16-سبتمبر-2023
الأردن

في تمام الساعة الخامسة فجرًا، يخرج أحمد  واضعًا على رأسه منشفة مبللة، ومرتديًا ما يقي قدميه ويديه من قفازات وجزمة بلاستيكية طويلة؛ ليبدأ عمله في إحدى مزارع الشونة الشمالية، قبل ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة مع تقدّم الساعات نحو الظهيرة.

يعيش أحمد "اسم مستعار" الذي أمضى 4 سنوات في الأردن قادمًا من صعيد مصر، مع 10 عمَّال في غرفة ملحقة بالمزرعة، مبنيةٍ من الطوب ومسقوفة من البلاستيك وصفائح "الزينكو"، يشتركون فيها بمطبخ صغير، ومرحاض هو عبارة حفرة في الأرض تحيط بها أربعة جدران من البلاستيك، ولا يتوّفَر فيها الماء أو الصرف الصحي سوى على شكل قناة صغيرة تمتد لمسافة متران أو ثلاثة أمتار.

بحسب تصريحات الناطق باسم وزارة العمل، محمد الزيود، بلغ عدد تصاريح العمل سارية المفعول الخاصة بالعمالة المصرية في الأردن 133.650 ألف تصريح صادرة في القطاعات المسموح للعمالة غير الأردنية العمل بها، معظمها تعمل في القطاع الزراعي، يليه قطاع الإنشاءات، والباقي في قطاعات المسموح للعمالة غير الأردنية العمل بها.

تصل ساعات العمل في قِطاع الزراعة في كثير من الأحيان إلى 10 - 13 ساعة يوميًا دون أن يحصلوا على بدل إضافي، ودون اعتراف من أصحاب العمل بالإجازات الاسبوعية والمرضية، "بنصحى كل يوم على الخمسة الصبح، وبنفضل نشتغل حتى الشمس ما تغيب، وبننام، ولا بنروح ولا بنيجي"، يقول أحمد. ويعملون في ظروف عمل صعبة خاصة في فصل الصيف التي قد تصل فيه درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، كما مرَّت موجة شهر آب الحارّة لهذا العام.
يتقاضى المزارعون المصريون رواتب متدنية، تتراوح ما بين 190- 250 دينار شهريًا. عائلاتهم في مصر تنتظر حوالاتهم؛ لذلك ينفقون أقل ما يمكن على احتياجاتهم الشخصية هنا، ونادرًا ما يتمكنون من التوفير من دخلهم. "الرواتب ما تكفيش حاجة، الكل هنا مجبور يعيش بظروف صعبة، بوفّر فلوسي من لحم بطني عشان أودّي لعيالي"، يقول أحمد صاحب الـ35 عامًا.

بعض العمَّال القادمين عن طريق وكلات توظيف خاصّة، والتي تعمل بشكل غير قانوني، يتعرضون لخداع فيما يتعلَّق بقيمة رواتبهم، كما حدث مع المزارع حسن (41 عامًا)، "كان المفترض آجي على راتب 250 دينار بالشهر، لكن لما جيت هنا اختلف الكلام، وقالولي راتبك حيكون 190 دينار وصاحب المزرعة لما يشوف إنك بتستحق أكثر حيدّيك".

بعد ثلاثة سنوات من العمل، ولساعات عمل تزيد عن 10 ساعات يومية في المزرعة، لا يزال حسن "اسم مستعار" يتقاضى 190 دينار، دون أي زيادات على الراتب، "العامل مجبور يقبل بالوضع كده، وبتجنب يخشّ بحوار طويل مع صاحب المزرعة عشان ما يخسرش كل حاجة"، يقول حسن.

تصل ساعات العمل في قِطاع الزراعة في كثير من الأحيان إلى 10 - 13 ساعة يوميًا دون أن يحصلوا على بدل إضافي، ودون اعتراف من أصحاب العمل بالإجازات الاسبوعية والمرضية

عدم الالتزام بالحد الأدنى للأجور وساعات العمل، كانت من أبرز المخالفات التي رصدتها وزارة العمل خلال الـ7 أشهر الاولى من العام الجاري، إذ حررت فرق التفتيش التابعة للوزارة 22 إنذارً و95 مخالفة، بعد زيارتها لـ 532 منشأة زراعية.

تنعدم شروط السلامة والصحة المهنية لشريحة من العاملين في هذا القطاع، فلا يقوم العديد من أصحاب العمل بتزويدهم بملابس وأحذية وكمامات وقفازات تحميهم من ظروف عمل صعبة، يتعاملون فيها مع الأسمدة والمواد الكيماوية، والتي قد تؤدي على المدى الطويل إلى للإصابة بأمراض متعلقة بالجهاز التنفسي، أو تعرضهم للإصابة بحروق في الأطراف أو الأمراض الجلدية.

