28-فبراير-2017

جندي من جبهة البوليساريو وفي الخلفية مروحية للأمم المتحدة (فاروق بطيشي/أ.ف.ب)

تشهد قضية الصحراء الغربية هذه الأيام تطورات مثيرة، قد تفرض إيقاعًا جديدًا للملف، خصوصًا وأن شهر واحد يفصل عن موعد طرح نزاع الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو من جديد في  الجمعية العامة لالأمم المتحدة. ومن أبرز هذه التطورات، إعلان المغرب سحب قواته العسكرية في منطقة "الكركرات"، يوم الأحد الماضي. استجابة لطلب وجهه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، للمغرب ووجهه أيضًا لجبهة البوليساريو، على اعتبار "الكركرات" منطقة العازلة، والتي لا يتعدى طولها 3.7 كيلومترًا.

منطقة الكركرات  تطل على الحدود الموريتانية، وهذه المنطقة حددتها الأمم المتحدة كمنطقة عازلة فاصلة بين جبهة البوليساريو والمغرب

تطل منطقة الكركرات على الجانب الحدودي مع موريتانيا، هذه المنطقة حددتها الأمم المتحدة بناءً على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو في 6 أيلول/ سبتمبر 1991، كمنطقة عازلة فاصلة بين الطرفين. لكن في الصيف الماضي، حاول المغرب تعبيد الطريق نحو موريتانيا، واعتبرت جبهة البوليساريو ذلك استفزازًا وخرقًا لاتفاق إطلاق النار، وراسلت الأمم المتحدة حول الموضوع، مما قاد لتحييد المنطقة آخيرًا في ارتقاب ما سيسفر عنه التدخل/التحكيم الدولي.

اقرأ/ي أيضًا: في خفايا استقبال مصر لجبهة البوليساريو وغضب المغاربة

المنطقة أيضًا شهدت مؤخرًا توترًا بين المغرب وجبهة البوليساريو، وصل إلى تلميح عودة الطرفين إلى الاشتباكات المسلحة.

وعن هذه التطورات، يقول فؤاد فرحاوي، الخبير في الشؤون الاستراتيجية الأفروآسيوية، خلال حديثه لـ"الترا صوت" إن "تحركات البوليساريو، لا يمكن أن نفصلها عن الانتكاسة التي تعرضت لها، بعد انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، أيضًا لا أحد يعرف ما هي الخطوات التي سيقدم عليها المنتظم الدولي، لإجبار البوليساريو على الانسحاب الفعلي والنهائي من منطقة الكركرات ".

أما بالنسبة لتحركات البوليساريو الأخيرة، يعلق المتحدث ذاته عن هذا الأمر: " ثمة مشاريع اقتصادية كثيرة تربط بين المغرب وبلدان إفريقية، خصوصًا مع عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، إضافة إلى أن مشروع أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، يثير قلق مشاريع أخرى في المنطقة، علمًا أن مثل هذا المشروع، كان مطروحًا قبل عشر سنوات، ليمر عبر الجزائر، غير أن الأخيرة كانت تعرقله بحجة التوترات الأمنية في شمال مالي، مخافة أن ينافسها الغاز النيجيري في أوروبا، وأشير في هذا السياق إلى أن روسيا قلقة أيضًا من أي مشروع لمد أوروبا بالغاز حتى لا تتضرر مصالحها الاقتصادية باعتبارها أحد المصدرين الأساسيين للغاز إلى أوروبا".

ومن المرجح أن تسعى جبهة البوليساريو إلى تفعيل القضية الخلافية ضمن أروقة الاتحاد الأفريقي، بعد أن أصبح المغرب أحد أعضائه، ولما سيكون لأي قرار يتخذ في الاتحاد من إلزامية لبلدانه، الأعضاء في الجمعية العامة أيضًا. 

أما عن قرار المغرب بالانسحاب الأحادي الجانب من منطقة الكركرات، يعلق عبد الفتاح الفاتحي، خبير استراتيجي في قضايا الساحل والصحراء، في تصريح له لـ"الترا صوت": " على المستوى السياسي، وسع المغرب من مدى ضبط النفس الذي أوصى به الأمين العام للأمم المتحدة في بيانه الأخير. بل تعداه إلى حدود الانسحاب من جانب واحد تثمينًا للأمن والسلم في منطقة مستهدفة من قبل الجماعات الإرهابية ومن المهربين والمتاجرين في البشر والمخدرات والسلاح".

اقرأ/ي أيضًا: ماذا وراء زيارة ملك المغرب لدول شرق إفريقيا؟

وعلى المستوى القانوني، يستمر المغرب في تحميل الأمم المتحدة وبعثتها مسؤولية تطبيق شروط وقف إطلاق النار. بينما تصرح جبهة البوليساريو بالمثل تقريبًا، باستمرار تأكيدها الالتزام بتوصيات الأمم المتحدة وإعطاء القضية مداها القانوني حتى آخره.

يمكن اعتبار خلاف المغرب وجبهة البوليساريو أقدم الصراعات المستمرة دون حل نهائي في القارة الأفريقية

وفي حال لم يحصل المغرب على إدانة الأمم المتحدة ضد البوليساريو، سيكون قد خسر معركة مركزية في صراعه مع البوليساريو، وستكون هذه الخسارة ممهدًا لواقع ميداني وقانوني جديد سيفرض شروطًا جديدة للصراع، خاصة وأن البوليساريو تمتلك ورقة شبه رابحة مبنية على قرار مجلس الأمن 2258 وما يختص ببعثة المينورسو الدولية إلى المنطقة.

في الوقت الذي ستشكل فيه عدم استجابة البوليساريو لطلب الإنسحاب الثنائي، في حال استمرت، ورقة مناورة للمغرب تسائل مدى استيفاء تطبيق بنود الاتفاق العسكري بين الطرفين.

ويذكر، أن جبهة البوليساريو أصدرت بيانًا مباشرة بعد إعلان المغرب سحب قواته تقول فيه إن وضع الكركرات يوم وقف إطلاق النار عام 1991 "لم يكن يشهد طرقًا ولا حركة تجارية" بين الجدار الرملي الذي شيده المغرب والحدود مع موريتانيا، معتبرة أن وجود تجارة اليوم بين النقطتين "انتهاك لوضع الإقليم ووقف إطلاق النار".

في حين وصفت الجبهة قرار المغرب إبعاد قواته مئات من الأمتار مجرد "ذر للرماد في الأعين وازدراء للقانون الدولي الذي ظل المغرب يرفضه"، رغم إعلان الجبهة أنها تشاطر غوتيريس "قلقه وتدعم دعوته إلى احترام روح ونص اتفاق وقف إطلاق النار، كجزء من خطة التسوية الأممية بخصوص تنظيم استفتاء لتقرير مصير المنطقة".

ولم يحمل البيان أي إشارة إلى سحب جبهة البوليساريو قواتها من المنطقة العازلة بالكركرات، إذ تعتبر البوليساريو هذه المنطقة "محررة".

ومن جهة أخرى، ومباشرة بعد إعلان المغرب عن انسحابه من منطقة الكركرات، تفاعل المنتظم الدولي بشكل إيجابي مع القرار المغربي، إذ رحبت كل من فرنسا وإسبانيا والأمم المتحدة بالإضافة إلى الاتحاد الأوربي بهذا القرار، بينما تستمر جبهة البوليساريو على موقفها المتمسك بالمنطقة. 

اقرأ/ي أيضًا:

الدلالات السياسية لعودة المغرب للاتحاد الإفريقي

تنديد شعبي مغربي بتصريحات بان كي مون عن "الصحراء"