14-مارس-2020

علاقة مضطربة بين الرياض والمجلس الانتقالي الجنوبي (Getty)

بعد أن منع التحالف الذي تقوده الرياض، قيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي، من العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن جنوبي اليمن، ظهر الناطق الرسمي باسم المجلس نزار هيثم في بيان له، بالبزة العسكرية في تهديد غير مباشر للتحالف، مطالبًا قواتهم وجماهيرهم بضبط النفس حتى يستوضح من التحالف سبب احتجازهم.

تبقى الإمارات كما يتداول ناشطون وسياسيون في حكومة هادي، أكثر المستفيدين من تعثر اتفاق الرياض، والمماطلة في إنجاز كامل بنوده، رغم أنه يشرعن انقلاب ميليشياتها على الحكومة

وبحسب بيان المجلس فإن القياديين الممنوعين من العودة، هم ناصر الخبجي وعبدالرحمن شيخ ونيس الشرفي، إضافة لمدير أمن عدن شلال شايع والناشط الإعلامي مختار اليافعي، حيث رفض التحالف منح الطائرة التي سوف تقلهم إلى عدن تصريح الهبوط في مطار الملكة علياء بالعاصمة الأردنية عمان. وطالب هيثم من التحالف تقديم توضيحات حول ما حدث وتحت أي مبرر يتم منعهم من العودة، مشيرًا إلى أن ذلك سيترتب عليه انعكاسات داخلية على جميع الأصعدة بما في ذلك على ما قال إنها "جهود إحلال السلام".

اقرأ/ي أيضًا: ما مستقبل التواجد الإماراتي في اليمن بعد اتفاق الرياض؟

وتشير تصريحات هيثم التي حملت تهديدات مبطنة، إلى أن علاقة التحالف والانتقالي تمر بأسوأ مراحلها، فمنع التحالف لقيادات الانتقالي من العودة الى عدن جاء بعد أن وصل إلى طريق مسدود مع المجلس لتنفيذ اتقاق الرياض. وتكشف تصريحات الناطق باسم المجلس الانقلابي، بحسب مراقبين، أنه يسعى  للتصعيد العسكري في المحافظات اليمنية الجنوبية، في تحدٍ واضح للتحالف ولبنود اتفاق الرياض، الآيل إلى الانهيار أصلًا، وهو ما يتوافق مع تصريحات السكرتير الخاص لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزُبيدي، عبدالعزيز الشيخ. حيث قال في تغريدة له على تويتر إن "المجلس الانتقالي  تعامل بصدق وإخلاص ووفاء مع التحالف"، مضيفًا "أنهم  لن يقبلوا أن يكون الوفاء والصدق والإخلاص على حساب قضيتهم وتضحياتهم وحريتهم على أرضهم".

وعقب حملة إعلامية واجهتها السعودية من ناشطين ومسؤولين في المجلس الانتقالي، أكد السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر أن قيادة وأعضاء المجلس يحضون بالاحترام والتقدير في المملكة وعلى كافة المستويات، في محاولة لرد الاعتبار للمجلس وتهدئة الأوضاع. وقال آل جابر إن المملكة تعمل وبكل ما يمكن من جهود مع طرفي اتفاق الرياض لتنفيذه من أجل تحقيق ودعم الأمن والاستقرار والتنمية. غير أن المساعي السعودية، لا تحظى بكثير من الثقة، ليس فقط في أوساط  المجلس الانقلابي المدعوم من أبوظبي، ولكن بالنسبة لكثير من الناشطين والمراقبين، ممن يرون أن مفاوضات الرياض تخضع لمسار معقد من المصالح السعودية الإماراتية، التي تتوافق في حين وتتعارض في آخر.

لماذا يمنع التحالف عودة قيادات الانتقالي؟

بقيت قوات الجيش الوطني التابعة لحكومة هادي، والمحسوبة على حزب الإصلاح، تدافع عن الحدود السعودية خلال السنوات الماضية، في وجه زحوفات الحوثيين المتكررة، لكن خلال الأسابيع الماضية، حققت الميليشيات التي يُرجح على نطاق واسع أنها مدعومة من طهران، تقدمات ميدانية في محافظات الجوف وصعدة وحجة، بعد انسحاب الآلاف من قوات هادي من جبهات القتال الحدودية مع السعودية، ناهيك عن انسحاب الجيش الوطني من مديرية الحزم مركز محافظة الجوف التي سيطر عليها الحوثيون في الأيام الماضية، ما يعني فتح المزيد من الجبهات القتالية في المناطق الحدودية للمملكة.

بعد أن تواطأت الرياض في تسليم محافظة عدن إلى الانفصالين المدعومين من أبوظبي، ناهيك عن توجه التحالف نحو السيطرة على موانئ اليمن ومراكزه الحيوية، شعرت حكومة هادي وقوات الجيش الوطني الذي تعرض لعدة غارات من قبل طيران التحالف، بأنهم يقاتلون على الأرض لتحقيق مصالح السعودية والإمارات، ناهيك عن الشعور العام في أوساط حكومة هادي وحزب الإصلاح جناح الإخوان المسلمين في اليمن، بخيبة أمل من الخطوات السعودية، التي لم تتمكن من تنفيذ الاتفاق الموقع بين الحكومة والانتقالي، على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أشهر على توقيعه، وهو ما بدا أنه يغير في شكل الاصطفاف داخل اليمن، على عكس ما تريد الرياض.

