29-أكتوبر-2017

أقال السيسي نسيبه محمود حجازي من رئاسة هيئة أركان الجيش المصري بشكل مفاجئ (خالد دسوقي/ أ.ف.ب)

"لَبس الجلابية" تعبير مصري دارج يستخدم للإشارة لمن يقال أو يعزل من منصبه ويُجرد من صلاحياته، دلالةً على مكوثه في بيته بلا عمل. وها هو يعود من جديد على الساحة، مع سرّ جديد يضاف إلى تلك الأسرار التي لا يُكشف عنها في مصر، وسؤال جديد يُضاف للتساؤلات التي لا تحمل إجابات: لماذا عُزل رئيس أركان الجيش المصري محمود حجازي بشكل مفاجئ ودون مقدمات، وعُيّن بدلًا عنه محمد فريد حجازي؟

أقيل محمود حجازي من رئاسة أركان الجيش المصري، وهو الذي تربطه بالسيسي علاقة أسرية وكان بمثابة ذراعه اليمنى في المؤسسة العسكرية

التعقيد والخصوصية في هذا القرار الذي بدا مفاجئًا، وكذلك صعوبة التحليل والوصول لسبب مقنع ومنطقي وراءه، ليس فقط لأنه القرار يمس شخصية بارزة ذات ثقل عسكري وسياسي هام في مصر، ولكن أيضًا لأن محمود حجازي كان لاعبًا بارزًا في مجموعة الجنرالات الجدد الذين صعدوا مع ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011، ويرتبط بعلاقة أسرية بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بل كان البعض يعتبره يده اليمنى في الجيش.

اقرأ/ي أيضًا: رحلة السيسي للبحث عن جهاز أمني من أبنائه

ولم تتضح بعد الخلفيات الحقيقية وراء قرار إقالته، غير أنّ ثمة توقعات ومحاولات تفسير، فالبعض يرى أنّ القرار كان باتفاق مُسبق غرضه ارتداء محمود حجازي قريبًا للبلدلة المدنية للعب دورٍ سياسي في مساندة نظام السيسي، وعلى الجانب الآخر يعتقد آخرون أنّه قرار أُجبر عليه السيسي وفيه عزل تام لمحمود حجازي عن أداء أي مهمة مؤثرة، خاصة وأنّ القرار صاحبه في نفس اليوم إقالة لنحو أربع قيادات في وزارة الداخلية، يُشار إليهم بالتقصير الأمني المتسبب في وقوع حادث هجوم الواحات الذي راح ضحيته عشرات من رجال الشرطة ضباطٍ ومجندين.

الصديق والنسيب والذراع اليمنى

ويُعد قرار عزل رئيس أركان الجيش المصري محمود حجازي، بهذا الشكل المفاجئ، في دولة يلعب فيها الجيش دورًا محوريًا، خاصة محمود حجازي الذي كان بمثابة ضمانة السيسي داخل المؤسسة العسكرية؛ يُعد حدثًا هامًا، يكشف عن الكثير مما يحدث في كواليس الحكم لو أنّ هناك وفرة في المعلومات حوله.

وخلال فترة تواجده في المؤسسة العسكرية، كرجل ثانٍ بعد وزير الدفاع صدقي صبحي، لعب محمود حجازي دور الضامن لعدم الانقلاب على السيسي أو التخلي عنه على أقل تقدير. وقد تحدثت تقارير عن خلافات متصاعدة بين السيسي وصبحي الذي يُعد الوزير الوحيد في الحكومة المصرية المُحصّن من العزل بنص دستوري (المادة 234) سبق أن سعى إليه السيسي في 2014.

من هنا كانت أهمية دور رئيس الأركان، ليوازن القوى داخل المؤسسة العسكرية بين صبحي والسيسي، الذي عُدّ محمود حجازي ذراعه هناك. وقد بدا ذلك من إسناد السيسي مهام هامة لمحمود حجازي بشكل مُباشر، ربما يأتي على رأسها الإشراف المباشر على الملف الليبي، ووفقًا لمصادر صحيفة العربي الجديد، فهي مهمة "كان من المقرر أن تكون تابعة بشكل مباشر لوزير الدفاع صدقي صبحي".

من السيناريوهات المطروحة، أن تكون إقالة حجازي تمهيدًا لتوليه منصبًا مدنيًا مُؤثرًا، يُحتمل أن يكون رئاسة الوزراء 

وتبدو تلك حيلة قديمة نسبيًا، عمل عليها الرئيس محمد أنور السادات، الذي جعل بصحبة وزير الدفاع أحمد إسماعيل، رئيس أركان على خلاف معه هو الفريق سعد الدين الشاذلي. وكانت الخلافات بينهما قديمة، وقد وصلت لحد الاشتباك بالأيادي.

