21-فبراير-2019

لا تتمتع عاملات المنازل الأجنبيات في لبنان بأي حقوق إنسانية (أ.ف.ب)

يُلاحظ في السنوات الأخيرة الازدياد المطّرد للعاملات المنزليات بلبنان، إذ أصبحت الاستعانة بخدماتهم حاجة أساسية حتى لدى عائلات الطبقات الوسطى، بعدما كان مقتصرًا في التسعينات على الأسر الغنية.

لا يوجد قانون عمل لبناني ينظّم استقدام العاملات الأجنبيات ويحدد حقوقهن وواجباتهن، وإنما يخضعن لنظام الكفالة، ويبقين تحت رحمة رب العمل!

وبالرغم من الوضع الاقتصادي المتردي الذي يمرّ به لبنان، والتذمّر المستمر من مواطنيه من غلاء المعيشة وعدم القدرة على تلبية متطلبات الحياة، تنتشر ظاهرة استخدام العاملات المنزليات، بما يشكل تناقضًا مثيرًا لاستغراب، إذ تشير الإحصائيات إلى أن أسرة واحد من أصل كل ثلاث أسر، تستعين بخدمات عاملة منزلية واحدة على الأقل.

اقرأ/ي أيضًا: قانون المعينات المنزليات.. عبودية بطبعة مغربية

استقدام عشوائي لعاملات المنازل

في التسعينات كانت تُستقدم معظم عاملات المنازل من سريلانكا، أما اليوم فتميل الكفة أكثر لأثيوبيا، ومعها دول أخرى على رأسها بنغلاديش. وتميل أغلبية الأسر الغنية إلى استقدام عاملات من الفلبين، واللواتي يشاركن إلى جانب الأعمال المنزلية في تربية الأطفال، ويتقاضين رواتب أعلى.

ولا يوجد قانون عمل في لبنان ينظّم استقدام العاملات الأجنبيات، يحدد بشكل واضح حقوقهن وواجباتهن، وإنما يخضعن لنظام الكفالة، ويبقين تحت رحمة المكاتب المعنية باستقدام العاملات، وتحت رحمة أرباب المنازل التي يعملن فيها.

ولا توجد ساعات عمل يومية محددة للعاملة. ويخضع الأمر لإرادة وإدارة أرباب المنزل الذي تعمل فيه. وعادة ما يبدأ يوم العمل بالنسبة للعاملات الأجنبيات قبل استيقاظ أفراد الأسرة، ولا ينتهي إلا بعد خلودهم إلا النوم.

ولا يحق للعاملة الحصول على أي أيام كأجازة أسبوعية، إسوة بكافة العاملين في مختلف المهن والقطاعات. ويُصبح الأمر مرتبطًا كذلك بإرادة أصحاب المنزل الذي تعمل فيه.

العاملات الأجنبيات في لبنان
من تظاهرة للعاملات الأجنبيات في لبنان

وتنتشر كذلك ظاهرة مداورة العاملات بين الأسر، أي إعارة العاملة إلى أسرة أخرى، الأمر الذي يرهق العاملة، ويفرض على بعضهن القيام بأعمالٍ خارج المنزل قد تفوق قدرتهن الجسدية، كما يتعرض البعض منهن لأشكال من التحرش الجنسي، وصولًا إلى الاعتداء وربما الاغتصاب.

أقل من إنسان!

لا تتمتّع عاملات المنازل في الغالب بأي هامش من الحرية الشخصية في أي من جوانب الحياة. وعدد كبير من الأسر لا تسمح للعاملات بالجلوس معهم على مائدة واحدة أثناء تناول الطعام. وفي الكثير من الحالات يكون على العاملة أن تنتظر أن ينتهي الجميع من تناول طعامه، حتى يحين دورها.

كذلك تضع الأسر ضوابط على ما ترتديه العاملة، وعلى ما تقتنيه من هاتف خلوي. بل أحيانًا يتم التحكم في عدد الساعات التي يُسمح لها فيها بالتواصل مع ذويها هاتفيًا.

وتقوم بعض الأسر المحافظة دينيًا بفرض معتقداتها وطقوسها على العاملات لديهن، من ارتداء الحجاب أو حتى أداء الصلوات، بما فيه من إجبار ضمني على اعتناق ديانة غير الديانة التي تعتنقها.

