27-يوليو-2019

القصف الروسي يتواصل على إدلب وريف حماة الشمالي (Getty)

الترا صوت- فريق التحرير

تقترب الحملة البرية والجوية لميليشيات النظام السوريّ وحليفته روسيا على محافظة إدلب وريف حماة الشمالي، آخر معاقل المعارضة المُسلّحة، من إنهاء شهرها الثالث دون تحقيق غايتها: السيطرة على ريف حماة الشمالي، باعتباره خطّ الدفاع الأول عن المحافظة الوحيدة الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة. الحملة التي جاءت بعد حملتين سابقتين على الشمال المُحرّر منذ توقيع اتفاقية سوتشي بين الأتراك والروس، والتي قضت بإقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل مناطق المعارضة عن مناطق سيطرة النظام، فقدت في الأسابيع الأخيرة زخمها، وتحوّلت إلى عبءٍ كبيرٍ على روسيا التي زجّت مؤخّرًا بقواتٍ برّية لقلب موازين المعركة، وحفظ ما تبقّى من ماء وجهها، دون نجاحٍ يُذكر.

تقترب الحملة البرية والجوية لميليشيات النظام السوريّ وحليفته روسيا على محافظة إدلب وريف حماة الشمالي، آخر معاقل المعارضة المُسلّحة، من إنهاء شهرها الثالث دون تحقيق غايتها

إرسال روسيا جزءًا من قوّاتها البرّية إلى جبهات ريف حماة، يعكس حجم إخفاقها في إدارة معركةٍ بدت لها، وللوهلة الأولى، سهلة. ناهيك عن ثقتها باستحالة إحراز الميليشيات التي تدعمها لأيّ تقدُّمٍ ملموسٍ على جبهات القتال. فبعد السيطرة على بلدتي كفرنبودة وقلعة المضيق وقُرى صغيرة ليست لها أي أهمية استراتيجية تُذكر، فشلت هذه الميليشيات، وعلى مدار شهرين تقريبًا، في التقدّم على أي محور قتال آخر. في المقابل، تمكّنت فصائل المعارضة المسلّحة المنضوية في غرفة عمليات "الفتح المُبين"، من السيطرة على بلدتي الجبين وتل ملح الاستراتيجيتين، لتقطع بذلك طريق الإمداد بين محردة والسقيلبية، وتنقل المعركة من مناطقها إلى مناطق النظام.

اقرأ/ي أيضًا: إدلب على خط النار.. النظام يصعد عسكريًا ويجبر الآلاف على النزوح

سَيْطرة الفصائل على الجبين وتل ملح دفعت ميليشيات النظام وروسيا لسحب جزءٍ من قواتهما المتمركزة على محور بلدة كفرنبودة باتّجاه البلدات القريبة من البلدتين المذكورتين بهدف استعادتهما، ولكنّ هجماتها قُوبلت بمقاومةٍ شرسة من الفصائل. وتزامن فشلها هذا مع فشلٍ مُشابه في جبهات جبال ريف اللاذقية، وفتح فصائل "الفتح المُبين" محور قتالٍ آخر باتّجاه بلدة الحماميات وتلّتها الاستراتيجية التي عجزت عن السيطرة عليها في السنواتٍ السابقة، بعد أن حوّلها النظام إلى قلعةٍ عسكرية مُحصّنة. وبالتالي، شكّل سقوط الحماميات بيد الفصائل ضربة موجعة للنظام وداعمه الروسيّ، ولم يشكّل انسحابها منها فيما بعد فارقًا يُذكر لجهة سير المعارك، وإنّما زاد من إرباك ميليشيات الأسد المُفكّكة، وضاعف من فشل روسيا وإخفاقها في قلب موازين المعركة لصالحها.

وعلى عكس ميليشيات الأسد التي ظهرت مُفكَّكة ومُنهكة وغير منسجمة، بدت الفصائل أكثر انسجامًا والتحامًا مما سبق، وأظهرت قدرات عالية على صدّ هجمات النظام المُباغتة. أضف إلى ذلك أنّها قامت في الأسابيع الأخيرة باستباق هجماته بقصف تجمّعاته بعد الحصول على معلوماتٍ مسرّبة من داخل ميليشياته تكشف نواياها وأهدافها. وتتّبع الفصائل المُنخرطة في غرفة عمليات "الفتح المُبين"، وهي جيش العزّة، والجبهة الوطنية للتحرير، وهيئة تحرير الشام، بالإضافةإلى  فصائل تابعة للجيش الوطني العامل في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون؛ تكتيكات مُختلفة تتماشى مع طبيعة المعركة.

