06-ديسمبر-2017

تشهد الخارجية المصرية في عهد السيسي تخبّطًا واضحًا (Scoopnest)

في عام 1961 من القرن المنصرم، أثناء الحرب الباردة التي قسّمت العالم لمعسكرين؛ واحدًا تقوده أمريكا والآخر روسيا؛ قرر رئيس الدولة المصرية آنذاك جمال عبد الناصر الانضمام لمجموعة دول عدم الانحياز، وبأنه يمثّل ومن معه تيار محايد غير منضم إلى أي من المعسكرين رغم الإعانات والمساعدات المالية التي كانت تحصل عليها مصر وقتها ربما منهما "أمريكا وروسيا".

ثمة جملة لا ينساها أي مسؤول أمريكي خلال حديثه عن المساعدات التي تقدمها دولته لأي بلد؛ أن تكون تلك الدولة "حليفة" فعلية لأمريكا

بتحوّلات بسيطة ونسب متفاوتة تغيرت سياسات من جاءوا بعد عبد الناصر (السادات ومبارك)؛ جاءت تعتمد جميعها على كسب أرضية لمصالحها قدر الإمكان، وضعوا في حسبانهم أي خطوة قد تُغيّر السياسات، وذلك بعدم الانحياز التام لأي طرف على حساب الآخر، لكن مع وصول عبد الفتّاح السيسي للحكم تغيّرت سياسات الدولة، وشهدت ما يمكن أن نعتبره "عدم اتزان" أو تخبّط، ثمة ضبابية في الرؤية الحالية.

في هذا التقرير نستعرض نماذج من بعض القرارات التي تظهر سوء إدارة السياسات الخارجية المصرية الذي يظهر في نموذج تعاملها مع روسيا وأمريكا.

التعاون الأمريكي-المصري.. أمريكا لا تقبل المعارضة!

منذ أيام قليلة صدر بيان رسمي عن رئاسة الجمهورية يتحدث عن زيارة وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس للقاهرة -التي ذكرتها وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" باعتبارها المحطة الأولى في جولة الرجل للشرق الأوسط- وحديثه مع عبد الفتاح السيسي في حضور وزير الدفاع المصري صدقي صبحي وعدد من كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين، وجرى بحث "التعاون المشترك بين البلدين في المجال العسكري ومجال مكافحة الإرهاب واستعادة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط".

اقرأ/ي أيضًا: مفارقات جولة السيسي الأفريقية.. وكيل ابن زايد يحثّ على ما فشل في تحقيقه

وأكّد ماتيس خلال الزيارة حرص بلاده على تعزيز علاقات التعاون مع مصر في مختلف المجالات، والوقوف بجانبها في حربها ضد الإرهاب، وأشار إلى تمثيل مصر كركيزة أساسية للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بعد أسبوع من الهجوم الإرهابي الذي عُرف إعلاميًا بمجزرة مسجد الروضة؛ حيث استهدف مسجد بشمال سيناء وأسفر عن مقتل 310 شخص راحت ضحيتها أُسر بأكملها.

على ما يبدو أن ذِكر تلك الواقعة بالتحديد لم يكن من قبيل الصدفة لما تمثله من رعب وخسائر فادحة على كل المستويات، خصوصًا بالإشارة بعد ذلك بمحاولات الولايات المتحدة أن "تعاود إرسال المساعدات التي حجبتها عن مصر في وقت سابق؛ مساعدات قدّرت بحوالي 291 مليون دولار "لعدم إحرازها تقدمًا على صعيد احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية"، من أصل 1.3 مليار دولار معونة عسكرية أمريكية لمصر، ولم يكن قطع المعونة الأمريكية لمصر جديد؛ حيث علقت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما أيضًا مساعداتها العسكرية مؤقتًا، ردًا على إطلاق النار الجماعي على أكثر من ألف شخص من المعارضين السياسيين.