حيث تتوالى الانسحابات الحكومية لصالح الحوثيين، في مختلف جبهات القتال، ما يجعل مؤشر القوة يتجه نحو الميليشيات التي تسيطر على صنعاء، التي تستهدف قواتها الصاروخية والبرية العمق السعودي، ما يجعل المملكة تواجه تهديدات محتملة، في حال تمكن الحوثيون من السيطرة على مأرب والجوف والمحافظات اليمنية الأخرى.

وتحاول الرياض الضغط على الانتقالي لتنفيذ اتفاق الرياض، ولو حتى في جزءٍ بسيط من بنوده، لإعادة الاعتبار لنفسها أمام القوات الحكومية، ولكي تعيد إظهار صورتها، كشريك أساسي في تقرير مصير البلاد. وكان منع قيادات في الانتقالي من العودة إلى عدن بمثابة فرصة للضغط، حسب آراء عديدة، لكن هذا الإجراء بحسب ما يقول سياسيون يمنيون، لن يغير من الواقع كثيرًا، في حال لم تمارس الرياض ضغوطات فعلية على المجلس المدعوم من أبوظبي، لإنجاز الاتفاق بشكل كلي.

 ورعت السعودية في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي اتفاقًا بين الحكومة والمجلس الانتقالي، لإنهاء الأزمة وتهدئة الأوضاع في عدن، على خلفية سيطرة قوات المجلس على العاصمة المؤقتة عدن في العاشر من آب/أغسطس الماضي.

وعقب تلويح الانتقالي بالتصعيد العسكري دعت الرياض في بيان للخارجية السعودية نشرته وكالة واس الرسمية، الحكومة والانتقالي، إلى تقديم المصلحة العليا وإيقاف التصعيد والمهاترات الإعلامية، والعمل معها لحل الخلافات التي تواجه تنفيذ الاتفاق. وأكدت أنها تسعى لتنفيذ الاتفاق الذي ما يزال حبرًا على ورق، والذي يرى ناشطون يمنيون أنه شرعن انقلاب الانتقالي على الحكومة، وأعطى تحالف الرياض وأبوظبي سلطة مطلقة على سيادة اليمن من خلال إشرافهما على تنفيذ الاتفاق، ما تجسد حاليًا في منع قيادات الانتقالي من العودة إلى اليمن، بالإضافة إلى منع العديد من القيادات في حكومة هادي من العودة إلى البلاد خلال الأشهر الماضية، ناهيك عن أن الرئيس عبدربه منصور هادي هو الآخر يخضع للإقامة الجبرية في السعودية، بحسب ما يردده مسؤولون في حكومته.

رحبت الحكومة اليمنية ببيان الخارجية السعودية، مجددة التزامها وحرصها الكامل على تنفيذ اتفاق الرياض، وفق ما أوردته وكالة الأنباء اليمنية سبأ. وفي السياق ذاته أكد  وزير النقل صالح الجبواني، أن الوضع في مدينة عدن لا يُحتمل بل إن الأمر وصل إلى تهديد المملكة، حسب وصفه، في إشارة إلى بيان الناطق باسم الانتقالي نزار هيثم.

ووصف الجبواني في تغريدة على حسابه بتويتر، البيان السعودي بـ"الإيجابي"، مؤكدًا أن ما يجري في عدن من قبل مليشيات الانتقالي، يجعل الحكومة تبارك وتدعم أي خطوة تقوم بها السعودية في سبيل الوصول لنزع السلاح وإخراج الميليشيات.

اقرأ/ي أيضًا: خروقات المجلس الانتقالي في جنوب اليمن.. اتفاق الرياض الذي ولد ميتًا

في المقابل، بدأ تصعيد الانتقالي يلوح في الأفق، من خلال حديث القيادي العسكري التابع للمجلس عبدالناصر البعوة المعروف بـ "أبوهمام اليافعي"، الذي اتهم التحالف بنهج سياسة الكيل بمكيالين، وأيضًا الفشل في تنفيذ اتفاق الرياض. ودعا في فيديو مصور من على متن مدرعة عسكرية جميع التشكيلات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي إلى الاستجابة لما أسماه بالبيان رقم (1) معلنُا غلق الحدود مع المحافظات اليمنية الشمالية.

بدأ تصعيد الانتقالي يلوح في الأفق، من خلال حديث القيادي العسكري التابع للمجلس عبدالناصر البعوة، الذي اتهم التحالف بنهج سياسة الكيل بمكيالين، وأيضًا الفشل في تنفيذ اتفاق الرياض

الإمارات التي شكلت الانتقالي ودعمته بالمال والسلاح، وعقب سحب قواتها من مواقع يمنية متفرقة واستبدالها بميليشيات موالية لها تحت قيادة المجلس، أكدت دعمها لجهود المملكة لتطبيق اتفاق الرياض، لكنها تبقى كما يتداول ناشطون وسياسيون في حكومة هادي، أكثر المستفيدين من تعثره.