إن كان التعليم حقًا يكفله الدستور باعتباره القانون الأسمى في البلاد، فهذا الحق لا يتمتع به جميع المغاربة بالضبط.فمن يعانون من إعاقة مثل الصم والبكم، يحرمون بالضرورة من متابعة الدراسة، بسبب عدم توفر مدارس خاصة بحالات هؤلاء الأطفال، وبالتالي يحرمون من شهادة وتكوين وتعليم. "الترا صوت" تحدث مع تلاميذ وأشخاص يعانون من فقدان النطق والسمع، بمساعدة أحد الأساتذة بجمعية الصم والبكم بالدار البيضاء.
رغم أن التعليم حق يكفله الدستور المغربي لكن فعليًا لا تتوفر إلا مدارس قليلة مخصصة لأصحاب بعض الإعاقات كالصم والبكم لإتمام دراستهم
اقرأ/ي أيضًا: عن قنوات التهريب التي نسميها مدارس!
التعليم رحلة شاقة
عند رؤيتنا مريم، وهي طفلة في الخامسة عشر من عمرها، تتابع دراستها في مؤسسة خاصة بالتلاميذ الذين يعانون من إعاقة الصم والبكم، وهي المؤسسة الوحيدة الموجودة بمدينة الدار البيضاء، قد يخطر ببالك أنك أمام فتاة تتمتع بالصحة والذكاء ولا تعاني من أية اختلاف، لكن بمجرد الحديث معها ستلاحظ أنها تعاني من فقدان القدرة على السمع والكلام، مما يجعلها تجد صعوبات في التواصل مع الآخرين.
"رحلة البحث عن المدرسة لفائدة أطفال يعانون من فقدان السمع والنطق هي رحلة شاقة بالمغرب، إلا أنه من الضروري أن يخوضها آباء وأمهات هؤلاء الأطفال"، بهذه العبارات توضح كريمة كروال، والدة مريم عند حديثها لـ"ألترا صوت"، معاناتها من أجل إيجاد مدرسة لابنتها.
تقول إنه بمجرد بلوغ مريم السن الضرورية للولوج إلى المدرسة، حاولت، كغيرها من الأمهات، البحث عن مؤسسة تعليمية مناسبة لابنتها، لكنها تفاجأت بكون المدارس رفضت قبول مريم وذلك بسبب إعاقتها، وقد أضاعت أم مريم سنوات قبل أن توفق في إيجاد مدرسة مختصة وقد كانت مريم حينها في سن العاشرة. وما حصل مع مريم تكرر مع الكثيرين، حسب شهادات متعددة لـ"الترا صوت".
"الترا صوت" تحدث مع مجموعة من الأشخاص اللذين يعانون من ذات إعاقة مريم وتكفل أحد أساتذة المؤسسة التعليمية بالترجمة.
قابلنا عز الدين كليف، والذي يعمل سائقاً في النقل المدرسي في مدرسة خاصة للصم والبكم بالدار البيضاء، وهو الذي يعاني من فقدان القدرة على السمع أيضًا، تساءل خلال حديثه لـ"ألترا صوت: "لماذا يتم إقصاء هؤلاء الأطفال من حقهم في التعليم، خبرت نفس الشيء في صغري، أنتم لا تعرفون ما يشعر به الطفل عندما يحلم أن يتابع دراسته لكنه لا يستطيع لأن ذنبه الوحيد أنه فقد قدرته على السمع والكلام وهذا ليس ذنبه". بشكل عام تتداول هذه الأسئلة بين فاقدي السمع والبصر بالمغرب، ينتابهم إحساس بالظلم لمجرد أنهم لم يستطيعوا متابعة دراستهم بعد مرحلة الابتدائي عادة.
اقرأ/ي أيضًا: "الدارجة" المغربية بديلًا للعربية في المغرب؟
مشكل الإشارات
يعاني تلاميذ الصم والبكم بالمغرب من عدم توحيد لغة الإشارة في البلاد
يواجه الأطفال الفاقدون للسمع أو البصر في المغرب مشاكل عدة إذا لم يحالفهم الحظ للدخول إلى المدرسة، فهم لا يستطيعون التواصل مع الآخرين ولو كانوا يشاركونهم نفس الإعاقة، لأنهم لم يتعلموا لغة الإشارة.
يحكي محمد الحداد، رجل في الأربعين، لـ"الترا صوت" أنه لم يحالفه الحظ بالدخول إلى المدرسة، فقد تعلم لغة الإشارة من خلال تردده على "مجموعة" خاصة في جمعية تعنى بمن يعاني من الصم والبكم. يضطر أصدقاء محمد للتواصل معه بإشارات خاصة، لأن الأشخاص الذين لم يلجوا المدرسة نهائيًا لا يستطيعون استعمال الإشارات بطريقة سليمة وبالتالي يصعب التواصل معه. وهو يقتصر على فهم بعض الإشارات.
ثمة مشكل آخر يعاني منه تلاميذ الصم والبكم بالمغرب، وهو عدم توحيد لغة الإشارة في البلاد، إذ الجمعيات الخاصة بهذه الفئة في أنحاء المغرب لا تملك لغة موحدة للصم والبكم، وبالتالي يصعب التواصل مع بعضهم البعض، فهم قد يعبرون عن ذات الشيء بإشارات مختلفة.
كما أن والدة مريم خائفة على طفلتها، تعلق خلال حديثها معنا بانفعال: "عندما تبلغ ابنتي ثماني عشرة سنة لن تكون حاصلة على شهادة البكالوريا كغيرها، سينتابها بالتأكيد شعور بالظلم لأن الدولة حرمتها من حقها في متابعة تعليمها ولم لا تحقق التميز كما يحصل في بلدان أخرى".
مريم ومحمد عينتان ممن يعانون من فقدان السمع والبصر، حظيا بفرصة بانخراطهم في مؤسسة تعليمية، لقنتهم بعضًا من التعليم ومنحتهم تكوينًا متوسطًا يعينهم على العيش بكرامة داخل المجتمع. لكن كثيرين غيرهم يجدون صعوبات وعوائق جمة دون أي معرفة تقيهم شر الحياة وظروفها.
اقرأ/ي أيضًا: