27-نوفمبر-2019

من المسلسل (IMDB)

يحاول المسلسل الوثائقي "The Mind Explained" أن يفسر طريقة عمل الدماغ البشري، من خلال الكشف عن خمس مؤثرات أساسية يتعرض لها وتؤثر على طريقة عمله وهي:  الذاكرة، الأحلام، القلق، التركيز، الإدمان.

الوثائقي الذي أنتج في 2019، قسّم إلى خمس حلقات تناولت كل واحدة منها إحدى المؤثرات الخمس، وهو ما سنلخصه في المقاطع الخمسة التالية.

1- الذاكرة Memory

يستطيع الإنسان أن يسترجع ذكريات معينة أكثر من غيرها، خاصة إذا كانت مرتبطة بأحداث هامة. على سبيل المثال يمكن لأي مواطن أميركي شهد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، أن يتذكر بشكل جيد ما كان يفعله لحظة تبلّغه الخبر. ومع ذلك فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الذاكرة يمكن لها أن تخدعنا، وأن 50 % من تفاصيل الذاكرة تتغير كل السنة. بمعنى آخر، رواية الأحداث وتسلسلها المطبوعة في دماغنا، لا تكون مطابقة للحقيقة بالضرورة.

يخبرنا المسلسل الوثائقي "The Mind Explained" أن رواية الأحداث وتسلسلها المطبوعة في دماغنا، لا تكون مطابقة للحقيقة بالضرورة

يقوم دماغنا أحيانًا باستعادة عدد من الذكريات في وقت واحد. على سبيل المثال، خلال الحفل الموسيقيّ، يقوم العازف بتذكر النوتات، وملمس الآلة الموسيقية، وقد يلاحظ بين الحاضرين وجهًا مألوفًا بالنسبة له، ويتذكرًا أمرًا رابعًا يشغله، ويشعر برهبة المسرح. يستطيع دماغ الإنسان ربط هذه الأمور ببعضها بدون أن نشعر بالضياع، من خلال الفص الصدغي الأوسط، الذي يساعد على جمع هذه المعلومات وترتيبها.

اقرأ/ي أيضًا: الدماغ.. ساحة حروب المستقبل القريب!

لا يمتلك كل الناس الذاكرة نفسها، حيث تختلف قوة الذاكرة بين شخص وآخر، كذلك تختلف القدرة على استذكار أنواع محددة من الذكريات، فالبعض يتميز بقوة الذاكرة البصرية، والبعض الآخر لديه القدرة على استذكار الأرقام مثلًا. يستطيع الإنسان أن يقوّي ذاكرته ويطوّرها من خلال اتباع أنظمة غذائية وتمارين رياضية بانتظام.

2-الأحلام Dreams

شكّلت الأحلام لغزًا للأنسان منذ آلاف السنين، وقد حيكت الكثير من الأساطير حول ماهيتها وأسبابها، ووضع العلماء القدماء أنظمة لتفسيرها.

أحد برامج الحاسوب قام بتسجيل أنماط الموجات الدماغية لبعض الأشخاص خلال وعيهم، من خلال عرض مئات الصور أمامهم. خلال نومهم أعاد البرنامج هندسة هذه الأنماط وقارنها، بعد استيقاظهم، تبين أن البرنامج نجح إلى حد بعيد في معرفة ماهية أحلامهم، كانت هذه أول محاولة عملية للدخول إلى عالم الأحلام.

الكثير من الاكتشافات العلمية والأعمال الأدبية الفنية الخالدة كان أساسها أشياء ظهرت في الحلم، كاكتشاف الجدول الدوري للعناصر في الكيمياء، إضافة إلى عشرات المعزوفات الموسيقية. الذكريات والصور التي يراها الإنسان تشكل المصدر الأساسي للأحلام. كان الرسام سلفادور دالي مولعًا بالأحلام، وشكلت على الدوام الملهم الأساسي له، بسبب عبثيتها وعدم تناسقها وخروجها عن المنطق.

في إحدى مكتبات مصر يوجد كتاب تفسير أحلام ضخم يعود لأكثر من 3 آلاف سنة!

قبل أن نغفو تكوّن أدمغتنا كتلة من العصبونات الناشطة، ويخلق هذا النشاط موجات كهرومغناطيسية عشوائية، وعندما نغفو ويغيب وعينا، تنخفض أنشطة دماغنا بشكل كبير، تتشابك العصبونات في ما بينها، وتتحول إلى حركات ومشاهد وصور، فيتشكل الحلم كأنه مقطع فيديو. في بعض الحضارات القديمة كان يُنظر إلى الأحلام على أنها رسائل من الآلهة، وكان الملوك والحكام يتعاملون معها بجدية كبيرة، كإنذارات أو تعليمات أو نبوءات، والتاريخ ممتلئ بالأمثلة. في إحدى مكتبات مصر يوجد كتاب تفسير أحلام ضخم يعود لأكثر من 3 آلاف سنة!

اقرأ/ي أيضًا: جريمة "نائمة" في الذاكرة

تغيرت المعاني والتفسيرات مع الوقت، لكن الثابت كان الاتفاق بأن هذه الأحلام تحمل معاني واضحة. في عصر الملكة فيكتوريا تشكلت قناعة بأن تناول الطعام ليلًا ومشكل عسر الهضم المسؤول الأساسي عن الأحلام الأكثر غرابة. في القرن التاسع عشر وضعت الأسس الأساسية لفهم الأحلام، من خلال تحديد ما رمزية ومعنى الأشياء التي نراها، ووضع أنماط محددة. واحد من خمسة أشخاص يحلم باستمرار بإسنانه تتكسر، الأطفال يحلمون كثيرًا بالحيوانات (بسبب خوفهم منها)، يمتلك البعض قدرة السيطرة على أحلامهم والتحكم بها إلى حد ما، من خلال اتباع تمارين ذهنية شاقة، يطلق على المهارة تسمية "الأحلام الواعية". هذه الفكرة ألهمت كاتب فيلم inception  الشهير.

