13-فبراير-2024
دمار في غزة

(Getty) يوصف الوضع في الشرق الأوسط بأنه الأخطر منذ عام 1973

قالت صحيفة "إل باييس" الإسبانية، الإثنين، إن عالمنا يواجه سيناريوهات حروب تُعد الأسوأ منذ نصف قرن. ففي الوقت الذي تتواصل فيه الحرب في أوكرانيا وقطاع غزة، وهما حربان لهما أهمية جيوسياسية هائلة بحسبها، تتزايد المخاوف بشأن التوتر المتصاعد بين الجارتين الكوريتين، وكذلك الأمر بين الصين وتايوان، حيث فاز مرشّح الحزب الذي تعارضه بكين بالانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة على التوالي.

وأشارت الصحيفة في تقرير مطوّل إلى أن ما يميّز هذه السيناريوهات الكارثية هو أن الصراع سيكون بين القوى الكبرى والمتوسطة، وهو صراع لم نشهد مثله منذ عدة عقود. وقد تضمّن التقرير تصوّرات عدد من الخبراء بشأن مستقبل التوترات الثلاثة السابقة.

أوروبا والحرب بين أوكرانيا وروسيا

ولفتت الصحيفة الإسبانية إلى تصاعد مخاوف القادة السياسيين والعسكريين الأوروبيين من خطر تمدّد حدود الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى أوروبا الغربية، وذلك في وقت يتأرجح فيه الدعم الأمريكي لكييف بشكل يعزّز من موقف موسكو. كما تتزايد المخاوف من عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ما يهدِّد بتفاقم التوترات داخل حلف شمال الأطلسي.

وصفت صحيفة "إل باييس" الإسبانية الوضع في الشرق الأوسط بأنه الأكثر خطورة منذ عام 1973 على الأقل

واستشهدت بتصريحات عدد من المسؤولين بينهم وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، الذي قال في مقابلة أُجريت معه مؤخرًا: "علينا أن نأخذ في الاعتبار أن فلاديمير بوتين قد يهاجم إحدى دول الناتو في يوم من الأيام". وبينما رجّح أن يتم ذلك خلال فترة 5 إلى 8 سنوات، قلّص وزير الدفاع الدنماركي، ترويلز لوند بولسن، تلك الفترة إلى 3 – 5 سنوات. فيما أعرب وزير الدفاع المدني السويدي، كارل أوسكار بوهلين، عن اعتقاده بأن تكون هناك حرب في السويد.

وأوضح سيرجي رادشينكو، مؤرخ متخصص في الحرب الباردة وأستاذ في كلية الدراسات الدولية بجامعة جونز هوبكنز، لـ"إل باييس"، أن الغرب يأخذ هذا الاحتمال على محمل الجد بشكل متزايد، لافتًا إلى أن تصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين الأوروبيين هي محاولة لمنع حدوث ذلك، وأنه بالإمكان تجنّب الصراع إذا كانت أوروبا مستعدة له، إذ إن روسيا في عهد فلاديمير بوتين دولة تسعى: "إلى استغلال الضعف. الضعف يدعو إلى العدوان والقوة تردعه"، بحسب رادشينكو.

وبينما أشار إلى أن هدف بوتين من حربه يتمثّل في: "استعادة مكانة روسيا كقوة عظمى"، واستخدام هذه المهمة لإضفاء الشرعية على وجوده؛ أكد أن أوروبا لا تملك ما يردع روسيا إذا لم تضمن دعم الولايات المتحدة لها، ذلك أنها ليست جبهة موحدة، وقواتها المسلحة مجزّأة، وغير معتادة على القتال. والأهم من ذلك عدم وجود وحدة سياسية. لذا، يرى أن أوروبا لا تستطيع المضي قدمًا كقوة موحدة إذا تخلى الأمريكيون عن موقعهم القيادي.

وأمام ما سبق، قالت الصحيفة إن الحرب في أوكرانيا تمر بمرحلة معقدة في ظل معاناة كييف من نقص الإمدادات. وأكدت أنه من المحتمل أن تكون التوقعات بشأن مستقبل الحرب أكثر إشكالية، ذلك أنها: "تحدي استراتيجي رئيسي للعالم وتهديد وجودي لأوروبا".

الشرق الأوسط

وصفت الصحيفة الإسبانية الوضع في الشرق الأوسط بأنه الأكثر خطورة منذ عام 1973 على الأقل، ذلك أن تداعيات الحرب على غزة امتدت لتشمل 10 دول على حد قولها، ما يرفع من حدة التوتر الذي أكدت أن مصدره الأول هو الحرب على غزة، أو "الصراع بين حماس وإسرائيل" وفق تعبيرها. أما الثاني، فهو صراع النفوذ بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" من جهة، وإيران وميليشياتها من جهة أخرى.  

