30-أكتوبر-2019

تجند الإمارات عددًا كبيرًا من الميليشيات المحلية في اليمن (تويتر)

هل سحبت الإمارات قواتها من اليمن؟ هل تخلت أبوظبي عن طموحاتها في الجنوب؟ وهل سينهي اتفاق الرياض التمرد الجنوبي على الشرعية، أم هو تشريع لانقلاب عدن ومليشيات الإمارات؟

تؤكد الرئاسة اليمنية أن اتفاق الرياض يحفظ وحدة وسيادة وأمن واستقرار اليمن وسلامة أراضيه، لكن مراقبين يرون أن هذا الاتفاق سلب البلاد استقلالها لصالح الإمارات والسعودية

هذه التساؤلات وأسئلة أخرى عديدة لا تنفك تجوب في وجدان اليمنيين، حول الوضع في جنوب البلاد، بعد مرور أكثر من شهر على انطلاق المفاوضات بين الحكومة الشرعية، والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي في مدينة جدة السعودية والذي توصل إلى اتفاق سربت الكثير من بنوده، ووقع عليه حرفيًا الخميس الماضي، لكن تطبيقه على الأرض، ما زال يلاقي تحديات كبيرة، بينما يأمل اليمنيون أنه سينهي الخلاف في الجنوب، إن لم تصمم أبوظبي على تنفيذ أهدافها.

اقرأ/ي أيضًا: حرب الإمارات ضد الشرعية اليمنية

ما حقيقة الانسحاب الإماراتي من اليمن؟

سحبت أبوظبي قواتها من مدينة عدن العاصمة المؤقتة وسلمت المراكز التي كانت تديرها للقوات السعودية، التي تسلمت المشهد في الجنوب، وخلال الأيام الماضية سحبت الإمارات قواتها من ميناء ومطار عدن ومقر التحالف في المدينة ذاتها ومن قاعدة العند الجوية بمحافظة لحج، ومن محافظة أبين، بالإضافة إلى إعادة بعض القوات من مواقع عسكرية وسحب معدات قتالية من محافظات الضالع والحديدة وحضرموت وتعز ومن مناطق أخرى.

يأتي هذا الانسحاب بعد مطالبة الحكومة بإعفاء الإمارات من التحالف، بعد مساندتها للانتقالي في الانقلاب على الحكومة والسيطرة على عدن في آب/أغسطس الماضي.

وبحسب مصادر إعلامية يمنية، فإن القوات الإماراتية استكملت بشكل شبه كامل إخلاء مواقع تمركزها في محافظتي عدن ولحج، لكن قائد التحالف في عدن العميد راشد الغفلي، بالإضافة إلى ضباط رفيعين من القوات الإماراتية ما يزالون متواجدين في مقر التحالف هناك.

لم تعلن الإمارات حتى الآن رسميًا سحب قواتها من اليمن، رغم أنها أعلنت مرتين قبل هذه المرة نيتها الانسحاب من البلاد، بعد أن أدارت الوضع الأمني والعسكري في الجنوب خلال السنوات الماضية، ولديها معسكرات وسجون سرية في مناطق مختلفة. ولا يرجح مراقبون أنها ستتخلى عن طموحاتها وأحلامها في التحكم بطرق التجارة من خلال السيطرة على الموانئ اليمنية، ويعتبرون خروجها هذه المرة مسرحية هزلية لا تختلف عن سابقاتها، في خداع واضح للحكومة من أجل التوقيع على الاتفاق.

ما تزال الكثير من القوات الإماراتية، موجودة على الأراضي اليمنية في محافظة شبوة جنوب شرقي البلاد وفي مديرية المخاء بمحافظة تعز جنوب غربي اليمن، وأيضًا في محافظة حضرموت وجزيرة سقطرى، بالإضافة إلى أن قيادة القوات الإماراتية لم تغادر عدن. 

ليس هذا فقط، فالإمارات دربت الآلاف من المليشيات المسلحة في اليمن وتخضع لسيطرتها بشكل مباشر، أبرزها قوات الحزم الأمني والنخب الشبوانية والحضرمية في المحافظات الجنوبية، بالإضافة إلى ألوية العمالقة والمقاومة الوطنية في محافظة الحديدة غربي البلاد، وأيضًا كتائب أبو العباس في مدينة تعز.