تتمدد رقعة هذهِ الانتهاكات من أجور العمَّال وظروف عملهم ومساكنهم، لتصل إلى حرياتهم في الحركة والتنقل وحجز جوازات السفر والوثائق الرسمية، وبذلك يكون العامل عرضة للعمل القسري الذي يتنافى مع حق العامل في معايير عمل إنسانية لائقة، بحسب دراسة لمركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان.

يُبين حمادة أبو نجمة، مدير بيت العمَّال، أن الأكثر عرضة لحالات العمل القسري ومصادرة وثائق سفرهم من قبل صاحب العمل هم العمَّال المصريين الذين يحملون تصاريح عمل ويعملون بشكلٍ نظاميّ؛ ما يجبرهم على القبول بالأمر الواقع، ومحاولة إنهاء مدة العمل دون أن يعرضوا أنفسهم لمشاكل قد تهدد مغامرتهم بالفشل.

تعرَّض لمثل ذلك حسن الذي ما إن وطئت قدماه المزرعة التي يعمل بها، حتَّى صادر صاحبها جواز سفره وتصريح عمله، متذرعًا أن القانوني الأردني يقضي بذلك، وعلى حسن أن يدفع 150 -200 دينار إذا رغب في إنهاء عقده واستعادة جواز سفره وتصريحه.

بينما الحقيقة أن حجز الأوراق الثبوتية للعمال من قبل أصحاب العمل، مخالفٌ للمادة 77 من قانون العمل ، ومجرمٌ وفق قانون جوازات السفر الأردني، إذ تنص المادة 23/2 من قانون جوازات السفر رقم 2 لسنة 1969 "بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار ولا تزيد على ألف، أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من وجد بحيازته جواز سفر أو وثيقة سفر بصورة غير مشروعة".

أمَّا الغالبية العظمى من العمال غير النظاميين، فهم أقل عُرضة للعمل القسري في الوقت الحالي -بحسب أبو نجمة- لكنهم في المقابل يواجهون ظروفًا معيشية وصحية سيئة، وقضايا متعلقة بالسلامة والصحة وعدم الانتساب للضمان الاجتماعي وغياب التأمين الصحي، وجميع العمال الزراعيين من ذوي الوضع غير النظامي يعيشون في خوف من القبض عليهم من قبل الشرطة وترحيلهم من المملكة.

محاولة حكومية للإصلاح
خلَّفت هذهِ الظروف الصعبة في القطاع الزراعي رغبةً لدى الحكومة الأردنية لتصويب أوضاع العاملين وتحسينها، إذ صدر في الثاني من أيَّار عام 2021 نظام عمّال الزراعة، الذي بموجبه أصبح عمّال الزراعة معترفًا بهم كعمّال من قبل وزارة العمل، تسري عليهم قوانينه وتشريعاته.

وجاء النظام بهدف تنظيم العمل في هذا القطاع، بما يشمل جميع فئات العمّال دون تمييز في الحقوق، وذلك من حيث تنظيم عقود العمل، وأوقات العمل والراحة، وتحديد ساعات العمل، والعطل، والتفتيش، وحماية أجورهم، وشروط السّلامة والصحّة المهنيّة لحمايتهم من أخطار العمل وأمراض المهنة ووقايتهم منها، وضمان تهيئة مكان سكن ملائم لهم.

وزارة العمل على لسان الزيود، تؤكد تفعيل النظام من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 2 أيار عام 2021، وأن الوزارة تقوم منذ ذلك الوقت بدورها التوعوي من خلال مديرية التفتيش المركزي التابعة لها، في حين يرى حمادة أبو نجمة، مدير بيت العمَّال، نقيض ذلك، "النظام غير مفعَّل إلى الآن ولا يُطبَّق على أرض الواقع".

ويُبين أبو نجمة أن النظام تضمَّن موادًا "غير منطقية" وتحتاج إلى إعادة نظر وتعديل، مثل المادة 15 التي استثنت من يعمل لدى صاحب عمل زراعي يستخدم ثلاثة عمَّال فأقل من الحمايات الاجتماعية المتعلقة بساعات العمل والإجازات والضمان الاجتماعي.

يتقاضى العمَّال من الجنسية المصرية في قطاع الإنشاءات رواتب تصل في أحسن الأحوال 300 دينار إن كان عملهم يسير بشكلٍ نظاميّ، أمَّا عمَّال المياومة تتراوح أجورهم بين 10 - 20 دينار للورشة الواحدة إن تيسّرت.  