وبينما يبذل الوسطاء جهدهم للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، الذي وصفت الصحيفة المعاناة الإنسانية فيها بأنها "مدمّرة"، يرفض رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وقف الحرب لأن لديه: "مصلحة راسخة في مواصلة القتال".

وقال هيو لوفات، خبير شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لـ"إل باييس"، إن هناك: "شعور واسع النطاق في إسرائيل بأنه بمجرد انتهاء الأعمال العدائية، فإن ولاية نتنياهو ستنتهي أيضًا". كما لفت هنا إلى أن نتنياهو، حتى قبل الحرب، كان زعيمًا مثيرًا للانقسام، ويواجه انتقادات بسبب قضايا فساد، إلى جانب ترويجه لإجراءات يعتقد العديد من الإسرائيليين أنها تضر بالديمقراطية.

وأشار إلى أن الحرب في غزة تؤدي إلى تصعيد إقليمي، أو تفاقم ذلك الذي كان موجودًا قبل اندلاعها. ومع أن "إسرائيل" وإيران و"حزب الله" أكدوا عدة مرات أنهم لا يريدون حربًا إقليمية، وقاسوا أفعالهم لتجنبها: "ولكن إذا استمرت الأزمة في غزة، فإن المخاطر ستزداد لعدة أسباب (...) وهناك خطر متزايد للتصعيد غير المقصود، ومن المرجح أن الهجوم على القاعدة الأردنية الذي أسفر عن مقتل جنود أمريكيين لم يكن يهدف إلى تحقيق هذه النتيجة"، بحسب لوفات.

وأضاف: "في رأيي، نحن بالفعل في حرب إقليمية، لكنها حرب تم احتواؤها إلى حد كبير ومنخفضة الشدة، مع هجمات محسوبة. ولكن طالما استمرت الحرب في غزة، فإن خطر التصعيد الكامل وغير المنضبط سينمو حتى لو كان القليلون هم من لهم مصلحة فيه".

تأخذ دول أوروبا الغربية احتمال تمدّد الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى حدودها على محمل الجد

وأكدت الصحيفة الإسبانية أن العملية العسكرية المرتقبة على مدينة رفح المكتظة بالنازحين، على الحدود مع مصر، قد تتسبب في إلحاق أضرار جسمية بالمدنيين وزيادة زعزعة استقرار الوضع الجيوسياسي.

شرق آسيا

أما بالنسبة إلى شرق آسيا، فقالت الصحيفة إن الوضع هناك هو الأكثر خطورة منذ الخمسينيات، سيما بعد تخلي كوريا الشمالية عن هدفها التقليدي المتمثّل في إعادة التوحيد السلمي مع الجنوب، بينما تواصل تطوير ترساناته، خاصةً الأسلحة النووية.

ولفتت الصحيفة إلى أن البعض في شرق آسيا (الصين وكوريا الشمالية) قد يجد في تورط أمريكا في أوكرانيا والشرق الأوسط فرصة لاتخاذ خطوة ما. وقالت ميا نوينز، وهي باحثة متخصصة في شؤون الصين وشرق آسيا، للصحيفة: "أجد تصريحات كيم جونغ أون مثيرة للقلق بشكل خاص".

وأضافت أن الزعيم الكوري الشمالي: "قد يرغب في مرحلة ما في المغامرة في عملية صنع القرار (...) أعتقد أنه سيطور هذا العام قدرات دفاعية جديدة. هل هذا تحضير لهجوم عسكري؟ أو تحديد موقع استراتيجي للحصول على مزيد من النفوذ قبل 2025 وعودة ترامب المحتملة؟ أعتقد أن الخيار الأخير هو الأرجح".

أما بالنسبة للصين، فعلى الرغم من التطورات الإيجابية الأخيرة بينها وبين الولايات المتحدة، ومحاولاتهما إنشاء قنوات تواصل وحوار، لكن هذا النهج بحسب الصحيفة ضيق للغاية، بينما ترى نوينز أن: "الاستقرار هش للغاية ويمكن أن تخرجه أحداث غير متوقعة عن مساره".

وأشارت إلى أن الجيش الصيني: "في الوقت الحالي، ليس في حالة مستقرة جدًا، على الأقل فيما يتعلق بمزاعم الفساد داخل القوة الصاروخية والتغييرات اللاحقة في القيادة العليا والقوات المسلحة، واختفاء القادة، مثل وزير الدفاع السابق".

واختتمت "إل باييس" تقريرها بالقول إن هذه هي الصورة، أما المجهول فهو كيف يمكن أن يؤثر وصول ترامب إلى السلطة عليها.