18-ديسمبر-2020

قارب سياحي بالقرب من الرباط في المغرب (فاضل سنا/أ.ف.ب/Getty)

شهدت معظم الاقتصاديات المعتمدة على السياحة في العالم العربي توقفًا كارثيًا للحركة السياحية بعد انتشار فيروس كورونا. حيث تقدر خسائر الدول العربية بالمليارات من الدولارات خاصة في ظل اعتماد العديد منها على القطاع السياحي من أجل ضمان العائدات المالية بالعملات الصعبة مثل لبنان والأردن والمغرب وغيرها. يضاف إلى ذلك كون العديد من الدول العربية تعتمد بشكل أساسي على هذا القطاع الذي يشكل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي يمس نموها الاقتصادي لكونها دول غير صناعية وصغيرة الحجم ولا تملك اقتصادات صناعية عملاقة. لكن تأثيرات الجائحة جعلت من القطاع السياحي قطاعًا مديونًا بعد أن كان الرافعة للعديد من اقتصاديات الدول العربية.

يمكن القول أن فيروس كورونا قد أدى بالأوضاع السياحية في أكثر من بلد عربي إلى نتائج كارثية، وأن مثل هذه الحالة تستدعي التفكير الاستراتيجي والتخطيط البديل من المستويات الرسمية في تنويع مصادر الدخل القومي

وشكلت الإجراءات الاحترازية من أجل احتواء انتشار فيروس كورونا ضربة قاسية للقطاع السياحي في الدول العربية، ووجدت العديد من الدول العربية نفسها منعزلة عن السياح والنشاط السياحي بعد إغلاق المطارات وقرارات الإغلاق ومنع التجول والحجر المنزلي، مما سبب كارثة لهذه الدول وحرمها من المردود المالي. ومما فاقم في الأزمة تقطيع أوصال البلاد ومنع التنقل بين المدن الكبيرة وعزل مناطق عن مناطق أخرى داخل البلد الواحد ما انعكس على السياحة الداخلية أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: أفضل 6 حسابات على إنستغرام لاستكشاف معالم اليابان السياحية

كذلك، شهدت الثقافة السياحية تبدلًا وصار السائح يفضل الأماكن الآمنة غير المكتظة، كالجبال والأرياف والمحميات الطبيعية، في الوقت الذي تقلص الطلب على السياحة في الأماكن السياحية الكبيرة والمدن الرئيسية. ما يتوقع أنه سينعكس على الاقتصادات العربية في السنوات المقبلة وليس فقط في ناتج سنة 2020. أمام هذا الواقع تبدلت الوجهات السياحية للكثير من السائحين نحو البلدان الآمنة نسبيًا، والتي لا تعاني معدلات مرتفعة من انتشار فيروس كورونا، مما يعتبر بحثًا من قبل السياح عن أسواق بديلة.

دول عربية مثل المغرب وتونس ومصر ولبنان تعتمد بشكل كبير على القطاع السياحي، وهي رائدة في هذا المجال. لكن المعاملات السياحية انخفضت فيها قرابة 75% وغابت عن السوق السياحي بعد تفشي الوباء فيها بشكل كبير. كما هدد كوفيد-19 مئات الآلاف من الموظفين العاملين في هذا القطاع كعمال الفنادق وشركات الطيران وشركات تأجير السيارات والمطاعم وأماكن الترفيه والأماكن الثقافية والأثرية وكافة الأنشطة الفنية والأدبية والمهرجانات المتنوعة.

أمثلة عيانية

من أبرز الأمثلة على تأثيرات جائحة كورونا على اقتصادات السياحة عربيًا تحضر حالة اختناق القطاع السياحي في لبنان وتكبده خسائر فادحة. فالسياحة والخدمات بالنسبة للبنان تعد الشريان الأساسي لتوظيف 20% تقريبًا من مجمل العمالة اللبنانية ويشكل 10% من الناتج القومي الإجمالي. في مقابل فشل قطاعي الزراعة والصناعة. القطاع السياحي اللبناني الذي صمد نسبيًا خلال الحرب الأهلية في لبنان، لم يستطع مقاومة جائحة كورونا واستنزف، مما اضطر آلاف المؤسسات السياحية للإقفال. وهذا الواقع خلف ما يقارب 20 ألفًا من العاطلين عن العمل في هذا القطاع لوحده. ومن بقي يعمل فيتقاضى نصف راتب فقط، ومع حرمان من المخصصات الإضافية.

شهدت الثقافة السياحية تبدلًا واضحًا بعد انتشار فيروس كورونا وصار السائح يفضل الأماكن الآمنة غير المكتظة، كالجبال والأرياف والمحميات الطبيعية

فيما تقف الحكومة بأجهزتها كافة عاجزة أمام مساعدة هذا القطاع الذي كان يدر عشرة مليارات دولار سنويًا إلى خزينة الدولة. فلم يكن يكفي لبنان أزماته السياسية والأمنية، ومن ثم كارثة انفجار مرفأ بيروت وعزوف السياح عن المجيء إلى بيروت، حتى أتت جائحة كوفيد-19 لتعصف بالقطاع السياحي بشكل لم يشهد له مثيل من قبل.

اقرأ/ي أيضًا: تاج محل يستأنف استقبال السياح بعد أطول فترة إغلاق في تاريخه

أما في مصر فتكافح الفنادق من أجل الاستمرار في ظل انخفاض معدل إشغال الغرف إلى ما دون النصف، وعدم القدرة على سداد تكاليف التشغيل ومخاوف من الوقوع في العجز والإقفال وتسريح العمال. بينما في تونس التي استقبلت العام الماضي 9 ملايين سائح، انخفض هذا الرقم  بنسبة 47% في النصف الأول من عام 2020، وسط مطالبات من ممثلي القطاع بالدعم الحكومي والمساهمة في إنعاش القطاع. إذ يدر القطاع السياحي سنويًا إلى الخزينة التونسية ما يقارب 9 مليارات دينار بحسب ما جاء في تصريح لوزير السياحة التونسي محمد التومي، ومساهمة القطاع في الناتج القومي بين 8 و 14%، ويساهم بحوالي 400 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة. وفي المغرب تراجعت الأنشطة السياحية قرابة 60% وتراجعت مداخيل القطاع السياحي في النصف الأول من هذا العام بنسبة 33% مما حرم القطاع السياحي من مبالغ تقدر بمليار ومائة مليون دولار بحسب تقرير لوزارة الاقتصاد المغربية.

ليمكن القول أن فيروس كورونا قد أدى بالأوضاع السياحية في أكثر من بلد عربي إلى نتائج كارثية، وأن مثل هذه الحالة تستدعي التفكير الاستراتيجي والتخطيط البديل من المستويات الرسمية في تنويع مصادر الدخل القومي. كما تدفع أثار جائحة كورونا إلى الحديث عن ضرورة التنمية المستدامة محليًا وتنويع المصادر والنظر مجددًا بحلول إضافية لاقتصاد الخدمات، وتعزيز القطاعات الإنتاجية زراعيًا وصناعيًا، سواء لتحقيق مستويات اكتفاء مضمونة أو لتأمين العملة الصعبة وتجنب الانفجار في مستويات البطالة. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد الإغلاق الأطول منذ الحرب العالمية الثانية.. برج إيفل يستعد لاستقبال الزوار

سوق المعطارة بصنعاء.. تاريخ طويل قصمته الحرب