدد البيان على أن الهدف من هذه الضربة "ردع خطط الهجوم الإيراني المستقبلية".

وكان وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر قد أشار في تصريحات صحفية أمس الخميس إلى وجود "بعض المؤشرات على أنهم (الميليشيات العراقية المدعومة من إيران) ربما يخططون لهجمات أخرى، هذا ليس بالأمر الجديد كليًا، رأينا ذلك لشهرين أو ثلاثة أشهر إلى الآن"، وأضاف قائلًا "إذا حدث ذلك فحينها سنتحرك، وبالمناسبة، إذا سمعنا شيئًا عن هجمات أو مؤشر من نوع ما، فإننا سنقوم بتحرك استباقي أيضًا لحماية القوات الأمريكية وأرواح الأمريكيين".

وشهد الأسبوع الماضي تطورات في الصراع الإيراني – الأمريكي بالوكالة على الأراضي العراقية، عندما قامت كتائب حزب الله العراقي المنضوية ضمن لواء ميليشيا الحشد الشعبي العراقي، بقصف القاعدة الجوية الأمريكية بما لا يقل عن 30 قذيفة صاروخية، مما أسفر عن مقتل متعاقد مدني أمريكي، وإصابة مجموعة من الجنود الأمريكيين في القاعدة، ردت عليها واشنطن بقصف مواقع لكتائب حزب الله العراقي قرب الحدود السورية – العراقية، أسفرت عن مقتل ما يزيد على 25 عنصرًا وإصابة آخرين بجروح.

لكن الأمور سرعان ما تطورت من جانب الحشد الشعبي، بعد توجه أنصار الجماعة العراقية المسلحة منها إلى مقر السفارة الأمريكية الواقعة في المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد، وعمدوا إلى رشقها بالحجارة عقب محاصراتها، وتحطيم المبنى الأمني وكاميرات المراقبة، واستمر الاعتصام حتى عصر أول أمس الأربعاء، عندما بدأ المحتجون بالانسحاب من محيط السفارة بناءً على طلب من قيادة الحشد الشعبي العراقي.

وصباح اليوم الجمعة دعت السفارة الأمريكية في بغداد رعاياها لمغادرة الأراضي العراقية على الفور، وقالت السفارة في بيانها، إنه"نظرًا لتصاعد التوترات في العراق والمنطقة تحث السفارة الأمريكية جميع الرعايا على الامتثال لإرشادات السفر في كانون الثاني/يناير 2020، ومغادرة العراق على الفور"، مضيفًة أنه "يتعين على المواطنين الأمريكيين المغادرة جوًا إذا أمكن ذلك.. وإن لم يتسنَ ذلك فعليهم السفر إلى بلدان أخرى برًا".

البرق الأزرق استهدفت سليماني بصواريخ كاتيوشا

وفيما لا تزال بعض أسماء القتلى مجهولة، فإن من الأسماء التي استهدفت في الهجوم الذي نفذ فجر اليوم الجمعة، بالإضافة للجنرال سليماني، كان زوج ابنة سليماني، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، ومسؤول التشريفات في الهيئة محمد رضا مع اثنين من مرافقيه، إلى جانب اثنين من الضيوف، دون أن يتم الكشف عن المزيد من الأسماء.

فيما سرت شائعات أن من بين الأسماء التي استهدفت في الهجوم نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم، دون أن يتم التأكد من صحة هذا الخبر حتى لحظة إعداد التقرير، وكذلك الأمر ينطبق على تغريدة مراسلة هيئة الإذاعة البريطانية نفيسة كونفارد التي ذكرت أن قوات المارينز الأمريكي اعتقلت زعيمي ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، ومنظمة بدر هادي العامري، في منطقة الجاردية في بغداد، وفقًا لما نقلته عن مصادر خاصة بالخزعلي.

 

ويبقى خبر اعتقال الخزعلي والعامري اللذين كانا لهما دور بارز في أحداث القنصلية الأمريكية غير مؤكد، فقد ذكر قيادي في الحشد الشعبي لموقع صحيفة العربي الجديد أن بعض القيادات قد تضطر لمغادرة العراق خلال الأزمة الراهنة، مشيرًا إلى أن قادة الحشد الذين شاركوا في الاعتصام أمام السفارة الأمريكية، هم بالتحديد من سيقومون بالخروج من العراق بسبب اشتداد الخطر عليهم.

وأشارت مصادر عراقية إلى أن العملية التي أطلقت عليها القوات الأمريكية مسمى "البرق الأزرق"،  استهدفت المهندس وسليماني عقب وصولهما إلى مطار بغداد بعد انتهاء مهمتهما في سوريا، وأثناء خروجهما من المطار تم استهداف العجلة التي كانت تقلهم بثلاثة صواريخ كاتيوشا من طائرات آباتشي، فيما قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن الهجوم تم عبر طائرة مسيّرة.

وقبل تنفيذ البرق الأزرق بساعات قليلة كشف مسؤول عراقي رفيع المستوى لموقع صحيفة العربي الجديد أن مسوؤولين عراقيين، من بينهم رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبد المهدي قادوا "جهودًا كبيرة" لإلغاء ضربة صاروخية في اللحظات الأخيرة، كانت الفصائل العراقية المرتبطة بإيران ستستهدف بها قاعدة التاجي شمالي بغداد، وذلك بعد وقت قصير من قصف القوات الأمريكية لمواقع كتائب حزب الله العراقي.

وتدهورت العلاقات الدبلوماسية بين طهران وواشنطن بعد انسحاب إدارة الرئيس ترامب من الاتفاق النووي الإيراني من جانب أحادي، وتصاعدت الأزمة خلال الأشهر الأخيرة بعد إلقاء واشنطن اللوم على طهران بالوقوف وراء الهجمات على ناقلات النفط، ومنشآت النفط السعودية في منطقة الخليج، ما دفع واشنطن لزيادة نفوذها العسكري في المنطقة، إضافًة لإعلانها إرسال 750 مقاتلًا من قوات المارينز عقب الأحداث التي شهدتها السفارة الأمريكية بحلول نهاية العام الماضي.

مقتل سليماني يعمق الانقسام في الإدارة الأمريكية

الواضح من عملية البرق الأزرق رغم تحقيق نتائجها المطلوبة فيما يخص إدارة ترامب، فإنها ستزيد من الانقسام السياسي بين الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، نظرًا لعدم حصول الإدارة الأمريكية على مواققة الكونغرس لتنفيذ الهجوم، بينما برز على الجانب الإيراني خطاب واحد يتوعد بالرد على الهجوم الذي استهدف "الرجل الثاني في إيران" بحسب ما تصفه الصحافة الأمريكية.

ووفقًا لموقع مجلة نيوزويك الأمريكية فإنه ليس واضحًا إذا ما كانت الضربة الجوية التي استهدفت سليماني قد تمت تحت قانون استخدام القوة العسكرية الذي دخل حيز التنفيذ منذ عام 2002 ، أو بموجب قانون الولايات المتحدة 127A الذي يسمح للعمليات الخاصة بمكافحة الإرهاب أو دعم "أهداف السياسة الخارجية المحددة"، إلا أن المؤكد أن العملية تمت دون الحصول على موافقة الكونغرس الأمريكي.

فقد كتب السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي في تغريدة قائلًا: "سليماني كان عدوًا للولايات المتحدة. هذا ليس سؤالًا. السؤال هنا، كما تشير التقارير، هل اغتالت أمريكا للتو دون أي إذن من الكونغرس، ثاني أقوى شخص في إيران، ما أدى عن علم إلى اندلاع حرب إقليمية ضخمة محتملة؟".

واتفق مستشار الرئيس الأسبق باراك أوباما مع ما كتبه السيناتور الأمريكي، حيث غرّد بن رودس بالقول: "ربما يكون ترامب قد بدأ للتو حربًا دون نقاش في الكونغرس. آمل حقًا ألا يحدث السيناريو الأسوأ، لكن كل ما يتعلق بهذا الموقف يشير إلى تصعيد خطير قادم"، فيما وصف المرشح الديقمراطي للرئاسة الأمريكية جو بايدن العملية بأنها كما لو أن ترامب "ألقى بعود ديناميت على البارود".

