27-أكتوبر-2019

استمرت الانتفاضة اللبنانية في شل الحياة اليومية احتجاجًا ضد السلطة (Getty)

كانت السمة المشتركة للتحركات والاحتجاجات الشعبية التي حصلت في لبنان في السنوات الأخيرة، أنها كانت تتركز أيام الأعطال والآحاد، وبالتالي فإن الفكرة التي ترسّخت في أذهان الطبقة الحاكمة حول انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر، بأنها ستتلاشى سريعًا وأن الأمور ستعود إلى طبيعتها مع بداية الأسبوع الحالي. استمرار الثورة حتى اليوم الحادي عشر، بنفس الوتيرة والزخم كان إذًا مفاجئًا للمسؤولين، وأصرّت الجماهير على البقاء في الشارع بالرغم من خطابي سعد الحريري، حيث  تضمن أحدهما ورقة إصلاحية رفضها المتظاهرون، وخطاب رئيس الجمهورية، إضافة إلى خطابين لأمين حزب الله حسن نصر الله، فشل فيهما في إقناع اللبنانيين بأن الحراك مشبوه وممول من الخارج.

عملت قوى السلطة على حشد طاقاتها، فخرج أنصار عون في مظاهرات في عدد من المناطق، فيما كان إعلام السلطة يبث جوًا سلبيًا، ويتهم المتظاهرين بعرقلة أمور المواطنين اليومية

المتظاهرون ينجحون في شل البلد لليوم العاشر

وللمرة الأولى منذ الحرب الأهلية، يستمر إغلاق المصارف لليوم العاشر على التوالي، كذلك الأمر بالنسبة للمدارس الرسمية والجامعات، والقسم الأكبر من المدارس الخاصة. وقد التقط المتظاهرون أنفاسهم خلال أيام الأسبوع، قبل أن يعودوا مستجمعين قواهم من جديد، فقد دعا الناشطون إلى تظاهرات حاشدة يوم السبت للرد على خطابات ثلاثي الحكم الفعلي نصرالله – عون – الحريري . وأطلق الناشطون على مظاهرة السبت تسمية "سبت المظاهرات".

اقرأ/ي أيضًا: نصر الله يتهم جهات بتمويل الحراك اللبناني والشارع يرد بالتظاهر

في المقابل كانت بعض التحليلات لخطاب نصر الله توحي بأن قرارًا اتخذ بفض التظاهرات بأي ثمن، وبأن السلطة وضعت يوم الإثنين موعدًا لإعادة الأمور إلى نصابها. وقد رجّحت صحة هذه التحليلات، محاولة الجيش لفتح الطريق عند جسر الرينغ في وسط بيروت، وهو الأمر الذي واجهه المتظاهرون بعزم وثبات، ما اضطر القوى الأمنية إلى التراجع.

عملت قوى السلطة على حشد طاقاتها، فخرج أنصار عون في مظاهرات في عدد من المناطق، فيما كان إعلام السلطة يبث جوًا سلبيًا، ويتهم المتظاهرين بعرقلة أمور المواطنين اليومية من خلال قطع الطرق، مع التهويل والتهديد باقتراب نفاذ بعض المواد الغذائية الأساسية في الأطراف. وقامت بلدية جل الديب مثلًا بتسطير مخالفات بحق سيارات المتظاهرين المتوقفة على جوانب الطرقات بتهمة "الركن غير القانوني"، قبل أن تعود وتلغيها تحت وطأة الضغوطات.

الساحات ممتلئة والجيش يهاجم المتظاهرين في البداوي

وقد شهدت الأيام الأخيرة زيارة عدد من المغتربين للبنان، والمشاركة بالتظاهرات، كذلك شهدت الكثير من العواصم والمدن حول العالم تظاهرات للبنانيين دعمًا للانتفاضة الشعبية. وكان لافتًا يوم السبت مشاركة وفد من نقابة المحامين بالتظاهرات، كما أقيمت في ساحات بيروت حلقات نقاشية وفكرية، وأعطى بعض الأساتذة الجامعيين محاضرات لطلابهم في رياض الصلح وساحة الشهداء.

 وقد أثبتت هذه المظاهر البعد الحضاري الراقي للانتفاضة، بالنسبة لعدد من المتابعين. وبالإضافة إلى المطالب المعيشية المرتبطة بغلاء الأسعار وفرص العمل، والسياسية المطالبة برحيل الحكومة ومحاسبة الفاسدين، لفتت المطالب التقدمية التي رفعها المتظاهرون الأنظار، كرفع سن الحضانة، وإعطاء المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي حق منح الجنسية لأبنائها، وإقرار قوانين تتعلق بالعنف الأسري.

وتوجهت الأنظار إلى البداوي في الشمال فترة بعد الظهر، بعدما قام المتظاهرون بقطع الطريق الدولي ذهابًا وإيابًا، وافترشوا الأرض لمنع الجيش من فتح الطريق، ما دفع بالأخير إلى الاعتداء على المتظاهرين، فأوقع الكثير من الإصابات في صفوفهم.

شهدت الأيام الأخيرة زيارة عدد من المغتربين للبنان، والمشاركة بالتظاهرات، كذلك شهدت الكثير من العواصم والمدن حول العالم تظاهرات للبنانيين دعمًا للانتفاضة الشعبية

وقد عاد أهل البداوي والمتظاهرون للاحتجاج مرة أخرى وأبقوا على الطريق مقفلًا، وانتشرت لاحقًا صور على وسائل التواصل الاجتماعي لعناصر من الجيش محمولين على أكف المتظاهرين، في رسالة واضحة من المتظاهرين بأن لا مشكلة لهم مع الجيش، بل مع السلطة التي أعطت أوامرها بفض الاعتصام وفتح الطريق بالقوة.