ومحمود حجازي صديق قديم للسيسي وزميل له منذ الكلية الحربية التي تخرجا منها في نفس الدفعة عام 1977، وبعد أن عُيّن السيسي وزيرًا للدفاع في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، خلفه محمود حجازي مديرًا للمخابرات الحربية. وعندما خرج السيسي من المؤسسة العسكرية للترشح لانتخابات 2014، أصرّ على تعيين محمود حجازي في رئاسة الأركان متعديًا من هو أقدم منه، وعلى رأسهم عبدالمنعم التراس قائد الدفاع الجوي آنذاك، والذي كان أبرز المرشحين لهذا المنصب قبل تعيين محمود حجازي فيه.

ولا تتوقف العلاقة بين السيسي ومحمود حجازي على العسكرية فقط، فهناك أيضًا علاقات أسرية بينهما، فحسن نجل السيسي متزوج من داليا ابنة محمود حجازي، وهو زواج قديم على تولي أيٍّ منهما أية مناصب قيادية.

بين هجوم الواحات والانتخابات

ما يزيد من علامات الاستفهام على هذا القرار، هو أنه جاء مباشرة عقب اجتماع أمني مُصغّر، برئاسة السيسي، ولم يُدع إليه محمود حجازي، وحضره كل من صدقي صبحي وزير الدفاع، ومجدي عبدالغفار وزير الداخلية وخالد فوزي رئيس المخابرات العامة ومحمد فريد حجازي أمين سر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذي أصبح رئيسًا لأركان الجيش.

اعتبر البعض أن الإقالة بهذه الطريقة تعتبر مُهينة بالنسبة لمحمود حجازي، وكان من الممكن خروجها بشكل أفضل، خاصة أنها جاءت في نفس اليوم الذي أُقيلت فيه قيادات من الداخلية ليسوا على نفس درجة رئيس أركان الجيش المصري. ويُرجّح أن إقالة هذه القيادات لتقصيرها في التعامل المناسب مع حادث هجوم الواحات، وأن تأتي إقالة محمود حجازي في نفس اليوم، وعقب نفس الاجتماع الذي خرج بهذه النتائج، فيُحتمل أنه يعني تحميل محمود حجازي مسؤولية ما عمّا حدث، خاصة مع التقارير التي تحدثت عن خلافات بين الداخلية والجيش على خلفية هجوم الواحات.

في المقابل، يطرح آخرون سيناريو يُفيد بأنّ إقالة محمود حجازي وتعيينه مستشارًا للسيسي ليست إلا تجهيزًا له لتولي منصب مدني مُؤثر خلال الفترة القادمة، خاصة وأن له دورًا في السياسة الخارجية متمثل في إشارفه على الملف الليبي. وتُشير توقعات لاختيار محمود حجازي رئيسًا للوزراء بدلًا من رئيس الوزراء الحالي شريف إسماعيل الذي ظهرت عليه مُؤخرًا أعراض المرض بشكل ملحوظ.

يحتمل أن تكون إقالة محمود حجازي في نفس وقت إقالة قيادات من الداخلية، بمثابة محاولة لتهدئة الأوضاع بين الداخلية والجيش بعد هجوم الواحات

بل ذهب البعض إلى احتمال أن يكون محمود حجازي مرشحًا بديلًا عن السيسي في رئاسيات 2018، حال حدوث أي أزمة قد تمنع السيسي من الترشح أو حتى خسارة الانتخابات.

اقرأ/ي أيضًا: هل كانت الداخلية المصرية مطلعة على طبيعة ما حصل في هجوم الواحات؟

ومن بين السيناريوهات المطروحة أيضًا، أن يكون محمود حجازي كبش فداء لحركة أعمق في القوات المسلحة، قد تتمثل في إقالة قريبة لصدقي صبحي، انطلاقًا من أنّ محمود حجازي، الصديق المقرب ونسيب السيسي، سبق واُطيح به، كحجة يسوقها السيسي لقادة القوات المسلحة الذي يُوجب الدستور موافقتهم قبل إجراء أي تغيير في رئاسة وزارة الدفاع.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"حاميها حراميها".. ضباط في الجيش والشرطة وراء سرقة وتهريب آثار مصر!

خلفاء السيسي المحتملين.. 6 مرشحين لرئاسة جمهورية الجنرال