27-أكتوبر-2019

تستمر أحزاب السلطة في محاولة ردع الناس عن التظاهر بأشكال مختلفة (Getty)

دخلت انتفاضة الشعب اللبناني في وجه الطبقة الحاكمة أسبوعها الثاني، واستمرت التظاهرات لليوم الحادي عشر على التوالي، وقد نجحت في المحافظة على زخمها وقوتها، وانتشارها على كامل مساحة لبنان. وفشلت كل محاولات أهل السلطة في قمع الحراك أو احتوائه، أو توجيهه باتجاهات معينة والالتفاف عليه.

 لجأت بعض الأحزاب اللبنانية إلى خيار "الشارع المضاد"، من خلال دعوة جماهيرها إلى التظاهر وإعلان الولاء والوفاء لها

 وأثبت الحراك أن الانقسام الطائفي والمناطقي بين اللبنانيين ليس سوى وهم صنعه أهل السياسة، فكانت الصورة الوطنية الجامعة، من مدينة طرابلس في الشمال التي شهدت ساحة النور فيها واحدة من أكبر المظاهرات، والتي وجه أهلها التحيات إلى المتظاهرين في النبطية وصور في الجنوب، إلى التظاهرت في جل الديب وذوق مصبح داخل العمق المسيحي، والمناهضة لعهد الرئيس عون وصهره وزير الداخلية جبران باسيل، لتبين أن محاولات الأخير في شد "العصب المسيحي" وتزكية الخطاب اليميني في السنوات الأخيرة قد ذهبت هباءً، وأن الشعب يدرك بأن قوته في اتحاده وتعاونه، لا في انتمائه الأعمى لزعماء طائفته.

اقرأ/ي أيضًا: السلطة تلجأ إلى العنف والانتفاضة اللبنانية مستمرة

تظاهرات هزيلة ومسيرات مسلحة لإرهاب المتظاهرين

بعد فشل أهل الحكم في القضاء على الثورة الشعبية من خلال استخدام الترهيب تارةً عبر المسيرات المسلحة، وتارة أخرى من خلال استخدام لغة التخوين واتهام المتظاهرين بأنهم ينفذون أجندة السفارات الأجنبية، وبعد فشل أحزاب السلطة في احتواء الحراك ومحاولة تبنيه من خلال التصوير بأن المتظاهرين يحملون نفس أفكارهم المطلبية، لجأت بعض هذه الأحزاب إلى خيار "الشارع المضاد"، من خلال دعوة جماهيرها إلى التظاهر وإعلان الولاء والوفاء لها، وهو أمر يذكر بالتظاهرات المؤيدة التي كان يدعو إليها النظام السوري في دمشق، خلال أشهر الثورة الأولى.

مناصرون لحزب الله يهاجمون المتظاهرين في بيروت (أ.ف.ب)

التيار الوطني الحر دعا إلى مظاهرات مؤيدة لرئيس الجمهورية ميشال عون تتزامن مع الخطاب الذي ألقاه الخميس. وكان من أبرز هذه التحركات، الدعوة لوقفة أمام قصر العدل للتعبير عن دعم الرئيس ميشال عون، وقد فشل التيار العوني في حشد الجماهير، وبدت مظاهرته هزيلة، فيما كان المتظاهرون الثائرون ضد الطبقة الحاكمة يملأون الساحات في جل الديب، وذوق مكايل، وجبيل، وهي معاقل عامة للتيار الوطني، الأمر الذي يثبت التغير الواضح في المزاج الشعبي.

 وقد شهدت هذه التظاهرة تعديًا لفظيًا من الملحن سمير صفير، الموالي لعون، بحق الإعلامية جويس عقيقي، تضمن ألفاظًا ذكورية. وعاد العونيون إلى ساحة قصر العدل مرة أخرى ظهر السبت وأطلقوا هتاف: "الله لبنان عون وبس"، وقد فشلت قياداتهم وكوادرهم في تحشيد الجماهير.

ولمواجهة فشلهم في تجييش الشارع، كذلك في ممارسة لعبة الشارع المقابل، لجأ أنصار عون إلى العنف، فهاجم مناصرون للتيار الوطني خيم المعتصمين في مزرعة يشوع في البقاع الغربي، واعتدوا على المظاهرين بالضرب وقاموا بتكسيرالخيم.

أمل وحزب الله يحاولان استعادة المبادرة

بدورها نظمت حركة أمل مسيرات في صور، مؤيدة  لرئيسها نبيه بري، رئيس المجلس النيابي، كردة فعل على التظاهرات التي هاجمت بري وزوجته في صور ومناطق جنوبية أخرى، موجهين إليهم تهم الفساد والسرقة. وقد حاول نائب حركة أمل علي خريس الالتفاف على خطاب المتظاهرين، من خلال القول بأن الحركة تتبنى مطالبهم، في الوقت الذي كان فيه أنصارها يعتدون على المتظاهرين العزل في صور قبل أيام.

حافظت الاحتجاجات على زخمها (Getty)

كذلك أطلق حزب الله عددًا من مسيرات الدراجات النارية، وحمل أنصاره أعلام الحزب وأطلقوا الهتافات المؤيدة لأمين عام الحزب. وقد حاولوا الاعتداء على المتظاهرين أكثر من مرة، أبرزها كان ليل السبت 19 تشرين الأول/أكتوبر في بيروت، والجمعة 25 تشرين الأول/أكتوبر في رياض الصلح، قبيل خطاب نصر الله. وقد قامت القوى الأمنية والجيش بردعهم من خلال تشكيل حاجز بينهم وبين المتظاهرين.

اقرأ/ي أيضًا: نصر الله يتهم جهات بتمويل الحراك اللبناني والشارع يرد بالتظاهر

كذلك شهدت الضاحية الجنوبية، وبعض قرى الجنوب والبقاع  مساء الجمعة مسيرات سيارة لأنصار حزب الله فور انتهاء خطاب نصر الله.

نظمت حركة أمل مسيرات في صور، مؤيدة  لرئيسها نبيه بري، رئيس المجلس النيابي، كردة فعل على التظاهرات التي هاجمت بري وزوجته في صور ومناطق جنوبية أخرى

وحاول بعض أحزاب السلطة الاستفادة من الانتفاضة الشعبية بطريقة مباشرة هذه المرة للاستثمار بها. فقد أوعزت بعض الأحزاب إلى مناصريها للمشاركة بالتحركات بدون رفع الرايات الحزبية، حسب تقارير عديدة، ومحاولة التصويب على خصومها في الحكم، فيما كان لافتًا غياب أية مظاهرات مؤيدة لسعد الحريري في مناطقه، التي شهدت مظاهرات كثيفة ضد حكومته، الأمر الذي يعكس الحالة المتردية التي وصلها حتى بين مناصريه، نتيجة لسلسلة الأخطاء السياسية القاتلة التي قام بها في السنوات الأخيرة.