18-أكتوبر-2018

يتعامل ترامب مع السياسية كصفقة تجارية (Getty)

تقاطعت السياسة الخارجية السعودية التي لها تاريخ في الرشاوى السياسية، مع رئيس يتباهى بقبوله لهذه الرشاوى، ويحض الدول على دفعها، مرة بحجة الحماية، ومرة أخرى بحجة الاستحقاق. ولذلك، فإنه ليس من المستغرب كما يوضح بول والدمان في هذه المقالة المترجمة عن صحيفة واشنطن بوست، أن تكون العلاقات بين الرياض وواشنطن أقرب إلى كونها صفقة، منها إلى تفاعل دبلوماسي.


بقدر صعوبة مقاومة الكتابة عن حقيقة مفادها أن رئيس الولايات المتحدة وصف يوم الثلاثاء ممثلة الأفلام الإباحية التي كان يدفع لها رشوة لإسكاتها "بوجه الحصان"، فأنا أريد التركيز على جانبٍ مختلفٍ من هذه الرئاسة التي نشهد تجلياتها أمامنا الآن.

رغم فظاعة مقتل خاشقجي، إلا أن هذه الجريمة لا تعدو كونها الأحدث فقط ضمن قائمة طويلة من الانتهاكات السعودية التي اختارت الإدارات الأمريكية تجاهلها

بما أن مقتل جمال خاشقجي، الصحافي السعودي وكاتب مقالات الرأي في صحيفة واشنطن بوست، كما يبدو، يُعقد علاقاتنا مع المملكة العربية السعودية، علينا أن نسأل ما هي الآثار المترتبة على حصولنا على رئاسة تتعامل بشكل تام من خلال عقد الصفقات، ولا تستند فقط على "الصفقات" ولكن رئاسة تُحدَد سياستها وفق ما هو مفيدٌ ماليًا للرئيس.

يجب أن نبدأ بتذكير أنفسنا أنه رغم فظاعة مقتل خاشقجي، إلا أن هذه الجريمة لا تعدو كونها الأحدث فقط ضمن قائمة طويلة من الانتهاكات السعودية التي اختارت الإدارات الأمريكية، الديمقراطية والجمهورية على حد سواء، تجاهلها لعقود من الزمن. إن هذا البلد ينتهج ديكتاتورية وحشية لا تجسد أيًا من القيم التي نعتز بها كأمة، مثل الديمقراطية وحرية التعبير وحرية الصحافة وحرية الدين. لكننا قررنا منذ زمنٍ بعيدٍ أنه بما أن السعوديين يملكون قدرًا كبيرًا من النفط ويعتبرون حليفًا استراتيجيًا لنا في الشرق الأوسط ، فسوف نتجاهل كل ذلك.

هناك شيءٌ مثيرٌ للقلق في كون التدخل السعودي في الحرب على اليمن، والتي أودت بحياة الآلاف من المدنيين وفق ما أفادت به التقارير، قد تلقى دعمًا ثابتًا من الولايات المتحدة، في حين أن مقتل صحفي واحد يهدد بوضع حدٍ للعلاقة بين البلدين.

أو ربما قد تفكر على هذا النحو، غير أن الواقع هو كالآتي: ستنتهي هذه الأزمة، ليس فقط بسبب العلاقة المعقدة بين البلدين، ولكن أيضًا لأن كل شيءٍ في السياسة الخارجية في رئاسة ترامب أمرٌ شخصيٌ، وهو يحب السعوديين. ولماذا يحبهم إلى هذا الحد؟ لأنهم يدفعون له.

اقرأ/ي أيضًا: سجل سعودي طويل من القمع الممنهج.. خاشقجي ليس استثناءً

وهذا أمرٌ لا يخجل ترامب من التصريح به علنًا، مثل قوله "المملكة العربية السعودية، أنا أتفاهم معهم جميعًا. إنهم يشترون الشقق مني. وينفقون 40 مليون دولار، و50 مليون دولار"، وفي تصريح آخر أدلى به في تجمع في ألاباما في عام 2015 خاطب الحاضرين: "هل من المفروض أن أكرههم؟ أنا أحبهم كثيرًا".

