18-مايو-2019

تواجه إدلب مصيرًا مجهولًا (Getty)

الترا صوت - فريق التحرير

حذرت الأمم المتحدة خلال جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي حول آخر التطورات العسكرية التي تشهدها محافظة إدلب في شمال غرب سوريا من أن التصعيد العسكري قد يؤدي إلى تشريد أكثر من 180 ألف مدني، فيما لا يزال النظام السوري مدعومًا بسلاح الجو الروسي، والميليشيات الأجنبية الممولة من إيران يشنون هجومًا بريًا وجويًا على عدة محاور في محاولة لاستعادة السيطرة على المنطقة.

حسب قياديين في المعارضة السورية المسلحة فإن النظام يسعى من خلال فتح جبهة ريف اللاذقية الشمالي لتشتيت قوات المعارضة بعدما وضعت ثقلها العسكري لوقف هجمات ريف حماة الشمالي

الأمم المتحدة.. العمليات العسكرية تهدد حياة 180 ألف مدني

قالت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية روزماري دي كارلو أمس الجمعة خلال جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي بطلب من ألمانيا وبلجيكا والكويت، لبحث أخر التطورات العسكرية في شمال غرب سوريا، إن الهجوم يهدد بتشريد أكثر من 180 ألف شخص في حال استمر التصعيد العسكري في المنطقة، مشددًة على أن تواجد هيئة تحرير الشام (هتش) في المنطقة لا يبرر تعريض حياة ثلاثة ملايين مدني للخطر.

اقرأ/ي أيضًا: إدلب من جديد.. هل سيكرر الأسد "جحيم" حلب؟

ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 436 مدنيًا منذ 30 نيسان/أبريل الفائت حتى منتصف أيار/مايو الجاري، مضيفًا أنه منذ بدء قوات النظام السوري بدعم من سلاح الجو الروسي قبل 26 يوم تصعيدها العسكري في المنطقة، وثق مقتل ما يزيد على 580 مدنيًا، وكان النظام السوري قد وسع نطاق تصعيده العسكري ليشمل ريف إدلب الجنوبي، وريف اللاذقية الشمالي، بعدما تمكن من السيطرة على مجموعة قرى في ريف حماة الشمالي حيثُ أصبح قريبًا من نقطة المراقبة التركية في المنطقة.

وبحسب قياديين في المعارضة السورية المسلحة فإن النظام السوري يسعى من خلال فتح جبهة ريف اللاذقية الشمالي لتشتيت قوات المعارضة بعدما وضعت ثقلها العسكري لوقف هجمات النظام على ريف حماة الشمالي، فقد تمكن النظام السوري من السيطرة على قلعة المضيق وبلدة كفرنبودة والقرى المحيطة بها قبل أيام، ويحاول السيطرة على بلدة الهبيط بريف إدلب التي تسمح بفتح طريق باتجاه عمق محافظة إدلب.

نزوح عشرات الآلاف من المدنيين هربًا من الموت

ذكر فريق منسقي استجابة سوريا المؤلف من مجموعة ناشطين يعملون في المجال الإنساني في شمال غربي سوريا، أنه وثق نزوح أكثر من 228 ألف مدني من مناطق أرياف حماة وإدلب منذ 29 نيسان/أبريل الفائت حتى 9 أيار/مايو الجاري، مشيرًا إلى أن عشرات الآلاف نزحوا نهاية العام الماضي، كما نزح ما يزيد على 214 ألف مدني منذ شباط/فبراير حتى نيسان/أبريل الفائت.

وعبر حسابه الرسمي في تويتر كتب الدفاع المدني السوري أول أمس الخميس تحت عنوان "نعم إنها الهجرة للمكان المجهول"، مضيفًا في تغريدته التي يشرح فيها أحوال نزوح العائلات من منازلهم في مدينة خان شيخون بريف إدلب: "لم يبق في المدينة أي شيء حي.. إخلاء عشرات العوائل في خان شيخون قبل قليل، جراء الهجمات العنيفة التي تتعرض لها المنطقة بصواريخ الطائرات الحربية والبراميل المتفجرة، الى مناطق أقل خطرًا".

وفي تقرير لها يعكس حجم تدهور الأوضاع الإنسانية والطبية في المحافظة، نقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن أحد الأطباء الجراحين المتواجدين في مدينة إدلب أنه إذا استمر النظام السوري مصحوبًا بسلاح الجو الروسي بقصف المدنية فإن الكوادر الطبية لن تتمكن من مواصلة عملها، فقد دمر القصف الجوي 12 مستشفى وعيادة طبية في المنطقة، ويوم الأحد الماضي تعرضت إحدى المستشفيات في بلدة حاس بريف إدلب للقصف بعد يوم واحد من إخلاء الموظفين لها.

وتشهد المناطق الأقل تصعيدًا قرب الحدود مع تركيا موجة نزوح كبيرة من المناطق القريبة من خطوط الجبهات، حيث نصبت عشرات العائلات خيامًا مؤقتة بربط ملاءات بين الأشجار، بينما نام الأطفال الرضع تحت شباك واقية من البعوض معلقة من الأفرع. وكان أحد الملاجئ مزودًا بموقد للطهي، بحسب تقرير أعدته وكالة رويترز يرصد الأوضاع الإنسانية في المنطقة.

