29-أكتوبر-2017

الكاتبة الهولندية مينيكه شيبر

كم من الوقت مضى من عمرك حتى الآن فقط وأنت تفكر أي الملابس سترتدي غدًا؟ ولماذا ترتديه بالتحديد دون غيره؟ هل فكرت في الفئة التي تشاركك هويتك وذوقك في الملبس؟ لماذا ترتدي أختك، زوجتك، أمك الحجاب بينما على مقربة منهم ترتدي صديقاتك تنورات وفساتين قصيرة تظهر أجزاء من جسدها؟

عبد الرحيم يوسف: يثير جسدنا المشاعر سواء كان عاريًا أو مغطّى

كل تلك الأسئلة وغيرها كانت حاضرة بقوة لدى الكاتبة الهولندية مينيكه شيبر، في كتابها المترجم إلى العربية تحت عنوان "المكشوف والمحجوب.. من خيط بسيط إلى بدلة بثلاث قطع" (دار صفصافة، 2017)، الذي يقدّم دراسة ثقافية شيقة تجمع بين دراسة المجتمعات المختلفة والتاريخ والأدب والأديان المقارنة "في رحلة تتبع نظرة الإنسان لجسده وإحساسه بالخزي أو الاعتيادية لعُريه".

اقرأ/ي أيضًا: مصر التي بناها الصنايعية

كما يتعرض كتاب "المكشوف والمحجوب" لصاحبته مينيكه شيبر لبداية ظهور فكرة الملابس كغطاء منذ كانت مجرد خيط بسيط وصغير يغطي أجزاء صغيرة "وحساسة" للجسد إلى تحولها لمجال "صراع" بين شركات الملابس والموضة وهوية طبقة أو مجتمع أو حتى التزمًا لقواعد دينية وشخصية لمجموعات صغيرة كانت أو كبيرة، أي بين السياسة والاقتصاد والأعراف والتقاليد والأمثال الشعبية والخرافات وتحكمات الدين، كان السؤال الأساسي للكتاب الذي ترجمه الروائي والشاعر عبد الرحيم يوسف واضحًا وصريحًا؛ كيف ولماذا نغطّي أنفسنا؟ وإلى أي حد يتعرض جسدي للسخرية إذا مشيت به عاريًا أو بملابس تخص هوية معينة؟

"يثير جسدنا المشاعر سواء كان عاريًا أو مغطّى"، يصرح المترجم عبد الرحيم يوسف بذلك صراحة خلال مقدمته للكتاب الذي نسير معه عبر تسعة فصول كاملة للحديث عن تاريخ العري والمظهر البشري وآثاره ونتائجه، خصوصًا على من يخالفوننا في المظهر الخارجي، باعتبار أن ما لا يعتاده الناس من أشياء يثير استياءهم في الغالب. وبالرغم من أن ذلك الأمر يخص الرجال والنساء إلى أنه تزيد حدته عند النساء بشكلٍ كبير نظرًا لـ"دكتاتورية المعلنين ورجال التلفزيون الذين يجعلون النساء يفرغن أجسادهن في جميع وسائل الإعلام"، في حين ينتهج رجال الدين منهجًا مناقضًا تمامًا بتغطية جسدها بشكل شبه كامل. والإشارة أيضًا إلى التحكمات التي جعلت المرأة تحت سطوة الرجل على مدار فترات كبيرة من التاريخ بحجج مختلفة تفيد في النهاية بأن "الرجل الذي يكسو المرأة من حقه أن يُعرّيها"، وغيرها من الأمثال التي تعاملت معها ومع اعتمادها الاقتصادي على الرجل باعتبارها مخلوقًا أدنى؛ لتقف المرأة "مجبرة" على الأغلب في الحالتين وربما يجبر الرجل أيضًا ولو بدرجة أقل، إلى أن الجميع في الغالب يتأثر بشكل أكبر، وهو ما لا يلتفت إليه كثيرون، بتلك المرجعية الثقافية والمجتمعية التي يأتي منها الفرد منّا بشكل قد يتساوى مع "الضغوطات" التي تأمره بها معتقداته حتى إن كانت (على غير رغبته).

التأثير الكبير على نوعية ما نلبس بدأ باليهودية التي ربطت بين العري والفقر

تقول مينيكه شيبر في الكتاب: "منذ أن أكل آدم وحواء الفاكهة المحرمة في الجنة قبل عصيانهما، كانا أوّل بشريين يمرحان في الجنة عاريين في العادة خاليين من الهموم، لكن بعد مخالفتهما لأمر الله انتهت براءتهما فجأة تقول القصص إنه في هذه اللحظة ولد الخجل متضمنًا الوعي بأنه يجب تغطية العري، وهي فكرة تجذرت بعمق في التراث الغربي وفي كثير من الثقافات الأخرى". وبجانب البعد الديني الذي يعرضه كتاب "المكشوف والمحجوب" كتبت بعض الأبحاث التي تفيد بأن ارتداءنا للملابس قد يعود إلى 500,000 عام مضت، كانت مصنوعة من أوراق الأشجار وجلود البهائم، لكن يظل السؤال: هل لجأ الإنسان للملابس لحماية نفسه من البرد فقط أم أن هناك أسبابًا أكثر تأثيرًا؟