 

لكن الحال يختلف عند الجمهوريين ووزير الدفاع الأمريكي الذين أيدوا موافقة ترامب على تنفيذ الضربة الجوية، فقد أشار وزير الدفاع إسبر في تصريحات له عقب تنفيذ الهجوم إلى تغيير في "قواعد اللعبة"، مضيفًا أن بلاده على استعداد للدفاع عن الموظفين الأمريكيين، ومصالح واشنطن في المنطقة، فيما اكتفى ترامب على غير عادته بنشر تغريدة واحدة تتضمن صورًة لعلم الولايات المتحدة دون أن يرفق مع الصورة تعليقًا كما درجت العادة.

كما أن ترامب حظي بدعم زعيم الأقلية الجمهورية في الكونغرس الأمريكي كيفن مكارثي الذي شدد على أن بلاده "لن تدع الهجمات التي تقتل الأمريكيين تمر دون عقاب"، في حين اعتبر السيناتور الجمهوري ماركو روبيو أن طهران تجاهلت تحذيرات ترامب "لأنهم اعتقدوا أن الرئيس ترامب تقيد تصرفاته  الانقسامات السياسية المحلية في البلاد"، وتابع مضيفًا "أخطأت إيران كثيرًا في حساباتها".

أما على الجانب الإيراني فقد أكد الزعيم الأعلى في البلاد أية الله علي خامنئي في بيان نقله التلفزيون الرسمي أن "اغتيال سليماني سيؤدي لمواصلة جهاد المقاومة بدافع مضاعف"، داعيًا طهران للدخول في حالة حداد لمدة ثلاثة أيام، فيما شدد الرئيس الإيراني حسن روحاني على أن "واشنطن ارتكبت جريمة باغتيالها سليماني"، لافتًا إلى أن ذلك سيجعل طهران "أكثر حسمًا في مقاومتها ضد ​الولايات المتحدة".

وكانت أولى تصريحات المسؤولين الإيرانيين قد صدرت في تغريدة لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف قال فيها: "إن عمل الإرهاب الدولي الذي قامت به الولايات المتحدة، باستهداف واغتيال الجنرال سليماني، القوة الأكثر فعالية التي تقاتل داعش، والنصرة، والقاعدة وآخرين، أمر خطير للغاية وتصعيد أحمق، تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية جميع عواقب هذه المغامرة المارقة"، فيما قال الحرس الثوري الإيراني إن الرد على مقتل سليماني "سيكون مروعًا قويًا".

فيما قال ممثل الزعيم الإيراني الأعلى في فيلق القدس علي الشيرازي إن "الانتقام" لمقتل سليماني "واجب شرعي"، متوعدًا الأمريكيين بحرمانهم "من النوم"، وهو ما يتوافق مع تعهد القائد السابق للحرس الثوري الإيراني محسن رضائي بأن طهران ستنتقم بشدة من واشنطن على مقتل سليماني، في وقت من المقرر أن يعقد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني اجتماعًا طارئًا لبحث طبيعة الرد على اغتيال الجنرال قاسم سليماني.

كان ينظر لسليماني كزعيم إيران في المستقبل

يحظى قاسم سليماني (62 عامًا) بين التيار المحافظ في إيران بمكانة مركزية، جعلت من شخصيته الغامضة التي كان يتمتع بها سابقًا محط اهتمام الكثيرين داخل أو خارج طهران، وفقًا لما تصفه صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، التي تضيف بأن الرجل لم يكن فقط مسؤولًا عن جميع الاستخبارات الإيرانية والعمليات العسكرية السرية، إنما كان يُعتبر واحدًا من أكثر الشخصيات العسكرية استقلاليًة ومكرًا، حتى أنه كان يُنظر إليه كزعيم محتمل لإيران في المستقبل، وهو واحد من الأسماء التي رشحت لقيادة الحرس الثوري الإيراني في تسعينات القرن الماضي.

اتهمت واشنطن سليماني بالتخطيط لشن هجمات على القوات الأمريكية المتواجدة في العراق، بعد الغزو العراقي الذي أطاح بالرئيس صدام حسين في عام 2003، بينما كان الجنرال الذي يتزعم فيلق القدس، المسؤول عن العمليات العسكرية خارج إيران، يعمل على توسيع نفوذ طهران في بغداد لمواجهة التوسع الأمريكي في الجانب الشرقي الغربي للبلاد، وأدرج رسميًا على القائمة السوداء لوزارة الخزانة الأمريكية في عام 2011.

وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن سليماني كان المخطط الاستراتيجي لتوسعة النفوذ الإيراني في سوريا، العراق، وأماكن أخرى سواءً في المنطقة العربية أو خارجها، فضلًا عن اعتباره مسؤول الاستخبارات العسكرية الأكثر فعالية في المنطقة، ووفقًا لمسؤول في المخابرات العراقية، فإن سليماني وصف نفسه يومًا بأنه "سلطة الأعمال الإيرانية الوحيد في العراق".

وعلى الرغم من العداء الشديد بين واشنطن وسليماني، فإن الأخير تعاون مع واشنطن في العراق بطريقة غير مباشرة على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، العدو المشترك للطرفين، ففي الوقت الذي كانت قوات الحشد تتقدم باتجاه معاقل التنظيم المتشدد في المدن العراقية، كانت المقاتلات الأمريكية تدعم الحشد بقصفها جوًا لأماكن تمركز أو تحركات عناصر التنظيم.

ويقول السفير الأمريكي في العراق في عام 2008 ريان كروكر في مقابله قديمة إن الحرب العراقية – الإيرانية "لم تنته" بالنسبة لسليماني، مشيرًا إلى أن هدفه الاستراتيجي كان ممثلًا بتحقيق "انتصار صريح على العراق"، وفي حال لم يكن ذلك ممكنًا فإنه كان يعمل على "إنشاء عراق ضعيف للتأثير عليه".

وكان الحرس الثوري الإيراني قد كشف عن إحباطه محاولة اغتيال لسليماني في أيلول/سبتمبر الماضي، موضحًا أن أجهزة عربية وإسرائيلية كانت تعمل على التخطيط لتفجير نفق تحت الحسينية التي يملكها والده في مدينة كرمان وسط إيران، خلال زيارته لإحياء اليومين الأخيرين من ذكرى عاشوراء، التي يقوم الشيعة بإحيائها في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم الهجري من كل عام.

مكانة خاصة للمهندس عند الإيرانيين

في حين يحظى أبو مهدي المهندس بمكانة خاصة لدى الإيرانيين نظرًا لنجاحه بالمهمات الموكلة إليه، وكونه واحدًا من بين قيادات الحشد الذين فروا إلى إيران خلال فترة حكم صدام حسين، وبعد الغزو الأمريكي للعراق، عاد المهندس إلى العراق ليصبح نائبًا في البرلمان العراقي عن قائمة حزب الدعوة التي كان يتزعمها حينها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

كما أنه عُين بمنصب مستشار للجنرال سليماني بعد الغزو الأمريكي للعراق، وساهم بشكل أو بآخر بتشكيل نسبة لا بأس بها من الميليشيات المنضوية ضمن الحشد السعبي منذ ثمانينات القرن الماضي، وصولًا لتشكيله كتائب حزب الله في عام 2007، والتي تعتبر من نخبة القوات التابعة للحشد، وبرز دورها بشكل واضح خلال دعمها لرئيس النظام السوري بشار الأسد في حربه التي بدأها ضد قوات المعارضة منذ عام 2011.

وتوضح التقارير أن المهندس يملك 19 اسمًا حركيًا يتنقل بهم، نظرًا لإدراج اسمه على قائمة الإرهاب الدولي، وهو مطلوب للإنتربول الدولي، ومحكوم بالإعدام في أكثر من دولة عربية، بعد إدانته بتفجير السفارتين الأميركية والفرنسية في الكويت في 12 كانون الأول/ديسمبر 1983، والذي أسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة 80 آخرين.

ويرى مراقبون أن أهمية مقتل المهندس تكمن في أنه "كان الوكيل الرئيسي، وأكثر شخص يمكن الوثوق به بالنسبة للإيرانيين"، فقد أسندت إليه طهران غالبية المهام الحساسة في العراق، فضلًا عن أن لديه الآلاف من الأتباع قد يلجأون إلى رد سريع على مقتله، حتى من دون العودة الى فيلق القدس أو قادة الحشد.