من ضمن بنود اتفاق الرياض، دمج هذه القوات تحت إطار وزارتي الدفاع والداخلية، لكن تحالف الرياض وأبوظبي هو من سيشرف على إعادة تشكيل الجيش، ولن تقبل هذه القوات بالانضمام تحت إطار الشرعية، وحتى الإمارات لن تتخلى عنها بسهولة، وخصوصًا قوات المقاومة الوطنية التي يقودها طارق صالح، وكتائب أبو العباس.

ويرى عديدون أن مغادرة الإمارات لليمن، ليست سوى خطوة للهروب من من التبعات المترتبة على نتائج الحرب مستقبلًا، كما أنها استراتيجية جديدة تنتهجها الإمارات لضرب الشرعية مرة أخرى. وحتى وإن غادرت بعض القوات الإماراتية من الجنوب، فستبقى إلى جانب الرياض للإشراف على تنفيذ اتفاق الرياض، وسيكون لها تأثير كبير على قرارات الحكومة، في السلم والحرب.

ويرى آخرون أن بقاء القوات الإماراتية  أو انسحابها لن يغير كثيرًا من وضع المليشيات المسلحة في الجنوب، إن لم توقف كافة أشكال الدعم لها وتقطع علاقتها معها بشكل كامل.

في سياق متصل، يشترط أحد بنود الرياض خروج ألوية الحماية الرئاسية من عدن وقوات أخرى تابعة للانتقالي ذراع الإمارات في الجنوب، بالإضافة إلى عودة القوات التابعة للحكومة الشرعية المتمركزة في أبين، إلى معسكراتها في شبوة ومأرب، ما يعني أن القوات التي ستتولى إدارة الجنوب، هي قوات الحزام الأمني وقوة مكافحة الإرهاب، لكنها ستدخل في قوالب جديدة مثل قوات الشرطة والنجدة وحماية المنشآت، وكل ما سيتغير هو القادة والمسميات.

وكانت وصلت العديد من الألوية العسكرية السعودية إلى عدن خلال الأيام الماضية، وتسلمت المواقع والمنشآت من القوات الإماراتية. من جهته أعلن التحالف إعادة تموضع قواته في عدن، لتكون بقيادة السعودية وإعادة انتشارها، وفق متطلبات العمليات الحالية. وبحسب وكالة واس السعودية فإن إعادة التموضع تأتي في إطار جهودها المستمرة لتنسيق خطط العمليات العسكرية والأمنية في اليمن وتعزيز الجهود لتأمين الممرات المائية المتاخمة للسواحل اليمنية عمومًا، ومكافحة الإرهاب على كامل الأراضي اليمنية.

اتفاق الرياض.. شرعنة للانتقالي وإعادة الاعتبار للشرعية

أعطى الاتفاق للانتقالي حقائب وزارية، ومراكز حكومية كبيرة، وحقق له نجاحات لم يكن يحلم بها، لكن الاتفاق إن نجح تطبيقه على الأرض دون تلاعب، ووجدت النوايا الصادقة لإنهاء الخلاف، سينهي الصراع بين الطرفين. غير أن الانتقالي يرى منه "خطوة استراتيجية"، لتحقيق مشروعه وأهدافه المتمثلة في الانفصال والاستقلال، بحسب المتحدث باسم المجلس نزار هيثم.

حديث هيثم في بيان له تعليقًا على اتفاق الرياض، يؤكد تمسك الانتقالي بأهدافه الانفصالية، وطموحه في الاستقلال، وليس اتفاق الرياض إلا مركبًا ينتقل عبره إلى شاطئ تلك الطموحات.

يقضي الاتفاق الذي وقع عليه حرفيًا، بتشكيل حكومة وحدة وطنية مناصفة بين الجنوب والشمال وعودة الحكومة الشرعية إلى العاصمة المؤقتة عدن، بالإضافة إلى دمج التشكيلات العسكرية في إطار وزارتي الدفاع والداخلية، بالإضافة إلى تعيين محافظين لمحافظات الجنوب، ومسؤولين أمنيين وإداريين في عدد من المراكز الحكومية. وسيكون للانتقالي 50 بالمئة من هذه التعيينات، وستمكنه من الدخول إلى عمق الحكومة، سياسيًا وعسكريًا وإداريًا.