3-القلق Anxiety

يعتبر مرض القلق واحدًا من أكثر الأمراض شيوعًا في العالم، حيث يعاني منه حوالي 30 % من سكان الأرض. تشعر الحيوانات بالقلق، لكن قلقها محصور بإيجاد الطعام، وتجنّب الموت، فيما يمتلك الإنسان آلاف العوامل التي فد تشعره بالقلق، والتي يأخذ بعضها مَرَضيًا. زحمة السير، عدم القدرة على إنجاز العمل، تسديد الضرائب، القلق من مقابلة الغرباء.. المشترك بين هذه العوامل أنها تخلق خوفًا لدينا، ويتحول الخوف إلى قلق. يحاول جسمنا أن يتأقلم مع هذا الخوف، فيصنع ميكانيزمات دفاعية. ينتج عن هذه المياكانيزمات عدد من العوارض التي نشعر بها كتسارع دقات القلب، جفاف في الحلق، آلام في المعدة، الشعور بالوخز.

يعد القلق الاجتماعي Social Anxiety أحد أكثر أنواع القلق شيوعًا، وهو يشمل خوفنا من أننا مراقبون كل الوقت من الآخرين، وأنهم يطلقون الاحكام علينا. هناك أيضًا الخرس الانتقائي، أي عدم قدرتنا على الكلام بتاتًا في حضرة الغرباء نتيجة للقلق، كذلك يخشى المرء أحيانًا من فقدان السيطرة، الأمر الذي تنجم عنه نوبات هلع Panic Disorder. لدينا أيضًا القلق من المجهولUncertainty  الذي يجعل الإنسان يتفادى القيام بنشاطات أو مشاريع خوفًا من النتائج.

4- تركيز كامل الذهنMindfulness

تعد مهارات التأمل والتركيز الذهني أحد أهم الطرق لعلاج الكثير من الاضطرابات النفسية كالقلق، نوبات الهلع وغيرها. وهناك طرق كثيرة يمكن استخدامها للوصول إلى التأمل الواعي، وأبرزها اليوم هو مراقبة عملية التنفس، والتي باتت اليوم تعتمد في الشركات، السجون، حصص التدريب ودورات التنمية البشرية.

تعتبر مهارات جلسات التأمل إحدى أقدم الطرق العلاجية المستخدمة في شرق آسيا. وأتت أولى أشكال التأمل من الهندوسية القديمة، ودرّس بوذا تقنيات التأمل لتلامذته قبل 500 عام من الميلاد.، وجعلها إحدى الخطوات الثماني التي وضعها بوذا للتنوير. توجد اليوم تطبيقات على الهواتف الذكية، تعطي مستخدميها تمارين يومية للتأمل، وتلقى هذه التظبيقات رواجًا كبيرًا، ويستخدمها اليوم ملايين الأشخاص حول العالم.

بالرغم من انتشار التأمل الواعي في الشرق، فإن الأمر تطلب قرونًا طويلة ليصل إلى الغرب. كذلك اقتنع الطب الغربي مؤخرًا بأهمية العلاج بالتأمل الواعي، وباتت اليوم تستخدم في مستشفيات أميركا وأوروبا لعلاج الامراض النفسية والجسدية.

5- المهلوسات Psychedelics

أثبت تجارب حديثة أجريت على 19 عشر مريضًا شفيوا توًّا من السرطان، ويعانون قلقًا مستمرًا من احتمال أن ينتشر المرض مرة أخرى في أجسامهم، أن استخدام حبوب "سيلوسيبين" المهلوسة قد أعطت نتائج ممتازة، وساعدتهم للخروج من حالة الاكتئاب.

يرغب الكثير من الناس في مختلف دول العالم بتناول الحبوب المهلوسة لما لها من تأثير على الدماغ، حيث إنها تدخل مجرى الدم، ثم ترتبط بمستقبلات السيروتين في الدماغ، مما يغير  إدراك الشخص للواقع لمدة تتراوح بين 3 و 12 ساعة، وبالتالي يساعده للهروب المؤقت من مشاكله، ويحقق لديه سعادة مؤقتة.

يرغب الكثير من الناس في مختلف دول العالم بتناول الحبوب المهلوسة لما لها من تأثير على الدماغ

اكتشف العالم ألبرت هوفمان عقار "LSD" المهلوس في العام 1943. في ستينيات القرن الماضي بدأت مستشفيات الأمراض العقلية في أمريكا باسخدام هذا العقار الذي أعطى نتائج ممتازة على المرضى. مع الوقت بدأت الأمور تتفّلت من عقالها، وبات الناس يقبلون على تناول "LSD" بهدف الهلوسة والانتشاء، وبات المهلوسات مترابطة مع مجمواعات الهيبيز وموسيقى الروك اند رول، وترمز بالاساس لرفض الواقع والتمرد على المجتمع، كمناهضة الحرب على فييتنام على سبيل المثال.

اقرأ/ي أيضًا: علماء برازيليون: اليوغا حلّ مثالي لمشاكل الذاكرة والشيخوخة

بينما كان يُنظر إلى الحبوب المهلوسة كثورة في عالم العلاج النفسي والعصبي، باتت في يومنا هذا، بسبب سوء استخدامها والإفراط به، توصف من المختصين بالتهديد المدمر على العقل الراشد.

اقرأ/ي أيضًا:

الذكاء الاصطناعي vs الذكاء البشري