كذلك ترى المديرة التنفيذية لمركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، ليندا كلش أن النظام لم يحوِ المواد الكافية لحماية العاملين، إذ احتوت على مادة واحدة أحالت شروط الصحة والسلامة المهنية إلى تعليمات يصدرها الوزير لهذهِ الغاية، في حين كان يجب أن تكون موجودة في النظام نفسه.
من أبرز المخاطر يمكن أن يتعرض لها العمَّال  في الزراعة، في ظل عدم الإسراع بتطبيق النظام وإصدار التعليمات اللازمة لتنفيذ أحكامه - بحسب أبو نجمة-  استمرار المعاناة من شروط عمل ضعيفة، لا توفر لهم معايير وبيئة العمل اللائق التي تضمن حقوقهم العمالية وتوفر لهم شروط السلامة والصحة المهنية.

هذهِ الظروف الصعبة أدت، وبشكلٍ مستمر، إلى تسرُّب أعداد كبيرة من العمَّال في القطاع الزراعي إلى قطاعات أخرى خاصَّة قِطاع الإنشاءات، بهدف الحصول على مردود مادي أعلى وظروف عمل أفضل، وفق أبو نجمة

عمَّال الإنشاءات: مخاطر متزايدة
بعد دقائق الشروق الأولى، يتوافد عمّال المياومة المصريون قبالة المجمع القديم، وعلى امتداد شارع الجيش في مدينة الزرقاء، على شكل مجموعات بين عاملين إلى ستة؛ أملًا في مرور إحدى سيارات أصحاب الورش ليُقلّوا من يختارونهم إلى أماكن العمل.

يجلس إبراهيم السيِّد (38 عامًا) جانب اثنين من رفاقه، مرتديًا بنطالًا وقميصًا ملطخين بألوان مختلفة من الدهان المخلوط ببقايا الأسمنت، وأمامهم بُسطَت عدّة العمل من فأس، ومجرفة، وقفّة، وجزمات بلاستيكيّة طويلة، "بنشتغل كلَّ حاجة إلّا القصارة والبلاط" يقول السيّد الذي أمضى 9 سنوات في الأردنّ قادمًا من أسيوط مصر.

ينقسم عمّال المياومة في قطاع الإنشاءات حسب حرفيتهم بين "عمّال" و"معلمين". يكون للعامل أعمال مثل نقل الطمم وأعمال حفر أساسات البيوت، ورفع الإسمنت والبلاط والأتربة للأدوار العلوية، أمّا المعلّم فيكون في مرتبةٍ أعلى من حيث الأجر، وهم قلّة، نسبة إلى العمّال، في هذه التجمعات.
 
بالأمس، تمكَّن السيِّد رفقة صاحبه يوسف الدسوقي (40 عامًا) من الحصول على عمل بعد مرور ساعة على انتظارهم بمكان التجمٌّع المُعتاد، "اشتغلنا التنين بـ30 دينار"، يقول السيِّد. كان العمل بمبلغ 30 دينار غنيمة لكلٍ منهما، إذ قد ينزل الأجر مع مرور الأيام بلا عمل لحدودٍ أدنى بكثير.

يتقاضى العمَّال من الجنسية المصرية في قطاع الإنشاءات رواتب تصل في أحسن الأحوال 300 دينار إن كان عملهم يسير بشكلٍ نظاميّ، أمَّا عمَّال المياومة تتراوح أجورهم بين 10 - 20 دينار للورشة الواحدة إن تيسّرت.  

الدسوقي ومن معه من عمال المياومة في قِطاع الإنشاءات هم الفئة الأقل أمنًا من حيث الأجر والاستقرار في العمل، إذ يضطر العمَّال في هذا القطاع للعمل في كل شيء تقريبًا، لتوفير احتياجاتهم.

الأردن لم يُصادق على اتفاقيات دولية مهمة وذات صلة مباشرة بحقوق العمال المهاجرين، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لعام 1990

في إحدى الأيام، وبعد انتصاف النهار دون عمل، مشى الدسوقي باتجاه سوق السعادة في مدينة الزرقاء: "شيلت كراتين لصاحب دكّان بالسوق بـ(60) قرش"، وكانت تلك أجرة الدسوقي في ذاك اليوم، والذي يعمل بالأردن منذ 11 سنة، وله ثلاثة أطفال من زوجة أردنية، وإيجار متراكم لبيتٍ صغير في حي الأمير محمَّد.

تكثُر حالات الإصابة في قطاع الإنشاءات، والعمَّال فيه هم الأكثر تعرضًا لإصابات عمل تتراوح درجتها في كثير من الأحيان من متوسطة إلى خطرة، وتؤدي إلى عجز قد يصل إلى 80%، بحسب كلش.

