13-فبراير-2024
سفينة شحن تجارية في البحر الأحمر (الأناضول)

سفينة شحن تجارية في البحر الأحمر (الأناضول)

يبدو أن هجمات الحوثيين على سفن الشحن التجارية في البحر الأحمر وباب المندب، ردًا على العدوان الإسرائيلي على غزة، بدأت تلقي بظلالها على حجم التجارة العالمية.

وفي هذا الإطار، نشر موقع "فاينانشيال إكسبرس" تقريرًا عن الأزمة الجيوسياسية في المنطقة، قال فيه: لفهم ما يحدث، يحتاج المرء إلى معرفة أن اليمن استعمرته قوى إمبريالية مختلفة بما في ذلك بريطانيا لفترة طويلة جدًا. ومؤخرًا، أعادت الولايات المتحدة تصنيف الحوثيين على أنهم "منظمة إرهابية" في أعقاب إطلاقهم وابلًا من الصواريخ على "إسرائيل" ردًا على الإبادة الجماعية في غزة، ودعمًا للمقاومة الفلسطينية.

وهذه المجموعة التي ظهرت في اليمن في تسعينيات القرن الماضي، كقوة مقاومة مناهضة للاستعمار والإمبريالية، تسيطر حاليًا على غالبية الأراضي اليمنية، بما في ذلك العاصمة صنعاء، وتدير الحكومة الفعلية في اليمن. ويعيش معظم اليمنيين في المناطق التي تسيطر عليها، فهم يجمعون الضرائب ويطبعون الأموال. إنهم جزء من المجموعة التي يطلق عليها في الشرق الأوسط "محور المقاومة".

يهدد الصراع في البحر الأحمر، والاضطرابات المتصاعدة في المنطقة بسبب الحرب على غزة، بتأثيرات مدمرة على الاقتصاد العالمي

وأعلن الحوثيون استهدافهم السفن التي تملكها أو ترفع علمها أو تشغلها "إسرائيل"، أو التي تتجه إلى الموانئ الإسرائيلية، وكذلك التي تبحر منها. واستخدمت مجموعة من الأسلحة المتطورة، بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيّرة، في هجماتهم على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر لدعم المقاومة الفلسطينية في حربها مع "إسرائيل".

ويقول الحوثيون كذلك إن هجماتهم على السفن التجارية والحربية ذات العلاقة المحتملة مع "إسرائيل"، تهدف في المقام الأول إلى الضغط على الأخيرة لوقف الإبادة الجماعية في غزة.

وفي 18 تشرين الثاني/نوفمبر، استولت الجماعة اليمنية على سفينة شحن لإثبات تصميمها على أهدافها. بينما يفلت الجيش الإسرائيلي، حرفيًا، في ارتكاب الإبادة الجماعية بغزة، فإن مهمة لفت الانتباه إلى هذه الحقيقة وقعت على عاتق الآخرين.

وأوضح المتحدث باسم جماعة "أنصار الله"، محمد عبد السلام، أنه: "ليس هناك تهديدًا للملاحة الدولية في البحر الأحمر والخليج العربي، وسيستمر الاستهداف في التأثير على السفن الإسرائيلية أو تلك المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة".

وأشار التقرير إلى  أنّ  "أنصار الله" و"حزب الله" هما حركتا المقاومة الرئيسيتان اللتان اتخذتا موقفًا واضحًا من الحرب الإسرائيلية على غزة، ودعم "حركة حماس". وتجرأتا على قول الحقيقة حول معاناة الفلسطينيين، والوقوف إلى جانبهم.

وعندما اتخذ اليمنيون موقفًا متحديًا ضد "إسرائيل"، دفعوا الولايات المتحدة "تلقائيًا" لدعم "إسرائيل"، وبدأت الأمور تتغير فجأةً. فأي معارضة مسلحة ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، تدفع لرد عسكري أمريكي لدعم "إسرائيل". وهذا يعني تلقائيًا قتالًا ضد الولايات المتحدة.

وفي 12 كانون الثاني/يناير، أطلقت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عملية بحرية، ردًا على الهجمات التي استهدفت السفن المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر، وقصفت مواقع متعددة في جميع أنحاء اليمن.

وبحسب "فاينانشيال إكسبرس"، فإن هذه الهجمات الأمريكية والبريطانية على اليمنيين لها أجندة أوسع بكثير، كما ستساعد "إسرائيل" على مواصلة تحدي حكم محكمة العدل الدولية الذي يطلب منها وقف الإبادة الجماعية في غزة.

وترسل هذه الهجمات أيضًا رسالة واضحة إلى "إسرائيل" مفادها أن الحلفاء الأمريكيين والأوروبيين سيواصلون الوقوف إلى جانبها مهما فعلت، بما في ذلك ارتكاب إبادة جماعية للفلسطينيين في غزة. ويُعتبر رفض جميع الدعوات لوقف لإطلاق النار هو الدليل الأكثر وضوحًا على ذلك.