اقرأ/ي أيضًا: تاريخ كتالونيا في 300 صفحة

أما التأثير الكبير على نوعية ما نلبس فقد بدأ كما ترى مينيكه شبير باليهودية التي ربطت بين العري والفقر، حيث أن كليهما يدعوان للخزي، والتي اهتمت -على سبيل المثال- بارتداء النساء أغطية للرأس، وكانت المرأة حاسرة الرأس  بمثابة عاهرة، وغيرها من تحكمات الملبس، ثم عن طريق ضغط المسيحيين، ومن بعدهم المسلمين بعادات لبس أكثر تحكمًا واحتشامًا للجسد. يقابل ذلك آراء تعتقد أن الملابس تزيد من الفضول تجاه كل ما يقع مختبئًا تحتها أكثر من العري الظاهر إلى جانب تحكمات فرض الحجاب من عدمه. ولا يزال الوضع في البلاد العربية على وجه التحديد، والغرب عمومًا، مهمومًا بقضية الملبس، حتى لو اتضح غير ذلك، لكن الأديان ربما اتفقت على تحجيم المرأة في العموم "لينقذوا الرجال من أنفسهم"، ربما لأسباب مشابهة تنتشر فرضيات تبرج المرأة بالكوارث والمصائب العامة كفرضية "يستمر الغلاء إذا لم تتحجب النساء" وغيرها.

[[{"fid":"92806","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":290,"width":200,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

كل ذلك جزء من قصة انشغال الناس بالجسد العاري والأسئلة المستمرة والتعريفات المختلفة للعري ربما تجعلنا نقدم على تغطية بعض الأماكن من عدمها. لم تكن "عار" و"مستور" كلمات تملك المعنى الكافي إلّا عندما يمتلك الناس ثيابًا في البداية، حيث "لا تجذب أذرعة أو نهود النساء العارية أي انتباه خاص لهؤلاء المعتادين عليها، لكن رؤية هذه الأجزاء من الجسد تزعج شخصًا تربى على أنها مغطاة"، حيث إنه من بداية طفولتنا قد يؤثر مدرسونا وأصدقاؤنا على اختيارنا وأذواقنا ونوعية ملابسنا، حتى مراحل متقدمة في حياتنا أو ربما دائمًا.

تتطور سرديات كتاب "المكشوف والمحجوب" لمينيكه شيبر لعرض نماذج مختلفة من العالم منذ بداية التعرف على الملابس إلى اعتبارها شيئًا لا بد منه. فمثلًا في منطقة في أمريكا "ييأس الأب الورع جوميلا عندما يرى أهله يلقون كل الأقمشة التي وزعها عليهم لتجعلهم (محتشمين) بدلًا من سيرهم عراة  في النهر". كانت الثقافة السائدة آنذاك تعتبر أنه من البطولة والفخر سير المرء عاريًا، كما يعرض تاريخ الحمامات العامة في الصين واليابان التي ترجع لوازع ديني يعتقد بأن "خالقهم الأصلي ولد في البحر"؛ تستخدم هذه الشعوب الحمامات الشعبية المختلطة، كطقس يومي، ويكشف أن الإنجليز لم يكونوا قد عرفوا الاستحمام إلا على يد الرومان الذين كانوا يرفهون عن ضيوفهم بالعري.

 تاريخ الحمامات العامة في الصين واليابان التي ترجع إلى اعتقاد ديني يرى أن خالقهم الأصلي ولد في البحر

اقرأ/ي أيضًا: جبران مسعود.. رحلة في تاريخ الأدب العربي

إشارات عديدة ونقاط تصلح لأبحاث أكثر تأصيلًا وبحثًا تسردها الكاتبة مينيكه شيبر، من تحولات وارتباط العري بجانب "الاستحمام" الذي ارتبط بدوره بكوننا نسعى للتطهر والخلاص من الذنوب وهو الحالة المحببة للعري والتجرد من الملابس ونوعية ملابسنا، وصولًا لنقطة على قدر من الأهمية أثناء الثورة الفرنسية، تلك الفترة التي تنازل خلالها "الرجال" بطيب خاطر عن "حقهم في كل أشكال الزينة الأزهى والملابس الأكثر بهجة وتفصيلًا وتنوعًا تاركين ذلك للنساء، ليصبح الجمال مرتبطًا بشكل أساسي بالنساء"، قبل أن يكون من حق الرجال وضع الزينة والاهتمام بها مثل النساء دون أي تعليق أو سخرية، لكن بالفعل "تضحّي" النساء أيضًا ولا يبالين بالجمال الذكوري؟ أسئلة كثيرة تتركها الكاتبة لقناعات القارئ الشخصية، رغم الإحساس الشخصي بميلها لنبذ كل أنواع السيطرة أيًا كان نوعها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تاريخ المقاهي الشعبية في مصر.. بأقلام الجواسيس!

موت الكتب الورقية.. خوف يأكل الروح