لكن تلك المرة، كان ثمة تخبّط واضح أظهرته ردود أفعال الخارجية المصرية بعد حجب الأموال؛ حيث أُلغي الاجتماع الذي كان من المفترض أن يجمع وزير الخارجية سامح شكري مع مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، ثم أكدت الوزارة مرة أخرى حضور الجانب المصري للاجتماع، في الوقت الذي أصدرت بيانًا عبّرت فيه عن أسفها من القرار الأمريكي الذي "يعكس سوء تقدير لطبيعة العلاقات" بينهما.

بعد قطع المعونة الأمريكية؛ قام عبد الفتاح السيسي بزيارة روسيا، وعقد صفقات بحوالي 3.5 مليار دولار خصصهم لشراء بعضٍ الطائرات والمروحيات والصواريخ الروسية

ومن جانبه أكّد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية روب مانينغ في بيان له منذ أسبوعين، أن الهجوم يعد مثالًا على ضرورة مواصلة الولايات المتحدة لدورها في منطقة الشرق الأوسط، كما أنه يتعين عليها أن تساعد "الدول الحليفة" لها في بناء قدراتها الدفاعية ودعم قوات الشرطة لضمان عدم قدرة الدولة الإسلامية والقاعدة وغيرهما من الجماعات على التخطيط لهجمات وتنفيذها. لكن ثمة جملة لا ينساها أي مسوول أمريكي خلال حديثه عن المساعدات التي تقدمها دولته لأي بلد؛ أن تكون تلك الدولة "حليفة" فعلية لأمريكا.

تطورات العلاقات الخارجية بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر تشهد حالات صعود وهبوط، تُبنى بشكلٍ أساسي بناءً على علاقتها مع الجانب الروسي.

روسيا ومصر.. تعاون آخر ورضوخ مختلف؟

بعد قطع المعونة الأمريكية؛ قام عبد الفتاح السيسي بزيارة روسيا، وعقد صفقات بحوالي 3.5 مليار دولار خصصهم لشراء بعض الطائرات والمروحيات والصواريخ الروسية، كما وقَّعت مصر اتفاقًا مبدئيًا مع روسيا لبناء مرافق للطاقة النووية في مصر.

تعاونات واضحة تجمع السيسي وفلاديمير بوتين بشكلٍ ملموسٍ في سوريا كما في ليبيا أيضًا؛ ذلك التعاون الأخير الذي أثار خلافًا مع الولايات المتحدة والقوى الغربية التي دعَّمت حكومة الوحدة في طرابلس في محاولةٍ لإنهاء الصراع الأهلي في ليبيا.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا عزل السيسي صهره محمود حجازي من رئاسة الأركان المصرية؟

أيضًا وعلى صعيدٍ آخر نشرت الحكومة الروسية منذ أيام ما أسمته "مسودة اتفاق"، بين روسيا ومصر، تسمح تلك المسودة للطائرات العسكرية للدولتين "بتبادل استخدام المجال الجوي والقواعد الجوية، ويستمر هذا الاتفاق لمدة خمس سنواتٍ قابلة للتجديد، لكن على الجهة الراغبة في استخدام المجال الجوي أو القواعد العسكرية للبلد الآخر أن تتقدم بإشعارٍ مسبقٍ قبلها بخمسة أيام، كما أن الاتفاق لا يشمل الطائرات العسكرية للإنذار المبكِّر والتحكم والطائرات العسكرية التي تحمل الشحنات الخطيرة".

وردت مسودة الاتفاق باعتبار أنه "اتفاق في مرسوم حكومي وقعه رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف"، وتضمّن أمرًا لوزارة الدفاع الروسية بإجراء مفاوضات مع المسؤولين المصريين وتوقيع الوثيقة بمجرد توصل الطرفين لاتفاق.

