08-فبراير-2019

استهل النظام المصري مرحلة ما قبل التعديلات الدستورية بمزيد من القمع (Getty)

لن يرضى عنك الجنرال، حتى توافق على تعديلاته، وترضى بحكمه، وتعلن التأييد المطلق والصريح والواضح دون تفكير. فمع بداية الإجراءات الرسمية للتعديلات الدستورية، تلك المعركة الجديدة، التي من المتوقع أن ينصب السيسي نفسه من خلالها كملك مطلق للجمهورية، استهل النظام المصري حملة القمع مبكرًا، وبدأ سلسلة من إجراءات لتخويف أي معارضة محتملة، بالإعدام والاعتقالات والتضييق على زيارات المحتجزين السياسيين في السجون، ومن المتوقع ان تتصاعد الحملة الأمنية خلال الأيام المقبلة وحتى موعد الاستفتاء، المزمع أن يكون نهاية نيسان/أبريل.

مع الأربع إعدامات الجديدة تكون السلطات المصرية قد نفذت حكم الإعدام لنحو 30 متهمًا، في قضايا ذات منحى سياسي، منذ عزل محمد مرسي في 2013 إلى اليوم

تعد التعديلات الدستورية المتوقع تمريرها من البرلمان المصري أحد أبرز معارك السيسي القانونية، وفي حال حصولها على أغلبية شعبية، سيتمكن الرئيس المصري ذو الخلفية العسكرية من الاستمرار في حكم البلاد حتى عام 2034، كما سيكون لديه سلطات واسعة على القضاء، كما تمنح الجيش حق حماية الدستور، وتقفل الأبواب دستوريًا على حرية الصحافة، وعودة وزارة الإعلام.

اقرأ/ي أيضًا: مقترح تعديل الدستور المصري.. كل شيء للسيسي!

إعدامات من جديد

من سيئ لأسوأ تتصاعد الحملة التخويفية، وللمرة الثانية تنفذ السلطات المصرية حكم إعدام صادر ضد معارضين محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، حيث نفذت وزارة الداخلية المصرية أمس حكم الإعدام على ثلاثة من المعارضين المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين وهم أحمد ماهر الهنداوي وعبد الحميد عبد الفتاح متولي والمعتز بالله غانم، في قضية نظرت أمام القضاء المدني، عرفت باسم "ابن المستشار المورلي"، في خطوة وصفها البعض بالمقصودة كمقدمة لحملة تحذير لجماعة الإخوان السلمين قبل التعديلات الدستورية.

ومع الأربع إعدامات الجديدة تكون السلطات المصرية قد نفذت حكم الإعدام لنحو 30 متهمًا، في قضايا ذات منحى سياسي، منذ عزل محمد مرسي في 2013 إلى اليوم، منهم 7 من المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين، فيما كان الآخرون من المنتسبين لتنظيمات جهادية أو دون اتجاه سياسي أو ديني. كانت البداية مع محمود رمضان المتهم في أحداث سيدي جابر، والذي نفذ الحكم عليه في آذار/مارس 2015، وتبعه تنفيذ حكم الإعدام على عادل حبارة في أحداث مذبحة رفح الثانية، ثم 4 متهمين من قضية عرب شركس و15 متهمًا بعمليات إرهابية في سيناء "خلية رصد الضباط"، و4 متهمين من قضية استاد كفر الشيخ، وأخيرًا ثلاثة في قضية ابن المستشار المورلي.

وتعود أحداث قضية ابن المستشار المورلي إلى أيلول/سبتمبر 2014، بعد مقتل نجل المستشار محمود السيد المورلي، نائب رئيس محكمة استئناف القاهرة، بطلق ناري أسفل منزله، حيث ألقى القبض على عدد ممن قالت السلطات إنه مشتبه بهم، وحكمت المحكمة على خمسة بالإعدام (3 حضوريًا و2 غيابيًا) وأيدت في محكمة النقض، أعلى محكمة للطعون في مصر، الحكم بالإعدام في كانون الأول/ديسمبر 2017، واستمر تعطيل الحكم إلى يوم أمس. وعقب تنفيذ الحكم وتسلم الأهالي جثث أبنائهم، رفضت السلطات المصرية السماح لأغلب اصدقائهم وأقارب الثلاثة من حضور الجنازة خشية أن تتحول لتعاطف مع الجماعة كما حدث في جنازات سابقة.

السيسي والإعدامات

استخدم السيسي خلال السنوات التالية للانقلاب عقوبة الإعدامات كنوع من الردع والتخويف والرسائل التحذيرية في بعض المرات، وكانت أحكام الإعدام بالجملة جزءًا من سياسات النظام وبموافقة القضاة، وخلال الفترة من 2013 إلى 2017، أصدر القضاء المصري في قضايا مختلفة سواء مدنية أو عسكرية، العديد من أحكام الإعدام وصلت قرارات الإحالة للمفتي، وهو إجراء استشاري وليس ملزمًا، في بعض الإحصائيات لنحو 1850 متهمًا، رفض المفتي بعضها، فيما صدرت أحكام أولية بالإعدام علي نحو 826 متهمًا، أغلبها غير نهائية، طالت الأحكام الرئيس الأسبق محمد مرسي، ووزراء وقيادات في جماعة الإخوان المسلمين، وتم إعادة النظر في أغلب تلك القضايا بعد رفضها من محكمة النقض.