يصب الاتفاق لصالح الانتقالي، وقد فتح له الطريق للتغلغل إلى عمق الدولة، وأتاح له فرصة للظهور محليًا ودوليًا، ويتخوف متابعون أن  المجلس سيعمل على مجاراة الرئيس عبدربه منصور هادي والتحالف، حتى التمكن من بسط سيطرته على الحكومة والجيش وكسب علاقات دولية، ثم ينفذ عملية انقلاب أخرى في حال اختلف الطرفان حتى على المدى البعيد.

فبعد أن اعترض وزيرا الداخلية والنقل في الحكومة اليمنية، أحمد الميسري وصالح الجبواني، اللذان وصلا خلال الأيام الماضية إلى مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة، على اتفاق الرياض، تعرض الرجلان لمحاولة اغتيال بزرع عبوة ناسفة، قرب مقر إقامتهما في عتق.

يوجه اليمنيون أصابع الاتهام نحو أبوظبي، خصوصًا بعد توجيههما انتقادات حادة للإمارات. وكان الميسري قد أعلن رفضه لأي  اتفاق مع الانتقالي، مؤكدًا "أن مشروع الإمارات في اليمن قد سقط".

وخلال لقاء تشاوري عقده الميسري مع شخصيات ومراجع قبلية في مدينة "عتق"، اعتبر اتفاق الرياض مكافأة للانتقالي. فعودة الحكومة الشرعية إلى عدن لن تكون إلا بتوليها السيطرة الكاملة على المحافظة، بحسب حديث المسيرى، مؤكدًا "لا نريد حكومة شقها يتحكم به السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر وأخرى يتحكم فيها ضابط إماراتي".

تؤكد الرئاسة اليمنية أن اتفاق الرياض، جاء وفق القرارات الأممية ومخرجات الحوار الوطني ويحفظ وحدة وسيادة وأمن واستقرار اليمن وسلامة أراضيه، لكن مراقبين يرون أن هذا الاتفاق سلب البلاد استقلاله وأعطى للرياض وأبوظبي الشرعية في إدارته والتحكم بمصيره.

ردود الفعل

وفي ذات السياق أعلن حزب التجمع اليمني للإصلاح، ترحيبه باتفاق الرياض، وبحسب عدنان العديني نائب رئيس الدائرة الإعلامية في الإصلاح، فإن الحزب "مع أي خطوة من شأنها تعزيز السلام واستبعاد العنف كوسيلة تعبير عن المطالب السياسية أو الاجتماعية". من جهته اعتبر مستشار الرئيس هادي عبدالملك المخلافي، أن اتفاق الرياض إيجابي يعزز الشرعية وجهود استعادة الدولة.

اقرأ/ي أيضًا: غراميات السعودية والقاعدة في اليمن.. حنين إلى مظلة بريجنسكي

من جانب آخر عبرت خمسة مكونات جنوبية عن اعتراضها على آلية المشاورات بين الحكومة اليمنية، والمجلس الانتقالي، وطالب مجلس الحراك الثوري، ومؤتمر حضرموت الجامع، ومرجعية حلف قبائل وادي حضرموت، بالإضافة إلى الإئتلاف الوطني الجنوبي، وتكتل الحراك السلمي المشارك في الحوار الوطني، برسائل بعثتها للرئيس هادي، بإشراكها في أي حلول سياسية تتعلق بجنوب اليمن ورفضها أن يكون الانتقالي الجنوبي الممثل الوحيد للقضية الجنوبية.

يرى عديدون أن مغادرة الإمارات لليمن، ليست سوى خطوة للهروب من التبعات المترتبة على نتائج الحرب مستقبلًا

وفي مواقع التواصل الاجتماعي أطلق ناشطون يمنيون حملة إلكترونية تحت وسم #اتفاق_جده_مرفوض، فهو بحسب تعبيرهم شرعنة لانقلاب عدن، بالإضافة إلى أنه يعطي التحالف غطاء دوليًا للتحكم بالقرار اليمني.