14-سبتمبر-2018

طفل سوري أمام التعزيزات التركية في الشريط الحدودي لهاتاي (الأناضول)

ألترا صوت – فريق التحرير 

تشهد الأزمة السورية حراكًا دبلوماسيًا ارتفعت وتيرته خلال الأيام الماضية، في محاولة أخيرة لمنع النظام السوري مدعومًا بالقوات الروسية، والميليشيات الأجنبية التي تقودها إيران، من شن هجوم وشيك على أخر معاقل المعارضة السورية في شمال سوريا، مع تزايد المخاوف من تكرار النظام السوري لما حصل سابقًا في منطقة الغوطة الشرقية، حينما شن هجومًا بالسلاح الكيميائي على مدينة دوما قبل نحو خمسة أشهر ما مكنه من استعادة السيطرة عليها بشكل نهائي، وتهجير سكانها مع مقاتلي المعارضة إلى شمال سوريا.

تبدو  الدول الغربية في تحذيرها للنظام السوري من استخدام السلاح الكيميائي على يقين من أن المعركة التي وصفتها الصحافة الغربية بـ"المعركة الكبرى" ستكون قاسية على المدنيين

وفيما يبدو أنه محاولة نهائية لثني رئيس النظام السوري بشار الأسد عن إعطاء الأمر لبدء الهجوم العسكري على محافظة إدلب، حذرت الأمم المتحدة من حدوث "أسوأ كارثة إنسانية في القرن الـ21" في حال قرر النظام السوري الهجوم على المنطقة التي تأوي أكثر من ثلاثة ملايين مدني، فيما نزح خلال الأيام الماضية أكثر من 30 ألف مدني خوفًا من  المعارك الدائرة في مناطق ريف إدلب الجنوبي، وريف حماة الشمالي. 

اقرأ/ي أيضًا: إدلب من جديد.. هل سيكرر الأسد "جحيم" حلب؟

وتأتي التحذيرات الأممية بالتزامن مع تصريحات متوالية للدول الغربية حذرت فيها النظام السوري من أي استخدام للسلاح الكيميائي في الهجوم المزمع تنفيذه، فقد أكدت الخارجية الألمانية أنها "ستتخذ إجراءًا منفردًا" حسب الدستور الألماني للرد على أي هجوم كيميائي قد تتعرض له المنطقة، وقبله ببضعة أيام أعلن قائد الجيش الفرنسي استعداد بلاده لتنفيذ ضربات عسكرية ضد النظام السوري إذا استخدم السلاح الكيميائي مجددًا. 

وجاءت التهديدات الأخيرة للدول الغربية بالتزامن مع إعلان المحققين الدوليين توثيقهم استخدام النظام السوري لغاز الكلور المحظور دوليًا ثلاثة مرات على الأقل في دوما وإدلب، واستبق مستشار الأمن القومي للرئاسة الأمريكية جون بولتون بتأكيده توصل بلاده مع بريطانيا وفرنسا لاتفاق بالرد العسكري على أي هجوم بالسلاح الكيميائي ينفذه النظام السوري، متوعدًا بأن الرد العسكري سيكون "أقوى بكثير" عن المرات السابقة.

وفي الوقت التي تحذر الدول الغربية النظام السوري من عواقب استخدام السلاح الكيميائي في المنطقة، جددت أنقرة على لسان وزير دفاعها خلوصي آكار تحذيراتها من أن أي هجوم عسكري على محافظة إدلب سيقود المنطقة لكارثة، مشيرًا أن بلاده تعمل مع روسيا وإيران على "منع وقوع مأساة إنسانية".

حذرت الأمم المتحدة من حدوث "أسوأ كارثة إنسانية في القرن الـ21" في حال قرر النظام السوري الهجوم على إدلب التي تأوي أكثر من ثلاثة ملايين مدني

كانت محافظة إدلب حتى ما قبل الشهر الفائت واحدًة من بين خمسة مناطق شملها اتفاق "خفض التصعيد" الذي أقرته تركيا وإيران وروسيا في أيار/ مايو 2017 خلال اجتماع أستانا4، والتي شملت إلى جانب إدلب مناطق الغوطة الشرقية في ريف دمشق، أجزاء من محافظة حلب، وكذلك من محافظات حماة وحمص واللاذقية، بالإضافة لجنوب سوريا.