يقول ترامب الكثير من الأشياء الصادمة ما يجعل من السهل في بعض الأحيان ألا تلاحظ أكثرها رعبًا، لكن اقرأ هذا مرة أخرى. هنا لديك مرشحٌ لرئاسة الولايات المتحدة، يقول إن لديه انطباع إيجابي تجاه بلد أجنبي لأنهم أعطوه ملايين الدولارات، ويعد بتشكيل السياسة الخارجية الأمريكية لتخدم مصالحها لهذا السبب بالذات. "هل يفترض أن أكرههم؟" هكذا تساءل ترامب، مضيفًا: كيف يمكن أن أكرههم بينما يدفعون لي؟

تجدر الإشارة أن الأمر لا يتعلق ببيع الشقق فحسب. فقد باع ترامب العديد من العقارات للسعوديين، واستثمر السعوديون في مشاريع ترامب. وكما جاء في تصريح ديفيد فهرنتهولد وجوناثان أوكونيل: "استمر إبرام الصفقات التجارية مع العملاء ذوي الصلة بالسعوديين بشكل ملحوظ، بعد فوز ترامب بالرئاسة. أنفقت جماعات الضغط من السعوديين 270 ألف دولار في العام الماضي لحجز غرفٍ في فندق ترامب في واشنطن. هذا العام فقط، سجلت فنادق ترامب في نيويورك وشيكاغو ارتفاعًا ملحوظًا في حجوزات الزوار السعوديين".

وهذا بالضبط هو ما جعل واضعي الدستور يضيفون حكمًا ينص على أنه لا يجوز لا للرئيس ولا غيره من المسؤولين "قبول أي هدايا أو أجر، أو مسؤولية أو لقب شرف، أو أي شيءٍ مهما كان، من أي ملك أو أمير أو دولة أجنبية". إذا قامت دولة أجنبية بوضع أموال في جيب الرئيس بشكل مستمر، كيف يمكن أن نثق بأن القرارات التي يتخذها ستكون لتحقيق المصالح القصوى للولايات المتحدة وليس لفائدة حسابه المصرفي؟

يخص هذا ترامب أكثر مما يخص أي رئيسٍ آخر في التاريخ الأمريكي. فقد كرس حياته كلها لجمع الثروة، كما لو لم يكن هناك هدفٌ آخر ينبغي على أي شخص أن يفكر في البحث عنه (يقول ترامب: "كنت طيلة حياتي جشعًا، جشعًا، جشعًا. لقد أمسكت بكل الأموال التي كان بإمكاني الحصول عليها، انأ جشعٌ جدا"). وقد عمل على ضمان استمرار مشاريعه التجارية عند توليه منصبه، مع توفير السبل للراغبين في مواصلة إثرائه، للقيام بذلك. وهو يرفض الكشف عن إقراراته الضريبية، ولهذا لا نملك أدنى فكرة عن حجم ثروته ومن أين يحصل عليها.

اقرأ/ي أيضًا: كيف شغلت الإمارات دحلان لتوظيف مليشيات مرتزقة أمريكية وإسرائيلية في اليمن؟

ولكنه كتب في تغريدة في في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2018: "للتذكير، ليس لدي أي مصالح مالية في المملكة العربية السعودية (أو روسيا، بالمناسبة). وأي إشارة إلى خلاف ذلك، مجرد مزيد من الأخبار المزيفة (التي يوجد منها الكثير)!". هذا هو نفس الادعاء الذي صرح به ترامب فيما يتعلق بروسيا، ونفس النوع من المراوغة. القضية ليست فيما إذا كان لترامب مصالح في المملكة العربية السعودية، وإنما هل تملك المملكة العربية السعودية مصالح معه، وتمامًا مثلما هو الحال مع روسيا، فهم لديهم مصالح.

إذا كنتَ مكان السعوديين، فالأمر الجيد في ترامب، هو أنه يفتقر إلى أي دهاء على الإطلاق، ومن ثم ليس عليك أن تفكر كثيرًا كيف يمكنك الاقتراب منه. لقد قال صراحةً إن طريقة كسب وده هي أن تمنحه المال. وقد هيأ لك الوسائل الكفيلة للقيام بذلك؛ كشراء العقارات التي يملكها والإقامة في فنادقه. وبتضافر نرجسيته وقلة ثقته،  وجه له دعوة لزيارة بلدك وامنحه ميدالية ذهبية، وسيكون صديقك إلى الأبد.

يتعين على كل رئيسٍ أن يوازن بين الرغبة في احترام القيم الأمريكية وبين مصالح أخرى أكثر فظاظة، مثل ما إذا كانت دولة ما ستشتري الأسلحة منا، وهو ما أشار ترامب أيضًا إلى أنه سبب يبرر وجوب عدم معاقبة المملكة العربية السعودية على قتل جمال خاشقجي (على الرغم من أنهم في الواقع لا يشترون ما يدعيه ترامب). لكن من الواضح أن ترامب  هو وحده من يحصل على أرباح مباشرة وكبيرة من دول أخرى، وترامب وحده هو من يقول بوضوح إنك إذا دفعت له فسوف يفعل ما تريد. قد لا يكون هذا قد غيّر الموقف الأمريكي من السعودية حتى الآن، لكن ليس لدينا أي فكرة عما سيأتي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

اليمن على حافة المجاعة.. التحالف السعودي يحول البلاد إلى مقبرة

حرب اليمن المنسية.. البطش السعودي مستمر