في المقابل، أكد الموقع أن الوضع في البحر الأحمر تفاقم بشكل خطير للغاية بعد الهجمات التي قادتها الولايات المتحدة على اليمن، كما يتضح من البيان الذي أدلى به الأمين العام لقسم النقل الدولي واللوجستيات في غرفة تجارة القاهرة، عمرو الصمدوني، في 2 كانون الثاني/يناير 2024، حيث قال إنّ: "التوترات التي تشهدها منطقة البحر الأحمر بسبب جماعة أنصار الله لم تؤثر بشكل كبير على الملاحة في قناة السويس"، في حين أنّ "إسرائيل" بدأت تتأثر بذلك، فالتجارة البحرية معطلة، وتوقفت حركة المرور عبر ميناء إيلات الجنوبي، الواقع في المدينة التي تعد أيضًا مقصدًا سياحيًا، ويبدو المستقبل المنظور غير مؤكد مع احتدام الحرب.

وفي الوقت نفسه، تواصل سفن الحاويات الصينية المرور عبر قناة السويس دون أي عوائق. والآن، بسبب الهجمات الأمريكية على اليمن وردها العسكري على تلك الهجمات الأمريكية والهجمات المستقبلية المحتملة، قامت العديد من أكبر شركات الشحن في العالم بتحويل سفنها بعيدًا إلى طريق أطول بكثير حول رأس الرجاء الصالح في إفريقيا، ثم إلى الساحل الغربي منها.

ووفقاً لشركة "SNP Global Market Intelligence"، فإن ما يصل إلى 15% من البضائع المستوردة إلى أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتم شحنها من آسيا والخليج عن طريق البحر. ويشمل ذلك 21.5% من النفط المكرر، وأكثر من 13% من النفط الخام. كما تضم القائمة جميع أنواع السلع الاستهلاكية، مثل الإلكترونيات والملابس والأحذية.

وبسبب الوضع المتدهور في المنطقة، تلتف السفن عبر رأس الرجاء الصالح، وهو ما يضيف حوالي 20 يومًا لمدة شحن البضائع إلى الموانئ الأوروبية. وينعكس ذلك بالفعل على انخفاض حجم التجارة المجمعة في أوروبا.

كما تظهر مؤشرات التجارة الصادرة عن معهد "كايل للاقتصاد العالمي" لشهر كانون الأول/ديسمبر، أن الصادرات من الاتحاد الأوروبي والواردات إليه انخفضت بنسبة 2% و3.1% على التوالي. ويضيف التقرير أن الولايات المتحدة شهدت انخفاضًا بنسبة 1.5% في الصادرات وانخفاضًا بنسبة 1% في الواردات، على الرغم من أن طريق قناة السويس يلعب دورًا أقل بكثير بالنسبة للولايات المتحدة مقارنةً بأوروبا.

بدأت هجمات الحوثيين على سفن الشحن التجارية، في البحر الأحمر وباب المندب، تُلقي بظلالها على حجم التجارة العالمية

وأشار المعهد إلى أن التجارة العالمية انخفضت بنسبة 1.3% في الفترة من تشرين الثاني/ وفمبر إلى كانون الأول/ديسمبر 2003، نتيجة للهجمات في البحر الأحمر، كما انخفض حجم الحاويات المنقولة عبر البحر الأحمر بأكثر من النصف اعتبارًا من كانون الأول/ديسمبر، ويبلغ حاليًا ما يقارب من 70% من الحجم المتوقع عادةً.

ولفت الموقع إلى أنه من المتوقع أن تتكبد أوروبا ودول منطقة البحر الأبيض المتوسط أكبر الخسائر إذا استمرت الهجمات التي تقودها الولايات المتحدة على اليمن. ومن المرجح أن يستمر الوضع على المدى الطويل، حيث تأثرت العديد من السفن التي تنقل البضائع من وإلى تلك البلدان.

ونقل الموقع عن صحيفة "فاينانشال تايمز" تخليصها للوضع الحالي في البحر الأحمر بالقول: "قد لا تؤثر الهجمات في البحر الأحمر على العولمة كثيرًا، لكنها تمثل تذكيرًا بأن التجارة العالمية في الوقت الحالي لا تزال تعتمد على الولايات المتحدة كقوة عظمى عسكرية لا يمكن التنبؤ بمواقفها الجيوسياسية، مثل دعمها لإسرائيل، التي هي نفسها مصدرًا لانعدام الأمن".

وقد حذّر البنك الدولي بالفعل من أن الأزمة تهدد الآن بالتأثير على أسعار الفائدة المرتفعة، وانخفاض النمو، والتضخم المستمر، وزيادة عدم الاستقرار الجيوسياسي.

يختم التقرير بالقول إنّ: "الصراع المطول في البحر الأحمر والاضطرابات المتصاعدة في الشرق الأوسط يهددان بتأثيرات مدمرة ليس فقط في أوروبا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، بل وأيضًا على الاقتصاد العالمي".