مقتل سليماني نقطة تحول محتملة في المنطقة  

يشكل مقتل سليماني إلى جانب المهندس نقطة تحول محتملة في منطقة الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن تقوم طهران أو الجماعات المدعومة من طرفها بتنفيذ ضربة قاسية ضد تل أبيب أو المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، ووفقًا لصحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية فإن التطورات الأخيرة تمثل تباطؤًا في آلية سير العلاقات بين بغداد وواشنطن، ومن الممكن أن تقوض بغداد لاحقًا دور القوات الأمريكية في العراق والمنطقة، ما قد يضعف من حملة الضغط التي تمارسها واشنطن على طهران.

وتشير معظم التقارير التي تناولت مقتل الجنرال سليماني مهندس النفوذ الإيراني خارجيًا، أو المهندس الرجل الذي يعتبر الأكثر نشاطًا بين قادة الحشد، إلى أن مقتلهما قد يكون له عواقب سلبية ليس في العراق أو إيران إنما في كامل أنحاء المنطقة.

ويتفق معظم المحللين على أن النظام الإيراني سيقوم بالرد على مقتل سليماني، لأنه لا يريد إعطاء انطباع بأنه ضعيف في هذا اللحظة الحرجة، مشيرين إلى أن عملية البرق الأزرق قد تنهي عصر الحرب بالوكالة، وتبدأ معها مرحلة جديدة في التنافس على السلطة بين طهران وواشنطن، ومن الممكن أن تكون الأهداف المحتملة منطقة الخليج بالإضافة للعراق، حيثُ أصبح لدى طهران خيار يجعلها تقرر مكان وتوقيت وعمق الضربة التي تهدف من خلالها الانتقام لسليماني.

الواضح من عملية البرق الأزرق رغم تحقيق نتائجها المطلوبة فيما يخص إدارة ترامب، أنها ستزيد من الانقسام السياسي بين الحزبين الرئيسيين نظرًا لعدم حصول الإدارة الأمريكية على مواققة الكونغرس

كما أن مقتل سليماني فتح الباب أمام الكثير من الاحتمالات، ليس فقط على صعيد ذهاب المنطقة إلى حرب شاملة، وهو الترند العالمي الذي تصدر مواقع التواصل الاجتماعي عقب إعلان الدفاع الأمريكية مقتله، إنما أيضًا من جانب الداخل الإيراني الذي يمكن أن يكون حافزًا للإيرانيين على الاستمرار في الاحتجاجات داخل المدن الإيرانية، أو يعطي دعمًا للمحتجين العراقيين للاستمرار بالتظاهر لتحقيق مطالبهم، نظرًا لعديد التقارير التي أكدت مسؤولية سليماني عن إعطاء الأوامر لإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين.

اقرأ/ي أيضًا: العقوبات الأمريكية ضد إيران.. ارتباك يخيم على العراق أيضًا

واعتبر رئيس تحرير صحيفة Long War الأمريكية بيل روجيو أن استهداف سليماني تأخر "عقدًا من الزمن"، مشيرًا إلى معرفة إدارتي الرئيسين السابقين جورج بوش الابن، وباراك أوباما، بما كان يخطط له مع المهندس، موضحًا أن الرئيسين السابقين للولايات المتحدة "كانوا خائفين جدًا من استهدافهم (سليماني والمهندس) بغارة".

فيما رأى ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق مايكل بريجنت أن الاتفاق النووي الإيراني قيّد واشنطن، ما سمح لإطلاق يد سليماني بالمنطقة، موضحًا ذلك بقوله: "أنشأ ميليشيات جديدة، ونمى نفوذه، وأصبحت له الأولوية في بغداد"، مشيرًا إلى أن كل ذلك كان تحت مظلة الاتفاق النووي، وعندما انسحبت واشنطن من الاتفاق "كان في وضع يسمح له باستخدام العراق لموازنة العقوبات وامتلاك نظامه السياسي".

وقال المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية مارك دوبويتز إنه سيكون صعبًا على إيران إيجاد بديل لقاسم سليماني، فقد كان مسيطرًا "لمدة 20 عامًا على الحرس الثوري، العمليات الاستراتيجية والاستخبارات، العلاقات الخارجية، والحرب السياسية"، مشيرًا إلى أن "الأمر مثل فقدان قائد قوات العمليات الخاصة ومدير وكالة المخابرات ووزيرالخارجية مرة واحدة".