وتستقدم العاملات إلى لبنان من خلال مكاتب الخدمة المنتشرة على كافة الأراضي اللبنانية. وتشكل هذه المكاتب صلة الوصل بين العاملات وأرباب الأسر. وتجري في غالبية هذه المكاتب جلسات "تأديبية" للعاملات، يتم خلالها تعنيفهن جسديًا ومعنويًا، في حال تلقوا شكاوى من أرباب الأسر! 

وتمتد العقود غالبًا لمدة سنتين، ويتم تجديدها في حال موافقة الطرفين. ومع هذا فكثيرًا ما تتكرر حالات من المنع من السفر أو حجز راتب عدة أشهر لضمان عودتها إلى لبنان في حال قررت زيارة ذويها. 

ويبلغ متوسط أجر العاملة المنزلية في لبنان 150 دولارًا شهريًا، أي حوالي ثلث الحد الأدنى للأجور في البلاد. وإذا كان هذا المبلغ لا يعد كبيرًا في لبنان، وقد يوازي ثمن عشاء في مطعم فخم، فإن العاملات يستفدن من ارتفاع القدرة الشرائية للدولار في البلاد التي يأتين منها، وبالتالي فإنهن يصبرن على الظروف الصعبة التي يعايشونها هنا، وأشكال العنصرية والتمييز التي يتعرضن لها، على أمل أن يحظين ببقية حياة جيدة في بلادهم بعد العودة إليها.

العنف يولد عنفًا

وبالرغم من أن هناك عشرات الجمعيات والمنظمات الحقوقية في لبنان المعنية بحقوق الإنسان والمرأة، فبالكاد توجد تدخلات من هذه الجمعيات والمنظمات في حالات تعرّض العاملات المنزليات للعنف أو الظلم أو الحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية.

ومن هذه التدخلات حملة أطلقتها جمعية "كفى" لمواجهة العنف والاستغلال الذي تتعرض له العاملات. وتعتبر الجمعية أن لجوء بعض العاملات لاستخدام العنف ضد الأطفال، أو تعذيب أنفسهن وصولًا إلى الانتحار، إنما يعود سببه بشكل أساسي إلى المعاملة السيئة التي يتعرضن لها.

عاملات المنازل في لبنان
يضع نظام الكفالة العاملة تحت رحمة أرباب العمل بلا قانون ينظم أو يراقب

وتحدد الجمعية أوجه المعاملة السيئة، في عدم اعتبارهن "عاملات" بالمعنى القانوني، لأنهن لا يخضعن لقانون العمل، وليس ثمة أي آلية تسمح لهن بالتظلم أو تقديم الشكوى في أرباب عملهن.

وفي السنوات الأخيرة، لوحظ انخفاض أعداد العاملات القادمات من الفلبين، إذ بتن يفضلن الذهاب إلى دول تكون فيها ظروف العمل أفضل. 

أما أثيوبيا التي يعمل حوالي 300 ألف من مواطناتها في لبنان، فقد أعادت في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، تفعيل قرار يمنع مواطناتها من السفر إلى لبنان، بسبب امتناع الحكومة اللبنانية عن توقيع اتفاقية مع الحكومة الأثيوبية لتحسين ظروف العمل ووضع قوانين عادلة تنظم عملهن. علمًا بأن الاتفاقية معروضة على الحكومة اللبنانية منذ ثلاث سنوات، وطالبت خلالها السلطات الأثيوبية بتخصيص يوم إجازة أسبوعي، وتحديد ساعات العمل اليومية، والحد من كافة أشكال العنف والظلم الذي يتعرضن له.

فعلت أثيوبيا قانونًا يمنع مواطناتها من السفر للبنان، بسبب امتناع الحكومة اللبنانية عن توقيع اتفاقية لتحسين ظروف عمل العاملات الأثيوبيات

وأثار قرار الحكومة الأثيوبية جدلًا في لبنان، حيث أن الاستعانة بالعاملات الأثيوبيات بات حاجة ملحّة بالنسبة للكثير من الأسر اللبنانية من أبناء الطبقة المتوسطة، خاصة في حالات الأسر التي يعمل الأب والأم فيها خارج المنزل، وتصبح في حاجة إلى من يرعى الأطفال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

العبودية الحديثة.. تجدد الدماء في عروق أسواق النخاسة الإماراتية

العاملات البنغاليات في السعودية.. تحرش وتعذيب مع صمت رسمي