وفي الوقت ذاته كان ذلك الاتفاق بعد زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو للقاهرة؛ أي بعد مقابلة عبد الفتاح السيسي ووزير الدفاع صدقي صبحي والسفير الروسي في القاهرة، وفقًا لبيان صادر عن الرئاسة، قال "إن المحادثات شملت سبل تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، ومواجهة المخاطر الناتجة عن انتشار الإرهاب والتطرف، وقال المرسوم الحكومي إن مسودة الاتفاق "جرى التباحث بشأنها بشكل مبدئي مع الجانب المصري" ووافق عليها ميدفيديف.

يشمل الاتفاق استخدام المجال الجوي والبنية التحتية للمطارات في روسيا ومصر، وسيتبادل الطرفان سنويًا قائمة المطارات (العسكرية وثنائية الغرض) التي يمكن استخدامها، على أن تكون مدة الاتفاق خمس سنوات قابلة للتجديد.

اقرأ/ي أيضًا: دعابات السيسي المحرجة.. "أهلًا" بالتفاهة

في النهاية ربما يصبح هذا الاتفاق "المفاجئ" عقبة جديدة أمام المساعدات الأمريكية التي تقدمها لمصر، لا سيما مع ما هو قائم من حذر وتخبط في العلاقات في العموم.

قالت صحيفة "نيويورك تايمز الأمريكية" أن هذا الاتفاق قد يعد بمثابة "انقلاب مصري واضح على إدارة وسياسات دونالد ترامب"، حيث أنه سيعطي روسيا تواجدها الأعمق في مصر منذ عام 1973، أي منذ أن طردت القاهرة الجيش السوفييتي الروسي، وأصبحت بدلًا من ذلك أقرب حليف عربي لواشنطن، في الوقت الذي قدمت فيه أمريكا أكثر من 70 مليار دولار كمساعدات منذ ذلك الوقت بحجة ضمان استخدام المجال الجوي المصري والذي أصبح في يد روسيا.

وبعيدًا عن ما وُصفت به الصفقة من المحللين المصريين والأمريكيين بعد الصفقة؛ بأنها أحدث علامة على التأثير المتراجع للولايات المتحدة، حيث أن الرئيس ترامب قد قلص من أثره العسكري والدبلوماسي في المنطقة والعالم، فإن ذلك لن يفوّته ترامب على الحكومة المصرية التي "خذلته" في تعاونها.

تتزايد مبيعات الأسلحة الروسية إلى مصر بشكل لافت، وتحاول الحكومة المصرية من وقت لآخر تفعيل أطر التعاون المشترك بين البلدين فضلًا عن التعاون المشترك في بناء محطة نووية بالضبعة

الجدير بالذكر وبحسب موقع "روسيا اليوم" تتزايد مبيعات الأسلحة الروسية إلى مصر بشكل لافت، وتحاول الحكومة المصرية من وقت لآخر تفعيل أطر التعاون المشترك بين البلدين فضلًا عن التعاون المشترك في بناء محطة نووية بالضبعة وفًقًا لبيان صادر عن رئاسة الجمهورية. يأتي ذلك بعد أن وقّع البلدان مسودة اتفاق يسمح للطائرات العسكرية للدولتين بتبادل استخدام المجال الجوي والقواعد الجوية.

إجمالًا وعلى ما يبدو تشهد السياسات الخارجية المصرية في عهد عبد الفتاح السيسي "عدم اتزان" وتخبّطًا واضحين في قرارات مشاركتها للجانبين الأمريكي والروسي، ربما يؤدي إلى خسارة أحدهما بشكلٍ قد يؤثر على تواجد الحكومة نفسه خارجيًا، إلى جانب حالة التطبيع الصريح الذي ينتهجه السيسي بخلاف سابقيه، الذي ظهر خلال حديثه في الأمم المتحدة؛ حيث خرج الرجل يناشد الشعب الإسرائيلي وقيادة دولة إسرائيل -بوضوح- إلى التحرّك تجاه السلام مع فلسطين، جنبًا إلى جنب مع "الشعب الإسرائيلي".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"علشان تبنيها".. حملة جديدة لدعم السيسي في الانتخابات القادمة

السيسي في فرنسا.. المزيد من صفقات الأسلحة ولا عزاء لحقوق الإنسان!