وتعتبر المنظمات الدولية الأحكام الصادرة من القضاء المصري المدني والعسكري، انتهاكًا بينًا وأساسيًا للحق في المحاكمة العادلة الذي يكفله الدستور المصري والقانون الدولي، وطالبت هيومن رايتس ووتش بشكل مستمر بوقف عقوبة الإعدام، فيما ترى العفو الدولية عدم توافر شروط المحكمة العادلة في بعض المحاكمات.

والتزمت السلطات المصرية بتسليم أغلب القضايا السياسية الكبرى لدوائر قضائية بعينها يترأسها بعض المستشارين، من أبرزهم ناجي شحاتة وحسن فريد وشعبان الشامي ومعتز خفاجي، وجرت بعض الجلسات بشكل هزلي وخارج إطار الأعراف والنظم القضائية المصرية، كما أعلن بعض المستشارين فخرهم بإصدار أحكام بالإعدام سريعة، من أبرزهم المستشار ناجي شحاته الذي أثار العديد من علامات الاستفهام حول أدائه في المحكمة. حيث أصدر حتى 2016، نحو 204 حكمًا بالإعدام في خمس قضايا وعبر عن سعادته بلقب "قاضي الإعدامات". أما أغرب تلك الأحكام فكانت من المستشار سعيد يوسف، قاضي محكمة جنايات المنيا في صعيد مصر. حيث أحال إلى المفتي في 2014، أوراق 528 متهمًا دفعة واحدة، في أحداث قسم شرطة مطاي، إلا أن محكمة النقض أعادت القضية للنظر مرة أخرى. وقالت هيومن رايتس ووتش عن الحكم إن "السلطات المصرية تُنزل أحكام الإعدام بالناس كأنها توزع الحلوى. هذه الأحكام المروعة دليل إضافي على مدى تحطم نظام القضاء المصري". وهو ما يؤكد أن القضاء غير مستقل ويتدخل النظام السياسي في سير أحكامه. وكان السيسي، أعلن بشكل صريح رفضه لتأخر الأحكام، واستمرار قضايا الإرهاب لسنوات داخل أروقة المحاكم.

اعتقالات نهاية يناير

مع نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، بدأت حملة اعتقالات قبل أيام من تقديم التعديلات الدستورية للبرلمان ولكنها كانت مؤشرًا لبداية حملة اعتقالات وتضييق أمني مستمر، اعتاد المصريين عليه في المناسبات السياسية. وفي 29 كانون الثاني/يناير أعلنت وزارة الداخلية المصرية اعتقال 54 شخصًا في قضية اشتهرت باسم "تنظيم اللهم ثورة"، من بينهم المهندس يحيى حسين عبدالهادي العضو المؤسس بالحركة المدنية الديمقراطية، والمتحدث الرسمي السابق باسمها، والمعروف منذ عهد مبارك بأبرز الرافضين لبيع القطاع الخاص، وكان قد أعلن عن فساد بالملايين في صفقة بيع شركة "عمر أفندي".

بعدها بيوم واحد، تم اعتقال الصحافي أحمد جمال زيادة خلال عودته من خارج مصر، في 30 كانون الثاني/يناير، ولم تعلن السلطات المصرية عن سبب اعتقال الصحافي فور وصوله من تونس. وتم الاعتقال دون الإعلان عن أي لائحة اتهام، خاصة أنه كان يدرس في تونس منذ نحو 6 أشهر وعاد للقاهرة لتقديم أوراق تعيينه لنقابة الصحفيين المصرية. وسبق لزيادة أن اُعتقل من قبل لنحو 500 يومًا خلال تغطية أحداث جامعة الأزهر في 2013، حتى صدر قرار بإخلاء سبيله في 2015.

اقرأ/ي أيضًا: تعديلات جديدة لتمديد ولاية السيسي.. انقلاب على الدستور الخفي

لم يتوقف الأمر عند الاعتقال، إذ توسع إلى التضييق على أهالي المحتجزين السياسيين في سجن طرة الشهير، وبدأ التضييق منذ ثلاثة أيام مع أسرة  الناشط اليساري علاء عبدالفتاح. وقالت الدكتورة ليلي سويف والدة علاء، إن إدارة السجن رفضت على مدار يومين دخولهم لزيارته، بالرغم من وجود تصريح من النيابة، وحدث نفس الأمر مع أسرة كل من محمد القصاص نائب رئيس حزب مصر القوية، وعبد المنعم أبو الفتوح المرشح السابق ورئيس حزب مصر القوية. ونقل عبدالرحمن هريدي محامي القصاص وأبو الفتوح رفض إدارة السجن السماح بدخول الزيارة وسحبت التصاريح، وتقدمت زوجة محمد القصاص ببلاغ للنائب العام ووزير الداخلية عن طريق التلغراف، للمطالبة بالكشف عن أسباب المنع.

تعتبر المنظمات الدولية الأحكام الصادرة من القضاء المصري المدني والعسكري، انتهاكًا بينًا وأساسيًا للحق في المحاكمة العادلة الذي يكفله الدستور المصري والقانون الدولي

 حملة تكرر مثلها من قبل، لكنها قد تكون هذه المرة أكثر ضراوة، قبل استفتاء تسعى السلطات ألا يزعجها أحد خلاله، ليتوج السيسي نفسه، إمبراطورًا عسكريًا، وبالدستور.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"مشهلاتي" الحكومة.. برلمان مصر يستهزئ بالدستور