إلا أن هناك فئة كبيرة من العمَّال يمارسون عملهم في الإنشاءات بشكلٍ غير منظم، ما يعني العمل نظام المياومة، وبالتالي غير مشمولين بالضمان الاجتماعي، الأمر الذي يتسبب بضياع حقوقهم عند تعرضهم لإصابات عمل أو وفاتهم، خاصَّة مع عدم التزام أصحاب العمل بالمعايير العامَّة للسلامة المهنية.

يعود عمَّال الصباح إلى مكان سكنهم مع الغروب، وتظهر عليهم حال عودتهم آثار العمل لساعات طويلة تحت أشعة الشمس. "أنا عندي عدة الإسعافات الاولية كاملة"، يقول إبراهيم، إذ يعاني عمَّال هذا القطاع من نفس المشاكل الصحيّة المتمثِّلة في الدوخة والدوار، وشد العضلات.

يتشارك إبراهيم مسكنه المكوّن من غرفتين ومطبخ وحمام مع ستة عمّال آخرين، موقعه داخل السوق على امتداد شارع الملك عبد الله، "بندفع 150 إيجار الشقة في الشهر"، يشترك فيها جميعهم بمبلغ لا يزيد عن 25 دينارٍ في شهريًا. في بيوتٍ وظروفٍ أخرى قد ينام في كل غرفة عددٌ قد يصل لثمانية أشخاص، ليُوزّع المبلغ على الجميع.

بحسب مركز تمكين، فإن عدد الشكاوى الواردة من قطاع والإنشاءات وصلت إلى11 شكوى منذ بداية العام حتَّى اللحظة، تنوّعت هذهِ الشكاوى بين تأخير دفع الاجور، الحرمان من الإجازات السنوية والمرضية والعطل الرسمية، وعدم تجديد أو استصدار تصريح عمل أو إقامة، إضافة إلى انتهاكات لفظية.

فجوة تشريعية وانتهاكات مستمرة

يلتزم الأردن بعدد من الاتفاقيات الدولية التي تضمن للعمال المهاجرين سواء أكانوا نظاميين أم غير نظاميين حقوقًا مباشرة، وهي اتفاقيات تتعلَّق بحقوق الإنسان، وأخرى تندرج ضمن اتفاقيات العمل الدولي، وقد قام الأردن بنشر سائر الاتفاقيات المشار إليها في الجريدة الرسمية؛ بمعنى أنها أصبحت جزءًا من  القانون الأردني النافذ.

وبالمقابل، فإن الأردن لم يُصادق على اتفاقيات دولية مهمة وذات صلة مباشرة بحقوق العمال المهاجرين، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لعام 1990، وهي الصك الدولي الأهم والأكثر شـمولًا في مجال حماية حقوق العمالة المهاجرة، وفق كلش.

ترى كلش أن دورًا مهمًا يتوقف على وزارتي العمل الأردنية والمصرية لضمان بيئة عمل لائقة سليمة وكريمة للعمَّالة المصريَّة، وسبيل ذلك يكون أولًا برفع مستوى الوعي لدى العمَّال الذين يعملون في الأردن لأول مرّة بحقوقهم وواجباتهم وظروف العمل.

السلطات المصرية والأردنية توفِّر عقدًا رسميًا خاصًا باستقدام العمال المصريين بغض النظر عن قطاع عملهم. يتسم هذا العقد بالضعف من حيث حماية وتوعية العمال، بل ويركز العقد عوضًا عن ذلك فقط على واجبات العمال. فلا يوجد في العقد أية معلومات حول مسؤوليات صاحب العمل اتجاه العامل باستثناء ما يتعلق بالراتب.

علاوة على ذلك، لا يشمل العقد أية بنود حول ساعات العمل والمهام المنوط بالعامل أدائها ومكان العمل المحدد بشكل دقيق، والسكن، والامتيازات، والعطلات، والضمان الاجتماعي، أو الاستقالة.

كما لم يرد في العقد ما ينص على حق العامل بحيازة كل وثائقه الشخصية، بما في ذلك وثيقة سفره، ولا يلزم العقد العامل بدفع أموال إضافية أو التوقيع على أي كفالة مالية عند دخول البلاد، لذلك يتفاجأ العديد من العمال لدى وصولهم إلى الأردن بمطالبة أصحاب العمل لهم بدفع نفقات أخرى، ومصادرة وثائق سفرهم، أو مطالبة أصحاب العمل لهم بأداء طبيعة ونوع عمل غير متوقع.
 

عمر "اسم مستعار" الذي وصل إلى الأردن للعمل في الإنشاءات بشركة الكركي للتعهدات/ حلا وهند للمقاولات فرع عمَّان، اكتشف بعد استلامه لتصريح العمل أن شركة الكركي تمتلك فرعًا واحدًا في محافظة الكرك، ولا وجود لفرع عمَّان المكتوب والمسجَّل في عقده الخاص، فلم تعترف الشركة في مقرّها الأساسي بعقده بناءً على ذلك.

لجأ عمر إلى مكتب وزارة العمل في العاصمة عمَّان أكثر من مرَّة دون الحصول على مساعدة "قالوا ملناش دعوة حل المشكلة مع صاحب الشغل"، يقول عمر. أخذ يبحث عن صاحب العمل الذي لا يعرفه شخصيًا، إنما عن طريق شخص وسيطٍ بينهما، للحصول على براءة ذمة من أجل استصدار تصريح جديد، إلا أن صاحب العمل كان نادرًا ما يستجيب لاتصالاته، ولم يفكر عمر اللجوء إلى الجهات المصرية في المملكة، "عارف أنها ملهاش لازمة، بتاخد مني مصاري بس متفيدنيش".

قبل انتهاء تصريح عمله بشهر، تواصل صاحب العمل مع عمر وطلب منه 500 دينار مقابل منحه براءة الذمة، وهو مبلغٌ كبير لا يستطيع عمر تأمينه، ما اضطره للعمل بشكل مخالف منذ وصوله إلى المملكة قبل عامٍ ونصف، وهو بذلك معرضٌ للتسفير أو الغرامة.

توضح كلش، أنّ صيغة نموذج براءة الذمة أو إخلاء الطرف الذي يقدمه صاحب العمل تعني أن العامل يخلي مسؤولية صاحب العمل، وأنه لن يطالب بأي حق له حاليًا ومستقبلاً، معتبرة أن هذه الصيغة  تصب في مصلحة صاحب العمل، إذ يتنازل العامل بموجبها عن كافة حقوقه ومستحقاته، من بدل الإجازات ومكافأة نهاية الخدمة، ما يعدّ -برأيها- نوعًا من الانتهاكات ومخالفة للمواثيق الدولية، كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يعطي الحق لأي شخص بمغادرة أي بلد بما فيها بلده الأم، إضافة الى اتفاقية مناهضة التمييز والعمل الجبري.

تنقَّل عمر بين عدَّة قطاعات، فكان عمله الأول على نظام المياومة في الإنشاءات، ثمَّ عمل في مزرعة بمنطقة وادي السير، انتقل بعدها إلى العمل في معرض للسيارات، ويعمل حتَّى اللحظة في مزرعة بمحافظة جرش.

يرغب عمر، ومعه عددٌ لا بأس به من العمَّال المصريين في الأردن، بتصويب أوضاعهم، وهو يتأمل من وزارة العمل أن تُبادر لذلك في وقتٍ قريب "والله أنا عايز أشتغل وأحصَّل رزقي هنا بالقانون"، إذ تمنع وزارة العمل إصدار تصريح جديد دون براءة ذمة، كما يُمنَّع العامل من زيارة أهله في بلده الأم قبل صدورها.

آخر تصويب أوضاع قامت به وزارة العمل للعمالة الوافدة كان في صيف 2021، وكان شاملًا وواسًعا، تضمَّن إعفاءات أصحاب العمل والعمَّال الوافدين من الرسوم والغرامات المترتبة عليهم، وجاء قرار الوزارة حينها لتمكين أصحاب العمل من قوننة العُمالة المخالفة لديهم وتخفيف الأعباء المالية المترتبة، خاصَّة بعد ما خلَّفته جائحة كورونا وقرارات الإغلاقات لبعض القطاعات والأنشطة الاقتصادية.

بحسب الزيود، لا نيَّة للوزارة حتَّى اللحظة في تصويب أوضاع العمَّال غير الأردنيين، بمعنى إعفاءات من رسوم وغرامات، إلا أنها فتحت باب الانتقال بين القطاعات للعُمَّالة الوافدة إلى الأردن قبل عام 2021، ولمدَّة خمسة أشهر، اعتبارًا من أيَّار/مايو حتَّى الأول من تشرين الأول/أكتوبر، أما العُمَّالة التي وفدت بعد 2021 في بعض القطاعات، كقطاع المخابز والقطاع الزراعي والانشاءات، فإنها ممنوعة من الانتقال؛ لأن استقدامها كان بناءً على احتياجات السوق، بحسب ما قال الزيود، الناطق الإعلامي لوزارة العمل.