اللجوء إلى الصواريخ المضادّة للدروع (تاو، كونكرس، كورنيت) لصدّ هجمات ميليشيات النظام، بات تكتيك المعارضة الأبرز في جبهات ريف حماة. جغرافيا وتضاريس المنطقة مكّنت الفصائل من إعاقة تقدّم الميليشيات من خلال عطب آلياته، واستهداف مقاتليه بشكلٍ مُباشر. وتقول إحصائيات الفصائل أنّها تمكّنت، منذ مطلع أيار/مايو وحتّى منتصف حزيران/يونيو، من تدمير 31 دبابة، و11 مدفعًا ثقيلًا، و11 عربة مدرّعة، و29 سيارة عسكرية، و10 رشّاشات متوسّطة، و11 قاعدة "م/ د"، و14 راجمة صواريخ، بالإضافة إلى مدفع أكاسيا مجنزر. وعدا عن تكتيك الصواريخ، لجأت الفصائل إلى نصب الكمائن لجنود النظام، والإغارة السريعة على مواقعهم بدلًا من المواجهات المُباشرة. هكذا، أوقعت بين هذين التكتيكين أكثر من 850 قتيلًا، وما يزيد عن 1500 جريح.

إذًا، تحوّل ريف حماة الشمالي إلى محرقةٍ لجنود الأسد، والميليشيات المدعومة من روسيا التي تُحاول التنصّل من المعركة دون الاعتراف بهزيمتها. ويعتقد بعض المهتمّين بالشأن السوريّ أنّ أنظار فلاديمير بوتين تتّجه نحو اللقاء المرتقب بينه وبين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني حسن روحاني، لعلّه يكون وسيلة للتنصّل من المعركة، وتحميل النظام مسؤوليتها، بما في ذلك هزيمتها المريرة.

اقرأ/ي أيضًا: إدلب من جديد.. هل سيكرر الأسد "جحيم" حلب؟

الطائرات الحربية الروسية في الشمال المُحرّر... الدم لطمس ملامح الهزيمة

فشلت روسيا في حملتها على محافظة إدلب وريف حماة الشمالي من تكرار سيناريو حلب والغوطة الشرقية، إذ إنّها لم تتمكّن من إحراز أي تقدّمٍ ملموسٍ في المنطقة. في المقابل، لم يعد خافيًا أنّها نجحت في تكراره لجهة العنف والمذابح اليومية والاستهداف الناري الكثيف للحاضنة الشعبية من أجل الضغط على الفصائل. حيث إنّ الحملة التي بدأت في الـ 30 من نيسان/أبريل الفائت، هي في الواقع حملتان، تستهدف الأولى فصائل المعارضة ومواقعها، بينما تستهدف الحملة الثانية تجمّعات المدنيين. وعلى مدار أكثر من شهرين ونصف من العنف المتواصل، قُتل ما لا يقلّ عن 1200 مدني، بينهم أكثر من 300 طفل، في غاراتٍ جوية عنيفة بلغت ذروتها مطلع الأسبوع الحالي بارتكاب الطائرات الحربية الروسية يوم الإثنين، 22 تموز/يوليو، مجزرةً باستهدافها سوقًا شعبيًا في مدينة معرة النعمان، راح ضحيتها أكثر من 60 قتيلًا، وما يزيد عن 100 جريح.

تتناوب طائرات النظام وروسيا على استهداف الأرياف الشرقية والجنوبية لمحافظة إدلب، والأرياف الشمالية والغربية لريف حماة. ليبلغ عدد الضحايا خلال الأيام الأربعة الأخيرة ما لا يقلّ عن 150 مدنيًّا!

وتتناوب طائرات النظام وروسيا على استهداف الأرياف الشرقية والجنوبية لمحافظة إدلب، والأرياف الشمالية والغربية لريف حماة. ليبلغ عدد الضحايا خلال الأيام الأربعة الأخيرة ما لا يقلّ عن 150 مدنيًّا، نالت مدينة معرة النعمان التي تتعرّض لقصفٍ يوميّ متواصل حصّة الأسد بأكثر من 80 قتيلًا، وهو ما دفع الاتّحاد الأوروبيّ، وعبر بيان صادر عن المفوضية الأوروبية، لوصف الحملة الأخيرة على المنطقة بأنّها الأكثر دموية منذ بداية الحملة نهاية نيسان/ أبريل الفائت.

وفي هذا السياق، نشر "فريق منسقو الاستجابة" في الشمال السوريّ المحرّر إحصائية أكّد فيها أنّ عدد النازحين من مناطق ريف إدلب الجنوبي والشرقي وجبل الزاوية وريف حماة الشمالي، بلغ 670,837 نازحًا يعيش أغلبهم في مخيمات أُقيمت على عجل على الحدود التركية – السورية. وأنّ عدد المنشآت المستهدفة 233 منشأة من البنى التحتية الحيوية. وأشار الفريق إلى وجود 36 قرية وبلدة مدمّرة بشكلٍ كامل وشبه كامل. ناهيك عن 58 قرية وبلدة خالية من السكّان بعد نزوح أهلها بشكلٍ كامل منها بفعل القصف واستهدافها المتواصل من قبل طائرات النظام وروسيا.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تغييرات كبيرة.. هل سيطرت روسيا على أجهزة النظام السوري الأمنية؟

مسرح الجريمة بيد النظام السوري.. ما مصير التحقيق بشأن الهجمات الكيماوية؟