لكن سرعان ما انهارت الاتفاقية بعدما استعاد النظام السوري مدعومًا بالقوات الروسية، والميليشيات الإيرانية السيطرة على الغوطة الشرقية، وجيوب المعارضة في محافظة حمص، فضلًا عن جنوب سوريا كاملًا، فيما بقيت محافظة إدلب وأجزاء من محافظتي حماة واللاذقية اللتان تتداخلان في حدودهما الإدارية مع الأخيرة تحت سيطرة المعارضة السورية، وأصبحت وجهًة للعوائل المهجرة من المناطق التي استعاد النظام السوري سيطرته عليها. 

كما أصبح يتواجد في المنطقة كافة فصائل المعارضة السورية التي اندمجت ضمن الجبهة الوطنية للتحرير، في محاولة أخيرة لتوحيد القرار العسكري بينها، بعد حالة التشرذم والاقتتال الداخلي التي شهدتها خلال السنوات الماضية، أبدت هيئة تحرير الشام استعدادها حل نفسها ضمن "مشروع ثوري"، بحسب ما نقل موقع تلفزيون سوريا على لسان مسؤول العلاقات العامة عماد الدين مجاهد، دون أن يصدر أي رد رسمي عن فصائل المعارضة التي كانت حتى ما قبل التهديدات الأخيرة للنظام السوري في حرب داخلية ضد تحرير الشام. 

اقرأ/ي أيضًا: معركة إدلب الكبرى.. تحرير الشام عتبة لـ"حمام دم" الأسد

لذا فإن الدول الغربية في تحذيرها للنظام السوري من استخدام السلاح الكيميائي، تبدو على يقين من أن المعركة التي وصفتها الصحافة الغربية بـ"المعركة الكبرى" ستكون قاسية على المدنيين، كون المنطقة باتت وجهة لجميع الأطراف الدولية الفاعلة في الشأن السوري، وشهدت خلال الأيام الماضية تعزيزات عسكرية من كافة الأطراف، كان أخرها إرسال الحكومة التركية تعزيزات عسكرية لقوات المعارضة السورية، بينما تنتشر 12 نقطة مراقبة للقوات التركية في المنطقة. 

وعبر صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فيما يبدو نداءً أخيرًا للمجتمع الدولي لمنع حدوث كارثة إنسانية في محافظة إدلب، واصفًا أياها بأنها "جرس النهاية"، وفي حال فشل المجتمع الدولية في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع حدوث ذلك، فإن الثمن "لن يدفعه السوريون فقط، وإنما العالم كامله".

وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نداءً أخيرًا للمجتمع الدولي لمنع حدوث كارثة إنسانية في محافظة إدلب، واصفًا أياها بأنها "جرس النهاية"

وفي إعادة لسيناريو الهجوم العسكري الذي شنه النظام السوري نهاية عام 2016 على الأجزاء الشرقية من مدينة حلب، التي تمكن من استعادتها نهاية العام عينه، قامت موسكو بحشد 10 سفن حربية، وغواصتان، محملة بصواريخ "كاليبير" الروسية بعيدة المدى، قبالة السواحل السورية التي تطل على البحر المتوسط، وهو ما يزيد المخاوف الدولية من حجم المآسي الناجمة عن أي هجوم عسكري محتمل. 

وعلى الطرف الآخر، يبدو النظام السوري مدعومًا بالروس والإيرانيين غير معني بالتحذيرات الدولية، بعدما بدأ بحشد قواته على أطراف محافظة إدلب، ويعمل على تهيئة الرأي العام للهجوم العسكري المحتمل بأنها الحرب الأخيرة ضد "الجماعات الإرهابية"، والذي يبدو فيما أنه هجوم لن يتوانى النظام خلاله عن استخدام الكيميائي متجاهلًا التحذيرات الدولية التي قالت إن ردها سيكون أقوى هذه المرة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

إدلب.. حصن المعارضة الأخير في مواجهة جحيم النظام السوري

تقدير موقف: مستقبل إدلب بعد قمة طهران.. احتمالات التسوية والمواجهة