النظام السوري.. مصالح اقتصادية وميدانية

يظهر من ارتفاع وتيرة التصعيد العسكري الذي تشهده المنطقة الآمنة في شمال سوريا وجود خلاف واضح بين الدول الضامنة لاتفاق خفض التصعيد المبرم في أيلول/سبتمبر الماضي، حيث أكدت معظم التقارير الصحفية أن التصعيد الأخير الذي تشهده المنطقة هو الأعنف منذ 15 شهرًا، ما يدل على أن المنطقة قد تشهد تبدلًا في توّزع خارطة القوى العسكرية على الأرض، وهو بالفعل ما يحصل مؤخرًا بعد تقدم النظام السوري إلى مواقع جديدة كانت تسيطر عليها المعارضة السورية.

في هذا السياق، أشار تقرير لصحيفة نيزافيسيمايا غازيتا الروسية إلى أن النظام السوري مدعومًا بالقوات الروسية يرمي من وراء المرحلة الأولى من العملية العسكرية للسيطرة على ريف حماة الشمالي، الذي يخضع لسيطرة هيئة تحرير الشام (هتش) المدرجة على لائحة المنظمات الإرهابية في سوريا، وكان أبو محمد الجولاني القائد العام لهتش قد قال في مقابلة مصورة نشرت الأسبوع الماضي إنه أعلن "وفاة كل الاتفاقيات والمؤتمرات السابقة ومن كان يرعاها أو يشارك فيها"، لأنها أظهرت أن "الاعتماد.. على القوة العسكرية فقط".

ويتخذ النظام السوري وموسكو من تواجد هتش في محافظة إدلب ذريعة للتصعيد العسكري الأخير، حيثُ تقوم حكومة الإنقاذ الموالية لهتش بالإشراف على القطاعات المدنية والخدمية في المدينة، فيما تتولى هتش المهام العسكرية والأمنية، وشهدت المنطقة خلال الأشهر الأخيرة اعتقال واغتيال مجموعة من النشطاء السوريين الذين انتقدوا انتهاكات التنظيم خلال الأعوام السابقة.

وتعليقًا على التصعيد الأخير في إدلب تحت ذريعة تواجد هيئة تحرير الشام بها، كتب دانيال غيرلاخ مقالًا في موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ينتقد فيه دور المراقبين الدوليين في التعاطي مع قضية إدلب، ومذكرًا بأن مجتمعها أثبت مرارً وتكرارًا خلال الأعوام الماضية "عكس الصورة النمطية التي تعتبره متطرفًا"، مشيرًا لانتفاضة النشطاء المدنيين والمجتمع الإدلبي عدة مرات في وجه المجموعات الجهادية التي "فشلت في كسب قلوب السكان وعقولهم" وهو السبب الذي وضع المحافظة في موقف صعب.

ويسعى النظام السوري من خلال توسيع رقعة سيطرته في المنطقة إلى السيطرة على طريق كلس – حماة، أي الطريق الدولي حتى معبر نصيب على الحدود الأردنية كما يرى مراقبون، كما أن تقارير منفصلة تحدثت عن أن النظام السوري يسعى للسيطرة على مدينة جسر الشغور بريف إدلب التي تملك طريقًا يصلها بريف اللاذقية الشمالي الخاضع لسيطرة المعارضة السورية، وذلك لحماية القواعد العسكرية الروسية المتواجدة على سواحل المتوسط، والسيطرة على الطريق الذي يريط بين الساحل السوري ومدينة حلب.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: اتفاق إدلب.. فرص النجاح وتحديات التنفيذ

لكن أنقرة تعتبر أن التصعيد الروسي الأخير ناجم عن استشعار موسكو ملامح تفاهمات حول القضية السورية بحسب ورقة تحليلية نشرتها وكالة الأناضول التركية، مشيرًة إلى أن وضع اللمسات الأخيرة للتفاهم الأمريكي – التركي قد يدفع روسيا إلى شن عملية واسعة في المحافظة، رغم وجود تحذيرات دولية من مغبة اتخاذ هذه الخطوة في ظل احتضان إدلب لأكثر من ثلاثة ملايين نسمة.

يتخذ نظام الأسد وموسكو من تواجد هتش في محافظة إدلب ذريعة للتصعيد العسكري الأخير، وللضغط على المجتمع الدولي أو على الجهات الفاعلة في الملف السوري

وكان نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي فيرشينين قد صرح في وقت سابق أن التصعيد العسكري في إدلب جاء بعد التنسيق مع الجانب التركي فيما يتعلق بتنفيذ مذكرة 17 أيلول/سبتمبر الماضي، وطالبت منظمة العفو الدولية أمس الجمعة مجلس الأمن بالضغط على روسيا لوقف القصف "المتعمد" الذي تشنه قوات النظام ضد المستشفيات، واصفًة عمليات القصف بأنها "جريمة حرب".

 

اقرأ/ي أيضًا:

حروب الإخوة الأعداء.. صراع المفاهيم في ريف إدلب

بعد مئات الغارات الجوية.. لماذا أوقف النظام السوري هجومه الأخير على إدلب؟